أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود الزهيري - عن المرجعية الإسلامية في برامج الأحزاب السياسية المدنية : ملامح أزمة في التصور















المزيد.....



عن المرجعية الإسلامية في برامج الأحزاب السياسية المدنية : ملامح أزمة في التصور


محمود الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 1901 - 2007 / 4 / 30 - 11:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هل فعلاً هناك أزمة ناهضة في التعريف بمفهوم المرجعية الإسلامية , بالنسبة إلي الأحزاب السياسية التي تبغي إنتهاج النهج المدني لا الديني في ممارساتها السياسية عبر أحزاب سياسية مدنية ذات توجه تمتد جذوره إلي المرجعية الإسلامية , وذلك علي إعتبار أن الإسلام المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هما المنبعان اللذان تستقي منهما الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية , وبعيداً عن المفاهيم الدينية العتيقة ذات الصبغة التاريخية وما حملته في الماضي القديم من مفاهيم عدائية وإقصائية للآخر في الدين , بل ومن المنتسبين للدين الواحد علي ظلال من الحاكمية الإلهية المطلقة لله وللرسول في إستقاء مبادئ الشريعة الإسلامية ومن ثم أحكامها علي إعتبار أنها البديل التشريعي للدساتير والقوانين واللوائح والنظم الوضعية ؟!!


وهل المرجعية الإسلامية حينما تتعدد الوجوه التي ترتديها لإضفاء الشرعية الإسلامية علي المشروعية السياسية التي تتداولها أحزاب سياسية عديدة وتجعل من المرجعية الإسلامية أساس لها في برامجها السياسية إستناداً علي مرجعية القرآن والسنة بإعتبارهما المصدرين الرئيسين لهذه المرجعية التي هي في الأساس لها خلفية سياسية متعددة الروافد ومتغيرة المصادر من حيث غائية البحث عن المصلحة التي هي دائماً ماتكون من وراء القصد الفاعل في الحياة السياسية علي خلفية الله والرسول !!

ولكن الأزمة تكمن في تعددية الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية التي تستند إلي المرجعية الإسلامية وذلك حال تخالف هذه الأحزاب مع بعضها في شأن بعض الرؤي السياسية المستندة للمرجعية الإسلامية المستندة للقرآن والسنة كمصدرين رافدين للمرجعية الإسلامية للأحزاب السياسية .

ومن هنا تتبدي ملامح الأزمة من فرضية الإيمان بنص من النصوص المقدسة المنتسبة للمصدرين الرافدين للمرجعية الإسلامية اللذين هما القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة , وذلك في الرؤية والتصور لحل أزمة أو مشكلة من المشاكل أو الأزمات السياسية أو الإجتماعية أو الإقتصادية أو حتي الدينية الصرفة الخاصة بأمور التعبد والطاعات أو الحدود والتعزيرات .

فهل الخلاف حول مفاهيم الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية من خلال تأويل وتفسير النصوص الدينية المقدسة يؤدي حتماً للولوج في أبواب الحرام والحلال والمكروه والمندوب والمباح وإثارة الخلاف حول مفهومية الفرض ومفهومية الواجب , وإثارة الإشكاليات حول مفهوم الكراهة التحريمية والكراهة التنزيهية ثم ترتيب المسائل الفقهية الملتصقة بالفكرة الإسلامية التي ترعي فكرية الحفاظ علي المجتمع من الأفكار الهدامة والمخالفة للفكرة الإسلامية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي هي قائمة علي فرضية قوامة الفرد علي المجتمع وقوامة المجتمع علي الفرد في إطار المرجعية الإسلامية التي تحرض علي مكافحة المنكرات وتنظيف المجتمع المسلم من الموبقات والمخالفات الشرعية التي يتسع نطاقها في التفسير والتاويل لباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي يكون معه المنتسبين للحزب السياسي في مرجعيته الإسلامية في قيادته السياسية في أعلي الهرم الحزبي متساوون مع منهم أعضاء بالإنتساب للحزب فقط في الدور الديني القائم علي الوصاية علي المجتمع والناس بحجة الحفاظ علي المجتمع وحماية هويته الإسلامية حتي يتنفس الناس أنفاس الشارع الإسلامي البعيدة عن الملوثات التي تعكر علي الدين صفوه وعلي المتدينين راحتهم وأفكارهم الإسلامية !!

وهل يمكن أن نقول أن المرجعية الإسلامية الباحثة في الرافدين العظيمين لها وهما القرآن والسنة من الممكن أن تتجنب الخلافات في المسائل الدينية المليئة بها كتب التراث الإسلامي في معظم المسائل الفقهية ؟!!

وهل حملة لواء المرجعية الإسلامية بمكنتهم إستنباط نظرية سياسية إسلامية متسقة مع رافدي المرجعية الإسلامية وهما القرآن والسنة حتي تستقيم هذه المرجعية وتكون خالصة في الفكرة والمنهج والتوجه نحو القرآن والسنة وحتي يمكن أن يقال أن فكرة المشروع الإسلامي الشامل في نظرته للإنسان والكون والحياة بمجملها , أم سيتم تطعيم المرجعية الإسلامية للأحزاب السياسية بأفكار ورؤي وتصورات ونظريات ومناهج من مدارس سياسية متخالفة في روافدها مع المرجعية الإسلامية , ويتم تخليق توليفة إنسانية بشرية يتم تطعيمها بمجمل بعض آيات القرأن الكريم ونصوص السنة النبوية الكريمة حتي يتم الإدعاء بأن هذه المرجعية إسلامية ومصدرها القرآن والسنة بواسطة أصحاب هذه المرجعية السياسية المصطبغة بصبغة إسلامية حسب مفاهيم ورؤي وتصورات البشر أصحاب المرجعية الإسلامية التي ستكون في الغالب الأعم عبارة عن خليط من الرؤي والتصورات التي تشكل كياناً يتم الإدعاء بأنه إسلامي بمجرد لصق طابع لاصق مكتوب عليه فقط المرجعية الإسلامية !!

المرجعية الإسلامية والهروب إلي الجنة المؤجلة :
لا أدري كيف تقوم المرجعية الإسلامية في حالاتها المتعددة علي إصرارية البحث عن الجنة المؤجلة والهروب من أزمة تحقيق جنة الدنيا أو الفردوس الأرضي , من خلال الدعوة الإسلامية القائمة علي تعبيد العباد لرب العباد من خلال تطبيقات الشريعة الإسلامية المتعددة في المفاهيم والتصورات من خلال التفسيرات والتأويلات الساكنة في كتب الفقه والحديث والتفسير التي تحض علي الزهد والجوع وذم الدنيا بمافيها وبمن فيها إلا من أمر بمعروف أو نهي عن منكر !!
ونماذج الزهد وذم الدنيا لاتحصي ولاتعد ومنها ماجاء في باب :

