محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 1897 - 2007 / 4 / 26 - 12:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في البدء نريد أن يكون هناك قدر من التعقل والقبول لمثل هذه المناقشات التي يطرحها من سموا أنفسهم بالإسلاميين , في مقابل غيرهم من اللاإسلاميين , اي الكفرة المعاندين , المحادين لله ورسوله صلي الله عليه وسلم , ومن ثم فإن البداية تبدأ بحالة من السخونة في المناقشة التي نريد لها أن تكون علي قدر من الهدؤ والسكينة , ولكن من سموا أنفسهعم بالإسلاميين , جعلوا من أنفسهم هم أصحاب الحلول الإسلامية , وغيرهم في المقابل من الكافرين الذين هم نقيض للإسلاميين في مسماهم , ومن هنا يبدأ التنافر والخلاف والإختلاف بين من سموا أنفسهم بالإسلاميين , وكذا غير الإسلاميين حسب التصنيف المبتدع من أصحاب الحلول الإسلامية الجاهزة التي جنت علي المسلمين أيما جناية , وأضعفت من قوتهم أيما ضعف , وأذلت المسلمين إذلالاً مابعده إذلال , وأخرتهم عن الركب العلمي والحضاري , لدرجة أنهم لايذكروا في تاريخ العلم والحضارة ,وفي عالم القوة كانوا هم الضعفاء أمام الدول التي يتم النظر إليها بمنظار الكفر والتيه والضلال, واصبحت قضية القضايا التي تشغل بال وفكر وعقل من سموا أنفسهم بالإسلاميين هي العقيدة والشريعة الإسلامية الغراء , وأنهم يسعوا إلي تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً شاملاً للعودة بالمجتمعات الضالة إلي حظيرة الإسلام التي ستضم شتات الأمة الإسلامية ,و تجعل منها قوة فاعلة في ميزان القوي الدولية , ومن ثم تتحرر المقدسات المهانة تحت ربقة ذل الأسر والإستعباد البادي من سلطة الإحتلال في فلسطين , تحرير العراق , والشيشان , والبوسنة والهرسك ,وتحرير إقليم ناجورنو كاراخ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان , ومعه إقليم كشمير المتنازع عليه بين السيادة الهندية , والسيادة الباكستانية , وحل أزمات بؤر الصراع في لبنان والخاص بمزارع شبعا , والأردن الجزء الخاص بالضفة الغربية , وأزمة السودان في إقليم دارفور وقبائل الجنجويد , وأسلمة النموذج التركي العلماني , وتأديب الدول العربية ذات النهج العلماني في السياسة والحكم , ومثالاً لها تونس , وبعض الدول التي تريد أن تنهج النهج العلماني الكافر حسب المفاهيم الخاصة بأصحاب الحلول الإسلامية الجاهزة !!
هذه هي هموم الإسلاميين المعاصرين والتي تختلف كل الإختلاف عن هموم المسلمين السابقين الذين ينظر إليهم نظرة الفاتحين للدول الكافرة والذين جعلوا الناس يدخلون في دين الله أفواجاً عن طريق الغزوات والفتوحات الإسلامية !!
ولكن حينما يردد الإسلاميين حسبما سموا أنفسهم ووصفوا ذواتهم بالإسلاميين دون غيرهم في إحتكار مرعب للإسلام وعقيدته وشريعته حسب مفهومهم التعصبي المتمترس بالمفهوم الإسلامي والمحتكر له في حالة من حالات الترعيب للغير والذي لايكون معهم في الوجهة والإتجاه لحل جميع المشاكل الحياتية عبر حلول إسلامية جاهزة مستمدة من عقيدة الإسلام وشريعته , ومن ثم من السهولة بمكان أن يطلق علي المخالف لهم حتي في مجرد التصور والفهم لحلول المشاكل المعاصرة , بأنه من الكافرين , وهذا حسب مفهوم تقسيم الدنيا إلي دار كفر , ودار إسلام , فمن لم يكن في دار الإسلام فحتماً يكون في دار الكفر , ومن لم يكن مسلماً , فحتماً يكون للكفر ملازم !!
أليس هذا هو المفهوم الدارج العمل به في المفاهيم الإسلامية التي يعتقد بها الإسلاميين ويجعلونها جزء من عقيدة الولاء والبراء , والمبنية علي أنه من لم يكفر الكافر أي غير المسلم , فحتماً ولابد أن يكون كافر, وتجري عليه أحكام الكفر بجميع إكسسواراتها , ومشتملاتها التي صنعتها أفكار الإسلاميين القدامي والمحدثين ؟!!
