أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جمال المظفر - جمالية الصورة والمعنى في شعر رنا جعفر















المزيد.....

جمالية الصورة والمعنى في شعر رنا جعفر


جمال المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 1901 - 2007 / 4 / 30 - 09:09
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


نصوص صوفية وطلاسم ورقى ولوحات سريالية وأخرى تجريدية وسباحة ضد التيار في زمن فوضى النتاج الشعري المستنسخ الذي يملأ رفوف المكتبة العربية والعابر كمرور الكرام امام اعين المتلقين والنقاد والمتذوقين.
نصوص تصل الى درجة الرقي لروعة الاسلوب حتى لكأنك تسبح في فضاء لوحة اعطى الرسام الماورائية مساحة للتأمل واستنطاق الواقع عبر صور ايحائية ترميزية خالية من الاسفاف والتكرار.
الشاعرة رنا جعفر ياسين علامة بارزة من علامات الشعر العراقي الحديث تمتلك شاعرية ترقى الى مصاف الشاعرات الكبيرات اللاتي تركن بصمة في الشعرية العربية والعالمية ، نصوصها صادمة ومؤثرة ، شاعرة سبقت عمرها الزمني بتجربتها المتميزة ، لها ملكة ذهنية عالية ولها القدرة على التلاعب بالمفردات ..
من اعالى الخوف نزلت
ابحث عن العابي ، سكراب بيتي
قوتي وحذائي
قمري ، رأس الناقوس المقطوع
شرطي قطعوا رأسه في باب الدار
............................
............................
من درك مفقود
اصعد للشمس.... ابحث عني.
سؤال صار يلازمني وانا اقرأ المجموعة الشعرية الاولى للشاعرة رنا جعفر ياسين ( طفولة تبكي على حجر ) الصادرة عن الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق وهو هل ان القصيدة هي التي تداهم الشاعرة مثلما تداهم الكثير من الشعراء أم ان رنا هي التي تقود المفردات الى اشكال شعرية متفردة ومتأنقة:
في آخر الزقاق
ارى المارد يعمد الاطفال بالخطيئة
يلعب معهم بعظام اباءهم
وفي موعد النوم
يدثرهم بنزيف الامهات
على افخاذهم يحفر جوعا للفرح
وعند باب جارهم..
يخلع وجهه ليرتق الرحيل.
اربعة شواهد يبكي عندها الاطفال هي مكونات المجموعة الشعرية ، فالعنوان مثير واعتمدت فيه اللامباشرة ، فهي لم تقل بكاء الطفولة على الحجر وانما اعطت الطفولة صورة اعمق في البحث عما وراء الاحجار للبحث عن بقايا عظام ابائهم الذين اكلتهم الة الحرب والارهاب .. ولانها فنانة تشكيلية طعمت صفحات مجموعتها بعدد من التخطيطات التجريدية والتي تدل على رموز وطلاسم لها علاقة بالغيبيات والماورائيات ولغة السحر والحكايات الميثولوجية والاساطير القديمة ، انعكست رؤيتها الفنية على صورها الشعرية ، فصارت المجموعة عبارة عن لوحات تجريدية وطلاسم لايحل لغزها الا العالم بفنون السحر والخيال .
لا .... لا ...
لاتقتلني
انا طفل وأدته الحرية
اصابعي قطعوها ... هي في جيبي
ولساني نشروه على حبل عربي
أو لي من يترفق بي لأموت طريا؟
خلال قراءتي للمجموعة لم أر هناك نصا عاديا ، أو نصا بدون حبكة أو صورة شعرية غير مباشرة ، ليس هناك اسفاف أو لغة مترهلة ، وجدت نصوصا مختزلة مكثفة شذبت اطرافها بعناية الفنانة التشكيلية المتمكنة التي تستطيع ان تجعل من نصها ثيمة فنية لغوية محكمة غير قابلة للتأويل :
صوت
صوت
ها ... اسمع
اطفال باعوهم بصمات منهوبة
يغنون على ضفة الموت
يرقص عصفور في حلقي
ويسيح الوطن المحبوس.
سؤال آخر يدور في مخيلة أي كاتب او قارئ من المتذوقين او المستبطين والباحثين عن خفايا الكتابة واسرارها هل ان الشعر هو انعكاس لسلوكيات الشعراء وتجاربهم العاطفية والعملية أم انه هذيانات اللاوعي وافرازاته الهرمونية التي تشكل هلاميات لغوية قد تكون غير مفهومة احيانا ، أو ربما يصدم الشاعر بلغته التي شكلت النص – القصيدة - .!!!
مازلت
كما عهدتني
اعوم في طوفاني الاعزل
اثور في جسدي
فللحلاوة ثورة
كما المرارة
اسكبني
فوق جرح في اليسار
تطوى
فأنكسر بين ضلوعك
اذوب في مساماتك
انصهر بأنفاسك
اشهق صوتك
وربما
اثور فيك !!
الواقع يعكس تلاوينه على مخيلة الشاعرة ، الموت ، الدمار ، الاحتلال ، الانكسار، الحرائق ، الجثث المتفحمة ، الانهيارات السياسية والفكرية والاخلاقية ، المآتم ، الشواهد والقبور ، الحجر الذي يبحث عنده الاطفال عن بقايا اسئلتهم ، عن آبائهم المنفيين الى الابد دون وداع مسبق لعاصفة بارودية انتشلت بقايا الذكريات :
في جوفي..
بقايا طفلة
تلعب بالشظايا
تهدهد لحدها
ثم
تموت في سكون
ياله من مهرجان عاطل
كأنه ضجيج
أو توان يلعق القلق !!!
الشاعرة تحول الواقع الى لوحات مؤطرة بموهبة فذة ومطاوعة للذات الأنوية الحالمة ، تحيل المفردات الى تعاويذ كتلك المنقوشة على الاختام الاسطوانية البابلية ، التعاويذ التي تحملها النساء بين نهودهن لدرء الحسد أو لاستعطاف محبة الزوج أو حتى الاسحار التي تعملها الزوجات لازواجهن ويعتبرنها حقا مشروعا في الحفاظ عليهم من – الخمط – الذي تمارسه الغانيات واللعوبات وقدرتهن على سرقة بعولتهن برمشة عين :
يوما ما :
وجدت اسطورتي بلا عجائب
سقطت منها
الاحجيات
وطلسمي اذابه حجر الطواحين
ياعفريت
لاتخلط بالماس رملي
فعلى هوائي يحبو العفن
ورئتي يتقرن فيها عطر النرجس
تهرم ...
تتفسخ.
رنا جعفر تجاوزت حدود الاشكالية الجنسية أي انها لاتكتب بذات الانثى وانما بذات الشاعرة المتحررة من الصبغة الانثوية ، فنرى ان نصوصها التي اعتمدتها في المجموعة والتي جميعها عبارة عن نصوص قصيرة مكثفة تلج فضاء غير محدد بجنس ، ولااقصد هنا الجنس الادبي وانما الجنس البشري :

