|
-هل تُؤْمِن بما نُؤْمِن به ؟- التعددية والتنوع في زمن التوحيد الموهوم : رؤية مستقبلية.
يوسف بن الغِياثِية
الحوار المتمدن-العدد: 1896 - 2007 / 4 / 25 - 12:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
للاعتبار والاستباق.
كنا قد حضرنا ندوة في جامعة محمد الخامس حول "دور العقائد في الحوار الحضاري العالمي". ولا أذكر كثيرا مما وقع في الندوة إذا استثنينا بعض الأحداث التي مازالت عالقة بذاكرتي منها إلقائي كلمة بناء على ورقة موضوعها " إله واحد، كتابان، ثلاثة أديان."، وأذْكُر أن أحد الإخوة الموريتانيين سألني بعد المداخلة سؤالا ربما كان غريبا بعض الشيء هو : "هـل تؤمن بما نؤمن به ؟" وكنت أجبت الطالب أنني لن أرد على سؤاله هذه حتى لا تتحول إلى تقليد أو عـرف يُلْـزِم الناس بأنْ يصرحوا بعقائدهم قبل الإقدام بأي عمل اجتماعي ونحوه. ومن ثَـمّ، بقي سؤاله معلقا ويحسن به أن يبقى كذلك. إن السؤال عن العقائد مُخِـلٌّ بالتوازن الاجتماعي وبالسِّلْـم أيضا. وعدت بعد أُمّـة أتساءل عن لو أجبته بكوني لا أؤمن بما يؤمن به هو أو غيره ؛ فبماذا يمكننا أن نتنبأ لو أخبرته ؟ ماذا لو أتيح لهذا أن يتسلط على رقاب الناس ؟ والحقيقة أني لست مضطرا للإجابة على مثل هذا السؤال ؛ بكل بساطة لأن السائل غير معني بالإجابة عليه، قطعا وبته ! ومثل هذه الأسئلة - مع اعتقادي - أنها بريئة وتنِمّ فقط عن صدمة مما طرحته الورقة التي عرضتها، على بساطة ما طرحته فيها، والذي لم يكن خارقا. وكان مما تعرضت إليه فيها أنني افترضت أن حرب الردة لم تكن حربا دينية صِرْف، بقدر ما هي حرب سياسية عادية تحدث إلى اليوم حين تعلن مقاطعة أو إقليم من الانفصال عن المركز. فقد رفض الخليجيون (اليمامة والبحرين وغيرها) آنذاك إيتاء الزكاة ، باعتبارها ضريبة تُسلَّـم إلى خزينة الدولة المركزية بالمدينة المنورة. وامتناعهم عن أدائها معناه من وجهة نظر المدينة والقائمين فيها تمردا على الشرعية وتقويضا للنظام القائم. وأقول هذه وجهة نظر تُبْحَث بما لها من صواب وتسديد وبما لها من قصور وخطإ أيضا. ونحن هنا لا ندخل في خانة المحاسبة الإيمانية. ولهذا السبب لم أقبل الإجابة عن السؤال الذي طرح عليّ لأنه لا علاقة له بتحليل قطعة من تاريخنا المجيد ونقدها حلوة كانت أو مُـرّة، بيضاء ناصعة كانت أم سوداء حالكة. إنها في النهاية جزءٌ من كياننا ووجداننا، وكوننا نعيد التفكير فيها ونقلب النظر في بعض من فترات هذا التراث لا يعني أننا نتبرأ منها لصالح اعتناق "سانت بارطيلمي" [La Saint-Barthélemy] ، مثلا. فالحروب الدينية لا تزال قائمة بسبب البحث عن الإجابة عن السؤال : "هـل تؤمن بما نؤمن به ؟" ؛ "هـل يؤمنون بما نؤمن به ؟" إنه بسبب هذا السؤال، ذهب الآلاف إلى القبور بحد النصال ولا يزالون.. وبقدر ما أثار سؤال هذا الطالب الكريم البسمة التي تُنبِئ عن المحبة والدهشة، بقدر ما رأيت في سؤاله قرعا لأجراس محاكم التفتيش والتقصي وقد يُعتبَـر إعلان حرب على العقائد المخالفة والآراء التي لا تنسجم مع السمفونية العامة، والتي قد لا تُستساغ ؛ ولو أني لا أملك سوى رأي مخالف، لا عقيدة مخالفة. ولكن، إذا كان هذا فيما بيننا - نحن المسلمين - فماذا عنا مع غير المسلمين ؟ والحقيقة أن هذه الحقيقة ليست حكرا على المسلمين حدهم، وإنما تتعداهم إلى طوائف أخرى وأديان غيرهم، وما يمكن أن نقوله عن التطرف في الإسلام، يقال عنه في اليهودية والهندوسية والبوذية والنصرانية. و يشهد التاريخ على كل هذه المتناقضات الدينية والمجادلات العقدية وحتى التصفيات الجسدية، وقد ذكرنا أمثلة من الردة وحروبها، ومحـن الطائفة السُّنِّية مع المعتزلة في قضية "خلق القرءان"، ومحـن هؤلاء مع السنة عندما استردوا السلطة ؛ ومن ذلك مذابح الحروب الدينية في فرنسا التي تعد من الدوافع إلى اعتبار الدين سبب البلايا ومصدر الرزايا عند من يذهب هذا المذهب في أوروبا والغرب عموما. ولا حديث عن المقلدين من بني جلدتنا والذين لا يفرقون بين السياقات الثقافية والفروق التاريخية بين حضارة وأخرى... هـل تؤمن بما نؤمن به ؟ : شق القلوب. إن السؤال : "هـل تؤمن بما نؤمن به ؟" سؤال مُتَّهِـم ؛ يتهم المسؤول ويفترض تغليبا لانحرافه وأنه أحوج إلى التقويم، إن لم يكن التأديب والتصحيح، وربما الاستتابة أو التعجيل به إلى دار البقاء... أما معاناة المسؤول فتكون كبيرة جـدا. فتحصل المعاناة من جانبين : أما الأول : فهو الخوف من هجوم السائل بالعنف المادي أو الرمزي، وهو خوف طبيعي يحصل لأي إنسان يدخل دائرة اتهام أو يكاد، وخصوصا في حال اتهامه ظلما بشيء، وما أدراك ما جريرة الخروج من المِلّة أو التصنيف داخل خانة العداء للأمة أو الردة. وأما الثاني : فهو الخوف على السائل نفسه من أن يعطي لنفسه صلاحيات هي لله وحده وليست لغيره. "إن الدين عند الله الإسلام "، وليس لأحد آخر أو غيره... ومن ثَـمَّ، فرفقا بالسائل وانفتاحا عليه ربما يدع الواحد منا يريده أن ينأى بنفسه عن الاعتداد بإيمانه فيزكي نفسه، ويتعالى بعقيدته ودينه مثل ما تعالى صاحب الجنتيْن على صاحبه وهو يحاوره . وذهب به الظن إلى أن الساعة قد لا تقوم. وحتى وإن قامت ورُدَّ إلى بارئِه ليجدن أحسن منها منقلبا !! ويبدو أن هذا الإنسان كمن اتخذ عند الله عهدا.. إذن، فكما يُتعالى بالمال والعلم والقوة بأنواعها، قد يُتعالى أيضا بالإيمان وتزكية النفس.. فهل تؤمـن بما نؤمـن به ؟ هل يؤمن أولئك بما نؤمن به ؟ لم تعد القضية هي هـل نؤمـن، ولكن كيف نؤمـن ؟ ثقافة التعددية الغائبة. من خلال القصة التي عايشناها أما وزملائي المشاركين في تلك الندوة، لم تمض بضع سنوات عليها حتى بلغنا بأن الناس تُقتَل على الهوية العقدية والعرقية في بلد احتلته قوة تدعي الدفاع عن التعددية، وفي الوقت نفسه تقول من ليس معنا فهو ضدنا !! إلا أنه، وبعيدا عن موجات "المشرق العربي" كبيرا كان أم صغيرا، نقول إن الأسئلة التي كان قد طرحها الدكتور الباحث احميدة النيفر في عدد سابق من قضايا إسلامية معاصرة لم تجد جوابا لحد الآن . ومن ذلك : كيف يتم بلوغ درجة من الوعي تتمكن من تقدير ما ينطوي عليه التعدد الثقافي والديني في العالم من ثراء ؟ وغيره من الأسئلة الجوهرية، والتي يحسن أن نذكّر بها : هل يمكن أن تحافظ كل مجموعة على جوهر إيمـانهـا الخاص، وعلى نظرتها المميزة إلى العالم، مع إتاحة الفرص لمزيد فهم معتقدات الآخر والوقوف على رؤيته الثقافية ؟ ووجب الاعتراف بأن مشروع النهضة لم يكتمل بسبب الإجهاضات التي واجهته، سواء كانت هذه العوائق سياسية أو اجتماعية أو ثقافية بنيوية لم تترك سير الإصلاحات التي عمل كل الرواد على إنجازها أو بشَّروا بها. ويبقى خطر الطائفية من أعنف ما سيواجهنا كأمة في المستقبل القريب، خاصة إذا لم يتدخل كل من له تأثير بصفة عاجلة جدا. وفي نظرنا، فإن التأثير النفسي البنيوي للقبلية القديمة والعصبية الجاهلية تقمص لبوسا دينيا وعقديا. وبالنظر إلى أن الأنظمة السياسية ما فتئت " تدرأ" الفتن بقمع كل صوت مخالف، مما كرس تقاليد في تحطيم النفسيات وإنتاج "أُمَّـة أَمَـة" . أمة لا رأي لها ولا أمان. فأنتج هذا الخوف نزعة دفينة من الانتقام المفرط الذي يتشظى مثل القنابل شديدة الانفجار والانشطار. إن مثل هذا لجو المشحون والحقد الدفين يطفو على السطح عند أول فرصة للظهور. فما أن ينفرط عقد الدولة حتى ترى القوم يموج بعضهم في بعض، وفي كثير من الأحيان لا يدري القاتل لِم قتل جاره أو صديقه الذي لا ينتمي إلى طائفته ولا يقاسمه معتقده وإن بتفاصيل طفيفة. إن نزعة الانتقام الطاغية التي تريد أن ترتوي من الدم قبل الحجة ومن الجثة الممثل بها قبل الفكرة لهي نار تأكل الأخضر واليابس. وأما إذا اتُّخِذ التاريخ عقيدة فانتظر الساعة.
التاريخ عقيدة. نقصد باتخاذ التاريخ عقيدة أن ينزو الإنسان في أحداث التاريخ ويبقى يفكر من خلالها. بمعنى أن يحكم التاريخ معاملته مع جاره القريب أو البعيد. ولمزيد من التوضيح سنأتي ببعض الأمثلة من التاريخ نفسه. صراعات الثأر التي سادت بين المسلمين والنصارى المحليين من الجلالقة [Galicians] وغيرهم وما أدى إلى حروب الاسترداد [la reconquista] ومطاردة المسلمين إلى الشمال الإفريقي وغير ذلك من الأحداث التي يعرفها العام والخاص، فوتت على المنطقة برمتها فوائد جمة كان من الممكن تجنب تلك الأحقاد التاريخية السائدة وإلى اليوم. لكننا وعلى الرغم من جدية هذا المثال الذي سقناه لبلدين جارين من قارتين متقاربتين فإنه لا ينبغي لنا أن نعامل الوضع الذي ساد تلك الفترة العصيبة والمتوترة بالسقف المعرفي الحالي. وإلا لُمْنا معاوية (60 هـ/ 680 م.) وعليا (كرم الله وجهه) (40 هـ / 661 م.) على عدم اتخاذ أحزاب وتنظيم اقتراع يفوز فيه أحد الطرفين حاقنين أنهارا من الدماء سالت وإلى اليوم. وإذا كان هناك من لوم فلا ينبغي للسلف لأنهم أنجزوا إنجازاتهم بما توفر لهم من سقفهم المعرفي وجماع تجربتهم الإنسانية، فقد كانوا حديثي عهد بالعصبية القبلية، وعلى أساسها بنوا الدول التي كانت فتية ومشخصنة إلى حد