بيان فضيلة الجوع وذم الشبع للإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش فإن الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله وأنه ليس من عمل أحب إلى الله من جوع وعطش وقال ابن عباس‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا يدخل ملكوت السماء من ملأ بطنه وقيل يا رسول الله أي الناس أفضل قال ‏"‏ من قل مطعمه وضحكه ورضي مما يستر به عورته وقال النبي صلى الله
عليه وسلم ‏"‏ سيد الأعمال الجوع وذل النفس لباس الصوف وقال أبو سعيد الخدري‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ البسوا وكلوا واشربوا في أنصاف البطون فإنه جزء من النبوة وقال
الحسن‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الفكر نصف العبادة وقلة الطعام هي العبادة وقال الحسن أيضاً‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أفضلكم عند الله منزلة يوم القيامة أطولكم جوعاً وتفكراً في الله سبحانه وأبغضكم عند الله عز وجل يوم القيامة كل نثوم أكول شروب وفي الخبر‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يجوع من غير عوز أي مختاراً لذلك وقال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إن الله تعالى يباهي الملائكة بمن قل مطعمه ومشربه في الدنيا يقول الله تعالى انظروا إلى عبدي ابتليته بالطعام والشراب في الدنيا فصبر وتركهما اشهدوا يا ملائكتي ما من أكلة يدعها إلا أبدلته بها درجات في الجنة وقال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب فإن القلب كالزرع يموت إذا كثر عليه الماء وقال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه وإن كان لا بد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرباه وثلث لنفسه وفي حديث أسامة بن زيد وحديث أبي هريرة الطويل ذكر فضيلة الجوع إذ قال فيه ‏"‏ إن أقرب الناس من الله عز وجل يوم القيامة من طال جوعه وعطشه وحزنه في الدنيا الأحفياء الأتقياء الذين إن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا تعرفهم بقاع الأرض وتحف بهم ملائكة السماء نعم الناس بالدنيا ونعموا بطاعة الله عز وجل افترش الناس الفرش الوثيرة وافترشوا الجباه والركب ضيع الناس فعل النبيين وأخلاقهم وحفظوها هم تبكي الأرض إذا فقدتهم ويسخط الجبار على كل بلدة ليس فيها منهم أحد لم يتكالبوا على الدنيا تكالب الكلاب على الجيف أكلوا العلق ولبسوا الخرق شعثاً غبراً يراهم الناس فيظنون أن بهم داء وما بهم داء ويقال قد خولطوا فذهبت عقولهم وما ذهبت عقولهم ولكن نظر القوم بقلوبهم إلى أمر الله الذي أذهب عنهم الدنيا فهم عند أهل الدنيا يمشون بلا عقول عقلوا حين ذهبت عقول الناس لهم الشرف في الآخرة يا أسامة إذا رأيتهم في بلدة فاعلم أنهم أمان لأهل تلك البلدة ولا يعذب الله قوماً هم فيهم‏ .
الأرض بهم فرحة والجبار عنهم راض‏.‏
اتخذهم لنفسك إخواناً عسى أن تنجو بهم‏.‏
وإن استطعت إن يأتيك الموت وبطنك جائع وكبدك ظمآن فافعل‏.‏
فإنك تدرك بذلك شرف المنازل وتحل مع النبيين‏ .‏ وتفرح بقدوم روحك الملائكة ويصلي عليك الجبار روى الحسن بن أبي هريرة‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ البسوا الصوف وشمروا وكلوا في أنصاف البطون تدخلوا في ملكوت السماء وقال عيسى عليه السلام‏:‏ يا معشر الحواريين أجيعوا أكبادكم وأعروا أجسادكم لعل قلوبكم ترى الله عز وجل وروي ذلك أيضاً عن نبينا صلى الله عليه وسلم رواه طاوس‏.‏
وقيل مكتوب في التوراة‏:‏ إن الله ليبغضن الحبر السمين لأن السمين يدل على الغفلة وكثرة الأكل وذلك قبيح خصوصاً بالحبر‏.‏
ولأجل ذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه ‏:‏ إن الله تعالى يبغض القارئ السمين وفي خبر مرسل ‏"‏ إن الشيطان لجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش وفي الخبر ‏"‏ إن الأكل على الشيع يورث البرص وقال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ المؤمن يأكل في معي واحد والمنافق يأكل في سبعة أمعاء أي يأكل سبعة أضعاف ما يأكل المؤمن أو تكون شهوته سبعة أضعاف شهوته وذكر المعي كناية عن الشهوة لأن الشهوة هي التي تقبل الطعام وتأخذه كما يأخذ المعي‏ .‏

وليس المعنى زيادة عدد معي المنافق على معي المؤمن‏.‏
وروى الحسن عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ‏"‏ أديموا قرع باب الجنة يفتح لكم ‏"‏ فقلت‏:‏ كيف نديم قرع باب الجنة قال ‏"‏ بالجوع والظمأ وروى ‏"‏ أنا أبا جحيفة تجشأ في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
فقال له ‏"‏ أقصر من جشائك فإن أطول الناس جوعاً يوم القيامة أكثرهم شبعاً في الدنيا وكانت عائشة رضي الله عنها تقول‏:‏ إن بطن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تمتلئ قط شبعاً وربما بكيت رحمة مما أرى به من الجوع فأمسى بطنه بيدي وأقول‏:‏ نفسي لك الفداء لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقويك ويمنعك من الجوع فيقول ‏"‏ يا عائشة إخواني من أولي العزم من الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا مضوا على حالهم فقدموا على ربهم فأكرم مآبهم وأجزل ثوابهم فأجدني أستحي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بي غداً دونهم فالصبر أياماً يسيرة أحب إلي من أن ينقص حظي غداً في الآخرة وما من شيء أحب إلي من اللحوق بأصحابي وإخواني ‏"‏ قالت عائشة‏:‏ فوالله ما استكمل بعد ذلك جمعة حتى قبضه الله إليه وعن أنس قال‏:‏ جاءت فاطمة رضوان الله عليها بكسرة خبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏"‏ ما هذه الكسرة ‏"‏ قالت‏:‏ قرص خبزته ولم تطب نفسي حتى أتيتك منه بهذه الكسرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏"‏ أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام وقال أبو هريرة‏:‏ ما أشبه النبي صلى الله عليه وسلم أهله ثلاثة أيام تباعاً من خبز الحنطة حتى فارق الدنيا وقال صلى الله عليه وآله وسلم ‏"‏ إن أهل الجوع في الدنيا هم أهل الشبع في الآخرة وإن أبغض الناس إلى الله المتخمون الملأى وما ترك عبد أكلة يشتهيها إلا كانت له درجة في الجنة‏.‏
وأما الآثار‏:‏ فقد قال عمر رضي الله عنه‏:‏ إياكم والبطنة فإنها ثقل في الحياة نتن في الممات‏.‏
وقال شقيق البلخي العبادة حرفة حانوتها الخلوة وآلتها المجاعة‏.‏
وقال لقمان لابنه‏:‏ يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة‏.‏
وكان الفضيل بن عياض يقول لنفسه‏:‏ أي شيء تخافين أتخافين أن تجوعي لا تخافي ذلك‏:‏ أنت أهون على الله من ذلك إنما يجوع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه‏.‏
وكان كهمس يقول إلهي أجعتني وأعريتني وفي ظلم الليالي بلا مصباح أجلستني فبأي وسيلة بلغتني ما بلغتني وكان فتح الموصلي إذا اشتد مرضه وجوعه يقول‏:‏ إلهي ابتليتني بالمرض والجوع وكذلك تفعل بأوليائك فبأي عمل أؤدي شكر ما أنعمت به علي وقال مالك بن دينار‏:‏ قلت لمحمد بن واسع يا أبا عبد الله طوبى لمن كانت له غليلة تقوته وتغنيه عن الناس فقال لي يا أبا يحيى طوبى لمن أمسى وأصبح جائعاً وهو عن الله راض‏.‏
وكان الفضيل بن عياض يقول‏:‏ إلهي أجعتني وأجعت عيالي وتركتني في ظلم الليالي بلا مصباح وإنما تفعل ذلك بأوليائك فبأي منزلة نلت هذا منك وقال يحيى بن معاذ‏:‏ جوع الراغبين منبهة وجوع التائبين تجربة وجوع المجتهدين كرامة وجوع الصابرين سياسة وجوع الزاهدين حكمة‏.‏
وفي التوراة اتق الله وإذا شبعت فاذكر الجياع‏:‏ وقال أبو سليمان‏:‏ لأن أترك لقمة من عشائي أحب إلي من قيام ليلة إلى الصبح وقال أيضاً‏:‏ الجوع عند الله في خزائنه لا يعطيه إلا من أحبه‏ .‏
وكان سهل بن عبد الله التستري يطوي نيفاً وعشرين يوماً لا يأكل وكان يكفيه لطعامه في السنة درهم وكان يعظم الجوع ويبالغ فيه حتى قال‏:‏ لا يوافى القيامة عمل بر أفضل من ترك فضول الطعام اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أكله‏.‏
وقال‏:‏ لم ير الأكياس شيئاً أنفع من الجوع للدين والدنيا‏.‏
وقال‏:‏ لا أعلم شيئاً أضر على طلاب الآخرة من الأكل‏.‏
وقال‏:‏ وضعت الحكمة والعلم في الجوع ووضعت المعصية والجهل في الشبع‏.‏
وقال ما عبد الله بشيء أفضل من مخالفة الهوى في ترك الحلال‏.‏
وقد جاء في الحديث ‏"‏ ثلث للطعام فمن زاد عليه فإنما يأكل من حسناته وسئل عن الزيادة فقل‏:‏ لا يجد الزيادة حتى يكون الترك أحب إليه من الأكل ويكون إذا جاع ليلة سأل الله أن يجعلها ليلتين فإذا كان ذلك وجد الزيادة‏ .‏
وقال صار الأبدال أبدالاً إلا بإخماص البطون والسهر والصمت والخلوة‏.‏
وقال‏:‏ رأس كل بر نزل من السماء إلى الأرض الجوع ورأس كل فجور بينهما الشبع ‏.‏
وقال‏:‏ من جوع نفسه انقطعت عنه الوساوس‏.‏
وقال‏:‏ إقبال الله عز وجل على العبد بالجوع والسقم والبلاء إلا من شاء الله‏.‏
وقال‏:‏ اعلموا أن هذا زمان لا ينال أحد فيه النجاة إلا بذبح نفسه وقتلها بالجوع والسهر والجهد‏.‏
وقال‏:‏ ما مر على وجه الأرض أحد شرب من هذا الماء حتى روي فسلم من المعصية - وإن شكر الله تعالى - فكيف الشبع من الطعام وسئل حكيم بأي قيد أقيد نفسي قال‏:‏ قيدها بالجوع والعطش وذللها بإخمال الذكر وترك العز وصغرها بوضعها تحت أرجل أبناء الآخرة واكسرها بترك زي القراء عن ظاهرها وانج من آفاتها بدوام سوء الظن بها واصحبها بخلاف هواها‏ .‏
وكان عبد الواحد بن زيد يقسم بالله تعالى إن الله تعالى ما صافي أحداً إلا بالجوع ولا مشوا على الماء إلا به ولا طويت لهم الأرض إلا بالجوع ولا تولاهم الله تعالى إلا بالجوع وقال أبو طالب المكي‏ :‏ مثل البطن مثل المزهر وهو العود المجوف ذو الأوتار - غنما حسن صوته لخفته ورقته لأنه أجوف غير ممتلئ وكذلك الجوف إذا خلا كان أعذب للتلاوة وأدوم للقيام وأقل للمنام‏ .‏
وقال أبو بكر بن عبد الله المزني‏ :‏ ثلاثة يحبهم الله تعالى رجل قليل النوم قليل الأكل قليل الراحة ‏.‏
وروي أن عيسي عليه السلام مكث يناجي ربه ستين صباحاً لم يأكل فخطر بباله الخبز فانقطع عن المناجاة فإذا رغيف موضوع بين يديه فجلس يبكي على فقد المناجاة وإذا شيخ قد أظله فقال له عيسى‏:‏ بارك الله فيك يا ولي الله ادع الله تعالى فإني كنت في حالة فخطر ببالي الخبز فانقطعت عني فقال الشيخ‏:‏ اللهم إن كنت تعلم أن الخبز خطر ببالي منذ عرفتك فلا تغفر لي بل كان إذا حضر لي شيء أكلته من غير فكر وخاطر‏.‏

