|
الأول من ايار حي وينبض!
بنيامين غونين
الحوار المتمدن-العدد: 1902 - 2007 / 5 / 1 - 13:03
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
مقدمة* هذا العام ايضا، سوف يشهد مسيرات ومظاهرات يشارك فيها ملايين العمال في العالم كله: في أوروبا وآسيا وافريقيا، بالاضافة الى مظاهرات أمريكا اللاتينية بالغة الأهمية، حيث تحولت الخريطة هناك الى خريطة حمراء. كلما اشتد النضال من أجل الحفاظ على منجزات دولة الرفاه، أمام سياسة السلب التي تنتهجها العولمة والخصخصة، ازداد عدد المشاركين من العمال، الشباب وكبار السن، النساء والرجال، في مظاهرات الأول من أيار التي يرفرف فوقها العلم الأحمر. الرمزية في هذا اليوم موجودة في بلادنا أيضا، فحزبنا الشيوعي ما زال محافظا على تراث التضامن الطبقي اليهودي العربي. الأول من أيار يحل هذا العام في ظل استمرار الاحتلال، للسنة الأربعين. سياسة الاستيطان والضم هي السبب الاساسي للأزمة الاقتصادية الاجتماعية في اسرائيل، حيث أن انتهاج هذه السياسة يؤدي الى مصروفات عسكرية كبيرة، ومليارات الدولارات تمول الحروب المستمرة، وآخرها كانت الحرب على لبنان. مؤخرا نشر أن اسرائيل تنوي شراء عشر طائرات حربية من نوع F22، تكلفة الواحدة منها 150 مليون دولار، ما معناه أن تكلفة الصفقة تبلغ 1,5 مليار دولار. والأمر الذي يثر العجب والاستغراب، أن غالبية الأزمات الاقتصادية الاجتماعية، يمكن أن تحل بهذا المبلغ. ولذا فإنهاء الاحتلال وسياسة العسكرة والتوسع التي تنتهجها حكومات اسرائيل، يكفل للمواطنين جميعا، عربا ويهود، إذا ما اتبعت الحكومات سياسة صحيحة عادلة، الرفاه والعيش الكريم. مطلبنا في أول أيار هو، انهاء الاحتلال والعسكرة والتوسع، والعيش الكريم لجميع المواطنين.
*بادئ ذي بدء* بداية الأول من ايار كانت في شيكاغو، المدينة الصناعية في الولايات المتحدة. في الأول من ايار من العام 1887، قبل مائة وعشرين عاما، ناضل عمال شيكاغو من اجل يوم عمل طوله 8 ساعات، ومن أجل تحسين شروط عملهم السيئة. تظاهر العمال في شوارع شيكاغو، وقام جنود الجيش بتفريق المظاهرة بالقوة. أحد المتظاهرين رفع قميصه الذي أصبح أحمر اللون من دماء رفاقه التي سالت إثر المواجهات مع الجيش، ولوّح بالقميص كالعلم. هذا القميص أصبح رمزا، والعلم الأحمر تحول إلى رمز النضال من اجل حقوق العمال ومن أجل العدالة الاجتماعية. بعد هذه المظاهرة بسنتين، أي في العام 1889، قرر المؤتمر الدولي لتجديد الأممية الاشتراكية، والذي اجتمع في باريس، أن يكون الأول من أيار يوم مظاهرات للعمال في كل العالم. في أعقاب هذا القرار، تظاهر نحو مليون عامل في الأول من أيار من العام 1890، في باريس. وتجدر الاشارة الى أن قوات الشرطة والجيش فرقت هذه المظاهرة ايضا بالقوة، عندما حاول المتظاهرون تقديم طلباتهم للبرلمان.
*ما هو سر قوة الاول من أيار* لماذا يتظاهر ملايين العمل في الأول من ايار كل سنة، وفي كل أنحاء العالم؟ الأول من ايار يشمل في داخله كل المعارك التي تخاض في كل دولة ودولة من اجل حقوق العمال، وضد البطالة ومن أجل الأجور العادلة، وضد التمييز ومن اجل المساواة الحقيقية. ومن هنا، فإن طابع هذا اليوم هو ضم كافة النضالات الاجتماعية في العالم وتضامن العمال مع بعضهم البعض. الاول من أيار يعكس طموح العمال جميعا، دون تمييز على أساس القومية والعرق، أن يعيشوا بسلام. ولذا فإنه في الأول من ايار تعلو دوما المطالبة بحل كافة الصراعات بطرق سلمية، وبانتهاج سياسة زيادة الميزانيات للرفاه على حساب ميزانيات العسكرة والتسلح. هذه هي الفرصة لاستنكار التطرف القومي والعنصرية، التي تقسّم العمال وتصعب عليهم خوض نضالهم ضد أرباب العمل ورأس المال. منذ ولادته، عمل أرباب العمل وحكومات كثيرة على ضرب رسالة ورموز الأول من ايار. في اسرائيل، كما في دول كثيرة في العام، عملت الحكومات على الغاء العطلة في الأول من ايار، والهستدروت توقفت عن تنظيم تظاهرات عمالية في هذا التاريخ في ارجاء البلاد. أحزاب اليمين تحرض بتتابع على هذا اليوم، ويستخدمون في تحريضهم الدعاية الاجتماعية!! أرباب العمل يبذلون جهودا خاصة من أجل اضعاف قوة لجان العمال، وإلغاء اتفاقيات العمل الجماعية، ومنع تنظم العمال في كل مصنع وشركة.
