محمد بن سعيد الفطيسي
الحوار المتمدن-العدد: 1901 - 2007 / 4 / 30 - 11:09
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
النفط .. الغاز.. الفحم , وغيرها الكثير من ثروات الأرض الطبيعية والتي قد بدأت بالنفاد أو قد أوشكت على ذلك , وبتحطيم نظرية الأبدية القائمة على أن تلك الثروات الطبيعية هي طاقة متجددة ولا يتوقع لها النفاد مطلقا , قد أدى إلى بروز الكثير من العوائق الاقتصادية و التجارية والمخاوف المستقبلية على استمرار وبقاء العديد من الصناعات الكبرى في مختلف دول العالم , وأول تلك المخاوف هو نفاد تلك الطاقة الطبيعية وعلى رأسها النفط , وكيفية مواجهة تلك الكارثة التي قد تتسبب بتوقف عجلة التنمية والاقتصاد في أكثر من دولة صناعية وغير صناعية لا تملك البدائل المناسبة لمواجهة تلك الكارثة و تعتمد بشكل شبه كلى على تلك الطاقة في تحريك عجلة اقتصادها , حيث انه ومن المتوقع أن العالم و ابتداء من 2010 تقريبا سيتحتم عليه مواجهة أن الباقي من النفط في جوف الأرض سيصبح أقل جودة وأصعب استخراجا مما هو عليه اليوم ، وسيبدأ ضخ النفط بالتناقص بشكل تدريجي ، وسيبلغ الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي أوجه في حدود عام 2020 , ثم سيبدأ هو بالتراجع كذلك , أما عن الفحم فقد بدأ بالفعل يدخل في مرحلة التناقص وتراجع الجودة .
وبالتالي فان الكثير من الصناعات الرئيسية والقائمة في بقاءها على ما تهبه الأرض من خيرات لبني الإنسان قد باتت مهددة بالانهيار , وكذلك فانه بات لزاما أن يتم إيجاد بدائل لتلك الطاقة كاستغلال الطاقة الشمسية أو المائية وحتى هذه فان هناك دراسات عديدة تؤكد أن صلاحيتها لن تستمر لمدة طويلة وانه سيكون لها وقت معين ستكون فيه غير صالحة أو كافية لبناء طاقة مفيدة لتحريك عجلة الاقتصاد العالمي ( وفي مقالة بعنوان " لنخطط الآن لعالم بلا نفط " يقول وزير البيئة البريطاني الأسبق مايكل ميكر: "يواجه العالم خيارا صعبا، إذ لا يمكنه مواصلة السير على درب الاستهلاك المتصاعد للنفط الذي يسير عليه الآن، محاولا الاستيلاء على ما هو متاح من إمدادات نفطية متبقية، بالقوة العسكرية إن لزم الأمر دون تجنب الاستنزاف المضطرد للقوة العالمية على الإنتاج، أو أن يتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، ومعايير أكثر صرامة لكفاءة استغلال الطاقة، وخفض مضطرد لاستعمال النفط، وقد يشتمل المسار الأخير هذا على استثمار جديد ضخم في تكنولوجيات توليد ونقل الطاقة )
وأمام الطلب المتزايد على الموارد والذي تتحكم به إلى درجة ملحوظة الزيادة المفاجئة في أعداد البشر , فأثناء الخمسين عاما المنصرمة لوحدها ازداد عدد سكان العالم أكثر من 3 بليون نسمة , ليقفز من 2.6 بليون نسمة في عام 1950 إلى أكثر من 6 بليون في عان 1999 , - وبالتالي – فانه ومن الطبيعي أن الازدياد في عدد السكان سينتج احتياجا زائدا في الغذاء والكساء والمأوى والضروريات الأساسية الأخرى للحياة , ولنتصور ذلك أمام التناقص اليومي لثروات الأرض الطبيعية , فوفقا لدراسة حديثة نشرها الصندوق العالمي للحياة البرية " wwf " في عام 1998فقد ( خسرت الأرض حوالي ثلث ثروتها الطبيعية المتاحة فيما بين 1970 و 1995 كنتيجة للنشاط البشري , أي أكثر مما خسرته في أي فترة أخرى من التاريخ , وقد كشفت الدراسة عن هبوط خطير في توفير موارد حيوية كثيرة ونوعيتها , بما في ذلك غطاء الغابات , ومصائد السمك البحري , ومنظومات الماء العذب , والوقود الاحفوري )