وروي أن موسى عليه السلام لما قربه الله عز وجل نجياً كان قد ترك الأكل أربعين يوماً - ثلاثين ثم عشراً - على ما ورد به القرآن لأنه أمسك بغير تبييت يوماً فزيد عشرة لأجل ذلك‏ .‏
أزمة المرويات : أم أزمة إستحضارها ؟!!
أليست هذه هي النصوص والمرويات والمأثورات التي جعلت من الجوع والفقر علي درجة عالية من القداسة , بل ترجمة هذه النصوص والمرويات والمأثورات علي أنها من أعظم أنواع العبادات والطاعات التي تقرب الإنسان لرب الإنسان , معطية القداسة للفقر والجوع , وليس علي إعتبار الفقر والجوع من أعظم الجرائم التي ترتكب في حق الإنسانية جمعاء دون تفرقة بين إنسان وآخر ولأي سبب من الأسباب التي تؤدي لهذه التفرقة الملعونة !!
وهذه هي المرويات التي تعتبر جزء من المرجعية الإسلامية التي يريدها أصحاب المرجعية الإسلامية لبرامج الأحزاب السياسية المدنية التي من المفترض أنها تسعي جاهدة للبحث عن حلول لأزمة الفقر ومصيبة الجوع في عالم الوفرة الإقتصادية !!
فكيف يكون الفقر والجوع في الفقه والثقافة الإسلامية من أعظم الأمور المقدسة التي تقرب الإنسان من الجنة وأن الثراء والشبع بمفهوم المخالفة يقربان البشر من النار , وفي هذه المفاهيم العديد من المغالطات التي تكرس للفقر والبطالة والتعطل بل وأن الجوع والفقر حسب هذه المفاهيم لايمكن أن يمثل جريمة من ضمن الجرائم التي تحتاج لمكافحة دولية !!
فماذا سيفعل حملة لواء الأحزاب السياسية المدنية ذات المرجعية الإسلامية مع هذه المفاهيم والأفكار والتصورات التي تحرض علي الفقر والجوع ومن ثم المرض والتخلف بالتبعية ؟!!
وهل ستجدي المرجعية الإسلامية أمام هذا الطوفان من النصوص والمرويات التراثية الدينية ؟!!
فهل الأزمة كامنة في المرويات أم في إستحضار هذه المرويات في عالمنا المعاصر الذي يبتغي فيه الأحزاب السياسية الوصول إلي سدة الحكم والسلطة ببرامج سياسية / إقتصادية / إجتماعية للوصول بالمواطنين إلي أعلي مؤشرات دخول الأفراد الإقتصادية والذهاب إلي عالم الوفرة الإقتصادية وتصدير الفائض إلي الدول الأخري تحقيقاً لزيادة الدخل القومي وزيادة في معدلات دخول الأفراد وتحسين المستويات المعيشية والصحية والتعليمية والبحثية علي جميع المناحي والأصعدة بوجه عام ؟!!
اعتقد أن الأزمة كامنة في العقلية العربية / الإسلامية التي دائماً ماتشعر بالعجز والقصور أمام التحديات الحضارية في العالم المعاصر وعجز تلك العقلية عن مسايرة الركب العلمي والحضاري بأفعال هي المسببة لها وبأفعال خارجة عن إرادة الفعل والمتمثلة في الفساد السياسي ولإغتصاب الحكم والسلطة في البلاد العربية والإسلامية وتسيد الخطاب التعبدي المتمثل في الدعوة للزهد والجوع والتقشف وتقدير عظمة الفقر وشأن الفقراء يوم القيامة !!
تقرير البنك الدولي عن الفقر :
ولكن علي الجانب الآخر وفي إحصائية للبنك الدولي تذهب إلي أنه : يعيش حوالي بليون نسمة ـ أي ما يوازي خُمس سكان العالم ـ على أقل من دولار أمريكي للفرد الواحد في اليوم . كما انخفض معدل انتشار الفقر من 28 في المائة من إجمالي سكان العالم في عام 1990 إلى 22 في المائة في عام 2002.
وفقاً للاتجاهات الحالية، سوف يتم بحلول عام 2015 تحقيق الهدف الإنمائي للألفية الجديدة الخاص بخفض أعداد الفقراء الذين يعيشون في فقر مدقع بما نسبته 50 في المائة عن معدل عام 1990. وعلى المستوى العالمي ، ستبلغ نسبة السكان الذين يعيشون على دولار أمريكي واحد أو أقل في اليوم في بلدان العالم النامية بحلول عام 2015 ما نسبته 10 في المائة.
يُلاحظ أن تراجع أعداد الفقراء يتم بمعدلات متفاوتة بشكل كبير عبر المناطق . ففي شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادئ، سوف تنخفض نسبة من يعيشون على دولار أمريكي واحد في اليوم إلى 1 في المائة بحلول عام 2015، ومع ذلك سوف يكون هناك جزء كبير تبلغ نسبته 13 في المائة يعيشون تحت مؤشر خط الفقر الذي يبلغ دولارين أمريكيين في اليوم. وعلى النقيض نجد منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، حيث من المقدر أن تبلغ نسبة الفقراء فيها الذين يعيشون على دولار أمريكي واحد يومياً 38 في المائة بحلول عام 2015. وفي حين يشكل هذا انخفاضاً نسبته 45 في المائة عن المستوى السائد عام 2002، فلا يزال أعلى كثيراً عن المستوى المستهدف البالغ 22 في المائة والذي يجب الوصول إليه لتحقيق الهدف الإنمائي للألفية الجديدة المتعلق بتقليص الفقر. ينبغي على البلدان النامية والبلدان المتقدمة العمل على ربط الجهود الرامية إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة بإستراتيجيات التنمية التي تقودها البلدان المعنية ، وتحسين البيئة أمام تحقيق النمو، وتوسيع نطاق التنمية البشرية وتقديم خدمات البنية الأساسية ، فضلاً عن زيادة المعونات وفعالياتها .
المرجعية الإسلامية والردة الدينية :
الردة الحضارية تختزل في المفهوم التنويري علي أنها محملة بمجموعة من المضامين وفحواها محمول علي غياب العقل وتسيد الإستبداد وإحتكار مفهوم الدين في المقرؤ والمفهوم والمنطوق والمأول بل والمسكوت عنه .
فهل المرجعية الإسلامية للأحزاب السياسية الإسلامية سوف ترتكن في تطبيقات الشريعة الإسلامية علي إعتبارها أنها لها نصوص مؤسسية مستندة للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة فيما تم تسميته بحد الردة وقتل الخارجين عن ربقة الدين الإسلامي ومحاربتهم أينما وجدوا وثقفوا , بل إن الأمر يتطلب أعتبار أن المرتدين في بعض الأحيان وحسبما يترائي للقائمين علي أمر المرجعية الإسلامية أنهم من المحاربين للفكرة الإسلامية أو المنظومة الإسلامية المختزلة في الشريعة الإسلامية حسب إستنطاق النصوص الدينية المقدسة لما تجود به عقولهم وقرائحهم علي أساس أن هذا هو الدين السليم المستند للمرجعية الإسلامية في تطبيقاتها علي الناس مسلميهم وغير مسلميهم ؟!!
لأنه ومن الملاحظ أنه في الأونة الآخيرة نجد كثيراً مايتردد علي الأٍسماع مصطلح الردة الحضارية في المناسبات التي تدار من أجلها الندوات والحوارات والمؤتمرات لمناقشة الأمور الخاصة بالتحضر والتمدن والنهضة الدينية بل وإمتد النقاش ليتسع لمناقشة المرجعية الإسلامية للأحزاب السياسية المدنية ذات المرجعية الإسلامية .
ولكن يلاحظ في البدء أن الردة لم تكن في البدء هي النكوص عن الركب الحضاري وإنما بداياتها تعود إلي المفهوم الديني للردة والإرتداد عن الدين والتحول من دين إلي دين آخر , ومن هنا كانت لهذا المصطلح الديمومة والإستمرارية في كافة الأوساط وخاصة الدينية منها , لأن الردة والإرتداد عن الدين , وحروب الردة , أو حروب المرتدين لها حيز في التاريخ الإسلامي في المنطقة العربية صاحبة الوحي ومستقبلة الرسالة .
وكانت أزمة مفهوم الردة أن لصقت بالمفهوم الديني علي أخص الجوانب والتفسيرات , ولم ينصرف المفهوم إلي الردة الحضارية إلا في أضيق نطاق وذلك ليس في العصر الحديث وإنما في الماضي القريب والحاضر المعاش , ولم يتم إستخدام مصطلح الردة الحضارية إلا للتعبير عن التخلف والتقهقر والرجعية , بما تمثله من حالات الضعف والهوان في جميع المجالات العلمية والحضارية الضامة لكافة العلوم الحياتية المبتناة علي التجربة والبرهان والنتيجة , وكان الغرب هو الرائد في هذا المضمار العلمي الحضاري بكل ما تحمله كلمة رائد من معاني لها صدي في أرض الواقع المعاش .