بعيد. إنما اللوم على المعاصرين الذين بقوا حبيسي التاريخ ولم يرواْ بأسا في أن يُصَفّـوا مخالفيهم في المذهب أو الاعتقاد أو العرق ونحوه بدم بارد قل نظيره، وعز نسيجه، فهؤلاء لم يستفيدوا من التاريخ الدموي الذي اكتوت بناره الأمة، وحول مجراها الإنساني على الرغم من وميض الحضارة الذي ساهمت به إلا أنه يبقى استثناء لأن كثيرا من الإصلاحات الحضارية ولت بغياب روادها ولم يستطع المسلمون أن يُمَأْسِسوا الشريعة وفصلوها عن العقيدة، وأورثهم ذلك قولا بلا عمل. وبدعوى الوحدة والتوحيد وتجنب الفتن، تم إقبار الأصوات المخالفة وضمرت الفلسفة واستعمال العقل وسيطر العقل الفقهي وثنائية الحلال والحرام وتمزقت الأنسجة الاجتماعية التي تفتقر إلى ثقافة المبادرة والحرية بأنواعها. وزاد الاستعمار من الرّقْع حتى بقيت الأمة مسخا وإن سجلنا لها نضالها من أجل الاستقلال. لكن النضال من أجل تحرير الإنسان لم يبلغ بعد مداه وربما لن يبلغه لأن ثقافة التعدد لم تترسخ بعد، ولم نجد مخرجا من مأزق أيديولوجية الوحدة التي يراد بها غالبا - والممارسة تشهد بهذا - قمع الآخرين وتحْجيمَهم، واعتبار أن الحرية رديفة الفوضى وأختها الرضيعة. والحال أن غيابها هو ما يورث الفوضى والفتنة، وأن مكاسب الحرية أعظم من استقرار هش في ظل الديكتاتوريات التي تنعم فيها الأمة اليوم وفي المنظور القريب. ومن ثم، نقول إن اتخاذ التاريخ عقيدة والقتالَ عن أمة قد خلت لها ما كسبت ولا يُسأل فيها اللاحق عن أعمال السابق لن يجلب غير تدمير ما تبقى، ويبدو أن العلماء والقادة السياسيين وحتى الذين يدَّعون أنهم قادة الرأي والفكر وهُـمْ مَنْ هُـمْ لم يتعظوا بدماء السلف وكم سال منها من أجل السؤال الذي طرح عليّ في تلك الندوة التي أحدثت منها ذِكْراً، وهو "هل تؤمن بما نؤمن به ؟ " نحو ثقافة جديدة للتعايش. واليوم، ننبه إلى ضرورة إحياء وثيقة المدينة، وإعلان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) في خطبة الوداع أرضية وميثاقا لبناء ثقافة التعايش السلمي وتحريم الدماء وتكريم الإنسان وتعزيز حقوقه، والاهتمام بالمرأة وتشجيعها على التمكين الذاتي لأن لها تأثيرا كبيرا في توجيه النشإ وتربية الرجال، ومن شاء أن يقتدي بالسلف فله ذلك ومن شاء أن يقتدي بالخلف من الحضارة المعاصرة فله ذلك. إنما الذي لا شك فيه هو أن المسلين لم يدخلوا الحضارة المعاصرة بعد. ولذلك ليس غريبا على أُمَّـة أَمَـة لم تدخل الحضارة والتمدن أن ينتحر أفرادها في الطرقات كمدا ويأسا، لأن من لا يقدس الحياة لا ولاء له إلا لشيء هلامي. إن المطلوب اليوم هو إعادة النظر في قيمنا ومُثُلنا، وأن نواجه الأمر بشجاعة غير مسبوقة. وفي نظرنا سيأخذ هذا وقتا قد يطول وقد يقصر، وسيتم التغير من بلد إلى آخر بتفاوت الاستعداد لهذا الاستحقاق العملاق. ومن جهه أخرى، ربما طول الأمد تحت نير القسر والإكره من قبل الفئات الأقوى أنسى الأمة حقيقتها وهو تنوعها وتعددها. ومن ثم، فاستفاقتها اليوم على هذا التنوع ماثلا