فاديا سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1899 - 2007 / 4 / 28 - 05:39
المحور:
حقوق الانسان
مهداة للناشط المعتقل: أنور البني.
سؤال طلب مني الإجابة عنه بعد أن خرجت من السجن:
- كيف رأيت مسقط رأسك.
فكرت بإجابة دبلوماسية. فبعد سنوات طوال من قبوعي في السجن، كان حلمي الوحيد، أن ألتقي الهضبة والشجرة، المشرفتان على بلدتنا "السلمية"، وكنت ورفاقي، قضينا طفولتنا في اللعب عند أقدام الهضبة.. تسلقناها. هبطنا عنها، تعثرنا بحجارتها.. ضحكنا، وبكينا. وكان هناك شجرة وحيدة، أمتعتنا قدر ما فعلت الهضبة، تأرجحنا بأغصانها.. أكلنا من ثمارها..
في الأيام الطويلة في السجن تعدت الهضبة مساحة البلدة، إلى مساحة همجية للخيال. احتلتاه فكبرتا معه وتضخمتا. كنت أتذكر الهضبة جميلة بجمال أيام الطفولة، متنوعة المشهد بتنوع ذكرياتي عنها وعليها.
كل فصل من فصول السنة، كنت قضيته في السجن - محشوراً في المساحة الصغيرة المخصصة لي- كان حال الهضبة والشجرة يتغير. انسلختا في خيالي عن حجمهما وكتلتهما الواقعية.
فصول السنة، لم تنبثق إلا من خلالهما. صارتا شعراً.. نثراً... قصة حبي الأول.. عنوان للعنفوان العبء.. العنفوان اللذيذ.. قطعة من الجمال ذاته، تخفف ثقل الشتاء وبرده، وقسوة التواجد في مساحة ضيقة على الروح.
في الربيع أتخيل هضبة الطفولة، مكتسية حلته، متدرجة بألوانه، حتى أني كنت أستطيع أن أقطف من الأزهار المفروشة على جلدتها، وأتحسس ملمسها، و كان بإمكاني أن أقسم أني تنشقت روائح الزهور البرية، وأنها طغت على روائح العفن، التي تميز هواء السجن.
في الشتاء كان مشهد الهضبة، يتحول إلى بيضاء ساكنة، وشجرتها منساقة مع ثوب الهضبة الأبيض. في الخريف كانت الشجرة، تتعرى في خيالي من أوراقها لتفرش الأرض تحتها، تماماً مثل ما كنت أراها في صغري.
كنت أتحدث لرفاقي عنهما: الهضبة، والشجرة، مضيفاً الرقة والرهافة، التي يتمتع فيهما السجين تجاه العالم الخارجي. لقد كبرتا حتى صارتا: الهضبة جبلاً شامخاً، والشجرة سامقة إلى السماء.
عندما نزلت عند أقدام الهضبة، ووقفت أمام الشجرة، وكنت في نهاية الخمسين من العمر، وشعور السابعة من العمر، أصيبت حدقتا عيني بصدمة. فالهضبة صغيرة جداً، نسبة إلى المساحة الشاسعة حولها، والشجرة السامقة حتى السماء هي في الحقيقة شجيرة إجاص مترهلة.
لقد أخرست الهضبة الواقعية، والشجيرة العجوز هضبة خيالي وشجرته.
وكان جوابي: " جبت العالم اثني عشر مرة، وما وجدت أجمل من مسقط رأسي!!"
#فاديا_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