الردة الدينية :
لم يثبت من النصوص الدينية المقدسة أن هناك إباحة لقتل التارك للدين الإسلامي والمتحول لدين آخر من الأديان السماوية أو حتي غير السماوية , وإنما كانت الأمور في جلها تبني علي إجتهادات لتأويل وتفسير النصوص الدينية لتكون بمفهمومها ومسماها حد من الحدود الدينية حسبما ترائي للمجتهد أو صاحب التفسير والتأويل للنصوص الدينية المقدسة , وإنما هي من إجتهادات العلماء والفقهاء في الدين فقط !!

وحد الردة هو من ضمن مجموعة من الحدود التي إرتآها بعض الفقهاء لتكون رادعاً وزاجراً لكل من تسول له نفسه أن يعتنق الدين الإسلامي ثم يريد أن يتحلل من عري الدين الإسلامي إلي دين آخر أو إلي اللادين , ومذهبهم العقلي في ذلك يبني علي أن معتنق الدين الإسلامي لم يجبره أحد علي إعتناقه أو الدخول فيه بداءةً , ومن ثم فمن إرتضي الدين الإسلامي ديناً له فلايجوز له أن يخرج منه بإرادته , وإلا كان القتل هو الجزاء الأوفي لمن يتلاعب بالدين !!
وهذا هو رأيهم الذي يبني عليه حد الردة , وذلك بالرغم من أن القرآن الكريم لم يشر إلي قتل المرتد عن الدين , ولم يرتب علي ذلك عقوبة دنيوية علي الإطلاق وهذه بعض الآيات الكريمة الواردة فيما هو مفهوم ومقرؤ منها :
قوله تعالى: "ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون".
و قوله تعالى: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم".
وقوله: "إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".
وقوله: "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً"
وقوله: "ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ".
وقوله: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم. ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين ".
وهذه هي معظم الأيات الكريمة التي تحدثت في شأن ما أسماه بعض فقهاء وعلماء المسلمين بالردة وأولوا مفهوم الآيات إلي ما أسموه بحد الردة التي هي في التأويل والتفسير فقط القتل , مع أن النصوص القرآنية لم تتحدث عن القتل أو إزهاق الروح مقابل تغيير الدين أو تبديله أو الخروج منه إلي حيث لادين !!
والآيات الكريمة لم تنطق ولم يفهم منها أن هناك حد للردة وأن هذا الحد يكون القتل , وكانت العقوبة عقوبة آخروية مؤجلة وليست عقوبة آنية دنيوية حاضرة التطبيق علي أيدي بشر مثلهم مثل المرتد في النفس والروح ولكن يختلفون في العقيدة والإيمان بالدين !!

