|
الفرق بين التبذير والإسراف والزهد (التقتير) و الفقر
رضا عبد الرحمن على
الحوار المتمدن-العدد: 1897 - 2007 / 4 / 26 - 11:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتبت مقالا عن ادعاء بعض ألأحاديث الموجودة في البخاري أن النبي كان فقيرا ، ومات ودرعه مرهون عند يهودي مقابل صاع من الشعير لأهله .. كما أشرت فيه أيضاً إلى بعض الروايات التي تدعي أن بعض الصحابة كان يلبس ثيابا مرقعا ، وهو خليفة المسلمين .. وهذا المقال أزعج كثيرا من القراء .. الفقر ـ الفقر هو أن يكون الإنسان محتاجا لعائل ينفق عليه بمعنى أنه لا يملك مالا ، أو مريضا لا يستطيع العمل أو محتاجا بكل المعاني لمن يعوله ، فهذا الفقير ليس لديه مال أو أرض أو عقار يقدر بمبالغ مالية تكفيه ليعيش ، وهو بذلك يستحق من المجتمع أن ينفق عليه ، وأن يرعاه إذا كان مريضا أو مسناً ، حتى نقيم تعاليم الإسلام الإنسانية ـ في الحفاظ على الأنفس التي خلقها الله عز وجل وكرمها أفضل تكريم ، وحرم قتل النفس ، وإذا ترك المجتمع أحد أبنائه للفقر بدون رعاية أو إنفاق حتى يشرف على الموت فهذا لن يكون مجتمعا يطبق تعاليم الإسلام .. لأن آيات الإنفاق في القرآن الكريم كثيرة وعديدة من زكاة وصدقة وخلافه ، وهنا التكافل الاجتماعي العظيم في الإسلام ، الذي لا يسمح لأحد المسلمين أن يكون قمة في الثراء ،ولا يعرف كم يملك من المال ، على النقيض يوجد من أبناء المجتمع من يربط على بطنه من شدة الجوع ، ومن يعيش على الخبز الحاف ، ومن يعيش لعدة أيام بدون طهي أي طعام في بيته ، ومن يلبس ملابس مقطعه ومرقعة ومزيته ومشحمه .... فهذا كله عكس تعاليم الإسلام الحنيف .. ولا يمكن أن نصف دولة النبي عليه الصلاة و السلام بأن أحدا ممن عاصروه عاش فقيرا أو محتاجا لأي مساعدة ، لأننا بذلك نتهم النبي بأنه لم يقم الدين ، ولم ينفق على الفقراء كما أمره المولى عز وجل ، فما بالنا لو اتهمنا النبي والصحابة بأنهم كانوا يعيشون بمثل هذه الصفات التي لا يرضاها أحد على نفسه .. الزهد والتقشف (التقتير) ـ وسريعا وقبل أن يفسر البعض أن هذه الحياة تعتبر زهد ، وتقشف ـ سأرد على ذلك الإدعاء وهذه الروايات المصطنعة عن الزهد والتقشف في تاريخ المسلمين للضحك على الشعوب واستعبادهم ـ إن المولى عز وجل خلق الإنسان وخلق له من جميع الثمرات ، ومن حقه أن يأكل من كل شيء حلال خلقه الله وجعله حلالا، ولكن بشروط ، وهذا ما فهمناه من آيات القرآن الحكيم ، ولم نجد في كتاب الله عز وجل آية واحدة يأمر فيها المولى عز وجل بالزهد في العيش ، والمرة الوحيدة التي ذكرت فيها كلمة زهد هي في قصة يوسف عليه السلام في قوله تعالى (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) يوسف : 20 ، وزهد هؤلاء التجار لم يكن في العيش (المأكل أو الملبس) ولكن كان عند بيع يوسف عليه السلام لعزيز مصر .. ولكن ما يأمرنا به المولى عز وجل في معاشنا هو عدم الإسراف في الحياة ، وعدم التبذير في الإنفاق ، وهذا ما جاء به القرآن الكريم ـ يقول جل شأنه عن طبيعة العيش والأكل والشرب والإنفاق ، دون الإسراف (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)الأنعام :141 ـ (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف :31 ـ ويقول سبحانه وتعالى عن التبذير وعن الإنفاق بوجه عام وعن الوسطية في العيش ، وهنا تظهر عظمة القرآن الكريم في التفريق بين التبذير والإسراف ، والتقتير يقول جلَّ شأنه (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) الإسراء .. هذه الآيات المتتالية من سورة الإسراء كافية وشافية للتفريق بين التبذير والإسراف ، وبين ما يسمونه بالزهد أو التقتير في العيش على النفس أو على الأولاد ، المولى عز وجل لم يشرع في كتابه لأحد من المسلمين أن يقتر ( يبخل ) على نفسه ، وأول المسلمين النبي محمدا عليه السلام ، فكيف جاءت روايات الربط على البطن ، وأكل التمر ، ومرور شهر أو أكثر ولا يوقد في بيت النبي نار ـ من أين جاءت هذه الروايات ، إذا كان النبي مطالب بالإنفاق دون التبذير أو الإسراف ، وإذا كان القرآن الكريم يأمرنا أن ننفق بحكمة أي لا نبسطها كل البسط ، ولا نغل أي نبخل ، وهنا عظمة التشريع الإلهي الحكيم ، الذي يضع الأمور في نصابها وحتى لا يستطيع أحد التلاعب بآيات الله كما فعل رواة الأحاديث الموضوعة ، وضحكوا على المسلمين على مدى ثلاثة عشر قرنا من الزمان و أقنعوهم أن النبي كان يفعل كذا وكذا من شدة الجوع ، وختموا القصة الدرامية ، وحبكوها بموت النبي ودرعه مرهون عند يهودي .. وأخيرا نأتي لموضوع التعليقات وعلاقته بالمقال ـ أحد المعلقين يتحدث عن عمر بن الخطاب قائلا ( أما بالنسبة لعصر سيدنا عمر رضي الله عنه فقد كان عصرا غنيا بلا جدال بسبب الفتوحات وما أكثرها في عهده أما عن ارتداءه الثوب المرقع ونومه تحت الشجرة بل وفي رفض دخوله القدس في موكب مهيب واصراره علي دخوله القدس راكبا حمارا . ) والتعليق على هذا ـ أنه لو تخيلنا عمر بن الخطاب يعيش في دولة غنية جدا وهذا صحيح بالفعل ـ ، ويركب حمارا ويلبس جلبابا به رقع ـ وهو يدخل دولة أخرى ـ ما علاقة هذا بالزهد ..؟؟ هذا تقتير أي بخل ، ولن يرضى بذلك أحدا من المسلمين أو غيرهم لأنه قائد المسلمين وقدوتهم آنذاك ، ولابد أن يكون قدوة في كل شيء ، وسأضرب أمثلة من الواقع الذي نعيشه لتتضح الصورة أكثر.. ـ تخيل نفسك تجلس على الطريق ومر عليك رجلا يلبس ثيابا مرقعا ويهمل في نفسه لدرجة مثيرة للشفقة (أي بخيل لدرجة التقتير على نفسه) ، يركب حمارا ـ كيف تنظر إليه وهل يمكن أن تشك للحظة واحدة أن هذا الشخص مأمور المركز أو محافظ المحافظة ، أو حتى شيخ خفر ؟؟ ـ ، تخيل أنك تلميذ في مدرسة ، ودخل عليك مدرس بهذه الصفات ومن شدة التقشف والزهد (التقتير) صار شاحب الوجه ضعيف البنية ـ هل ستحترمه مثل المدرس المنظم المنمق في الشكل والملبس (دون إسراف) طبعا .. مثال آخر ـ هل يمكن لأحد من المسلمين المؤمنين بالله أن يترك أباه أو أخاه أو أحد أقاربه يعيش هذه الحياة الرديئة بهذه الصفات المذكورة ، التي لا تدل إلا على التفكك الاجتماعي في الأسرة ، كذلك الدولة الإسلامية .. إن معظم البشر يتسلل إليهم الحكم على الناس بالمظهر والشكل والمنظر والسيارة التي يركبها وأرصدة البنك والأرض التي يمتلكها والمناصب التي يشغلها ، وكل هذا ينعكس على الشكل العام للفرد من ملامح وجهه وطبيعة ملابسه ، كما ينعكس أيضا على نظرة الناس إليه وتقديرهم له ... ، ولا فرق بين الناس اليوم والناس منذ خلق آدم فكلنا بشر نخطيء ونصيب ، والحكم عند الله الواحد القهار ..
#رضا_عبد_الرحمن_على (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوم الطفل اليتيم
-
هل يساهم المواطن المصرى فى فساد المجتمع ..؟؟ 2
-
عندما يتحول الطاغية إلى بطل وشهيد ..!!!
-
هل يساهم المواطن المصرى فى فساد المجتمع .؟؟
-
الكادر الخاص والمدرسون فى مصر
-
ثقافة الديكتاتورية
-
هل يدافعون عن الإسلام حقا .. ؟؟؟
-
مازال التكفير مستمرا
المزيد.....
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|