|
سوق المزايدة السياسية على التاريخ والوطن والأمة
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1898 - 2007 / 4 / 27 - 11:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التاريخ سجل وذاكرة للأرض (الوطن) لدور الأمم الشاغلة لمساحته على امتداد العصور، توثيق، شهادة، مساهمة في سجل التاريخ البشري لمجموعة من البشر. الأمم على الأرض ليست حبات رمل تعصف بها الرياح، لتنقلها إلى أرض أخرى. إنها الجذور الممتدة في أعماق الحضارات، في غياهب الوجود والخلق، متشبثة بالأرض. إنها أوروك، العروق المتشابكة في دهاليز الأرض، والممتدة على مساحة الوطن بكامله. كل فرد في الأمة، له جذوره في أرض الوطن. كل فرد في الأمة له تاريخه على الأرض، كل فرد في الأمة له رفات أجداده في أعماق الأرض. وبالمحصلة فإن مجموع أبناء الأمة (الأمم) لها مساهماتها (جذورها، تاريخها، معارفها، رفات أجدادها...) على نفس مساحة الأرض. لذلك تتمسك بالأرض، تتمسك بالتاريخ، بالهوية، لأنها سماتها الشخصية لتأكيد الذات، تأكيد انتماءها، هويتها في الحاضر وعنوان أجيالها في المستقبل. إن الوطن ليس الأرض المجردة والمعنونة بتضاريسها، إنه زواج روحي (كنسي غير قابل للانفصال) بين الأرض والتاريخ، وثالوثهما المقدس الإنسان صناع التاريخ وملح الأرض. الطارئون على الأرض، على التاريخ فقط هم الذين يسعون لنسف الثالوث المقدس، الحط من قدر الأرض، التاريخ، الإنسان ومنجزاته التاريخية-الحضارية-المعرفية. الأرض الجدباء، تعبث بها الرياح، تنقل حبات رمالها إلى بعيد إلى كثبان رملية متحركة أكثر جدباً، لاحياة فيها، لاقيمة لوجودها. الغارقون في نرجسية عقدة الهوية، يحطون من قدر الوطن، التاريخ، الإنسان لإيهام الذات الدونية بإنها لاتقل دونية عن الآخرين. إن تزوير التاريخ، لمحو ذاكرة الوطن، هوية أبناءه، تسطيح مساراته وتحولاته وتشويه محدداته المعاصرة. ليس إلا محاولة بائسة للباحثين عن الهوية الضائعة، عديمة التاريخ، لاصلة لها بالأرض، بالجذور، بالمساهمة في صناعة الحضارات الغابرة. يقول ((الياس مرقص))"لم ندرك أن الوطن مُنتج تاريخي، صنع بشري، وليس محض أرض موجودة. الوطن انتجه أجدادنا، أسلافنا، جاء بهذا الانتاج إلى الوجود، وجود وطننا قديم جداً. يبدو بديهياً في نوع من أزلية، لاتعي أن إنتاجه مستمر وحاضر. فإما أن يكون ثمة إنتاج له، وللوجود أو أن لايكون ثمة مسألة أرض وبشر. مسألة زراعة، مسألة استعمار أو إعمار، هذه القضية راهنة جداً. وهي مسألة خطيرة، تاريخياً، قلما درسناها، ورأيناها. قلما بحثنا الصحراوية والبداوية والتجارية والهامشية-المناخية بجدية. هذه مسألة وجود وعيش وثقافة وأمة، ليست معركة لغات وقوميات وأثنيات". إن التاريخ السياسي للوطن، يرسمه (يفرضه) الطغاة السياسيون الفاقدون للبصر والبصيرة، يتقاسمون أحداثه، يغيبون سماته الحقة، لإحداث شرخ في تاريخ الأمة، تصدع بالوشائج والصلات الإنسانية بين أبناء الأمم ليسهل عليهم تقطيع أشلاء الوطن إلى مماليك، ودويلات يدرون شؤونها بالوكالة لا بإرادتهم وبطشهم، وإنما بإرادة وبطش قوة غاشمة تمنحهم الرفعة والسمو. إن التعبئة الديماغوجية، وشحن النفوس بالحقد والكراهية، وزرع الضغائن بين أبناء الأمم على الأرض. ليس وليد الواقع المعاصر، ولا اكتشاف حديث للطغاة الجدد. إنه منهج اتبعه الطغاة الأقدمون لفك ارتباط الأمم عن تاريخها، احتقار مفهوم الوطن والصلات الإنسانية المشتركة، تحقير لمفهوم المواطنة، سلخ الأمم عن جذورها لإحكام السيطرة والهيمنة على مقدراتها. الأمة، التاريخ، الحضارة...