|
في سوريا انتخابات ام مآتم سياسية
سليمان يوسف يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1894 - 2007 / 4 / 23 - 12:53
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
منذ خمسينات القرن الماضي شهدت سوريا انتخابات برلمانية حرة وديمقراطية، وأقام شعبها نظاماً جمهورياً متقدماً على الكثير من أنظمة دول المنطقة. كان يمكن لتلك التجربة الديمقراطية أن تنمو و تتطور لتجعل من سوريا نموذجاً ديمقراطيا ليبرالياً في الشرق العربي الإسلامي لو لا أن القومين العرب فرطوا بها لأجل شعارات قومية طوباوية وأعلنوا الوحدة مع مصر عام 1958.ومن ثم بعد الانفصال أطلق حزب البعث العربي الاشتراكي طلقة الرحمة على تلك التجربة الديمقراطية بانقلابه على السلطة في آذار 1963 وفرض نفسه ومازال قائداً للدولة والمجتمع باسم الشرعية الثورية، قاطعاً بذلك الطريق أمام أية محاولات وفرص اقامة انتخابات حرة جديدة تفضي الى التداول الديمقراطي للسلطة في سوريا.فمنذ وصول حزب البعث الى السلطة بقيت الحياة السياسية والحزبية في سوريا وكل محاولات الإصلاح التي تسعى اليها من حين لآخر بعض المجموعات والقوى من داخل النظام،حتى الأفكار والمبادئ الإصلاحية التي طرحها الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم تموز 2000،بقيت اسيرة عقدة تمسك البعث بالسلطة واستمرار النظام القائم.خاصة في موضوع الانتخابات، التشريعية والرئاسية، التي هي إحدى أهم آليات العمل الديمقراطي الحقيقي لتدول السلطة، والشكل الحضاري للممارسة السياسية الصحيحة التي تتيح للشعب حق المشاركة عبر من ينتخبهم نواباً عنه في تقرير مصيره و رسم سياسية الدولة واتخاذ القرارات،كذلك حق مساءلة ومحاسبة السلطة التنفيذية(الحكومة).لهذا نرى في الدول الديمقراطية تترقب الشعوب الحرة موعد الاستحقاق الانتخابي وتتحضر له باعتباره يشكل منعطفاً تاريخياً كبيراً في حياتها السياسية، في حين في الدول اللاديمقراطية تأتي الانتخابات وتمر من غير أن يهتم أو يكترث الشعب بها. في سوريا،حيث ستنطلق في الثاني والعشرين من نيسان الحالي انتخابات الدور التشريعي التاسع وهي الثانية في الولاية الأولى للرئيس بشار الأسد،بسبب طبيعة النظام السياسي القائم والقانون الانتخابي الذي يتناقض مع ابسط شروط ومبادئ الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، بقيت الانتخابات التشريعية منذ الدور الأول لها 1973 شكلية ومن غير أن تحدث أي تغيير أو تأثير على الحياة السياسية في البلاد .فهي ليست أكثر من طقوس وشعائر حزبية بعثية تفرض على الشعب السوري كل أربع سنوات.وبتعبير آخر هي (مآتم سياسية)،إذا جاز التعبير، تنعى فيها الحقوق الديمقراطية والحريات السياسية للشعب السوري.على ضوء هذه الحالة السورية أرى من الخطأ الحديث عن وجود انتخابات تشريعية في سوريا.وكيف يمكن الحديث عن انتخابات واسماء غالبية المرشحين الفائزين تحدد وتظهر مسبقاً قبل أن تبدأ عملية الاقتراع، ذلك من خلال فرض فوز قوائم مرشحي الجبهة الوطنية التي تضم الأحزاب الموالية لحزب البعث الحاكم. فوفق القوائم النهائية التي اعلنت رسمياً في سوريا لمرشحي الجبهة الوطنية-جبهة البعث- لانتخابات القادمة، خُصص للجبهة 167،منها 134 مقعداً للبعث، في حين تركت المقاعد المتبقية 83 من اصل 250 مقعداً هي إجمالي مقاعد المجلس. فضلاً عن أن البعث والأجهزة الأمنية تتدخل بشكل أو بآخر بفوز المستقلين- وهم بغالبيتهم من رجال الأعمال والتجار وابناء العائلات الاقطاعية مقربين من الحكم وممن لهم القدرة على ضخ الأموال لشراء الأصوات وتحمل نفقات الحملة الانتخابية، وجميعهم يخوضون حملتهم الانتخابية من غير برامج وبيانات سياسية، لقناعتهم بعدم جدوى البرامج الانتخابية من حيث تاثيرها على الناخب ومن حيث قدرة المرشح على تحقيق الحد الأدنى من ما قد يطرحه فيما لو وصل الى مجلس الشعب- وهذا يعني عملياً وصول معظم المرشحين إلى مجلس الشعب بطريقة التعيين وليس الاقتراع.بلا ريب،أن النائب المعين من قبل الحاكم من غير المتوقع لا بل لا يمكن له أن يقوم بالدور المنتظر منه وهو الدفاع عن حقوق وقضايا الشعب وإنما سيدافع عن مصالح والجهة التي أوصلته الى مجلس الشعب.