محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 1902 - 2007 / 5 / 1 - 13:02
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
العمل : قيل عنه في الأساس , أنه عبادة , ولكن قد يكون العمل عبادة من أسمي وأشرف العبادات , حينما يكون هذا العمل بعيداً عن دائرة القهر والعسف والإستغلال !!
فهل يصح أن تكون هناك عبادة بالقهر؟!!
وهل يجوز أن تكون هناك عبادة بناؤها الظلم والإستغلال ؟!!
وهل من الممكن أن نصور العمل في الوقت الراهن علي أنه من أساسيات بناء الدول الحديثة , والنهوض بالمجتمعات , وتحقيق الوفرة الإقتصادية في الطعام والكساء , والدواء , وإقامة الأبنية والمساكن , وتحقيق عالم الرفاهة , بأيدي عمال وصناع وزراع , سيوف الظلم والقهر والإستغلال مسلطة علي رقابهم , ولايحصلوا علي أقل القليل من عوائد أعمالهم , ويعود فائض العمل عوداً غير حميداً إلي جيوب الرأسماليين الجشعين , أصحاب روؤس الأموال , التي تكدست أموالهم , وتضخمت ثرواتهم , علي حساب مجهود وعرق العمال الذين بزيادة ثراء أصحاب العمل , يزداد فقرهم , ومرضهم ؟!!
إن مجتمعاً يزخر بهذه الفوائض المالية , والثروة العقارية الناتجة عن فائض القيمة من أجور العمال ومجهودهم وعرقهم , الذي يصب في نهاية المطاف في مصب نهر أرباب الأعمال , ليحققوا لأنفسهم وذواتهم مجتمع الرفاهية الناتج من فوائض قيمة العمل من عمال في القطاع الخاص , أو القطاع العام الذي لايحقق أي مساواة في الدخول الناتجة من العمل الوظيفي لحساب وظائف ومهن , وأعمال علي حساب وظائف , ومهن , وأعمال اخري , أو عمال أجراء , باليومية الغير منتظمة , فهذا لاشك مجتمع مريض , تزداد أمراضه التراكمية علي فترات زمنية حتي يتحول الوحش الكامن داخل أنفس العمال المستشعرين بالفقر والظلم , والمرض , إلي وحش كاسر مدمر للمجتمع بأسره , من خلال العمال أنفسهم , وأبنائهم الذين يستشعرون الإغتراب في المجتمع الذي يعيشون فيه , ومدي الشعور بالفوارق الطبقية , المتبدية في أسلوب الحياة بوجه عام , بداية من السكن , والنظام الغذائي , والنظام التعليمي , حتي تتبدي هذه الفوارق الإجتماعية في الزي والملابس , والأحذية , في أبسط الصور , ويأتي كل عام بالإحتفالية المكذوبة بعيد العمال المكذوب , في أجواء من النفاق الدولي , وغش وغدر وخيانة الحكومات الممالئة لأنظمة إستعباد العمال بصور جديدة لم تكن مألوفة في الماضي , ولكن مازال الإستعباد ونظام الرق كائن يستشعر به المغتربون في أوطانهم , والمغتربون داخل أنفسهم , من العمال المطحونين بقوانين الخصخصة , وبيع القطاع العام , والعولمة !!
فماذا عن أطفال العمال , الذين يقعوا تحت وطأة الإستغلال والجشع والطمع من أرباب الأعمال علي مستوي دول العالم , فهل الأطفال يحتفلوا مع آبائهم بعيد العمال كل عام ؟!!
أعتقد أن المشهد مأساوي , حينما يخرج العامل للعمل , وفي نفس التوقيت يخرج صغاره للعمل , ويعودوا معاً منهكي الصحة , ومعتلي البدن , ومشحنة نفوسهم بالقهر والألم , من مجتمع لايقدر قيمة الإنسان , ولايحترم قيم الإنسان العليا , فكيف تستقيم الحياة السوية الكريمة لمجتمع من المجتمعات , يكون هذا هو حال العمال وأطفالهم ؟!!
إن مايوجع القلب , ويؤلم النفس ماورد في دراسة لمنظمة العمل الدولية جاء بها تحت عنوان :
"الاستثمار في كل طفل: دراسة اقتصادية للتكاليف والفوائد المترتبة على القضاء على عمالة الأطفال"، هي أول تحليل متكامل يتم القيام به لتكاليف وفوائد القضاء على عمالة الأطفال في شتى أنحاء العالم.
وقالت الدراسة إن عمالة الأطفال يمكن أن يتم القضاء عليها واستبدالها بالتعليم العام بحلول العام 2020 بتكلفة مقدارها 760 ألف مليون دولار. وقالت إن من شأن توسيع التعليم إلى سن الرابعة عشرة أن يؤدي إلى ارتفاع إضافي في الدخول المستقبلية السنوية بنسبة 11 في المئة وإن الفوائد الكلية من القضاء على عمالة الأطفال تقدر بمبلغ 5.1 تريليون دولار.