أدى إلى حالة من الفوضى والهلع، ما تفتأ أن تهدأ بعد أُمَّـة. ولا ينبغي أن يُسلِنا هذا النظر إلى التهوين من خطر هذه الفوضى العارمة بسبب هذه الاستفاقة العنيفة. ولا بد لقادة الفكر والعلماء وذوي النفوذ أن يتحلوا بأكبر قدر من المسؤولية وأن يتصدوا للتجاوزات بتعميم الرأي الجامع والخطاب الحازم المُطَمْئِن. وبات الاقتناع بأن ما نملك من معتقدات وإن ادعت مصدريا القداسة والنسبة إلى الكتاب المنزَّل، فهي لا تعدو من صنع السياسة والتاريخ. والمصلحة اليوم تقتضي التحلي بقدر وافر من الشجاعة لحماية الرأي الآخر، والمعتقد الآخر، والإنسان الآخر، قبل حماية الرأي المماثل، والمعتقد المماثل، والإنسان المماثل. ليس من السهل أن يتصرف القادة من أي ميدان بهذه الروح السامية المتعالية على الانتصار للذات، وبسط يد العفو والأمر بالعرف والإعراض عن الجاهلين ومخاطبتهم : "سلامـا" . إنها معركة مع "الذات" قبل أن تكون معركة مع "الآخـر". وختاما، نرى أنه من المستعجل البت في قضايا كبرى واتخاذ موقف متوافق قدر الإمكان من الحداثة، والديمقراطية، والمرأة، والقضية الفلسطينية. الحداثة. مُذْ جاء بونابرت في حملته على مصر والشام (1798-1801) والعالم الإسلامي في حيرة الهوية. وربما اكتشف الأمر ووقف على حقيقته ورآه رأي العين. وربما انتهت صلاحية ذاك الانسجام الذي كان يتوهمه المسلمون ؛ بحلول عنصر آخر مهيمن بفعل الإمبريالية والاستعمار، ونهض الرواد الذين زاروا العالم المعروف ووقفوا على مدى التأخر الذي حصَّلَه المسلمون وما حصدوه من خسائر بفعل وقف الاجتهاد وتطوير دواليب الحضارة والتنمية الإنسانية. وزاد الطوق العثماني من ضغطه على الحواضر الكبرى التي كانت بمثابة مفاصل التنمية والتقدم. فضلا عن الإنهاك الحضاري والتحلل الثقافي الذي عرفه العالم الإسلامي : فما بعد الكمال إلا النقصان كما قيل. وعليه، وبعد معارك للتخلص من الاحتلالات بأنواعها، وطفرة النفط وظهور "إسرائيل" [Israel] بقيت إشكالية الحداثة رهينة الثنائية "التراث/الغرب"، أو ما سُمِّيَ بـ"الأصالة والمعاصرة." وبقي الهاجس حاضرا شعوريا ولا شعوريا وهو الغرب. أي يبقى هذا الأخير حاضرا في النفوس عند معالجة أي قضية من القضايا. والمطلوب هو تعزيز الثقة بالنفس وإبداع حداثة من رحم الرصيد الحضاري العالمي بما فيه الحضارة الإسلامية. إذ بدون هذا الماضي ذي الدفع الإيجابي والانفتاح على العصر بشجاعة دون أن يكون الهاجس هو أن نصبح الأوائل في العالم ولا أن نقود الإنسانية لأن هناك من سبقنا إلى هذا، ولن يكون بالبلاهة التي تجعله أن يفرط في ذلك. ولكن، علينا أن نهتم بإنساننا أولا، ونطلق لسانه ونشجعه على أن يُطلِقَ يديه بالإبدع والإنجاز. وهنا، أتذكر قولة للسيدة ليلى رستم، بارك الله في عمرها، في حوار مع السيدة كوثر البشراوي في إحدى القنوات الفضائية، "إن الشيء الذي لم نخترعه لسنا في حاجة إليه على الإطلاق." والحق أنه وجب النفاذ إلى عمق المعنى الكامن وراء هذه المقولة الفلسفية