مما جعل مجلس الشعب السوري، وهو أعلى سلطة تشريعية في البلاد، مؤسسة شكلية معطلة وتحولت قاعة البرلمان الى منبر مغلق لخطاب بعثي سلطوي بدلاً من أن يكون منبراً مفتوحاً لطرح ومناقشة القضايا المعيشية والسياسية للشعب. تحت سقف الأحكام العرفية وفي ظل قانون الطوارئ وبغياب قانون عصري يرخص وجود الأحزاب ويشرعن عمل المعارضة ونشاط المنظمات الأهلية ولجان حقوق الإنسان والمجتمع المدني وفعاليات مختلف ألوان الطيف القومي في البلاد ،كذلك من غير أن يحقق مبدأ فصل السلطات وتحييد القضاء، يستحيل أن تجرى في سوريا انتخابات ديمقراطية حرة.فبدون هذه القوانين والاجراءات ستستمر الأجهزة الأمنية في التضييق على المعارضة والعسف بها وملاحقة ناشطي الحراك الديمقراطي واعتقالهم، وحتى يبقيهم من غير حصانة إذا ما فازوا في الانتخابات.كما حصل مع النائبين رياض سيف ومأمون الحمصي عام 2001،فسرعان ما رفعت عنهما الحصانة بعد مطالبتهما مجلس الشعب بفتح ملفات الفساد لبعض المتنفذين في الدولة، وزج بهما في السجن مع نشطاء آخرين برزوا في مرحلة باتت تعرف بربيع دمشق الديمقراطي. في ظل هكذا مناخات سياسية وأمنية وغياب لجان مراقبة وطنية أو دولية محايدة لسير العملية الانتخابية، لم يكن قرار قوى المعارضة السورية المحظورة،العربية والكردية، بمقاطعة الانتخابات التشريعية القادمة مفاجئاً،وإن كانت بعض أطرافها كانت تفضل خوض الانتخابات لتختبر قدراتها على تحريك الرأي العالم السوري باتجاه مطالبه وحقوقه الديمقراطية المصادرة من قبل النظام وإحراج النظام بلفت أنظار العالم الى ممارساته اللاديمقراطية وأساليبه القمعية لمعارضيه.وربما من جملة ما أرادته المعارضة من قرارها النهائي بالمقاطعة، الى جانب تسجيل موقف الرفض لهكذا انتخابات غير عادلة وغير متكافئة، اخفاء مستوى ضعفها وعدم قدرتها على التحدي واختراق قوائم جبهة البعث الحاكم ولو في بعض الدوائر الانتخابية. ونحن نتحدث عن لا ديمقراطية النظام،تتطلب الموضوعية والواقعية السياسية منا أن لا نقفز على حقائق وظواهر مرضية أخرى ذات تأثير سلبي على الحياة السياسية والديمقراطية في سوريا لا علاقة مباشرة للنظام بها.من هذه الحقائق، افتقار المجتمع السوري إلى الثقافة والتقاليد الديمقراطية الصحيحة والسليمة.فإذا كانت السلطة لا تختار مرشحيها على اساس الكفاءة ونظافة الكف، وإنما من هم أكثر ولاءً وطاعة لها، بالمقابل الذي يتحكم في توجيه الصوت الانتخابي للمواطن السوري بالدرجة الأولى هو الانتماء القبلي والطائفي والمذهبي والعرقي وليست المؤهلات السياسية والمعرفية والنضالية للمرشح ومدى التزامه بالدفاع عن القضايا المعيشية والحياتية للطبقات الفقيرة. يبدو أن الانتخابات الحرة والديمقراطية في سوريا لم يحن أوانها بعد.إذ لا النظام قادر على ممارستها ولا هو راغب بها أصلاً، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، من جهة، ولا المعارضة، لأسباب ذاتية وموضوعية،هي قادرة على انتزاع حقوقها الديمقراطية وإجبار النظام على تنظيم انتخابات،تشريعية ورئاسية، ديمقراطية حرة ونزيهة، من جهة أخرى.
#سليمان_يوسف_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا وصدام الهويات
-
سوريا في ذكرى انقلاب البعث
-
مسيحيو الشرق وتحديات العيش المشترك
-
لا منطقة آمنة في العراق للآشوريين
-
زواج المتعة بين المنظمة الآثورية والوطني الآشوري
-
سسوريا: البطريرك زكا يدق مسمارا في نعش السرياينية ويقوض قضية
...
-
آشوريو العراق وديمقراطية البرزاني
-
مسيحيو سوريا والخوف من الطريق الى الديمقراطية - الجزء الثاني
-
مسيحيو سوريا والخوف من الطريق الى الديمقراطية
-
سهل نينوى بين الأمل الآشوري والمشروع الكردي
-
كوليت خوري: لم أعين لإرضاء المسيحيين
-
المنظمة الآثورية والاضطراب السياسي
-
آشوريو العراق والملاذ الآمن
-
هل من يوم غضب مسيحي
-
مسيحيو سوريا والخوف على المصير
-
تركيا وشبح الاعتراف بالمذبحة الكبرى
-
آشوريو سوريا والمأزق السياسي
-
في الشرق: عنف اسلامي وقلق مسيحي
-
سوريا بين التغير الديمقراطي والعنف الطائفي
-
أحداث أيلول والحرب على الإرهاب
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|