هشام السامعي
الحوار المتمدن-العدد: 1899 - 2007 / 4 / 28 - 11:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تحت هذا المُسمى تماماً نشر الكاتب اليمني المرحوم / عبدالحبيب سالم مُقبل موضوعان في صحيفة الشورى في العام 94م وبطريقة مثلت وقتها قفز مباشر على سياج الخطوط الحمراء التي كان يسيجها بعض رموز الدولة حولهم والتي كان لازال الإصلاح وقتها شريكاً مباشراً فيها بعد الحرب الأهلية صيف ذلك العام , طرح وقتها المرحوم بعض نقاط الاستفهام شديدة الحساسية منها وفي غاية الأهمية " ما الذي يُضيع رجالاً مثل د/ حسن الأهدل , ومحمد ناجي علاو , وعبدالله الأكوع , وفارس السقاف , وعبدالله سنان , ونصر طه مصطفى , وعبدالسلام كرمان وعلي عبدربه العواضي " أمام بروز شبه تام لـ عبدالوهاب الأنسي , محمد اليدومي , ومن قبلهم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس منذ تأسيسه حتى الآن .
ربما ما أجهدني بالعودة لمراجعة هذه المواضيع هي النتائج المتواضعة التي مُني بها التيار / التقدمي / إن جازت التسمية في المؤتمر الرابع لتجمع الإصلاح وخسارة محمد قحطان " الرمز الحداثي الأبرز في الإصلاح " أمام عبدالوهاب الأنسي في انتخابات الأمانة العامة , ساور الكثير مثلي شكوكاً حول إمكانية أن يكون الحديثُ ملازماً للواقع وإن بصورة بسيطة لا تُجيد الالتفاف على مُجمل تساؤلات يطرحها المُتابع لمسيرة الحزب الذي يروج إعلامياً أنه يمتلك القاعدة الشعبية الأكبر في البلد .
والذي يبعث شيئاً لابأس به من السخرية هو أن معظم ردود أعضاء الإصلاح عقب المؤتمر كانت توحي بنوع من النكوس الذي خرج به هذا المؤتمر وبطريقة تبعث الدهشة تجدهم يدافعون بطريقة العالم بكل شيء ويجاهدون بشراسة المُقاتل لكي لاتمس قيادتهم بنقد لأنهم يعلمون بمصلحة الحزب أكثر منا جميعاً , الحد الذي دفع بأحدهم للرد بالقول أنه من كان غير إصلاحي فليس من حقه أن يتحدث عن الإصلاح وبدا وجهه مكفهراً وهو يقول لي لو كنت مُخلصاً ومُحباً للإصلاح لكنت حافظت على تأييدك العاطفي له وما كنت لتظهر تشفيك منه الآن , ربما لا أنكر أني كنتُ في فترةٍ ما أنتمي عاطفياً للإصلاح , ربما في فترة كان أحد أهم الأحزاب في الساحة المُعارض للسلطة أثناء إنشغال بقية أحزاب اللقاء المشترك بإعادة ترتيب وضعها , أو ربما لإيماني بأن المشروع الذي أسس له الشهيد حسن البنا جدير بأن تكون أحد أفراده , لكني لم أجد من ذلك يومها سوى تياراً سلفياً لايعرف من الحزبية سوى الأربعين النووية وتلقين الشباب مواعظ وإرشادات عن طاعة ولي الأمر , وهو التيار الذي كان حاضراً بقوة يومها .
ما الذي يدفع بقيادات مهمة للخروج من الإصلاح والانضمام في أحزاب أخرى , ما الذي يدفع بقيادي شاب مثل نصر طه مصطفى أو فارس السقاف وكثيرين هم النماذج , ما الذي يدفعهم للتخلي عن حزبهم الذي ارتووا من إيديولوجيته منذ أن بدأت مداركهم تسمع عن شيء اسمه الحزبية , أجدني أبحث عن أكثر من تفسير لذلك ربما كان أحدها ولعهم ببريق السلطة لكن هذا الاحتمال طرق في ذهني شيئاً أعتبره مهماً جداً وهو لو أن هذه القيادات الشابة وجدت مكاناً لها في رأس سلطة هذا الحزب هل كان سيكون من السهل عليها التخلي عنه والانضمام للحزب الحاكم , لنفترض معاً لو أن أدواراً مهمة أوكلت لهم مما يجعلهم في مراكز صناعة القرار ويجربون بأنفسهم ممارسة القيادة ماذا كان سيؤثر في مسيرة الحزب الذي أستطاع أن يجذب حوله قاعدة لابأس بها من المناصرين , ولكن ربما لقناعة لديهم أن هذا الحزب ليس لديه أي إمكانية لإفساح مجالاً لهم ليثبتوا فيه قدراتهم ونشاطاتهم الحزبية ولذلك فضلوا الخروج وربما وتبعهم ويتبعهم الكثير .