وقد أدت هذه النظرة لمستقبل الطاقة في العالم إلى إعادة صياغة العديد من المفاهيم والمخططات الاقتصادية والسياسية للكثير من دول العالم وخصوصا الدول الكبرى والمستهلكة منها , كان أهمها التحول إلى بناء تكتلات اقتصادية وأسواق تجارية ضخمة تعتمد على التبادل الاقتصادي والتجاري والصناعي " السوق المفتوحة " وإيجاد توازنات طبيعية لتغطية ذلك النقص في الطاقة في محاولة منها لعدم الاعتماد على خيار البديل الأوحد لتغطية أسواقها " الهشة " أو الانسياق وراء الاعتماد على تلك الطاقة كبديل أحادي لتسير اقتصادها , وعلى رأس تلك الدول الكبرى الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الاميريكية , فعلى سبيل المثال تعتمد هذه الأخيرة للحصول على طاقتها الصناعية على إطراف خارجية , وقد أدى هذا الاعتماد والتبعية إلى احتواء وتراجع القدرة والهيمنة الاميريكية وضعف سيادتها الاقتصادية والسياسية في كثير من الأماكن في العالم , ( فقد كشفت إحدى هذه الدراسات ارتفاع نسبة التبعية الأمريكية للنفط الأجنبي إلى ما يعادل 52% عام 2001 وتوقع أن يتفاقم هذا المعدل ليصل إلى أكثر من 66% عام 2020, كذلك فان الاستهلاك الأمريكي من النفط ســوف يرتفع بنسبة 56% مقارنة بحجم الاستهلاك الحالي ليرتفع من 10.4 ملايين برميل في الوقت الراهن إلى 16.7 مليون برميل بحلول عام .2020 ) , تليها الصين كثاني اكبر مستهلك للطاقة النفطية من الخارج حيث تستورد ما نسبته 70 % منها , وتعتبر السعودية أكبر مورد للنفط بالنسبة للصين إذ زودتها العام الماضي بنحو 5%من وارداتها النفطية، وإيران تزودها بنحو 4%، والسودان باعت العام الماضي 50%من نفطها للصين وهو ما يعادل 5% من الاحتياجات الصينية , وعلى هذا الأساس فان تلك الدول الكبرى وغيرها تعتبر النفط من أهم قضاياها الإستراتيجية والبحث عنه هو مسائلة امن وطني , وتأمينه هو مسائلة بقاء , في وقت أصبحت فيه هذه الثروة مهددة بالنفاد والانتهاء بشكل كلي من جوف الأرض .
كما فتحت تلك النظرة المستقبلية لمصادر الطاقة الطبيعية في مختلف أرجاء الأرض أعين الكثير من الدول النامية والفقيرة إلى أهمية ما تملكه من سلاح طبيعي " راهن " وانه قد آن الأوان لاستغلال تلك الطاقة لمواجهة العديد من مشاكلها الاقتصادية والسياسية المستقبلية كما حدث ذلك مع فنزويلا والجمهورية الإسلامية الإيرانية على سبيل المثال لا الحصر , ولكن – وللأسف – قد استغلت تلك الطاقة في الآونة الأخيرة بشكل غير أخلاقي ومبرر, وذلك لشراء ترسانة ضخمة من الأسلحة الفتاكة كانت نتيجتها مئات القتلى وآلاف الجرحى في أرجاء الأرض , كذلك قد تم استغلال تلك الموارد الطبيعية في قلب موازيين الاقتصاد العالمي عن طريق التحكم في أسعاره , مما شكل عقبة كبيرة في طريق تنمية وتطوير العديد من البلدان التي لا تملك تلك الثروة بل تستهلكها , كما قد استغلت العديد من الدول أهميتها واحتكارها لتلك المصادر والثروات الطبيعية كورقة ضغط سياسي أو سلاح ردع في غير محله لمواجهة العديد من مشاكلها وأخطائها الداخلية والخارجية الإنسانية منها والسياسية وذلك كوسيلة لكسر واحتواء العديد من القرارات الدولية الأممية الملزمة .
ولكن ورغم ذلك فقد تستغل تلك الثروات الطبيعية كأوراق سياسية رابحة وقوية في كثير من الأحيان و بشكل أكثر إنسانية وسلمية , بل ربما أن استغلالها بذلك الشكل قد يؤدي إلى رفع الظلم وإيصال الحق إلى أصحابه كما فعلت ذلك الدول العربية في حرب أكتوبر من العام 1973 ولكنه لا يعطي مبررا لأي دولة على وجه الأرض لاستغلال تلك الثروة لبناء ترسانة من الأسلحة النووية والكيميائية أو البيولوجية على حساب البشرية والأمن العالمي , وهذا ما لا يقبله المجتمع الدولي من أي كان وتحت أي ظرف من الظروف السياسية أو العسكرية .