*هل ما زال الأول من أيار واقعيا؟* العمال يسألون بصراحة: هل لا زال هناك مغزى للأول من أيار؟ ما هي الحاجة للجان العمال وللهستدروت؟ وإن كانت هناك حاجة للهستدروت، كيف يجب أن يكون شكلها؟ من اجل اقناع العمال أن الأول من أيار لم يعد واقعيا في اسرائيل، يجرب أرباب العمل والحكومات أن يقنعوهم بانقضاء عهد النضالات، وايهامهم بأننا نعيش في عهد تقليص الفوارق وتحسين مستوى المعيشة. ولكن العمال يقتنعون بهذه الخرافات أقل وأقل، يوما بعد يوم. فهم يتعلمون من تجربتهم ويقتنعون بأهمية لجان العمال، وبأهمية وجود نقابة عمالية عامة تقف الى جانب العمال الذين يقالون من المصانع التي يتم اغلاقها. وأيضا الخرافة وكأن الفوارق في المجتمع باتت تتقلص، ليست مقنعة، خاصة عندما يكتشف العاملون أن رواتب مائتي مدير كبير، تزيد عن مائة الف شاقل شهريا، وأنه عمليا هناك 28 عائلة غنية، تسيطر على الدولة، بينما يضطر نصف مليون من الأجيرين أن "يكتفوا" براتب الحد الأدنى، بل وأقل منه! أضف الى ذلك أن بحثا جديدا لمركز "أدفا" يفيد بأن العامل في اسرائيل، الذي يحصل على راتب يبلغ 5000 شاقل، يحتاج بالمعدل الى 33 سنة، كي يحصّل ما يحصل عليه أحد مدراء الشركات الكبيرة في شهر واحد، حيث تفيد الاحصاءات بأن عشرات المدراء العامين في الشركات الخاصة، تبلغ تكلفة راتبهم الشهر، زهاء مليوني شاقل!!! وبعد كل هذا، علينا الإشارة أيضا الى الواقع المرير الذي يعيشه عشرات ملايين المعطّلين عن العمل في الدول الصناعية، وإلى الفقر والجوع والأمراض في دول ما يسمى بـ"العالم الثالث"، وإلى مئات الملايين من الأطفال الذين يعيشون الجوع يوميا، دون أي أمل بمستقبل أفضل!! وأمام كل هذا، علينا التأكيد أنه في العهد الذي تساعد فيه الشركات متعددة/ متعدية القوميات، أحدها الاخرى، لسلب حقوق العمال في كل أنحاء العالم، يجب على العمال أن يتضامنوا مع بعضهم البعض من أجل مقاومة هذه الممارسات العولمية، لمثل هذه الشركات.
*عالم جديد/ قديم* نحن نعيش في عهد "العالم التكنولوجي" الذي يضع أمامنا أسئلة جديدة. ولكن في الجوهر، فإن هذا العالم هو عالم أولئك الذين يسيطرون على المصانع، وعلى الشركات، وعلى البنوك، وعلى شركات التأمين، وعلى الاستيراد والتصدير، وباختصار، هذا هو عالم الذين يسيطرون على وسائل الانتاج. ولكن حتى في العهد التكنولوجي، فإن الأجيرين، وهم غالبية العاملين في اسرائيل وفي الدول الصناعية، متعلقون بوجود صاحب عمل ليشغلهم ويستغل المعرفة والمهارة التي يملكونها. أفضل طريقة يمكن لأولئك الأجيرين استعمالها حتى يدافعوا عن أنفسهم، هي أن يتنظموا. نقابة العمال العامة، الهستدروت، هي الانعكاس الأفضل للحاجة بالتنظم. هدف الهستدروت الأساسي هو تنظيم العمال في لجان مهنية، والدفاع عن العمال المستضعفين، غير المنظمين. العمال الذين يعملون بحسب اتفاقيات العمل الفردية، وعمال شركات مقاولي العمل، ومهجّرو العمل، مستغلون بشكل كبير، والهستدروت وظيفتها الدفاع عنهم.
