|
العراقي وسيكولوجية الرمز
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 1899 - 2007 / 4 / 28 - 11:39
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من دون تمهيد أقول ان عقولنا ، نحن العرب ، محتلة ومستعمرة باستباحة مطلقة من قبل ( مارد أسطوري ) أسمه : ( الرمز أوالبطل المخلّص ) . وأن هذه ( الأرضّة النفسية ) نخرتنا من الداخل وأسهمت – ربما أكثر من السلطات السادية – في جلب المآسي لأنفسنا وتأخرنا بين الأمم منذ أن نبهنا السلف الى أننا كنا خير أمة أخرجت للناس . لا يعنينا أن نبحث في تاريخ البذرة الأولى لفكرة ( الرمز ) بقدر ما نقول : إن الإنسان خلقها حين واجه أزمات حياتية وجد نفسه عاجزا عن حلها . ولقد نجم عن فعله هذا حاجة نفسية الى ( بطل ) يتوحد به ... وظهر البطل الرمز، ومنحه الناس قدسية إلآهية ... فكانت السلطة ، التي هي اختراع نفسي قائم على معادلة (السادي مقابل المازوشي ) . وأطاع الناس صاحب هذا الاختراع الذكي الذي أراحه وأراحهم ، متلذذين بمازوشية استعذبوا آلامها . وحين نزلت الى العظم ، أدركوا أنهم ضحية وأنهم كانوا عن أنفسهم غافلين . وتشنجت العلاقة بين الطرفين ( السلطة والناس ) . ولما وجدوا أنفسهم عاجزين عن تخليص أنفسهم من سلطة ظالمة ، لجئوا من جديد الى إحياء فكرة ( الرمز ) يكون هذه المرّة من بينهم ، ولكن بقدرات استثنائية يخلصّهم من الظلم ويقيم العدل على أرضهم . وظهر البطل المخلّص ، الرمز، من جديد وأطاح بالظلم ، لكنه لم يقم العدل على أرضهم . واحتار الناس بالأمر وصاروا يتساءلون : لماذا كلما أتى بطل مخلّص تحول الى ظالم جبار ؟ وأظن أن النابهين منهم توصل الى أنه لا بد أن يكون هنالك مسمار في كرسي رئاسة السلطة يخرق ضمير من يجلس عليه، ويهرّيء نسيج قيمه الأخلاقية ! . غير أن الحاجة النفسية الى ( بطل مخلّص ) ظلت تعمل في العامة من الناس ، وما زالوا، بالرغم من أن الإنسان هجر السيف والخيل ، وصار يقتل الملايين بحزمة ضوء من طائر فوق رؤوسهم لا من فوق ظهر بعير !. والمشكلة أن العراقيين هم من اكثر الشعوب تعلقا بالحاجة النفسية الى ( رمز وبطل مخلّص ) لسببين، الأول : أن البذرة الأولى للرمز زرعت في تربتهم بأيدي ( جلجامش )، وأنها استقرت في لاشعورهم الجمعي من آلاف السنين . والثاني : قسوة الظلم الذي أصابهم من السلطة منذ أن دفن العرب الأقحاح ( الشورى ) بأرض الشام وجعلوها – السلطة – وراثية .فلجأ المغلوب على أمرهم الى تشييد أمكنة للرموز ملئت أرض الرافدين لتكون متنفسا للمظلومين المكبوتين قهرا . وأسهمت السلطة في تشييد هذه الأمكنة لتكون وسيلة كشف لسحق القاصدين إليها. والمأزق النفسي الذي هم فيه الآن، أنهم وضعوا أنفسهم ، أو وضعوا !، على سكة الديمقراطية ولا خيار لهم إلا بأن يمشي الركب عليها . وأن ( الرمز) و( الديمقراطية ) ضدان لا يلتقيان . ففي قاموس الديمقراطية يكون الحكم بيد مؤسسات لا بيد الفرد ...الرمز ..البطل . فيما السطر الأول بقاموس البطل أن يكون الحكم بيده . وفي مبادئ الديمقراطية،التداول السلمي للسلطة ، فيما هي عنده حق مستحق مطلق ... واحترام الرأي الآخر حتى لو كان لا يروق لمزاجك ، فيما قناعات البطل أنه على حق دائما ، ومزاجه لا يقبل الرأي الآخر . فكيف سيحل العراقيون هذه الإشكالية .. بين حاجتهم النفسية الى ( رمز وبطل مخلّص ) وبين الديمقراطية، التي لن تكون إلا بقلع هذا الرمز المستقر في وجدانهم من ستة آلاف سنة ؟!. ما يبشرالناس بالأمل ( الذي أنهكهم ) أن الكيانات السياسية والدينية ايضا تهلل للديمقراطية . لكنها في حقيقتها مسكونة برعب نفسي منها لأنها – في يقينهم – تستهدف بالنهاية القضاء على ( الرمز ) المتعلقين به وجدانيا وسلوكيا واعتباريا . ولا حيلة لهم سوى التمويه بالتظاهر بقبولها، ثم الاضطرار الى تقديم عربون إثبات . غير أنهم ( السياسيون والدينيون المؤمنون بالرمز ) ما أن يشعروا أن الديمقراطية ستدهم حصن ( الرمز ) في أعماقهم ، عندها ستكون هنالك ضريبة قد تكون أفدح من ضريبة الإرهاب !. والكارثة أن تكون الكارثة الختامية مسألة وقت ليس إلا .
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشخصية العراقية تخطّئ علم النفس!
-
العراقيون...وسيكولوجية الحاجة إلى دكتاتور!
-
يا أعداء أمريكا ... اتحدوا لتدمير بغداد !
-
تعدد مرجعيات الإرشاد لدى العربي بين العلم والخرافة
-
الحقيقة ...عند الحاج غيلان !
-
العراقي : هل صار مكروها عالميا ؟!
-
هاملت شكسبير تحليل لشخصيته وتردده
-
العراقي ... و الخوف
-
كلب بافلوف !
-
نظرية الوردي ...لم تعد صالحة
-
مظفر النواب
-
المرأة موضوعاً شعرياً في الابداع العربي - مشاعر وجدانية قدمت
...
المزيد.....
-
ترحيب فاتر بالملك تشارلز في أستراليا بأول جولة خارجية له منذ
...
-
استخبارات كوريا الجنوبية: بيونغ يانغ ترسل 1500 جندي لمساعدة
...
-
جواد العلي يعود إلى مسارح السعودية بعد غياب طويل.. افتتح حفل
...
-
روسيا تسلم أوكرانيا جثث أكثر من 500 جندي من قوات كييف
-
الحوثيون يتوعدون إسرائيل -بتصعيد عسكري مؤلم- ثأرا للسنوار
-
صافرات الإنذار تدوي في عكا وخليج حيفا
-
مصر ترفع أسعار البنزين للمرة الثالثة.. فهل ستواصل الأسعار ال
...
-
ما قصة التوغل الجيش الإسرائيلي في سوريا؟
-
يحيى السنوار.. ما قصة المسدس الذي وجده الإسرائيليون بحوزته و
...
-
-ماذا بعد مقتل عدوّ إسرائيل اللدود، يحيى السنوار؟- جيروزاليم
...
المزيد.....
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
المزيد.....
|