إن أهم مشكلات أثرت في مسار التجمع اليمني للإصلاح حزبياً " وجهة نظر خاصة بي " أنه جاء من جملة من التحالفات القبلية والدينية التي كانت لاتزال إلى وقتٍ قريب تقود نشاطاً تكفيرياً أو جهادياً كما كانوا يسمونه ضد الشيوعية والحركات التقدمية التي كانت بدأت تظهر منتصف السبعينات وبداية الثمانينات , مثل هذا التحالف أهم أركان العمل الحزبي ضف إلى ذلك أنه جاء امتداداً لحركة الإخوان المسلمين ذات البُعد الديني الخليط بين السلفية التي لم تستوعب بعد أهمية العمل الحزبي السياسي وأفكار مؤسس الحركة الشهيد حسن البنا ومتغيرات العصر وبين الجماعات الدينسياسية الأخرى التي تحمل أفكاراً تقدمية لابأس بها وهي ماوجدت نفسها بعد ذلك في صراع مع الجماعات السلفية , وعاش فترة مابعد ولادته السياسية في بساتين السلطة معتمداً على تحالفات قادها مع المؤتمر الشعبي العام لتنحية شريكهم الثالث الذي دخل معهم هذا التحالف وهو على دراية أنه أمام خصمان الأضعف منهما يمثل قوى لايستهان بها وكلّ منهما يعتمد على تنوعات في أساليب تنحية هذا الشريك بدءاً من منابر المساجد والولاءات القبلية والأهم هو التغلغل في مؤسسات الدولة , لم يدرك الإصلاح حينها أن مشاركته أو قيادته الحرب ضد الاشتراكي تعني أنه سيدخل في مواجهة جديدة بعد انتصاره مع شريكه الذي ظل ينتظر عودته بالغنائم ليتقاسمها معه , وهو ماحدث بعد الحرب الأهلية صيف 94م بعدها أعاد المؤتمر الشعبي العام ترتيب أوراقه من جديد وبدأ نشاطاً جديداً ضد شريكه الحالي وهو ماتجلى واضحاً في أول انتخابات نيابية 97م ليــأخذ المؤتمر الشعبي العام معظم كراسي المجلس الذي قاطعت انتخاباته كثير من الأحزاب السياسية وأهمها الحزب الاشتراكي الذي رفض المشاركة حينها , ونتج عن ذلك تراجع نسبة الكراسي التي حصل عليها التجمع اليمني للإصلاح حينها ما أعطى مؤشراً أن السحر انقلب على الساحر فحزب الرئيس الذي وجد أنه الأحق بالتفرد بالسلطة كون أقرب المنافسين له " التجمع اليمني للإصلاح " لازال يحمل إرثاً إيديولوجياً يعتبر السلطة مفسدة وأن العمل السياسي يمثل إلهاءً للعمل في الجانب الديني الذي برع فيه التجمع اليمني للإصلاح من خلال انتشاره الكبير في كثير من القرى والمدن التي عانت ويلات الصراع بين الجبهات في المناطق الوسطى واعتماده بشكل أساسي في الجانب الإعلامي على منابر المساجد , عقب هذه الانتخابات أدركت قيادات الإصلاح أن شهر العسل قد انتهى وأنه لامحالة قد ودع السلطة ووجد نفسه الآن أمام استحقاقات كان قد رددها قبيل هذه الانتخابات تحديداً في المؤتمر العام لأول الدورة الثانية بعد أن أعلن استكمال بناء مؤسساته التنظيمية , فكان من الطبيعي بقاء القيادات ذاتها في قمة هرمه التنظيمي وتحت مُبرر أننا بدأنا مرحلة العمل السياسي الساعة , وظلت الاسطوانة تعزف على هذا الوتر بعد كل مؤتمر يعقده التجمع لإختيار قياداته " القديمة " الجديدة وظل تبادل المراكز هو الثابت في أعلى هرم القيادة الحزبية .