وفي هذا المضمار فيما ننقله عن موقع ميدل إيست أونلاين :

يرى كاتب عراقي متخصص في الفقه الإسلامي أن القرآن خال من حد الردة عن الإسلام مناقضا بذلك ما يقال عن "وجوب" قتل المسلم إذا اعتنق دينا آخر أو اختار الإلحاد استنادا إلى أقوال تنسب إلى النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ منها "من بدَّل دينه فاقتلوه."
وينفى طه جابر العلواني المقيم في الولايات المتحدة الأميركية أن يكون في الشرع الإسلامي نص يشير إلى أي عقوبة توقع على المرتد قائلا إنه "لا وجود لهذا الحد في القرآن المجيد وهو المصدر المنشئ الأوحد لأحكام الشريعة."
ويرى المؤلف في كتابه "لا إكراه في الدين" أن الذي يستبدل بالإسلام دينا آخر مجرم، لكنه في الوقت نفسه لا يشير في المقابل إلى أن غير المسلم إذا بدَّل دينه واعتنق الإسلام يرتكب جريمة حيث يقول إن "الأدلة كلها تتضافر على نفي الدليل على وجود حد شرعي منصوص عليه لجريمة تغير الاعتقاد الديني أو تغير الدين من غير انضمام أي فعل جرمي آخر إليه."
وينفى في الكتاب الذي حمل عنوانا فرعيا هو (إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام إلى اليوم) وجود أي واقعة في عصر النبي محمد "تشير إلى ما يمكن أن يقوم دليلا على قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتطبيق عقوبة دنيوية ضد من يغيرون دينهم مع ثبوت ردة عناصر كثيرة عن الإسلام في عهده (النبي) ومعرفة رسول الله بهم."
ويضيف أن عهد النبي شهد "مئات" من المرتدين أو المنافقين الذين عمدوا إلى إيذائه والكيد للمسلمين لكنه "ترفع تماما عن المساس بهم" حتى لا يقال إنه يكرههم على الإسلام.
ويستشهد بآيات قرآنية منها "كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات" من سورة آل عمران. وفي سورة النساء آية تقول "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا." ويقول معلقا إن فيها نفيا لوجود حد شرعي دنيوي للردة.
ويضيف أن القرآن لم يشر تصريحا أو تلميحا إلى ضرورة إكراه المرتد على العودة إلى الإسلام أو قتله إذا امتنع، وأن "حرية الاعتقاد مقصد مهم من مقاصد الشريعة" في الإسلام.
ويقول المؤلف إنه يأمل أن يتمثل الباحثون كتابه في "معالجة القضايا الجادة المستقرة في ضمير الأمة (الإسلامية) وثقافتها دون تفريق لكلمتها" حتى يسود منهج في مراجعات التراث "بحيث نجعل تراثنا مما يصدق القرآن عليه ويهيمن. إن أهل التراث الإسلامي هم الاولى والأحق بمراجعته من داخله وبآلياته، وإن الضغط الخارجي أيا كان سوف يؤدي إلى مزيد من التشبث بالتراث بخيره وشره."
ويقول العلواني إن بعض الفقهاء حين ذهبوا إلى "وجوب قتل المرتد" لم يستندوا إلى آيات القرآن، "وقد تبين أن الفقهاء كانوا يعالجون جريمة غير التي نعالجها إذ كانوا يناقشون جريمة مركبة اختلط فيها السياسي والقانوني والاجتماعي بحيث كان تغيير المرتد عن دينه أو تدينه نتيجة طبيعية لتغيير موقفه من الأمة والجماعة والمجتمع والقيادة السياسية والنظم التي تتبناها الجماعة وتغيير الانتماء والولاء تغييرا تاما."
وتحت عنوان (كيف حدث الخلط بين الديني والسياسي) يشرح سياق ما عرف في التاريخ الإسلامي بحروب الردة في عهد الخليفة أبي بكر الصديق، الذي تولى الحكم بعد وفاة النبي حيث امتنعت بعض القبائل في الجزيرة العربية عن دفع الزكاة. ويرى أن السياسي اختلط بالديني في تلك الحروب وأن أسبابها "لم تكن محددة بدقة صارمة. كانت لا لإعادة من غيروا اعتقادهم إلى المعتقد الذي فارقوه بل لإلزام مواطنين تخلوا عن التزاماتهم وواجباتهم باعتبارهم أعضاء في الأمة أو مواطنين في دولة" وعليهم الالتزام بالشرعية.
ويوضح أنه يبحث قضية الردة الفردية التي تعني تغيير العقيدة. ويتساءل "هل الردة تعد خروجا من الإسلام أو خروجا عليه.." مشيرا إلى أن أهم ما يتبادر إلى ذهنه عند ذكر الردة والحديث عنها هو مصطلح المؤامرة "مؤامرة الدولة. الغول البشع على الحرية سواء مارسها فرد أو حزب أو فئة أو عالم. هي مؤامرة الدكتاتورية الغاشمة المجرمة على المعارضين والمخالفين لها أيا كانوا.
"هي مؤامرة استعباد الطغاة الجبابرة للمستضعفين والتحكم في مصائرهم لا على مستوى الحياة الدنيا فقط بل على مستوى الآخرة إن استطاعوا. هي محاولة قتل وتدمير عباد الله بالافتراء على الله وانتحال صلاحياته وادعاء تمثيله والنطق باسمه، هي تزييف هدايته وتعاليمه، هي مؤامرة الخاطفين للسلطة والمتغلبين على الأمم والمزيفين لإرادة الشعوب ضد معارضين لا يملكون إلا ألسنتهم التي يقطعها الجبابرة عندما لا تنطق بمآثرهم."
ويقدم العلواني نماذج للذين قتلوا بعد أن اعتبرتهم السلطة السياسية مرتدين، منهم المفكر السوداني محمود محمد طه (1909 - 1985) الذي أعدم بموجب إعلان الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري - الذي اعتلى السلطة بعد أن قاد انقلابا عسكريا عام 1969- تطبيق الشريعة الإسلامية "بعد أن أفلس سياسيا".
كما يشير إلى أن فيصل بن مساعد الذي قتل عام 1974 عمه فيصل ملك السعودية الأسبق صدر الحكم بقتله "بالسيف حدا بتهمة الردة" رغم اعترافه بارتكاب جريمة القتل العمد "وهي كافية شرعا لإعدامه."
وشهدت مصر عام 1992 قضية غريبة أثارت جدلا واسعا بعد اغتيال الكاتب المصري فرج فودة (1946 - 1992) أمام منزله بالقاهرة على يد شاب أوعز اليه أن فودة مرتد، لكن أحد رموز من يوصف بتيار الاعتدال الإسلامي اعتبر في شهادته أمام المحكمة الكاتب القتيل مرتدا في إدانة صريحة للقتيل.
ويقول العلواني إن محامي قاتل فودة طلب شهادة "أكثر علماء المسلمين في ذلك الوقت اعتدالا وهو الشيخ محمد الغزالي، فلم يجد بدا من تقرير مذاهب الفقهاء في هذا الموضوع وهو وجوب قتل المرتد، واعتبر فرج فودة مرتدا يستحق القتل، وأن كل ما فعله هؤلاء الشباب هو تنفيذ حكم الشرع في إنسان مهدر الدم لا حرمة لدمه ولا قيمة. ولكن كان ينبغي على الدولة أن تريق دمه بنفسها وبأجهزتها، وإذ لم تفعل فقد افتأت هؤلاء الشباب (القتلة) على الدولة ونفذوا ما كان ينبغي لها أن تنفذه بنفسها."
ويقول إن كلمة "حدود" وردت في آيات قرآنية كثيرة لكنها في جميع هذه الآيات لم تطلق على عقوبة وإنما تؤكد الالتزام بتشريعات أو أحكام.
ويعيب على بعض رموز تيار الإسلام السياسي اختزال الإسلام والشريعة الإسلامية في العقوبات، ويبدي دهشته في إسراع بعض الأنظمة إلى تطبيق بعض العقوبات "لتثبت صلابتها في الدين وتمسكها بالشريعة وقد لا يكون لها نصيب من الشريعة أكثر من تلك العقوبات." أ . ه
وفي تعليق للشيخ جمال قطب والذي كان يرأس لجنة الفتوي بالأزهر سابقاً ونشرته المصري اليوم في عددها 987 علي ماتم تسميته بحد الردة حسب تصنيفات الفقهاء وأبدي رفضه :
جميع الفتاوي السابقة للفقهاء التي تقول بوجوب قتل المرتد، مؤكدا أن الإسلام يقوم علي حرية العقيدة، وأن قتل المرتد كان في فترة محددة فقط في عهد الرسول «صلي الله عليه وسلم».
وقال قطب في كلمته مساء أمس الأول في ندوة «الحريات العامة في الإسلام»، التي نظمتها جمعية «المقطم للثقافة والحوار» إن القرآن الكريم لم يذكر حدا للردة بل قال تعالي: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين) «المائدة: ٥٤».
أما ما عرف بحد الردة فمصدره حديث النبي صلي الله عليه وسلم «من بدل دينه فاقتلوه»، وتفسير هذا الحديث أنه كان في فترة محددة من فترات حياة النبي «صلي الله عليه وسلم» بالمدينة.
وأوضح قطب: لقد كانت معركة رسول الله «صلي الله عليه وسلم» مع آخر فئات اليهود بالمدينة، وهم بنو قريظة الذين كانوا يسكنون حيا من أحياء المدينة فأصبحت هناك إمكانية استقطاب ضعاف النفوس لتغيير دينهم،
ولذلك قال الرسول «صلي الله عليه وسلم»: «من بدل دينه فاقتلوه»، لكن الأصل العام في الإسلام أنه «لا إكراه في الدين»، لأن الله تعالي لا يعبد جبرا، وأكد أن قتل المرتد لم يكن حدا أبدا ولكنه قرار يسمي عند الفقهاء «سياسة شرعية لأمر محدد في وقت محدد»، ولا يجوز تطبيقه حاليا.
فبماذا يمكن أن يرد التكفيريون والتجهليون علي هؤلاء العلماء ؟!!
هل سيتم تكفير طه جابر فياض العلواني ؟!!
وهل سيتم تكفير الشيخ جمال قطب والذي كان رئيساً للجنة الفتوي بالأزهر ؟!!
وهل من يقول برأيهم فهو كافر حال كونه حسب ظنهم أنه منكراً لما هو معلوم من الدين بالضرورة ؟!!
وهل سيتم تكفير كاتب هذه السطور علي إعتبار أن هذا كفر وأن ناقل الكفر بكافر ؟!!
وهذا عن حد الردة الذي يتشدق العديد من الذين نصبوا أنفسهم وكلاء عن الله وعن الرسول في إستباحة دماء الناس وأرواحهم بزعم أنهم خلفاء لله في الأرض وأنهم ظل لله في أرض الله , ويتوجب علي الناس جميعاً الإنصياع والطاعة لما يرتأونه من أراء علي أنه من صحيح الدين , بل وأن أرائهم وأفكارهم وتصوراتهم يريدوها أن تكون معلوماً من الدين بالضرورة !!
إن هذه الأراء التي إنساق ورائها التكفيريون والتجهيليون والتي يعتقد بها هؤلاء الكارهون للناس والفارون من الحياة إلي الموت والمقابر لايعنيهم أمر الدين , ولايشغل بالهم أمر الإنسان في شئ سوي تعبيد الناس لله بطريقتهم هم من خلال فتح أبواب الحرام وتضييق أبواب الحلال وإن لزم الأمر إغلاق كل الأبواب المباحة علي زعم ترك المباح مخافة الوقوع في المكروه أو الحرام !!
فهل أنصار المرجعية الإسلامية لهم موقف من خلال التفسير والتاويل لما يسمي بإنكار ماتم تسميته بحد الردة ولهم رأي محدد الملامح يؤيد مفهوم حد الردة أو ينكره أم سيتم الإكتفاء بمفهوم الردة الحضارية أولاً والإيمان بها علي إعتبار أنها هي أساس للتخلف والرجعية والمذلة والهوان الذي يتعايش معهم جميعاً العالم العربي والإسلامي ؟!!
عن الأراء المؤيدة لحد الردة :
قوله تعالى: "ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"
وقوله تعالى: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم".
وقوله: "إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".
وقوله: "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً"
وقوله: "ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين".
وقوله تعالى: "كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق.. أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
فهذه هي مجموعة من الآيات القرآنية الكريمة التي إستنبط منها الفقهاء ماسموه بحد الردة, ونجد أن مفهوم هذه الآيات لم يتحدث عن إقامة حد الردة وقتل الإنسان المسلم الذي غير دينه إلي دين آخر أو إلي اللادين , وإنما كان العقاب والجزاء في غالب الأمر مؤجل ليوم القيامة .
بل وقال بعضهم مستنداً إلي نص الآية القرآنية محاولاً الربط بين النفاق والردة : "ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون".
فكيف يتم ترك المنافقين أحياء ولايقام عليهم حد من الحدود , أياً كان هذا الحد , أو عقوبة من العقوبات , أياً كانت هذه العقوبة , بالرغم من أن علماء المسلمين يذهبوا جميعاً إلي أن المنافقون أشد خطراً علي الإسلام والمسلمون من المرتدين الذين أعلنوا كفرهم بواحاً ؟!!
فالمنافقون يظلوا في المجتمع الإسلامي أحياء يرزقون ويتمتعون بكافة الميزات الممنوحة للمسلمون سواء بسواء , وذلك بالرغم من أن الأية الكريمة تذهب إلي أن :
"ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون".
فهل معني هذه الآية أن المنافقون لايجوز الصلاة عليهم حال وفاتهم , ولايجوز الوقوف علي قبورهم والدعاء لهم بالرحمة أو التوبة والمغفرة بأي حال من الأحوال ؟!!
يضاف إلي ذلك أنه لايجوز لأي أحد من المسلمين أن يتعرض لهم بأي أذي أو يتعرض لهم بأي مكروه من المكروهات ويجب تركهم حال حياتهم , بل وننتظر حتي وفاتهم ولكن لانصلي عليهم ولانقف علي قبورهم لأنهم لم يعلنوا الكفر ولم يرتدوا عن الدين الإسلامي إلي دين غيره !!
فهل معني ذلك أن دعوة الإسلام دعوة مفتوحة لكل من يقبل أن يكون منافقاً , ودعوة مقفولة لكل من لايريد الخروج منه ؟!!
وهل دعوة الإسلام قابلة للمنافقين ورافضة للمرتدين ؟!!

