|
تعليق على إعلان تجمع اليسار الماركسي في سوريا
مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 1901 - 2007 / 4 / 30 - 11:48
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
كان إعلان تجمع اليسار الماركسي في سوريا واحدا من إعلانات عدة صدرت مؤخرا إعلانات تمكن النظام من تحجيم أغلبها و دفعها إلى الهامش أو فرض العطالة عليها و كان أيضا بالنسبة للكثير من اليساريين الذي أصبحوا خارج التنظيمات اليسارية القائمة و الذين يبحثون عن هوية لهم وسط هذا الجدل السياسي و الفكري و لمن كان يعتبر أن اللحظة الراهنة فكريا و سياسيا تجاوزت أطروحات و ممارسات الأحزاب القائمة بارقة أمل بحالة جديدة لليسار السوري..أبرز ما يجب التهليل له في إعلان اليسار الماركسي هو أن قوى يسارية مختلفة اجتمعت على القبول بحق الاختلاف , اجتمعت على موقف معارض للنظام و موقف مختلف من الديمقراطية , أنها تريد أن تشكل قوة أو تيار يساري يمارس الدور المنوط باليسار في اللحظة التاريخية الراهنة..هناك نقطة أساسية للغاية هي التأكيد على عدم انفصال الاشتراكية و الديمقراطية و ليس فقط مجرد التوافق بينهما كان هذا نتيجة مرة لتجربة الاشتراكية في أوروبا الشرقية و هو أن الاشتراكية يفترض أن تحرر الإنسان في مجمل أوجه نشاطه من كل أنماط القهر و الكبت و الاستغلال و ليس مجرد تحرير بعض ظروف حياته من بعض قوى و عوامل القهر و الاستغلال..هذا لا يعني أن الديمقراطية هي مجرد مدخل لتغيير اجتماعي جذري إنها جوهر هذا التغيير الاجتماعي الجذري..أي أن الإنسان و هو يلقي بقوى القهر و الاستغلال عن كاهله سيتحرر من كل مظاهر الديكتاتورية و الوصاية على فعله الحر أنه سيحطم كل القيود التي عملت على تكبيله و فرض الظلم و القهر عليه مع تحرير ظروف حياته من بطش القوى التي كانت تنتج القهر و الاستغلال و كانت تختفي وراء الاستبداد و الطغيان بكل أشكاله..إن الديمقراطية البرجوازية ليست نظاما بريئا من الإشكاليات أو من التناقضات..إن الديمقراطية البرجوازية هي نظام وصل فيه الإنسان خاصة المقهور إلى مستوى من الوعي و القدرة على الفعل الذاتي المستقل ولدت حالة من التعادل بين قوى التغيير لصالحه و قوى الأمر الواقع لصالح الفئات و الطبقات المستغلة إنه نظام يقوم على توازن هش بين قوى القهر و الاستغلال و قوى التحرر و العدالة , هذا التوازن الذي يتغير باستمرار بحيث أن ما يفقده طرف يكسبه الطرف المقابل بالضرورة و لهذا بالذات فهي تحتاج إلى قوة الدولة القمعية لفرض "النظام" على المجتمع و إن كانت في أكثر صيغها تقنينا للقمع..إن الديمقراطية البرجوازية ليست نهاية التاريخ إنها فاتحة التغيير نحو تحرير الإنسان و المجتمع نحو مجتمع لا يرتهن فيه النشاط الإنساني لمصالح الطبقات السائدة و لذلك فالأغلب أن يكون النظام الديمقراطي هو آخر أشكال الدولة القمعية القهرية المنفصلة عن المجتمع..لكننا اليوم و قبل أن نذوق حلاوة الديمقراطية بحالتها الانتقالية غير الحاسمة فمن الصعب علينا تصور تلك النقائص و ضرورة ذلك الانتقال إلى ديمقراطية مجتمع غير طبقي لا يحتاج إلى سلطة قمعية "لفرض القانون" على طبقاته المقهورة على إنسانه..يتحدث الإعلان عن قوى وطنية ديمقراطية و تقدمية و يقسم الأصوليين إلى قوى منخرطة في العمل السلمي و قوى مقاومة و قوى تكفيرية..إن هذه عين الممارسة الشائعة التي ترى الواقع كما نريد..هنا أظن أنه علينا أن نتجاوز أيضا الموقف السائد من الآخر السياسي و الفكري أن نضع قاعدة القبول بخصومة ليست شريفة كما توصف في استعارة من المنظومة القيمية السائدة بل في منافسة تقبل بمرجعية المجتمع تقبل بمرجعية الإنسان في حسم هذه الخلافات مما سيعيد هذه الخلافات إلى المربع رقم واحد إلى دائرة خدمة المجتمع و مصالحه تردها إلى ساحة الصراع الاجتماعي الفعلي الواقعي..هذه مساومة تاريخية بالفعل لكن ليست على الطريقة الاشتراكية الديمقراطية بل مساومة يستفيد منها المجتمع مجتمع العبيد و المقهورين بحيث تصبح الخطابات السائدة تدور في فلكه لا أن يدور هو في فلكها..