إن إعادة إنتاج القيادات تعني بالتحديد أن يكون هناك قيادات سابقة تنتج قيادات جديدة وتفسح لها المجال , والعمل الحزبي لابد أن يعترف بنظام ديمقراطي كأساس للعمل الحزبي وهذا مايعني بالضرورة وجود نقد لهذا العمل الحزبي , لكن بطريقة ذكية يستطيع قادة أحزاب المعارضة بناء " تابو " حول شخصياتهم من الصعب هدمه وتجاوز خطوطاً حمراء تمثل السياج بالنسبة لهم , كما أن المواطن اليمني لم يعتد قراءة مواضيع تنقد عمل أحزاب المعارضة أو قياداتها لأن أبرز ما سيواجه ذلك هو كم هائل من التبريرات , ستجد أن النقد لايوجه للمعارضة لأنها لاتمارس دوراً أساسياً في صناعة القرار , أو أن ماتعانيه من غطرسة وقمع من السلطة يحميها من النقد ويجعلها في معزل عنه , لكن المُفزع في تجربة الإصلاح أنه لم يحدث أن تجرأ أحدهم وقدم نقداً ضد قياداته سوى تجارب قليلة يمكن أن نقول أنها كانت خروج عن المألوف والتأسيس لمنهج نقد الذات أولاً , أهمها كانت تجربة نصر طه مصطفى في جريدة المستقلة اللندنية والذي حاول وبخفة أن يبرز أهم مساوئ العمل الحزبي للإصلاح ولعل أبرز ما نقده حينها هو تغلغل التيار السلفي الرافض للعمل السياسي في صناعة القرارات داخل الحزب , والثانية تجربة نبيل الصوفي بعد الأزمة التي وقعت حينها بينه وبين الأمين العام للإصلاح محمد اليدومي وهذه يمكن القول أنها جاءت الأعنف كون القضية كانت تُشير إلى عملية قمع حريات تُمارس داخل الحزب الذي يناضل كما يزعم من أجل الديمقراطية وحُرية الرأي , لعل مبرراً يجعلني أراهن عليه في تلاشي الأصوات المعارضة لممارسات وسياسات الإصلاح وهو اعتماد الإصلاح على درجة عالية من التخدير الديني في أدبيات الحزب وبما يرسخ في ذهن الجميع أن نقد أحد هذه القيادات إنما هو تجني على مسيرة العمل الحزبي وارتداد على الأدبيات التي تعلمتها خلال مشوارك الحزبي , ويكفي أن تكتم ذلك في صدرك حتى لاتُصيبك لعنة الخيانة والتآمر على مسيرة الحزب والحقد على قياداته وما إلى ذلك من مصطلحات التكفير والتخوين , عجيبّ ذلك أن تمارس أخطاءً أنت تنقدها في برامجك الحزبية وتنهج طريق القمع كما السلطة تماماً وتنتج نفس الخطاب .
إن أزمة القائد الضرورة وخطورة المرحلة وعدم وجود البديل لاتنتج عملاً حزبياً وسياسياً صحيحاً وهي الإشكالية الأساسية في العمل السياسي اليمني وبطبيعة الحال لم تكن حكراً على السلطة أو الحزب الحاكم فحسب بل هي عملية تراكم الإرث القبلي / الاعتماد على شيخ القبيلة في كل شيء واحتكاره للسلطة / والمذهبية السياسية التي لاترتبط بالعمل السياسي إلا بمقدار ماتجنيه من مصالحها الشخصية وبما يتيح لها أن تتفرد هي أيضاً بالقيادة , التجمع اليمني للإصلاح هو الآخر رسخ هذه النظرة في الذهنية الجماعية لأفراده وساق عوضاً عن ذلك مبررات تعتمد فقه الضرورة باعتباره المرجع الأهم سياسياً , لكن مقابل ذلك هل من المعقول أن لايكون هناك غير الشيخ الأحمر والشيخ الأنسي والأستاذ اليدومي قادرين على قيادة هذه المرحلة , وإذا كان العمل الحزبي يقتضي بالضرورة أن يهتم بتنشئة قيادات قادرة على تحمل المسؤولية , فهل عجزت قيادات الإصلاح أن تنتج من خلال عملها الحزبي قيادات جديدة ؟ والسؤال الأهم لدي هل حقاً وصل التجمع اليمني للإصلاح إلى مصاف الأحزاب التقدمية التي يمكن أن تقود العمل الجماهيري في ظل كل المتغيرات التي طرأت و تطرأ عالمياً ؟ أرجوا ذلك حقاً .
#هشام_السامعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