المرجعية الإسلامية وأزمة المفهوم السياسي الحديث :
لا أدري كيف يفكر أصحاب المرجعية الإسلامية في كيفية الجمع بين الولاية السياسية الزمنية والولاية الدينية في شكل الحكم والسياسة الحديثة التي تنتهجها معظم النظم السياسية الحديثة , وذلك في مدي ألحاحهم في تعريفنا بأن المرجعية الإٍسلامية رائدها الوحي ومرجعها القرآن والسنة بالرغم من إيماننا بالوحي ومطلق الإيمان بالقرآن والسنة اللذين هما من أعمدة الدين الإسلامي الذي ننتسب إليه كدين وكعقيدة , ولكن كشريعة حاكمة تتعدد الرؤي في تفسير وتأويل مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية من خلال النظم السياسية الحديثة داخل إطار من العالمية أو الكونية ذات التوجهات العالمية المعاصرة الرابطة لكل دول العالم داخل إطار أممي عالمي تحت ستار منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية المتخصصة والإقليمية , بمعني أن هناك إتفاقيات ومعاهدات دولية متعددة وقعت عليها الدول العربية والإسلامية وهذه المعاهدات والإتفاقيات قد تختلف في التفسير والتأويل مع نصوص الشريعة الإسلامية , وعلي أبسط الأمثلة الجهاد في سبيل الله بإعتباره فريضة إسلامية يري ملايين من المسلمين أنه الفريضة الغائبة عن الأمة الإسلامية في الواقع المعاصر وكذا في إطار العالم المعاصر , ويستند أصحاب هذه الرؤية ومعظمهم من أصحاب المرجعية الإسلامية , إلي أن سبب نكبات وهزائم الأمة الإسلامية هو في تخليها عن فريضة الجهاد , متغافلين عن طبيعة الظروف الدولية والعالمية والمستجدات العسكرية والحربية في عالم الحرب والقتال ووجود ماتم الإتفاق عليه بين الشعوب والأمم في سبيل إنشاؤه وتم الإتفاق علي وجوده لحل النزاعات والصراعات بين الشعوب والأمم وحفظ الأمن والسلم والدوليين , وهو مجلس الأمن الدولي المنحاز في غالبية قراراته للإدارة الأمريكية ولمصلحة العديد من الدول الغربية , وكذا إسرائيل !!