فحينما يستخدم الإسلاميين , شعار الإسلام هو الحل , ويؤكدوا علي حتمية الشعار في الأوساط السياسية والنقابية , والأوساط الشعبية والجماهيرية , بكل ماتتحمله هذه الأوساط من أزمات معاصرة لصيقة بحاجياتهم المعيشية والضرورية , والتي لم يصلوا منها إلي حد الكفاية من الحاجيات الغريزية , من طعام وشراب , وزواج , وسكني , وفرصة عمل , وضرورات الحياة البسيطة , فكيف يكون الإسلام هو الحل في مثل هذه التأزمات الملاحقة لهؤلاء الناس ؟!!
ناهيك عن القضايا التي تمثل في وجهة نظر الإسلاميين قضايا كبري ومصيرية , كقضية البنوك التي في مفهومهم بنوك ربوية تعمل في نشاطات الربا المحرم الذي توعد الله من يعمل به بالحرب والدمار , وقضية عمل المرأة في مجتمع مأزوم فقير , ومعدم ومحروم من أبسط الحاجيات الغريزية الضرورية والتي تخرج للعمل في جومن الإختلاط المحرم حسب المفاهيم الخاصة بالإسلاميين ايضاً , بداية من وسيلة المواصلات وحتي أثناء أداء الأعمال الوظيفية أو المهنية المكلفة بها أيضاً !!
وذلك كله دون النظر لقضية القضايا وأزمة الأزمات وهي قضية السفور والتبرج والزينة المحرمة في جو مشحون بالغرائز والشهوات التي لم تجد لها متنفس شرعي بسبب أزمات الفقر والبطالة والجوع الجنسي الذي لم يجد له مصرفاً شرعياً سوي جرائم الإغتصاب , وهتك العرض , والجرائم الجنسية الأخري كقضية التحرش الجنسي , ومن ثم يتم العروج إلي قضية النقاب , أم الخمار , أم الحجاب , وأيهم أولي في التطبيق والملائمة للمجتمع المأزوم !!
ناهيك عن أزمة الأزمات المخبؤة في جراب العولمة والثورة المعلوماتية الرقمية , وثورة الإتصالات التي جعلت من العالم كله عبارة عن شقق صغيرة في بناية كبيرة تجمع دول العالم كله فيها علي إختلاف دياناتهم وعقائدهم , وأجناسهم وألوانهم , وثقافتهم المتعددة والمتباينة بداية من عباد البقر لعباد بوذا , وذرادشت , وبراهما , واللادينين , مروراً بأصحاب الديانات السماوية الثلاثة اليهودية , والمسيحية , والإسلام , علي إختلاف مدي التباين الواقع داخل المنتمين للدين الواحد من داخل إطار الإنتماء الديني لدين من الأديان الثلاثة , والإسلاميين كفريق أوفصيل من ضمن الفصائل المكونة للفصائل الدينية المتعددة والمتباينة في الفكر والثقافة , لدرجة وصول التباين والإختلاف بين الفرق والمذاهب الدينية إلي العقيدة ذاتها !!
فماذا سيفعل الإسلاميين مع هذه الثورات العلمية والمعلوماتية وعصر السماوات المفتوحة دون إمكانية لرقابة او وصاية أو ولاية من أحد علي الإنسان المعاصر مهما إختلف دينه أو تغايرت عقيدته , أو تنافرت ثقافته مع الإسلاميين , أصحاب الحل الإسلامي الجاهز والمستمد من الشريعة الإسلامية الغراء برافديها العظيمين , القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ؟!!
كيف يكون الإسلام هو الحل مع مصيبة الفقر , ومصيبة البطالة , ومصيبة المرض المتفشي ؟!!