علينا أن نقبل بوجود و مجادلة قوى معارضة لمشروعنا لأنها هناك بالفعل لأنها جزء من المشترك الاجتماعي و السياسي و الفكري أساس وجودنا كمجتمع و أساس وجودنا الإنساني أساس انطلاق المشروع الفعلي قوى لا تستحق مجرد القمع و التنكيل لأنها "معادية" قوى تشكل معنا أساس صراع فكري سياسي يدور حول مصالح المجتمع و الإنسان..لا يقمع النظام فقط القوى الوطنية و الديمقراطية فهناك أيضا الأصوليين و التكفيريين و الليبراليين ..لا بد من اكتشاف هذا الآخر و رفضه بشكل واقعي "ديمقراطي" إنساني يراه كما هو لا من منطق العداوة الذي يقود إلى إلغاء الآخر قبل محاورته و مجادلته خصومة تبحث عن هزيمة الخصم سياسيا و جماهيريا ليس ماديا تقر بقبوله كجزء من المشهد الكلي كجزء أساسي من هذا المشهد..إن ما يقنن العنف من حياتنا السياسية و ما يساعد على استئصال الطغيان طغيان أية سلطة على المجتمع هو هذا التبرير المطلوب لخصومة الآخر هذا التمييز بين كينونته كإنسان و بين موقفه السياسي و الفكري..يتعلق بهذا أيضا الموقف من القضية الكردية و ما يثيره كالعادة من خلافات كان أساسها الموقف اللينيني من القوميات و إخضاعه هذا الموقف لمتطلبات السياسة الآنية أي مصلحة الثورة المباشرة..هنا علينا أن نعود بالقضية من جديد إلى المربع الأول إلى المستويين من الحرية الإنسانية التي يبشر بهما اليسار : الآنية التي تبرر أن يذهب الأكراد السوريين إلى حد الانفصال إذا كانت هذه رغبتهم الفعلية و الحرية التي يرى اليسار أن الأكراد لن يحققوها بانفصالهم عن محيطهم العربي مادامت حريتهم الفعلية تعتمد على تحريرهم من كل قوى الاستغلال بما في ذلك التي تحمل ذات الهوية الكردية و أن قضية تحريرهم هي ذاتها قضية تحرير الإنسان العربي و الإيراني و التركي من قوى القمع و القهر و الاستغلال بما في ذلك تلك التي تلبس الزي القومي نفسه..هنا علينا كما أزعم ألا نتنازل أمام السياسي الآني بحثا عن غاية سياسية آنية "لإضعاف الخصوم"..أزعم أننا مطالبين بقبول حرية الأكراد كما يرونها هم في نفس الوقت الذي نؤكد فيه للجماهير الكردية أنهم لن يحصلوا سوى على دولة سيكون عليهم بعد ذلك النضال لتحرير أنفسهم من قهر حكوماتها التي تمثل الطبقات السائدة تماما كحال العرب اليوم في دولنا القائمة على قهر الشعوب..رغم أن اليسار يفترض به أن يكسر أشكال و أنماط العلاقات البطريركية لكننا كنا نحس عمليا أن الحزب الشيوعي بالنسبة لنا هو أسرتنا و كانت النظرة للقيادة نظرة أبوية سهلت لها تغييب القواعد و قيادتها بغيبية تسليمية إن الحزب الشيوعي يبقى اليوم البيت الذي نشعر بالحنين إليه لكننا نشعر بهذا الحنين كرجال يذكرون أيام طفولتهم الساذجة الجميلة بلا شك..إننا اليوم أيضا في حاجة إلى أن ننضج كأفراد و منظمات إلى أن نستعيد نقاء اليسار لكي نكون جديرين بحمل أحلام الإنسان هذا النقاء الذي ضاع وسط ألاعيب السياسة و التعامل مع ابتزاز و ترغيب النظام هذا النقاء الذي فقدناه و نحن نبشر بالستالينية التي أضافت قهرا جديدا عوضا عن أن تشرع بتحرير الإنسان..إننا نريد اليوم هوية جديرة بنا كيساريين و على أطراف هذا الإعلان و غيرها بما في ذلك كل يساري أن يشعر بالمسئولية عن تحويل هذا الإعلان إلى حدث يسهل ولادة هوية يسار جديد جدير برفع قضية تحرير الإنسان
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في قضية الحرية
-
أمام التراجعات و حروب أمريكا و إسرائيل نعم للإنسان
-
اليسار و الإسلاميون
-
في البحث عن طريق التغيير
-
الإنسان و التعذيب بين السلطة و الدين
-
الحرية و الطائفية و كبار الزعماء
-
الآخر
-
النظام و البديل و الديمقراطية
-
السياسة و الفكر مرة أخرى
-
قمة عربية أخرى
-
في شرعية الحاكم المطلق - الملك العضعوض
-
خطاب مدرسة النقل و السلف
-
من دروس الحروب الأهلية
-
رد على مقال الأستاذ زهير سالم : المجتمع المفكر و نظرية المعر
...
-
إلى عبد الكريم سليمان
-
عن تحولات الجسد
-
في حقوقنا كبشر
-
الإنسان و الحرية
-
رأي في الحرب
-
إعادة اكتشاف الصهيونية
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|