|
العنف التطهيري او انتصار الوحشية العراقية
يوسف محسن
الحوار المتمدن-العدد: 1896 - 2007 / 4 / 25 - 07:42
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ا - يمثل المشهد العراقي السياسي اقصى درجات القسوة الجامحة. ففي كل منعطف تاريخي ضخم كانت كتل الغوغاء تعيد كتابة مسيرتنا الدموية. فمنذ الابادات التبادلية في ظل الشبحية الصدامية والتي لم تكشف لحد الان تاريخياتها اليومية الوحشية. جاء العصر الديمقراطي ليحمل داخل احشائه عمليات القتل الهوياتي والتطهير السياسي والديني والطائفي اصابتنا بالصدمة والذهول نحن الناجين من المذبحة.. ومهما تعددت انماط العنف والقتل الجماعي الدائر الان في العراق فهي تؤكد بما لايقبل الشك انكسار انسانية الانسان العراقي للاحتفاء بكل ماهو وحشي في الحياة. حيث لم تشهد الحروب الاهلية الطاحنة في التاريخ هذه الكمية من الجثث الفاقدة الهوية والتي قتلت على الهوية وعمليات التمثيل والذبح وتقطيع الاطراف وتفخيخ الجثث هذه التصنيفات الثقافية بحد ذاتها تحقق انتصاراً مروعاً للوحشية العراقية والتي تسعى الى ابادة المختلف دينياً وطائفياً وسياسياً وانطلاق الحيوانية من عقالها وسيطرتها على التاريخ وفي هذا المفصل تبدأ الاسئلة لتكشف عورتنا التاريخية وازمة الوجود الانساني للمجتمع العراقي. هل يوجد خلل ما في منظومتنا الثقافية او الاخلاقية؟ ام ان هناك ثقباً اسود في دين الطوائف العراقية يستطيع هذا الوحش ان يتسلل منه ليحدث هذا الخراب المروع؟. الم تكن الوحشية القيادية جزءاً من الممارسة السياسية للنخب العراقية؟ لماذا لانفكك الحقل الثقافي العراقي المغلق بالارتباط مع تمزق الهوية للجماعات العراقية؟ والبحث عن هذا (القاتل) المؤدلج دينياً وسياسيا وفي اية حاضنة معرفية يتم استحضاره واستفساره؟. الدائرة المنهاجية ان ايضاح الوحشية التطهيرية داخل حقل التاريخ المجتمعي بعيداً عن التسميات اللاهوتية ضرورة علمية فالنزعة الوحشية في الانسان ليست جذراً انطولوجيا وانما هي جزء من الممارسات الثقافية ـ الاجتماعية وفي هذه الدائرة المنهاجية نستطيع ان نقرأ ظاهرة الوحشية العراقية كظاهرة تاريخية سياسية بعيداً عن الترسيمات التي تجذرها في الكينونة الاجتماعية او تعود الى اشتقاقات المتون المقدسة والتي هي حمالة اوجه لايمكن الركون اليها. فقد تم داخل الحدث العراقي اعادة انتاج الحرتقات الاسطورية والتي لاتنتمي الى حقل التاريخية وتحمل داخلها تأسيسات غير موضوعية لتشريح ظاهرة اجتماعية نجد اساسها في بنية المجتمع العراقي وتكوين الاجتماع البشري وتوزيعات السلطة والثروة والرأسمال الرمزي فهذا العنف الوحشي التبادلي في المجتمع العراقي يبدو للوهلة الاولى وليد اللحظة الراهنة في حين نكتشف من خلال الحفر العميق ان وجودة المؤسساتي يضرب في جذور البنى الدينية والسياسية والعلاقات اليومية والثقافية وهو نتيجة تشققات وتصدع الايديولوجية الاسلامية الكلاسيكية. حيث ان تاريخ الحقل الذي يطلق عليه (الحضارة الاسلامية) لم يكن سوى تاريخ رؤوس مقطوعة اينع قطافها محفوظة في خزائن السلطان الاسلامي او معلقة على الرماح او انتاج بنية احادية وتوقيته للحقيقة الدينية ومن هذه المفارقة تتوالد الاسلاميات الاصولية وهي تمثل كشفاً عارياً للايديولوجيات العدوانية السادية. النابذة لنزعات الانسانية والعقلانية والتنوع والتعدد الثقافي والديني والمذهبي. قتل الملك تثبت المصادر التاريخية ان الظاهرة العراقية