هل للإسلام حل لهذه المشاكل بعيداً عن واقع المجتمعات المازومة , في الأطروحات المؤجلة للآخرة وثواب الآخرة فقط , وذلك حينما يعجز أصحاب الحلول الإسلامية الجاهزة عن مداراة خيبة الأمل في إيجاد حلولاً واقعية لهذه الأزمات والمصائب , وذلك عن طريق تطبيقات الشريعة الإسلامية المتعددة بتعدد رؤي القائمين علي تطبيقها من أصحاب الحل الإسلامي الراغبين في إقحام كلمة الإسلام في كل أمور الحياة الدنيا , حتي ولو كان الأمر يتعلق بأزمة المجاري والصرف الصحي , فإنهم يرون لها حلولاً إسلامية منطلقة من الإسلام , ومتمثلة في البحث عن آيات وأحاديث في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة تؤكد وتحث وتحض علي النظافة والطهارة , والمهم لديهم هو فقط منحصراً في الكيفية التي يفكرون فيها في البحث عن نص من النصوص الدينية التي يريدوا بها أن يصبغوا العمل العام بالصبغة الإسلامية مادام هناك آية أة حديث تمس الموضوع أو الأزمة , أو المشكلة من قريب أو من بعيد , متناسين أن الأمر يختص به القائم عليه في خبرته وعلمه ودرايته المهنية والفنية والعلمية , ولايهم النظر إلي دينه أو عقيدته , حتي ولو كان كافراً , والمهم هو في إتقانه للعمل وإجادته بما يعود علي المجتمعات بالنفع العام أو النفع الخاص !!
ولا أدري لماذا عقدة النقص المتمثلة في البحث عن نص تسيطر علي العقلية الإسلامية بوجه عام , مع أن مشاكل الحياة العامة والمعاصرة متجددة , ومتعددة بما يفهم معه أنها لانهائية في تأزماتها , فلماذا نلجأ دائماً للبحث عن نص , وهناك فرضية بسيطة مؤداها , إذا لم يكن هناك نص , فماذا يفعل أصحاب الحل الإسلامي الجاهز ؟
هل سيقولوا سنجتهد , ونأتي بأحد المشايخ , أو أحد العلماء ليقول لهم هذا حلال فاتبعوه , وهذا حرام فاجتنبوه !!؟
وإذا كان العمل العام , والمشاكل العامة من حق الجميع أن يبحث لها عن حلول واقعية مبنية علي أسس علمية صادقة , فلماذا يتم إقحام النصوص المقدسة التي قد تتيح قريحة البعض التوصل إليها , أو قد تغيب عن قريحة البعض , أو قد تتعارض مفاهيم النصوص مع بعضها ويتم تخليق مجموعة من الأزمات تصرف أصحاب الحل الإسلامي الجاهز عن المشكلة الأساسية ؟!!
فلماذا عقدة النص الديني تسيطر علي الأفهام والعقول , مع العلم بأن الإيمان ينقسم إلي قسمين نصف يختص به النقل , وهذا محدود في نصوصه , ونصف يختص به العقل , وهذا لامحدود ولانهائي , فلماذا يريد أصحاب الحل الإسلامي الجاهز أن يحكم المحدود , اللامحدود , وأن يحكم المتناهي , اللامتناهي ؟!!
ونعتقد أن الأزمة ليست في كينونة الإسلام هو الحل من عدمه , فهذا ليس محل جدال أونقاش من الأساس , لأن الأديان والعقائد لاتناقش علي الإطلاق لأن مجالها التسليم , أما حاجيات الناس ومصالحها الدنيوية والمعيشية التي تؤمن من خلالها حياتهم الدنيا , بما تحمله من أمور حياتية معيشية خاصة بطعامهم وشرابهم , وعملهم ومسكنهم , وعلاج مرضاهم وتعليم أبنائهم , ورعايتهم الرعاية الصحية والإجتماعية والتعليمية والتثقيفية , وتوفير الحياة الكريمة في جميع تفصيلاتها , مع إحترام خصوصيات الناس , وحفظ حرياتهم العامة والخاصة , وحمايتهم وحماية أمنهم في إطار منظومة الحق والواجب , والقائمة علي المعاملة , التي إختزلها الرسول محمد صلي الله عليه وسلم , وجعلها هي الدين في عبارة موجزة وبسيطة : الدين المعاملة !!
ومن ثم فالأزمة كامنة في كيفية أن يكون الإسلام هو الحل , بعيداً عن الوصاية , وإحتكار مفاهيم الدين , وبعيداً عن الحلول المؤجلة للآخرة , من خلال منظومة تحقيق الجنة الآنية , في إطار مجتمع مدني قائم علي الحرية والعدالة والمساواة , وعماده دولة المواطنة ؟!!
هذا هو السؤال !!
وننتظر الإجابة !!
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