وذكرت الدراسة أن معدل التكاليف السنوية لمجهودات القضاء على عمالة الأطفال سيكون أقل بكثير من تكاليف القوات المسلحة أو تسديد فوائد الديون المستحقة.
وقد قدرت منظمة العمل الدولية بان هناك حوالي مئتين وخمسة وأربعين مليون طفل يعلمون حول العالم. وقالت إن واحدا من كل ثمانية من هؤلاء الأطفال يعملون في ظروف تعرضهم للخطر الجسدي والعقلي والأخلاقي.
وقال البيان إن التقرير قد استعان بتقارير ميدانية مفصلة من البرازيل، والسنغال، وكينيا، وتنزانيا، وأوكرانيا، وباكستان، ونيبال والفلبين إضافة إلى بيانات من 24 بلدا إضافيا.
وفي ما يلي نص البيان الذي أصدرته منظمة العمل الدولية بهذا الخصوص:
(بداية النص)
دراسة جديدة أجرتها منظمة العمل الدولية تقول إن المنافع الاقتصادية ستتحقق من وراء القضاء على عمالة الأطفال تفوق التكاليف التي تترتب على هذا الإجراء
يوم الثلاثاء 3 شباط / فبراير 2004
جنيف ( أخبار المنظمة ) - - دراسة جديدة أجراها مكتب العمل الدولي تقول إن فوائد القضاء على عمل الطفل ستفوق ما تكلفه هذه العملية سبع مرات، أي أنها تقدر بـ 5.1 تريليون دولار أميركي في الاقتصاديات الانتقالية والنامية، حيث تُوجَد معظم عمالة الأطفال .
ليس هذا فقط، بل إن الدراسة التي أجراها البرنامج الدولي التابع للمنظمة حول القضاء على (ظاهرة) عمالة الأطفال تشير إلى أن عمل الأطفال الذي يشمل واحدا من كل ستة أطفال في العالم، يمكن القضاء عليها وإحلال التعليم العام محلها بحلول العام 2020 بتكلفة إجمالية تقدر بـ 760 ألف مليون دولار أميركي.
وقال مدير عام المنظمة إيلو وان سومافيا إن السياسة الاجتماعية الجيدة هي أيضا سياسة اقتصادية جيدة. وإن القضاء على عمالة الأطفال سيعود بمردودات استثمارية ضخمة، وسيكون له تأثير لا يقدر بثمن على حياة الأطفال والعائلات.
وهذه الدراسة، بعنوان "الاستثمار في كل طفل": دراسة اقتصادية للتكاليف والفوائد المترتبة على القضاء على عمالة الأطفال" هي أول تحليل متكامل يتم القيام به لتكاليف وفوائد القضاء على عمالة الأطفال في شتى أنحاء العالم. إنها تقارن بين التكاليف والفوائد، ليس بهدف تبرير القيام بالقضاء على عمالة الأطفال والذي سبق وأن طالبت به المنظمة في ميثاقيها رقم 138 و182 ولكن بهدف فهم الدلالات الاقتصادية والالتزامات الدوليةهذه.
وتقدر منظمة العمل الدولية أن حوالي 246 مليون طفل يعملون حاليا في شتى أنحاء العالم، 179 مليونا من هؤلاء أي واحد من كل ثمانية أطفال يعملون في ظروف سيئة تعرضهم للخطر الجسدي والعقلي والأخلاقي.
هذا وقد استعملت الدراسة التي أجرتها المنظمة نموذجا من الاقتصاديات النامية والاقتصاديات التي تمر بمرحلة تحول في كافة أنحاء العالم حيث تقول إن المنافع الاقتصادية التي تعود بها عملية مكافحة تشغيل الأطفال على مستوى العالم تتجاوز تكاليفها بمعدل 6.7 إلى 1. إذ إن جميع المناطق في العالم ستحصل على مكاسب كبيرة من وراء قضائها على تشغيل الأطفال، إلا أن المنافع ستتفاوت حيث سيستفيد البعض بشكل أكبر مما يستفيد الآخرون. فمثلا في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ستكون الفوائد هي الأكبر مقابل التكاليف (8.4 إلى 1)، بينما في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ستكون الفوائد هي الأدنى (5.2 إلى 1). أما في آسيا فستكون النسبة 7.2 إلى 1، وفي الدول التي تمر بمرحلة تحول 5.9 إلى 1، في حين ستكون في أمريكا اللاتينية 5.3 إلى 1. وبذلك تبلغ المنافع الاقتصادية العالمية الصافية للبرنامج الافتراضي 2 بالمئة من إجمالي الدخل القومي السنوي الكلي.