نموذج مثالي لامتصاص انماط الوحشية الشرسة واعادة انتاجها بشكل وقائعي فمع ظهور انقلاب 1958 والذي يمثل البواكير الاولى للافتراس السياسي بين الجماعات العراقية والتكفير المتبادل تم ابادة العائلة الملكية بوحشية قل نظيرها في تاريخية المجتمعات المحيطية حيث تم الاتفاق مع الانقلابيين على خروج سلمي للعائلة التعيسة. ويروي فالح حنظل ضابط الحرس الملكي ان الملك فيصل الثاني خرج من القصر رافعا يده بالتحية العسكرية لقوات الجيش ثم تبعه الوصي والاميرات والاميرة العجوز وكانت ترفع فوق رأسها القرآن الكريم وعندما تجمعوا في باحة القصر فتح احد الضباط نيران رشاشته وقد تبعه اخرون مشكلين حلقة نارية جهنمية شرسة مترافقة مع قيام الجماهير الغوغائية بهجوم على القصر الملكي في عمليات نهب وسلب الممتلكات ويضيف ضابط الحرس ان كتلاً جماهيرية اخرى كانت تقوم بتعرية جسد الوصي وسحله في شوارع بغداد. حيث تم تعليقه على احد شرفات الفنادق في قلب العاصمة وبواسطة حملة السكاكين والسواطير تم فصل الرجلين من الركبتين وقطع الكفين من الرسخين وبتر العضو التناسلي تحت نشيد (الله اكبر) اما مصير نوري السعيد فقد تم سحله في شوارع بغداد بالحبال وسحقه بالدبابات واضرام النار في الاجزاء المتبقية ثم جاءت احداث 1959 واحداث الشواف في الموصل. ثم انقلاب 1963 والذي تم فيه ابادة 180 الف شيوعي داخل هذا الحاضنة التاريخية تم اعادة انتاج اليات الوحشية التبادلية بين الاحزاب السياسية العراقية وترويج ثقافة السحل بالحبال والابادات والمقابر الجماعية. تفكيك مشروع الثقافة العراقية ان تفسير الاسباب التي تجعل نظام الثقافة العراقية يعاني من استقرارات مؤقتة منذ نشوء الدولة الوطنية وحتى الان يعتمد على توافقات البنى وهامشيته الثقافية وتابعيته للجماعات السياسية الفاعلة والتي هي نتاج مجتمع يعاني من الركود والانحطاط والفوضى والهامشية والفشل الدائم في التحول والتغيير. فالعنف الوحشي هو احد اقنعة الثقافة العراقية ويمثل عائقاً معرفياً في قدرتها على قراءة مايحدث وهذا يفسر الصمت المريب عن هذا الجنون الوحشي الجماعي حيث ان الحقل الثقافي العراقي ضالع في هذا السلوك بصورة مباشرة ومتماه مع هواجس الجماعات الدينية في اعادة صياغة وانتاج الثنائيات الاصولية السرمدية. حيث لم يعد الوعي الثقافي ممكنا الا طائفيا واصبحت الهوية الدينية تغلق كل شيء عبر مقولات وشروط ثقافية وهنا نجد ان الوحشية العراقية ليست نتيجة بل هي احد تقنيات النزعة التطهيرية والانغلاق الثقافي والتعصب لمجتمع لايسمح بالتعايش والتعدد بين الاديان والقوميات والطوائف والاثنيات والملل والنحل والايديولوجيات. حيث ان المشروع الثقافي العراقي يطرح هوية مجتمعية متصدعة وبشكل جزئي لايرى الا عنصر العرق او الطائفة ويهمل المفهومية الشاملة ما ادى الى انتاج امتثالية ثقافية اصولية تروج لخطاب فوضوي وتتلاعب بنمط الانتاج الاجتماعي وداخل هذه الحاضنة الثقافية يتمظهر دائما (القاتل الاصولي). محاولة في تفسير الوحشية العراقية ان ظهور الانبعاثات الاصولية الدينية في الفضاء العام العراقي وانحسار النزعات العلمانية. اعطى للتطهير الاقصائي داخل عالم الطوائف العراقية قوة مهولة للتدمير المتبادل وذلك لان الدين الاصولي اخذ يحتكر مسوغات الشرعية السياسية مما يؤدي الى ظهور جماعات خيالية متجانسة ذات طبيعة عصابية تختزل العالم في ثنائيات مانوية شرسة وداخل لعبة الستراتيجيات السياسية