ليست مرادفات طارئة، معزولة. إنها فعل إنساني يستمد وجوده من التاريخ البشري، يشخص المراحل والعلاقات لمسيرة الإنسان على الأرض. إنها امتداد لنسق يتدفق من عمق التاريخ ليغذي الحاضر، تستمد منه الأجيال اللاحقة غذائها الروحي والمعرفي لرفد الحضارة الإنسانية. يعتقد ((الياس مرقص))"أن التاريخ، تاريخ إنتاج البشر لوجودهم أولاً. هكذا الركيزة العامة، ثمة زراعة، صناعة، أمن ضد أمن، ملكية ضد لاملكية وضد مصادرة. درجات ارتقاء في الشغل مع العبودية، نمو لحجم (تعداد) النوع البشري، لوجود البشر. بهذا المعنى الأبسط والأكثر مباشرية، ولفتاً للانتباه من عشرة ملايين إلى مئة إلى خمسمئة مليون إلى خمسة مليارات إنسان. لايوجد أي هابيل يستحق التبرئة، الإنسان ليس (بريئاً) بل هو الإنسان". السياسة الحقة، هي فهم مدلولات التاريخ والأرض والحضارة...لخدمة متطلبات الإنسان وزيادة مستوى رفاهيته، للمساهمة في خلق السلم الاجتماعي، لتعزيز الصلات والوشائج الإنسانية بين البشر. وليس لرفع وتيرة الصراع والتناحر بين أبناء الأمم، وليس لمسخ التاريخ والتعريض بالوطن والمواطنة لتحقيق مصالح القوادين من صناع السياسة. إن السياسي المنقطع الجذور، والجاهل بسياقات التاريخ ونشوء الأمم..جذوره (في الغالب) ممتده خارج الحدود، يتغذى على عناصر محددة، منتجة في مختبرات خاصة لايعنيها النمو، تعنيها قطف الثمار، لينتهي دوره فيما بعد فتعمل على زراعة أخر بمواصفات أكثرسوءً. في الظروف الشاذة للوطن، تبرز السلوكيات والممارسات العقيمة للسياسيين في الاستقواء بقوى خارجية على أبناء الأمم في الوطن الواحد لفرض الهيمنة والاستبداد، وقسر الآخرون على التنازل عن الثوابت الوطنية (عن الأرض، التاريخ، الحضارة المشتركة..) للاستحواذ على المكاسب غير المشروعة. متوهمين إنها مكاسباً أبدية يتم تحقيها على حساب ضعف (وتناحر) الآخرين، وغافلين المبدأ السياسي القائل: أن الاتفاقيات الجائرة لاتصمد أمام تحديات المستقبل. إن الوطن، التاريخ، الأمة...مدلولات غير خاضعة للمساومة في ساحة العهر السياسي، ومزايدات سوق الرذيلة للسياسيين على بيعها أو مقايضتها، باطلة ستكنس حين يستعيد الوطن عافيته.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهوية وعقدة الهوية
-
الوطن والأمة
-
طواطم وديناصورات الكيانات الحزبية
-
الأشرار في حكومة المحاصصة القومية والطائفية
-
المسؤول والمستشار
-
الرئاسات الثلاث من الفشل إلى الفضيحة
-
المثقف ووعلاظ السلاطين
-
المثقف والدين
-
فن الرسم
-
مواصفات المترجم
-
فن الترجمة
-
الصداقة والعداء في الوسط الثقافي
-
علاقة المثقف بالكتاب والمكتبة
-
الكاتب وعالم العزلة
-
الصفوات والمجتمع
-
علاقة المثقف بالمجتمع
-
دور المثقف في الحراك الاجتماعي
-
دور المثقف في التربية والتعليم
-
فن النقد في الثقافة
-
العلاقة المأزومة بين الكاتب والناقد
المزيد.....
-
بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن
...
-
مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية
...
-
انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
-
أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ
...
-
الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو
...
-
-يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
-
عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم
...
-
فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ
...
-
لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|