حساب التكاليف والفوائد
وحسب ما جاء في دراسة منظمة العمل الدولية فإن القضاء على تشغيل الأطفال هو استثمار في الأجيال القادمة والتزام متواصل بالأطفال اليوم وغدا. ففي السنوات الأولى، من شبه المؤكد أن تتجاوز المردودات التكاليف. ولكن صافي المعاملات الاقتصادية سيتحول إلى إيجابي بشكل مثير، حين تفعل الآثار التي يولدها التعليم والصحة المحسنين فعلها. وبحلول عام 2020 فإن العوائد ستفوق التكاليف، حيث ستخلف منافع سنوية في حدود 60 مليون دولار أميركي.
وقالت الدراسة إنه مقارنة بالتكاليف الاجتماعية الأخرى، فإن معدل التكلفة السنوية للقضاء على تشغيل الأطفال تقل كثيرا عن تكلفة تمويل تسديد الفوائد على الديون أو القوات المسلحة. فمثلا تكلفة سنوية بمعدل 95 ألف مليون دولار أميركي تشكل حوالي 20 في المئة من الإنفاق العسكري الحالي في الدول النامية والدول الانتقالية (التي تمر في طور التحول). أو ما يعادل 9.5 في المئة من تكاليف تسديد ديون الدول النامية البالغة 1 تريليون دولارأمريكي.
وتقول الدراسة إن التكاليف تعد "استثمارا ذكيا" لأنه بمرور كل عام إضافي من الدراسة الناشئة من التعليم العام حتى سن الرابعة عشرة سيسفر عن زيادة مستقبلية إضافية في المداخيل قدرها 11 في المئة في السنة ومن شأنها أن تعود بفوائد عالمية تزيد عن 5 تريليون دولار أميركي. والنسبة للتكلفة، فإن توفير التعليم يمثل تقريبا ثلثي التكاليف الإجمالية.
وتواجه الأسر المتأثرة ببرنامج الدراسة تكلفة رئيسية أخرى. إذ إن التصفية المطردة لتشغيل الأطفال على مدى السنوات العشرين القادمة سوف تحرم العائلات من القيمة الاقتصادية لعمل أطفالها. وتقدر الدراسة مساهمة الأطفال في دخل العائلة بـ 20 في المئة من دخل البالغين. وبتصفية عمل الأطفال ستبلغ تكلفة الفرص عالميا التي تتحملها الأسر 246.8 ألف مليون دولار أميركي.
ولوضع هذا في الاعتبار، فقد أدخلت الدراسة تكاليف برنامج دولي لدعم دخل الأسر الفقيرة التي تلتزم بإرسال أطفالها إلى المدارس، متخذة من برنامج بولسا إسكولا الحالي الناجح في البرازيل نموذجا لها. فقد تكلفت الدراسة ببرنامج مماثل لإعانة الأطفال يقدم تدريجيا على مدى عشرين عاما حيث سيتم تحويل ما بين 60 إلى 80 من متوسط قيمة عمل الأطفال إلى الأسر الفقيرة.
وتقول الدراسة أيضا إن التقدم الحاصل في صحة الأطفال من خلال القضاء على تشغيل الأطفال سيجلب منافع اقتصادية ملموسة حيث تقدر هذه الفوائد عالميا بـ 28 ألف مليون دولار. وبالمقارنة بالفوائد الأخرى فإن هذا المبلغ يعد صغيرا. ولكن صحة الأطفال أمر حيوي لأسباب عديدة تتجاوز المنافع الاقتصادية.
لقد ازدهرت البرامج القومية والإقليمية التي يرعاها مكتب العمل الدولي التابع لمنظمة العمل الدولية والذي بدأ بمشاركة ست دول في عام 1992 وبساهمة من دولة واحدة (هي ألمانيا)، وقد توسع البرنامج ليشمل 80 بلدا وتقوم بتمويله 30 دولة مانحة.
فهل سيظل العالم يسير علي نهج نظرية الرق القديمة في صور وأشكال جديدة ؟!!
وهل سيحدثنا العلماء ورجال الدين في الدول العربية عن قيمة العمل وفضله , في ظل أنظمة تدعي الإنتماء للأديان , وهي ترتع في مراتع الشيطان , بالفساد السياسي , والظلم الإقتصادي , والقهر الإجتماعي , ثم يتم لعن الدول الغربية , في حال أنها تساعد الدول العربية وتدرس مشاكلها , وتهتم بأزماتها , وتسعي لإيجاد الحلول لها ؟!!
وهل سنظل أسري لنظرية الرق والإستعباد في تطبيقات الأنظمة العربية , والسعي لتحريم العدالة الإجتماعية , والعدالة في توزيع الثروات القومية لتلك الدول , علي خلفية الإستبداد السياسي واحتكار الحكم والسلطة , وتحريم الديمقراطية , وتجريم تبادل الحكم والسلطة في ظل مناخ يتيح للإنسان حريته وكرامته داخل حدود وطنه ؟!!
هل من إجابة
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