|
الهوية الفلسطينية في الطريق الى الضياع
مجدي السماك
الحوار المتمدن-العدد: 1901 - 2007 / 4 / 30 - 11:47
المحور:
القضية الفلسطينية
عند النظر إلى التحولات العميقة التي حصلت للشعب الفلسطيني في المرحلة الحالية " الحديثة" من تاريخه النضالي ، أجد نفسي مضطرا أن احدد نقطة معيارية اتكئ عليها للمقارنة بين ما هو متغير في هذه الصيرورة النضالية ، و ما اقترن بها بشكل وثيق من قيم و مفاهيم و تصورات أسست لمرحلة جديدة ، مرتبطة بأحداث و تطورات فارقة حدثت بعد هذا التاريخ أو الحدث المعياري . من هنا وقع اختياري على اتفاقية أوسلو كحدث مفصلي يصلح لهذا الغرض . لقد أحدثت هذه الاتفاقية تحولات عميقة ( جوهرية) في الانتقال الجغرافي للفعل النضالي الفلسطيني ، حيث كان الخارج أو الشتات يمثل مركزا للنضال الوطني ، و كان الداخل الفلسطيني بمثابة رافدا نشطا لهذا المركز ، مع ملاحظة أن المركز كان يدور حول و يرتبط بمركز آخر أكثر ضيقا و هو ساحة تونس ، بحكم تواجد مقر القيادة الفلسطينية في هذا البلد العربي ، و ما ترتب عليه من محورية مركز ثقل العمل السياسي و التنظيمي و الإداري . هكذا كان الأمر قبل توقيع اتفاقية أوسلو . أما بعد توقيع اتفاقية أوسلو فقد تحول الداخل الفلسطيني إلى مركزا للفعل النضالي الفلسطيني ، وتحول الخارج إلى رافد لهذا المركز ، و بهذا انتقل مركز الثقل السياسي و النضالي إلى الداخل الفلسطيني . لقد ترافق مع هذا الانتقال إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية و تهميش دورها و تأثيرها سواء على الداخل أو الخارج الفلسطيني . طبعا ترتب على ذلك شرنقة كل ساحة فلسطينية بمفردها ، بمعنى لم يعد هنالك تواصل نضالي و توحد للفعل الفلسطيني على الساحة الأردنية مع نظيره على الساحة اللبنانية ، و غيره من بقية الساحات أيضا . بمعنى أو بآخر أصبحنا أمام جزر فلسطينية مبعثرة في كافة أرجاء المعمورة دون رابط حقيقي لها و دون بوتقة نضالية تصهر وتوحد و تقود فعله . إن مكمن الخطر هنا هو في التغير المرتبط بالهوية النضالية لشعبنا في الشتات ، و ما اقترن بهذه الهوية من خمول و تبعثر للطاقات و غياب التوجيه و القيادة و الإدارة و التنظيم لهذه الطاقات المغيبة و لهذه الهوية النضالية . و هذا بدوره فتح الباب أمام تفشي و انتشار و سيادة الكثير من المفاهيم و التصورات و أنماط الحياة كانعكاس حي للتغيرات الدولية و الإقليمية ، في ظل غياب من يحصن و يحمي شعبنا منها ، أي غياب المنظمة و دورها القيادي . كذلك في الداخل الفلسطيني أيضا، أصبحت التنظيمات الفلسطينية المنضوي منها في إطار المنظمة و من هو خارجها ، تمارس فعلها النضالي ، كل كما يشاء ووفقا لرؤيته و تقييمه و تصوره لحقائق الواقع و قدرته على فهمه و تحليله و كيفية التفاعل معه إيجابا أو سلبا . و بهذا ممكن القول إن التنظيمات في الداخل أصبحت كأنها جزر معزولة أيضا ، و إن كان بدرجة اقل بحكم و جود الكل تحت نير الاحتلال و وطأته . قبل اتفاقية أوسلو كان النضال الفلسطيني موحد و مقاد من قبل منظمة التحرير ، أما ألان و للأسف لم تعد المنظمة عنوانا لنضال الشعب الفلسطيني ، و تحولت إلى كم من الخطابات و الشعارات الفاقدة للنوعية و الغائبة عن شروط المرحلة ، نعود للمنظمة عند الحاجة إليها لأمر آني أو لمصلحة حزبية و فؤية ضيقة . و مثال على ذلك دور المنظمة سابقا أثناء ازمة جورج حبش في فرنسا و مبعدي مرج الزهور و دورها حاليا من مبعدي كنيسة المهد و إحياء ذكرى يوم الأرض الفلسطيني ، هذا بالإضافة إلى نشاط السفارات و دورها في الخارج . من التغيرات ذات الأثر الهام التي حصلت بعد اتفاقية أوسلو ، هو تشكل طبقة برجوازية صغيرة و شريحة موظفين تنتمي إلى نفس الطبقة ارتبط و جودها بوجود السلطة الوطنية و اتفاقية أوسلو ، و أصبحت هذه الطبقة في تبعية أيديولوجية و سياسية لآلة الإنتاج ألمفاهيمي و السياسي للسلطة الوطنية ، و هذا بحكم أن دخلها الشهري مصدره الخارج و ليس الذات الفلسطينية ، و ليس الاقتصاد الفلسطيني الذي فشلنا في بلورته كاقتصاد حقيقي إنتاجي ، بشكل قادر على الصمود أمام تحديات تفرضها الهيمنة الإسرائيلية على كافة جوانب حياتنا . المفارقة هنا أن برجوازيتنا الفلسطينية الصغيرة هي برجوازية في الاصطفاف السياسي و الثقافي دون أن يكون لها موقع من عملية إنتاج صناعية فلسطينية محلية ، و بذلك تبدوا كأنها برجوازية في مجتمع الرأسمال و الصناعة الأوروبية و الأمريكية . هذا احدث شرخ في الجسم النضالي و الهوية الكفاحية للشعب الفلسطيني ، حيث كان الداخل الفلسطيني كله مع مقاومة الاحتلال قبل اتفاقية أوسلو ، و انصع مثال على ذلك هو المشاركة الجماعية لكافة طبقات و شرائح الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الأولى . أما الآن فهناك مساحات من الجماهير ضد مقاومة الاحتلال . لقد أصبح الفعل العسكري الفلسطيني غير محتضن من السلطة و من منظمة التحرير ، وبهذا يفقد عمقه و أثره و قدرته على صنع حقائق سياسية تناسب فعله وحجمه ، ولم يعد بقدرة منظمة التحرير الحالية استثمار نتائج الفعل الفلسطيني المقاوم بحكم ضعفها و خيارها السياسي المكبل لها و لإرادتها . كذلك إن السلطة الوطنية أصبحت تقوم بدور الوسيط بين المقاومة و إسرائيل ، مثلما هي الوسيط أيضا بين الموظف و راتبه القادم من أوروبا و أمريكا . و بذلك توقفت السلطة الوطنية عن كونها خطوة باتجاه الدولة الفلسطينية المنشودة و أصبحت هدفا نهائيا لصانعيها . و هنا يبرز السؤال : هل من الممكن جعل السلطة الوطنية محطة في اتجاه إقامة الدولة دون استثمار الفعل المقاوم للجماهير ؟ و دون تعبئة طاقات الجماهير في الداخل و الخارج ؟ أجيب بالسلب ، لان الانجازات التاريخية للشعوب هي نتيجة لفعلها الخلاق بذاتها و كفاحها الهادف و المضني .
#مجدي_السماك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|