للسيدة. الديمقراطية. من يقول الديمقراطية يتمثل التعددية وتنوع الآراء والبرامج. لكن في العالم العربي والمسلم ليس هناك إلا ديمقراطية الدماء. يبين هذا أننا في طور الهمجية ولم ندخل بعد إلى الحضارة حيث التنظيم والتداول السلمي على السلطة. لكن، هناك ملاحظة أخرى يحسن أن نُدْلِيَ بها وهي أننا نستعجل صلاح الدولة والسياسة وننسى أن تنوع الآراء لا يحترمه حتى الجامعيون عندنا، بل من الأساتذة من يستعمل سلطة النقطة في الامتحان لقمع الطلبة، فكيف يشكوا هؤلاء من قمع السلطة ؟ وما نقوله عن الجامعة وفساد البحث العلمي وانغلاقه في "غيتوهات" نقوله عن خط الدفاع الأخير ضد أي اختراق وهو الأسرة، وهو ما يدفعنا إلى الحديث عن واسطة عقدها (المرأة). المرأة. كثيرا ما يتحدث المتحدثون عن الفتنة الطائفية والتعدد العقدي والتعايش، لكن نادرا ما يتحدثون عن دور المرأة في هذه الآفة وما هو نصيبها منها. ولذلك فقد طلبنا من بعض زملائنا أن يساعدوا في إبراز هذه القضية وفي التعريف بالمرأة من هذه الناحية. ذلك أن التربية أساس من أسس المجتمع والذي يؤدي هذا الدور الحاسم هو المرأة. ومن ثم، فلا نرى أنها نصف المجتمع كما يقال، بل، ربما كانت هي المجتمع كله !! إن تنشئة المرأة ومرافقتها ومساعدتها على التمكين الذاتي أي تحريرها من القيود التي تحصر إمكانياتها وإبداعاتها هو الكفيل بتخليصها من شبح الطائفية بإعطائها ما تستحقه من تعليم وتنمية وحرية. القضية الفلسطينية. من الواضح أن الصراع على الأرض المقدسة التي بارك الله فيها للعالمين قد طال أمده - على الأقل من الوجهة الحديثة بسقفها الحضاري المعاصر - فأكثر من نصف قرن تجلى هذا الصرع وتشرد أناس، وقُتِلوا، وتطاحن الضحية والجلاد، والعالم كله إما يقف إلى جانب هذا أو إلى جانب ذاك. وفي اعتقادنا كما كانت الأرض المقدسة يوما ما مقياسا لقوة الأمة بسيادتها عليها، فهي لا تزال مقياسا أيضا على سلامة الطرح الديمقراطي والانفتاح التعددي عقديا وسياسيا في أيامنا هذه. وقد أثبتت تجربة "حماس" و"فتح" الأخيرة أن الأمة لم تستوعب الدروس المؤلمة، بتبني خيار التعددية وتجنيب البلاد والعباد المآسي التي يجنيها من زرع العنف وفرض رأيه بحد السيف. وكما جاء في الإنجيل على لسان السيد المسيح (عليه السلام) : "أَعِـدْ سَيْفَكَ إِلَى غِمْدِه ! فَإِنَّ الَّذينَ يَلْجَأُونَ إِلَى السَّيْف، بِالسَّيْفِ يَهْلَكون ! " ولم يستوعب من يحمل السلاح هذا القول العظيم ولم يعِهِ مطلقا. ونقول : ونحن البعيدون عن الميدان فالتعددية خير إذا كان مؤطَّرة بإحسان الذات إلى الآخر، ومعتبِرة أن للآخر حقا في الذات وأن لهذه حقا في الآخَر ؛ كما ورد في عنوان أحد المقالات المعتَبَرة للسيد هاني فحص.
#يوسف_بن_الغِياثِية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الحاجة إلى إعادة تشكيل القِيَم من أسسها الحَقّة
-
في الحاجة إلى إعادة تشكيل القِيَم من أسسها الحَقّة
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|