من غهب في عودة مجهولة القسمات
بأن الوغى
والماء احمر
والسماء بداية
والموت سر العائدين
ارفع عن الوجه المدنس بالمهالك
باقي ساقك
لاتخدش كبرياء الميتين
فالحب في اليمنى
والشجاعة في الشمال
والقلب بارد
والدمع يركض صوب هجيرك المألوم
هناك أكتب
( قلبي على وطني
قلبي على أمي
قلبي على قلب سقط من والدي يوم الولادة )
وللشاعرة رنا جعفر ميزة خاصة تميزها عن باقي الشعراءوهي امتلاكها لموهبة فطرية في الرسم تزاوجها مع موهبتها الشعرية الفطرية فتخرج صورها الشعرية برومانسية وشفافية عاليتيتن قلما يصل اليها الشاعر الذي يمتلك شاعرية عالية ، فالفن دائما يعطي النصوص الشعرية مسحة جمالية وايحائية اعمق ورومانسية تجعل المتلقي يحلق معها بخياله اللامحدود :
من اين يأتي الصبح بالمكائد،
وحراس الليل
ناموا في حقائبهم
واطفال البلاد مازالوا يغطون في خوف عميق ؟!!
جميع المقاطع القصيرة التي تضمنتها المجموعة والتي قسمت الى اربعة ابواب تحت عناوين ( عند الحجر 1، عند الحجر2، عند الحجر3 ، عند الحجر4 ) هي قصائد نثرية ولكنها تعزف على وتر متعدد النغمات بأيقاع موسيقي هورموني يعطي النص لذاذة التواترات اللحنية:
الشمع يلهث
على جلدي يسيح
وانت تفيق بين وحل وخاتمة
ومدينتي تتبخر.
الشاعرة تتقن فن الاغواء ، اغواء الناقد والقارئ والمتذوق الى الدخول الى عالمها الغرائبي الملئ بالدهشة بعيدا عن التأويل لأن الصور واضحة ولاتحتاج الى فك الطلاسم كما تحتويها الرسوم في متون المجموعة لكي توضح الصور اكثر مما هي اشد وضوحا مع عتمة المشهد ودمويته :
لاوقت للموت
الاستشهاد في الاعناق
والقلائد في الخزائن
تتكلس
الطاعون يفتك بالمرايا
والمواعين تصل
لاوقت للموت
الروح تعربد
والكفن تقيح
واللحم
بارد
بارد
وفي نص آخر جميل تحاور الآخر بلغة الطفل الذي مازال يلثغ الحروف في سنيه الاولى:
تعريت من سنيني
ألاأجمع لك العنب اليابس في جيوبي ؟
فتلبسني محاسني
وتخلع عني سوئي
* * * *
تحت الوعيد والقنابل ، خرائطي تركض
تبحث عن نهر
تعثر
سقط في ب ا ل و ع ة ...!!!
وفي نص ملئ بالغرابة والدهشة ، ملئ بالصور المتحركة الراقصة على وتري العشق والخيانة ، اللذة والجنون ، العفة والعري، الشهوة والانكسار ، محاكاة الانا المتعرية من ادواتها اللفظية والمجازية ، استوقفني كثيرا هذا النص وأنا أقرأ مفرداته العارية :
هاك القدر
هيا امتزج وياي في خرافتي بالحب
هل انت مثلي؟
في الفراق تمد قلبا للوراء
وفي الخلود، ربما تشتاق لي
ياأنت
يااياي
ياكل الضمائر في سفرنا المألوم
المكتوم
عن بوح الاماني
لك العشق
ولي بقايا من خياناتك
انا كنت كلك
ومن دونك صرت – اليوم – نتفة من بعضي
أنا أنا
........ من وجدت البئر في حلق السباع
فشاركني خداعي ...
رنا تتنهد ، ترقص ، تلاعب الكلمات بأطراف اناملها ، تحاكي الحروف بشفافية رغم الالم الذي ينخر قواها ويعتصر فؤادها ، تغني اغاني الاطفال وهم يحملون حقائبهم المدرسية في صباح خريفي يوزع نسمات باردة على وجوههم ، طفلة تلهو بالدمى الى لحظة كتابة النص :
ياطفلا من خشب
متى سيحييك الله؟
لتلعب معنا
في البلد المجاور
لعبة العسكر والحرامية
...............................
..............................
ياطفلا من ماء
تبخر
تكثف في غيمة
امطرنا وطنا من بلور
لنلعب فيه...
واجمل مافي مجموعتها الشعرية الخاتمة التي انهت بها قصائدها تحت عنوان هوامش
• الاطفال وان تعثروا بكل هذه الاحجار ... مازالوا في نواح ربما ، يبحثون عن حجر آخر !!
• مازال الصوت خفيا ..... ومخيفا .
• بحثوا بين الازقة عن بقايا الاطفال ليقيموا متحفا لطفولة هرمت في زمن الحرب