والتماثل مع ايديولوجية خلاصية انقاذية. فقد تم تحويل اسماء الطوائف في الحقل الثقافي العراقي من هوية دينية الى دين الطائفة السياسي عبر استنفار الطبقات السفلى من التراثيات وصراع المذاهب وجعله جزءاً من الحياة اليومية والتداولات الثقافية والاجتماعية والسياسية وتمت ممارسة النفي والتطهير والقتل والتمثيل الذي يجد استعداداته التراكمية في البنى الذهنية الخاصة بالمجتمع العراقي. والذي هو نتاج حقيقة طويلة من التحلل الطبقي وضعف الثقافة المجتمعية وازمة المنظومة القيمية ويعاني من الطبيعة الهشة للنسيج الاجتماعي والاقتصادي بسبب التكوين الريعي بالاضافة الى مفاعيل تفكك علاقات الانتاج الاجتماعي المزمن وانهيار بنية التمدن وتغلب الميول والنزعات الوحشية الاجرامية في السياسة العراقية اما النخبة العراقية والتي هي وليدة الهوس الفوضوي والخمول السياسي والركود تفتقد للمشروع الفكري او الثقافي او الاقتصادي او المجتمعي ولاتمتلك الحلول والمخارج العقلانية للوصول الى تسويات وانما تعيد بناء ثقافات عدوانية تحولت الى السحل بالحبال والاغتيالات والتصفيات والابادات وهذا مايظهر ان الوحشية العراقية نتاج مجتمع قهري راكد داخليا وخطابات سياسية انحطاطية. ترميم بيت الحيوان العراقي كيف يمكننا الخروج من هذا الطوفان اللاعقلاني المثير للالتباس (العنف والوحشية والقتل والتمثيل بالجثث؟) وماهي الوسائل لاعادة تكوين انسانية الانسان العراقي؟ وكيف تستطيع اعادة بناء وتشكيل هذه الكتل الخيالية المفترضة كمجتمع؟ هنا يكمن سؤال الثقافة وقد تكون هذه الاسئلة وغيرها محاولة لترميم بيت العنكبوت العراقي وهي مرتبطة بشكل ما بايجاد نظرية للشرعية الاجتماعية والسياسية وحل اشكالية ازمة الوجود الانساني وتحويل العراق الى سوق تنافسي لتعايش الافكار والايديولوجيات والمشاريع السياسية والاقتصادية والفكرية والتحرر من ربقة الانتخاب الطبيعي والفرق الناجية واشاعة ثقافة العيش المشترك بالاضافة الى كسر احتكار ثقافة الحقيقة الدينية. والسياسية وترميم الحقل الثقافي العراقي...
#يوسف_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مهم مع البروفسور ميثم الجنابي انهيار النظام التوتاليتار
...
-
ملاحظات تمهيدية حول الظاهرة الدينية في العراق
-
دفاعاعن الديمقراطيه في العراق
-
الاقنعة التنكرية صناعة الهويه في الثقافة العراقية
-
الخطاب الديني الاصولي او احتكار بلاغة العنف السياسي
-
اسامه ابن لادن الاصولي التخيلي
-
نحو حافات التنوير
-
نحو صياغة جدبدة للعلاقة مع الاخر الغرب
-
قراءة في اسطورة المثقفين العراقيين وخرافات الدولة الريعية
-
جدل الثقافات الفرعيه نحو تشكيل رؤية ستراتيجيه لثقافة وطنية ع
...
-
الاخفاق في صناعة دولة
-
خرافة الدولة الوطنية العربية: نحو قراءة موضوعية للظاهرة الأص
...
-
الجسد الانطولوجي الشارح الأولي لفوضى السلطة السياسية
-
اثريات الطائفية السياسية / مقاربات اولية في العنف والعنف الط
...
-
نحو إعادة قراءة حقل التمايزات للفضاء المفاهيمي، الإسلام/ الد
...
-
إسهام نقدي حول مقولة - الأسلام مصدر للتشريع
-
الحريم السياسي: مقاربات أولية حول الخطاب الجنساني في الثقافة
...
-
اعادة انتاج النخب السياسية التقليدية2
-
قراءة في التصميم الكولو نيالي للديمقراطية في العراق الراهن
-
نقد النزعة التاريخية الأحيائية في الفكر العربي
المزيد.....
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|