فكيف يتم تفعيل فريضة الجهاد في ظل المرجعية الإسلامية ؟!!:
أليس من الصدق أنه بمفهوم المرجعية الإسلامية , أن الأمة الإسلامية أمة آثمة لتخليها عن فريضة الجهاد في ظل وجود أراضي محتلة للدول العربية والإسلامية حسب الأحكام الشرعية التي أسس لها فقها مسلمين قدامي ومحدثين ؟!!
أليس ترك الجهاد حسب مفهوم المرجعية الإسلامية أمر كارثي للأمة الإسلامية ؟!!
أليس هناك في الشريعة الإسلامية مايحض ويحرض علي الجهاد والحرب والقتال ضد الأعداء والكفار والمشركين والمنافقين وأهل الكتاب والمحاربين لله ولرسوله ؟!!
هل يستطيع أصحاب المرجعية الإسلامية أن يفعلوا دور النصوص الإسلامية التي تحرض علي القتال والحرب والجهاد داخل الإطار الوطني الضيق أم انهم سيتعاملون مع القضايا العالمية بمنطلق أوسع وأشمل ليجمع كل الدول التي هي داخلة في إطار المنظومة الإسلامية حسب المفهوم من عالمية رسالة الإسلام وكونية رسالته , الرسالة التي تحض وتأمر علي الدفاع عن كل شبر مغتصب من الأرض الإسلامية أو كل شبر فيه مسلم مهان أو مستعبد , مع الأخذ في الإعتبار بالمتغيرات الدولية الحديثة في كيفية حل النزاعات ووسائل وأدوات الحل من خلال النظام الدولي الجديد برغم الجور والظلم الكائن , حتي من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ؟!!
أم أن مفاهيم الجهاد والحرب والقتال ستبقي علي ماهو مفهوم من حرفية النصوص الإسلامية المقدسة علي الخلفية التاريخية لتلك النصوص والوضعية الجغرافية بما كانت تحمله من ثقافات وعادات وأعراف وتقاليد كانت هي المحرك للأمر حتي من قبل ظهور الإسلام ؟!!

وتأييداً لما سبق يري محمد عبد السلام فرج صاحب كتاب الجهاد : الفريضة الغائبة في مقدمته :
الجهاد في سبيل الله بالرغم من أهميته القصوى وخطورته العظمى على مستقبل هذا الدين فقد أهمله علماء العصر وتجاهلوه بالرغم من علمهم بأنه السبيل الوحيد لعودة ورفع صرح الإسلام من جديد ، آثر كل مسلم ما يهوى من أفكاره وفلسفاته على خير طريق رسمه الله سبحانه وتعالى لعزة العباد .
والذي لا شك فيه هو أن طواغيت هذه الأرض لن تزول إلا بقوة السيف ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم : (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم) ..(أخرجه الإمام أحمد عن ابن عمر ).
ويقول ابن رجب :(قوله صلى الله عليه وسلم بعثت بالسيف) يعني أن الله بعثه داعياً بالسيف إلى توحيد الله بعد دعائه بالحجة فمن لم يتسجب إلى التوحيد بالقرآن والحجة والبيان دعي بالسيف.
وقد يكون محمد عبد السلام فرج يقال عنه أنه رائد من رواد تنظيم الجهاد أو الجماعة الإسلامية ذات الفكر الجهادي فلماذا يتم التدليل بمقدمة كتابه علي فرضية الجهاد بهذه الصورة ؟!!
ونقول وهل هناك مفهوم آخر غير المفهوم الذي تناوله محمد عبد السلام فرج ؟!!
والكلام لأصحاب المرجعية الإسلامية مازال مفتوحاُ حول مدي علمهم وتعلقهم بآيات وأحاديث الجهاد والغزوات في المرجعية الإسلامية , أم أن المرجعية الإسلامية سوف تبني علي خطوط منهجية دفاعية فقط بعيدة عن أدبيات الجهاد في الإسلام , وأنهم سوف يؤسسوا أحكاماً إجتهادية جديدة حول مفهوم فرضية الجهاد الإسلامي تخالف المفهوم القديم والمتوارث عن كتب التفسير والحديث والفقه والتراث ؟!!
وهل سيتم قراءة محمد عبد السلام فرج في أرائه الواردة في كتابه الجهاد الفريضة الغائبة قراءة جديدة , و منها ماورد في مقدمة كتابه وما ذهب إليه من إستدلالات فقهية أباحت القتل والذبح من أن :
رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خاطب ) طواغيت مكة وهو بها ( استمعوا يا معشر قريش ، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح ) فأخذ القوم كلمته حتى ما بقى فيهم إلا كأنما على رأسه الطير واقع ، وحتى أن أشدهم عليه ليلقاه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول : انطلق يا أبا القاسم راشدا فوا الله ما كنت جهولاً ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لقد جئتكم بالذبح ) وقد رسم الطريق القويم الذي لا جدال فيه ولا مداهنة مع أئمة الكفر وقادة الضلال وهو في قلب مكة .

فهل الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية ستعتمد فقه الجهاد في برامجها السياسية الخاصة بالدفاع والأمن القومي وتنتهج مفهوم الأمة بديلاً عن مفهوم الدولة ؟!!

هذا سؤال معضلة أيضاً في فقه المرجعية الإسلامية لأن الآيات والأحاديث الواردة عن الجهاد لم تختص بها شبه الجزيرة العربية وحدها وإنما يختص بها المسلمين في الجغرافيا أينما وجدوا فيها وفي الزمان أينما كانوا وحلوا !!
وأنهم ليسوا مكلفين بتحرير أوطانهم فقط وأنما بتحرير جميع الأوطان والأراضي الإسلامية أينما كان هناك مسلمين وحسبما كان هناك إسلام ,
هذه الأسئلة وغيرها من المفترض أن تطرح علي بساط البحث والتحقيق لكي يتعرف المواطنين علي ماهية المرجعية الإسلامية وهل هناك فارق بين المرجعية الإسلامية في تصورها النهائي وبين الإسلام ؟
وأيضاً تساؤل يتوجب إظهاره وهو المتعلق بكون المرجعية الإسلامية المتبعة في البرامج السياسية للأحزاب المدنية صاحبة هذه المرجعية , وهذا التساؤل يكمن في التعريف بالمرجعية حال كونها فكراً وإستنباطاً وإستخراجاً للحلول للأزمات التي قد تعاصر المجتمعات داخل إطار المنظومة الوطنية وليست المنظومة الأممية أم أنها منظومة خارجة عن الإطار الوطني متعدية للحدود والجغرافيا ضاربة في أعماق التاريخ والزمان علي هدي من تراث الأولين في تفهمهم لمفهوم الوطن والأمة ؟!!
أعتقد أن فكرة المرجعية الإسلامية تعتبر هروباً من كافة القيود التي فرضت علي التيارات والجماعات الإسلامية في الواقع المعاصر بما يحمله من ضغوطات وطنية ودولية علي المنتمين للتيارات الإسلامية علي إختلاف توجهاتهم ومناهلهم الدينية والثقافية ومن ثم كانت فكرة الأحزاب المدنية ذات المرجعية الإسلامية ماهي إلا عبارة عن ثقب الإبرة أو سم الخياط الذي يريدون الخروج منه للعالم المعاصر محملين بالدين والعقيدة لإقامة وتطبيق الشريعة الإسلامية في عالم اليوم بما يحمله من تخوفات من التطبيقات الدينية الإسلامية للشريعة الإسلامية في دول عديدة قامت فيها مجموعات من الصراعات الدينية وسالت علي إثرها بحور من الدماء علي خلفية أن كل تيار أو فصيل من الفصائل الإسلامية هو الذي يحتمي بالحقيقة المطلقة , فكانت أفغانستان , العراق , ولبنان , وفلسطين المحتلة , والسودان , ومصر , والمغرب , والصومال , والشيشان , والفلبين , والمغرب , واليمن , وغير ذلك من الدول التي تبدت فيها الجماعات والتيارات الإسلامية معلنة رفضها لتلك المجتمعات والدول التي تعيش فيها وعلي أرضها .