وفي الاتجاه الآخر قد أدى تواجد هذه الثروات الطبيعية وتركزها لدى بعض الدول الصغيرة والنامية كدول الشرق الأوسط على وجه الخصوص إلى بروز نشاطات خارجية تكمن في تلك الأطماع الدولية و سعي العديد من الدول الكبرى للتدخل في شئونها الداخلية وذلك في محاولة منها لاختراقها واحتواء قوتها المتركزة في ما تملكه من تلك الثروات الطبيعية ولديها القدرة بها للسيطرة على أسواق التجارة العالمية والدولية , وعلى رأس تلك الدول التي برزت نشاطاتها في هذا الخصوص منذ فترة طويلة وتحت مسميات لا حصر لها الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الاميريكية والدول الأوربية وإسرائيل والصين أكان ذلك في القارة الأسيوية أو الأفريقية أو في بقعة من العالم , ولكن كان للولايات المتحدة الاميريكية بشكل خاص وسياستها التوسعية والامبريالية الدور الأكبر والأبرز بين جل تلك الأنشطة والتدخلات الدولية رغم تأخر ظهور هذه الإمبراطورية على مسرح السياسة العالمية حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر , وقد كان هذا التطلع على أساس حماية حقوقها التجارية ومصالح رعاياها .
ولكن تغير هذا المفهوم لصالح البحث عن بديل لنقص الطاقة لديها وبالتالي احتواء القدرة الأسيوية والعربية خوفا من إعادة واستغلال تلك الورقة كما اشرنا سابقا , وهذا ما شاهدناه من خلال تدخل الولايات المتحدة الاميريكية في عدد من الدول الأسيوية كالعراق وأفغانستان على سبيل المثال و هو ما تسعى إليه من خلال محاولاتها الرامية لاحتواء الجمهورية الإيرانية وارضاخها , وفي هذا السياق يقول مدير المخابرات الأمريكية الأسبق ويسلي: ( إن لدينا مصالح حقيقية في هذه المنطقة وفي السيطرة على آبار النفط المنتشرة بأكبر مخزون استراتيجي في العالم فيها، ولقد اعتقدنا دوما إن معيار قوة أنظمة الشرق الأوسط تكمن في أنها تستطيع إن تمنع عنا النفط في الوقت الذي تريده كما حدث في حرب أكتوبر 1973 وان الرسالة القوية والواضحة التي سننقلها هي أننا لن نسمح بمثل هذه الأعمال مطلقا، وان من يجرؤ على ارتكاب مثل هذه الأخطاء الإستراتيجية في منع النفط عن أمريكا لابد أن يعاقب وبدون تردد، وان قواتنا العسكرية ستكون جاهزة للتحرك في أي مكان في منطقة الشرق الأوسط من أجل تأمين مصالحنا الإستراتيجية (
وختاما فإننا نشير إلى أن العالم مطالب وبشكل عاجل إلى ضرورة التنبه الى خطورة سلاح الطاقة بمختلف أشكاله وأنواعه واستغلالها كورقة ضغط وابتزاز سياسية لتبرير العديد من الأعمال والأفعال الخارجة عن القانون والأخلاق والإنسانية والقرارات الدولية , وخطورة استغلال تلك الورقة بين بعض الدول الكبرى وخصوصا الدول التي تملك السلاح النووي , كما ظهر أخيرا بين الولايات المتحدة الاميريكية وروسيا ( حيث جاءت انتقادات نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني صريحة للنظام الروسي بقيادة بوتين في خطابه الذي ألقاه بمؤتمر «رؤى مشتركة من أجل جيران مشتركين» في الرابع من مايو الحالي بالعاصمة الليتوانية فيلينوس التي لا تبعد كثيرًا عن جدران الكرملين ذاته، حيث وجه تشيني اتهامًا وانتقادًا صريحًا لروسيا بتراجع الديمقراطية فيها واتهامها بـ«استخدام القوة الاقتصادية واحتياطات الطاقة الروسية لابتزاز جيرانها» وكان الأمر الأكثر إثارة هو عدم توجيه الدعوة لروسيا لحضور المؤتمر الذي عقد على أرض ليتوانيا - التي كانت تعد من أبرز أجزاء الاتحاد السوفييتي السابق - وهذا الاستبعاد من المشاركة يعني التهميش وعدم الاعتراف بالجار الروسـي ) وأهمية الإسراع العالمي لإيجاد حلول منطقية وعقلانية للبحث عن مصادر للطاقة بعيدا عن الأطماع التوسعية والامبريالية الرامية لاحتواء واحتلال الدول الصغيرة والفقيرة اقتصاديا والتدخل في شئونها الداخلية سياسيا تحت ذرائع واهية كالديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها , وهي في حقيقة الأمر تسعى الى السيطرة على ثرواتها الطبيعية ومواردها الاقتصادية , كما أن العالم لابد له من الانتباه إلى الطريق الذي يتجه إليه بهذا الاستنزاف المتزايد لثروات الأرض , وهو ما يشكل تهديدا اخطر واكبر على البشرية من الأسلحة النووية
كاتب وباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
سلطنة عمان
#محمد_بن_سعيد_الفطيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