ومازاااااااااال البحث جاريا ..!!!
رنا جعفر ياسين شاعرة كبيرة ومتألقة لها مستقبل كبير في الشعرية العراقية بل والعربية لما تمتلك من ادوات وخيال يؤهلانها لان تكون مشروع شاعرة متفردة لها المجال لاستكشاف المزيد من القدرات في داخلها الذي سيشي بالكثير الكثير من الابداع في يوم ما ، فعلى النقاد ان ينتبهوا الى هذه التجربة التي تستحق الوقوف عندها كثيرا وخصوصا ان الادب العربي رغم انه يزخر بالنتاج الشعري الا ان الاصوات الشعرية النسوية تكاد تكون قليلة بالنسبة الى حجم الشاعرات الكاتبات لفن الشعر .



#جمال_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واحدا واحدا يرحلون/ اصدارات جديدة
- موت آخر النبوءات
- مرقاب خفي/ الجدل الشعري والأيحائية المستترة
- مرقاب خفي/ الجدل الشعري والايحائية المستترة
- اغتيال سيدة الاقمار الثلاثة
- غرام في خانة الشواذي
- اغتيال الشرف العراقي
- عرض لمجموعة ( بغداد نرحل منك.. اليك )
- قراءة في غيوم من قصب
- اغتيال أمير الصعاليك
- لعينيك أغني
- تشظيات على جدران المنافي
- مومسات في الذاكرة/ قصة قصيرة
- أمية النهد الشرقي
- ترانيم على بقايا المقصلة
- قراءة في رواية البلد الجميل... التنافذية والبناء الاسطوري في ...
- كتابات للعقل الباطن
- من ينصف المظلومين
- أنشودة الخريف
- سمرقند .. نكهة أنثى أم قطعة سكر


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جمال المظفر - جمالية الصورة والمعنى في شعر رنا جعفر