ماهو موقف أصحاب المرجعية الإسلامية من باقي الأحزاب السياسية المدنية ؟ :
المرجعية الإسلامية المستندة للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والتي تسعي الأحزاب السياسية المدنية إلي تطبيقاتهما في الحياة المعاصرة بجميع أشكالها وألوانها , يجب أن يتبدي موقفها من باقي الأحزاب السياسية المدنية ذات نفس المرجعية الإسلامية المستندة إلي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة , خاصة في حالة تعدد تلك الأحزاب ووجود بعض الإختلافات في الرؤي الشرعية لمسألة من المسائل الدينية التي يتوجب علي تلك الأحزاب البحث عن حلول لها في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة , فماذا يكون موقف هذه الأحزاب من هذه الرؤي والإجتهادات التي تخالف بعضها البعض من حيث الرؤية والتفسير والإجتهاد والتصور في المسائل الدينية التي تريد تلك الأحزاب إنزال أحكامها المقدسة بمفهوم السماء إلي واقع الناس علي الأرض ؟!!
وكيف نصل إلي مراد السماء في تفسير وفهم منطوق وتفسير وتأويل تلك النصوص الدينية المقدسة التي تبغي الأحزاب السياسية إنزالها إلي أرض الواقع ؟!!
وما الذي يتوجب علي المواطنين فعله من ناحية إتباع الحزب السياسي المدني ذو المرجعية الإسلامية ؟!!
إذا تعارضت المفاهيم الدينية للبرامج السياسية لتلك الأحزاب في مسألة من المسائل الحياتية فبأي مرجعية يمكن أن نأخذ ونفعل ؟!!
وهل سيتم تفعيل مرجعية الحزب الحاكم فقط علي إعتبار أن المرجعيات الأخري مرجعيات معارضة خارجة عن إطار الحكم والسلطة ويتوجب مناهضتها وتخطئة أفكارعا ومفاهيمها السياسية المبنية علي المرجعية الدينية المستندة للقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة المطهرة ؟!!
وفي هذه الحالة هل يجوز تخطئة هذه النصوص التي يرجع إليها أصحاب المرجعية الذين يقفون في صف المعارضة السياسية علي خلفية من المرجعية الدينية ؟!!
أعتقد أن المرجعية الإسلامية المزعومة ستواجه بجملة من الأزمات المعوقة لمشروع المرجعية الإسلامية للأحزاب السياسية , ومن هذه المعوقات موقف هذه الأحزاب من الجماعات الدينية الجهادية , والسلفية بأنواعها المتعددة والتي لها وجود قد يكون خفي ويعمل تحت الأرض , أو وجود ظاهر يتحدي المجتمع في مفهومه للدين , والسياسة , بل والتحدي في عادات وأعراف وتقاليد المجتمع صاحب المرجعية الإسلامية والمأزوم بالجماعات الجهادية والسلفية المناهضة لكافة تيارات الإسلام السياسي وعلي رأس تلك الجماعات جماعة الإخوان المسلمين الخالطة للنهج الدعوي والنهج السياسي في مشروع واحد علي إعتبار أن ممارسة السياسة في مفهوم تلك الجماعات مخالف للكتاب والسنة , ومخالف لما كان عليه السلف الصالح !!
هل من الممكن وجود برنامج تفصيلي واضح ومحدد المعالم والملامح يحتوي حلولاً ولو جزئية للمشاكل المعاصرة في المجتمعات العربية والإسلامية , بداية من تولية الحاكم , وانتخابه , أو عزله وحاكمته , وكيفية تشكيل الحكومات , وإسقاطها , وكيفية رسم البرامج السياسية , في الحكم والسياسة , والديبلوماسية , والعلاقات الدولية والخارجية , وكيفية تطبيق الحدود في الشريعة الإسلامية , وتعيينها بنصوص قاطعة في فهمها ومعناها لتطبق علي الجميع بإعتبارها قاعدة قانونية شرعية , عامة ومجردة وتتصف بعنصر الجزاء ؟!!
وكيف يمكن تفعيل فريضة الجهاد بإعتباره ذروة سنام الدين الإسلامي , وذلك في إطار المنظومة العالمية المتربع عليها مجلس الأمن الدولي الذي يتم إصدار قراراته برعاية أمريكية , لها حق الإعتراض علي أي قرار , يصدره هذا المجلس الذي يكيل بمكاييل عدة ؟!!
أعتقد أن الأمر جد صعيب علي الأحزاب السياسية المدنية ذات المرجعية الإسلامية , لأنها لايمكن لها أن تتباري في تفعيل دورها في ظل أنظمة حكم فاسدة , وفي حالة غياب تلك الأنظمة ستتاج مناخات الحرية والإبداع , في كافة الأمور ومن ثم سيكون الدور للشعوب في تقرير مصائرها بعيداً عن إرادات الحكومات والأنظمة الفاسدة , وبعيداً عن وصايات الجماعات الدينية والأحزاب التي تدعي بأنها أحزاب سياسية مدنية ذات مرجعية إسلامية , ويكون للأديان دور المكون الرئيسي لوجدان الشعوب , كل حسب دينه , وتكون المرجعية للحق والواجب اللذين هما في حقيقة الأمر من أركان كل الأديان !!
وعلي كل حال ننتظر البرامج السياسية التفصيلية للأحزاب السياسية المدنية ذات المرجعية الإسلامية , لكي نناقشها ونتعرف عليها , لأنها منظرة بعقليات بشر يخطئوا ويصيبوا , ونحن بشر مثلهم نخطئ ونصيب , ومن حقنا جميعاً أن نتشاور في كل الأمور التي تخص الأديان كل حسب دينه , اما الأوطان فهي ملك لنا جميعاً !!
محمود الزهيري
[email protected]



#محمود_الزهيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرية العقيدة : مابين الموروث الديني والإلزام الدستوري
- هل يريد مبارك الأب إحتراق مصر ؟ !!
- عن الحل : كيف يكون الإسلام هو الحل ؟ !!
- أيكون شيخ الأزهر سباباً ؟!!: فهذا مانرفضه
- فلنقلب الصورة : ماذا لوحدث تحالف عربي إيراني ؟!!
- العبودية
- ياوطني : أصبحنا كلنا مرضي !!
- الإنسان
- علماء الدين : أين خطابكم الدعوي الواقعي ؟!!
- الدين والمفاهيم : أين الأزمة ؟
- الردة الحضارية : غياب العقل : تسيد الإستبداد : إحتكار مفهوم ...
- ويسألونك عن السجن : فقل لست بيوسف الصديق
- الحرام السياسي : بين الإخوان المسلمين والسلطة الحاكمة والمجت ...
- ماذا يشغل عقل المفكر الإسلامي ؟ : محمد عمارة نموذجاً !!
- رجال الدين الرسمي والتعديلات الدستورية : بين مفهوم الإسلام و ...
- هذا ليس بوطني , والحاكم ليس بإنسان
- إنتشار السل في مصر : هل هو مسؤلية المعارضة المصرية ؟ !!
- الأقباط : بين مطرقة السلطة الحاكمة وسندان الجماعات الدينية : ...
- روح شاكيد : رؤية مغايرة
- العزوف عن الإستفتاء علي التعديلات الدستورية : بداية العصيان ...


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود الزهيري - عن المرجعية الإسلامية في برامج الأحزاب السياسية المدنية : ملامح أزمة في التصور