|
ماذا لو انسحبت امريكا من العراق ... ؟
سامي البدري
روائي وكاتب
(Sami Al-badri)
الحوار المتمدن-العدد: 1900 - 2007 / 4 / 29 - 03:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ عام تقريبا ،وشبح هذا السؤال يتصدر اوراق حسابات وتكتيكات عمل الساسة العراقيين ،ويسبب لهم الونا من القلق والخوف من مواجهة الشعب ،فيما لو قررت الولايات المتحدة فعلا تغيير وجهة تكتيكاتها السياعسكرية ،وحولت جهد قواتها التي تحتل العراق من دور الشرطي الذي يوفر لهم الحماية ،خلف متاريس المنطقة الخضراء ،لتعود بها الى صفتها الاصلية والى دور القوات العسكرية كقوة ضاربة ،والى مكان تواجدها الطبيعي ـ بعد انهائها لاعمالها العسكريةـ في الثكنات والمعسكرات الثابتة ،او الانسحاب من العراق نهائيا ،وتركه شعبا واحزابا وساسة ليواجه مصيره وليخرج نفسه من حزم المشاكل التي صنعها دهاقنة عملية الاحتلال وباقي اطراف صناعة الازمة العراقية . هذا الخيار المفزع ،والذي بات مصدر القلق الاول لواجهات احزاب السلطة الحالية ،رسم له المحلل السياسي توماس فريدمان (وهو احد اهم منظري اليمينية الامريكية الجديدة وحرب احتلال العراق) واحدا من اكثر السيناريوات قتامة وتنصلا عن مسؤولية نتائج وافرازات حرب احتلال العراق ،والذي لخصه في مقاله الموسوم : (تحديد موعد الانسحاب ... خيار امريكا الوحيد في العراق) . ورغم سعي فريدمان لتعميم اثر مصطلحي (سنة وشيعة) ـ كقطبي صراع ـ لتشمل الشعب العراقي ككل ،الا ان حقائق الارض تجبره في النهاية على رهن اوجه واسباب واهداف الصراع بمصالح مجموعة الاحزاب التي جاء بها الاحتلال على ظهر دباباته لتمرير اجندة الاحتلال من خلالها عندما قال : (في الوقت الراهن ،نجد ان كل طرف من الاطراف قد حصل على نصيبه من كعكة العراق وينعم بالتهامها على حسابنا ـ وهو ما يجب ان يتغير ) . واعتقد ان البعيد قبل القريب يعرف ،ودون أي شك ، ان الشعب العراقي ،وبكافة مكوناته من سكنة (المنطقة الحمراء) ،لم يكن طرفا في عملية الالتهام هذه ،وان عملية التهام كعكة العراق كانت مقصورة ـ باختيار وتدبير وتصميم قوة الاحتلال ـ على سكان المنطقة الخضراء وملحقاتها المحيطة بها حصرا . الملفت للنظر في سيناريو او تحليل (اكثر من صفق وروج لحرب احتلال العراق) هو اعترافه الصريح بان العراق يعيش حالة حرب اهلية ،يدعي انه من شبه المستحيل السيطرة عليها ،ولذا فانه يبني تصوره لخلاص قوات بلاده على انسحاب عاجل ،يحدد له الاول من ديسمر/كانون اول القادم ،كي يقضي جنودها عطلة عيد الكرسمس بين اهلهم واصدقائهم ،وليواجه العراقيون ـ من سكنة المنطقة الحمراء طبعا ـ مصيرهم ، ما داموا قد اختاروا لانفسهم ـ وكانها لم تدبر لهم وتفرض عليهم من قبل دوائر الاحتلال ومن تخندق معها ـ مصير الحرب الاهلية ،وفق الرؤية التالية : (فالسنة الذين بدأوا هذه الدورة المميتة من العنف يشاركون في الحكومة ،ويتفاوضون معنا ،ويهاودون المفجرين الانتحاريين والمتمردين . اما الشيعة فهم يتعاونون معنا ،ويديرون فرق الموت الانتقامية التابعة لهم ،ويتعاملون مع ايران)! ولا ندري ان كان هذا التصور المتجني يعكس حالة العمى السياسي التي يعيسشها صقور البيت الابيض من المحافضين الجدد ،ام هي مجرد انذار ترهيبي لدول الجوار العربية تحديدا ، في محاولة من مهندسي مشروع الشرق الاوسط الجديد ، لابتزازها لتمويل قادمات سنوات حرب هذا المشروع ؛لانه ،وفي الفقرة اللاحقة من تحليله يقول : (اما العرب ،فيطلبون منا عدم المغادرة في الوقت الذي يرسل بعضهم مفجرين انتحاريين الى العراق ويضخ الدولارات الى المتمردين ) ،وهذا الكلام موجه الى دول الخليج