*الاول من أيار والهستدروت* الأول من أيار هو فرصة للتفكير: أي هستدروت نحتاج نحن العمال؟ من الواضح أن الهستدروت عليها ان تكون نقابة محاربة، تقف إلى جانب العمال، الذين يناضلون ضد الاقالة من أماكن عملهم، وضد إغلاق المصانع، وضد تراجع شروط العمل، وضد البطالة، ومن أجل رفع الأجور وتحسين شروط العمل، وضد طريقة التشغيل عن طريق مقاولين، ومن أجل تنظيم كل العمال في لجان عمل مهنية. ولكن، خاصة في الأول من أيار، علينا أن نضيف، أن التنظيم المهني الذي يريد إقناع العمال بضرورة التنظم، عليه أن يربي على القيم الاجتماعية الطبقية، وعلى قيم التضامن والمشاركة بين كل العمال. من الضروري اعطاء الإجابات على احتياجات العمال، حتى بالنسبة للمواضيع المحرقة الموجودة على أجندة المجتمع الاسرائيلي: احتلال أم سلام، غنى للأقلية أم رفاه للأغلبية، تعليم مجاني حقيقي أم دفعات كثيرة يتكبدها الأهالي، مساواة المرأة فعليا، أم بالأقوال فقط، التمييز ضد الجماهير العربية، أم المساواة القومية، حرية العبادة أم القمع الديني؟ الهستدروت، بكونها نقابة العمال الأكبر، يجب أن تلتزم بقضية السلام. عليها أن تعكس رغبات أعضائها اليهود والعرب، المنتظمين فيها، وأن تطالب الحكومة بإسراع عملية السلام. على الهستدروت أن ترفع صوتها ضد التنكيل بالعمال الفلسطينيين وتجويعهم، أولئك العمال الذين لا يستطيعون العيش وإعالة عائلاتهم إلا عن طريق العمل في اسرائيل. بكونها حركة اجتماعية، على الهستدروت أن تتدخل من أجل الدفاع عن حق أبناء الشبيبة بالتعلم وبالتعلم المهني، بعيدا عن أجواء العنف والسموم. عليها أن تدافع عن المتقاعدين، وعن النساء، وعن كل ضحايا التمييز في المجتمع الاسرائيلي.
*تراث نضالي* في اسرائيل يوجد تراث نضالي عمره أكثر من تسعين عاما، وطوال هذه المدة تم إحياء الأول من أيار. لا يوجد سبب لقطع هذا التراث الهام وايقافه. بل على العكس: اليوم أكثر مما مضى، من الضروري أن يقف العمال في اسرائيل موحدين، للدفاع عن حقهم بالعمل في إطار اتفاقيات عمل جماعية، وللدفاع عن حقهم في انتخاب لجنة عمال، وللدفاع عن حقهم في النضال والاضراب. الأول من أيار كان وسيبقى يوما نضاليا من أجل الحفاظ على الحقوق التي لم يحصل عليها العمال بسبب "طيبة قلب" الحكومات وأرباب العمل، وإنما من خلال نضال طويل من أجل العدالة الاجتماعية، ومن أجل السلام والمساواة.
#بنيامين_غونين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيء من التاريخ للنضال الحالي والمستقبلي
-
يتعلمون من تجاربهم أول ايار لمن؟
-
نشاط الحزب الشيوعي الاسرائيلي بين العمال اليهود والعرب
المزيد.....
-
الحكومة الجزائرية تعلن عن تعديل ساعات العمل في الجزائر 2024
...
-
المالية العراقية تعلن عن موعد صرف رواتب المتقاعدين في العراق
...
-
“الجمل” يتابع تطوير شعبة الفندقة بالجامعة العمالية لتعزيز ال
...
-
وزارة المالية.. استعلام رواتب المتقاعدين وحقيقة الزيادة في ا
...
-
وزارة المالية العراقية تحدد موعد صرف رواتب الموظفين لشهر ديس
...
-
حصيلة بقتلى العاملين في المجال الإنساني خلال 2024
-
4th World Working Youth Congress
-
وزارة المالية العراقية تُعلن.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر
...
-
بيسكوف: روسيا بحاجة للعمالة الأجنبية وترحب بالمهاجرين
-
النسخة الألكترونية من العدد 1824 من جريدة الشعب ليوم الخميس
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|