النفطية تحديدا ،لانه يعود في فقرة لاحقة ليضيف الى قائمتها سوريا ـ غير النفطية وغير الغنية ،بل وبعد ان يستعرض الدور الايراني : (اما ايران فهي تحث حلفاءها من الشيعة على الاستيلاء على المزيد من السلطات مع مساعدة الاخرين ـ يقصد المقاتلين السنة ـ على قتل الجنود الامريكيين ) ،اذ يقول عن سوريا : (وسوريا تفعل الشئ نفسه ايضا ) ،ومعروف ان سوريا الفقيرة الموارد ،وان اقتضت مصلحتها اغراق الجيش الامريكي في مستنقع حرب طويلة في العراق وقتل اكبر عدد من جنوده ،فان خزينتها كلها لاتتوفر على 10%من كمية الدولارات التي رحى عجلة حرب العراق الاهلية! وعند هذه النقطة يقرر فريدمان اطلاق قرار سحب الولايات المتحدة ليدها ـ ولكن بصيغة التهديد لا القطع ـ من الحرب التي اشعلتها بين سنة وشيعة العراق : (حسنا يا اصدقاءنا ! انتهى الحفل وانفض السامر)!وحتى قبل ان يحذر اطراف الصراع كل من خطر الطرف الثاني ،وايضا يحذر ايران نفسها من لهاثها المحموم خلف حلم حكم شيعة العراق ،هدفها الذي يرى انه ستحقق لها بمجرد سحب الادارة الامريكية لقواتها بقوله : (وانتم ايها الايرانيون : انكم تظنون انكم تكسبون ،حسنا .. فليكن الامر كذلك ،ولكن عليكم ان تعرفوا اننا لو غادرنا فانكم ستكسبون شيئا آخر هو (الحق !!!!) في حكم شيعة العراق ،وما ادراكم ما ذلك )!! ورغم ان مقال فريدمان قد يكون قد استوفى شروط نضجه التكنيكية عند هذا الحد ،الا انه يفضل ان يزيد فيه ما هو اهم من كل ما تقدم عندما يكشف عن حقيقة نوايا ادارته في حصر شكل انسحابها من العراق في الانسحاب من الشارع ـ مسرح صراع احزاب السلطة وميليشياتها ـ الذي مارست فيه ، خلال السنوات الاربع الماضية ،دور الشرطي الذي لم ولن يجيده أي جيش حربي هجومي ،وخاصة اذا ما كان ـ الشارع ـ يعيش حالة حرب داخلية ؛وايضا بكشفه لهدف وغاية عملية احتلال العراق بالقول : (ويجب علينا الا نكتفي بذلك ـ يقصد الانسحاب ـ وانما نعمل ايضا على فرض ضريبة تؤدي الى ايجاد سعر اساسي للبنزين يظل ثابتا الى الابد هو (3,5 ) دولار للجالون الواحد )! و ( عندما يتم ذلك فانه لن يهمنا ما الذي ستفعلونه في الشرق الاوسط ،لاننا لن نكون بحاجة اليكم ) . وفي ضوء هذا التحليل /السيناريو نستطيع ان نضع ايدينا على النقاط التالية ،والتي تمثل الصورة الصورة الحقيقية لاهداف حرب غزو واحتلال العراق : 1ـ ان ثروة العراق النفطية واحتياطيها الضخم ،كان هدف الاحتلال الاول والاهم . 2ـ ان تمزيق لحمة النسيج الاجتماعي للشعب العراقي كان الوسيلة الانجع والاسرع لتكريس عملية الاحتلال ،عن طريق الهاء العراقيين فيما بينهم ـ في حرب اهلية تدوم لسنوات طويلة ،باصابع الادارة الامريكية وبعض الاطراف الخارجية الاخرى ـ عن الوجود الامريكي اولا ،ولجعل الحاجة مستمرة لهذا الوجود لاغلب الاطراف التي سيكون عندها الاستعداد لدخول حلقة النزاع على مراكز النفوذ والسلطة والثروات ثانيا . 3ـ تقديم صورة واضحة للمصير الذي ينتظر من قد يفكر بعدم الاذعان او الخروج على طاعة العم سام . 4ـ التعرف على هويات وتوجهات ومصادر تمويل الاطراف الطامعة في السلطة (فصائل المعاضة) لدول الشرق النفطي ،من اجل استثمارها او العمل على الامساك والتحكم بخيوطها وتوجهاتها . وعلى ضوء ما تقدم ،نكون الان قد وضعنا ايدينا على بعض ملامح السيناريو الاكثر احتمالا او الجواب الاكثر اقناعا للسؤال الذي بدأنا به هذا المقال : (ماذا لو انسحبت امريكا من العراق ؟) وعليه نتوقع ان يكون شكل هذا الانسحاب صوريا او جزئيا ،أي الانسحاب من الشارع الى الثكنات المحصنة والبعيدة عن خطوط اطلاق نار حرب الاحزاب والقوى التي تمثيل مسلمي العراق . وهذه الحرب التي ستعمل ميليشيات هذه الاحزاب على تعميمها على جميع شرائح ومكونات المجتمع من خلال ترويج برامج وممارسات دعائية وهجومية ،من اجل اشراك اغلب افراد الشعب في حرب (الدفاع المقدس) عن مقدسات وثروات وحقوق وطهارة كل مذهب ضد اتباع المذهب الاخر . وستتحمل مدينة بغداد ـ كما هو حالها الان ـ النصيب الاعظم من اوزار هذه الحرب ،لتوسطها بين طرفي النزاع . وبما ان شيخي عشيرتي طالبان وبرزان سيعملان على استثمار فرصة الاقتتال هذه ،فانهما سيدفعان بقوات البيش مركة لاحتلال مدينة كركوك النفطية (ومن اجل ثروتها النفطية فقط ) ،وتحصينها بافضل وحدات البيش مركة ،يدريبا وتسليحا ،تحسبا لقرار سني متوقع للدفاع عنها او القتال من اجل آبارها النفطية ،باعتبار ان لا بديل امامهم لتمويل حربهم مع الشيعة نالذين يحصن (ثروتهم) النفطية عمق جغرافي يصعب اختلراقه ،ومنفذ بحري وبري ـ العمق الايراني ـ لتصدير ناتجها بسهولة ويسر .. ووفقا لتوقع فريدمان في ان ايران هي من ستحكم شيعة العراق ،فان ايران هي من ستتصدى لمواجهة سنة العراق ،تخطيطا وتسليحا ،على اقل تقدير ؛ وهذا ما سيجبر دول الجوار السنية ـ الاردن والسعودية ـ على التصدي للهجمة الصفوية الجديدة ،والتي لن تكتفي هذه المرة بتهديم مرقد ابو حنيفة واعادة اعمار مرقد علي الهادي ـ بحكم ظرف التهديم الذي تعرض له هذا المرقد في هذه المرحلة ـ وانما ستكون له تطلعات اخرى تتعدى الحدود العراقية لتهدد الرياض وعمان وربما عواصم خليجية اخرى ،ان لم تلتهب لوحدها تحت تاثير القدح الايراني في العراق . هذا طبعا ما حاول ايصاله فريدمان بين سطور تالسيناريو الذي رسمه ـ حسب تصوري ـ بمشورة وتوجيه بعض صقور الادارة الامريكية ،في محاولة يائسة لاجبار الدول العربية للتدخل لدى السنة ،من اجل تخفيف الضغط عن قواتها التي تحتل العراق ،والتي تنهمك الان في انجاز المراحل الاخيرة لاكبر واحدث قاعدة محصنة لقواتها في المنطقة كلها ،وهي قاعدة مدينة بلد ،80 كم شمال بغداد . والسؤال المهم الذي يستتر خلف هذه اللعبة هو : ( كم عاما ستقضي قوات الجيش الامريكي في الثكنات المحصنة قبل ان تستجيب لندءات وعروض التحالف (الاستسلام السياسي) ومن حصة أي طرف ستكون ؟وما هو الرقم ـ عدد السكان ـ الذي حددته اجندتها كسقف يسهل التعامل معه ممن سينجون من براثن الحرب الاهلية ،التي تحصد الان ،وقبل اعلانها الرسمي، اكثر من 300 شخص في اليوم الواحد، ومن اية شرائح او هويات (مستوى ثقافي اجتماعي) سيكون افراد هذا السقف ؟ هذا ما سيقف عليه ما سيتبقى من الشعب العراقي ... او بمعنى اصح ،من ستسمح ببقاءهم الدوائر الامريكية من الشعب العراقي ، فيما لو صدقت توقعات هذه القراءة ... واتمنى لها الخيبة من كل قلبي .
#سامي_البدري (هاشتاغ)
Sami_Al-badri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذئب الزجاجي
-
سيرة جدار
-
جبرا ابراهيم جبرا والرواية العراقية
-
ازمة المالكي الجوية
-
مسرحية-حذاء ملكي
-
العلمانية ومهمة بناء المجتمع الحديث
-
انجاز جديد مضاف لحكومة المالكي
-
مؤسسات المجتمع المدني وبناء العملية الديمقراطية
-
منظمة مجاهدي خلق في معادلة التوازن الامريكي – الايراني
-
هل نحن على اعتاب حرب باردة جديدة؟
-
في سبيل بناء مجتمع مدني
-
على حافة الراس
-
لبنان في ميزان الهيمنة الاقليمي
-
ايران و استراتيجية بوش الجديدة
-
ايران وحلم الضيعة العراقية
-
مكافآت الصبيان
-
لعبة حظ على طاولة الطعام
-
حرب العراق الاهلية .. الوجه والقفا
-
حصيلة العراق من النظام الجمهوري
-
عبث في قطار آخر الليل
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|