عبد السلام البقالي
الحوار المتمدن-العدد: 1893 - 2007 / 4 / 22 - 12:01
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
لم يهدأ رنين الهاتف طيلة يوم عيد المولد النبوي المنصرم ، الأهل والأصدقاء يبادلوننا المعايدة بانشراح ونبل وسخاء ، صوت واحد لم يصلنا اليوم ولم نسمعه منذ حواليثلاثة أسابيع صوت ابننا المهاجر في بلاد الجرمان منذ أكثر من عقد زمني ، رجوت أن يكون المانع خيرا فهاتفته ولم أتنفس الصعداء إلا حينما أجابني بنبرته المعهودة فعاجلته : عيدك مبارك سعيد أبابا... تردد بضع ثوان ثم أجاب مازحا: لن تنطلي علي سمكتك الأبريلية أبابا...أليس اليوم فاتح أبريل قلـت بلى ولكن اليوم أيضا الثاني عشر من ربيع الأول: عيد المولد... صمت لحظة ثم تأفف بحرقة وهو يعتذر بلطف و شعرت أنه خجل من نفسه فطفق يعدد من الأسباب والأعذار ما علمت منها وما لم أعلم ، واهتبلها فرصة لإخراج مكبوتات معاناته وأترابه المقيمين هناك....قال لي ما معناه:
ــ إن آلة الإنتاج التي لا يهدألها هديرــ والتي تعود الناس هناك على إيقاعها تعودهم على خفقان قلوبهم وتنفسهم ــ استعبدت الآدمي لدرجة الاشتغال لمدة ُثلاثة أشهر متتابعة من غير عطلة أسبوعية والعمل لساعات إضافية غير مؤداة . والرقم 7 أصبح صخرة سيزيف اللعينة ففيما بين السابعة صباحا والسابعة مساء تنحشر في الطاحونة العملاقة أجسام آدمية لا تتنفس إلا لنصف ساعة زوالا لتتزود بما يقيم أودها تماما مثلما تتزود الآلة بالوقود وبذلك تبقى وجبة الغذاء غير ذات معنى مثلما فقدت وجبة الفطور السريعة حميميتها ، وعند العودة إلى البيت يجتهد كل في توزيع ما بقي من عمر يومه ما بين الاستراحة وقضاء الواجبات والمآرب ومحاولة تناول عشاء يعوض ما نقص كيفا وكما في الوجبتين السابقتين ولن يبقى من الوقت لحظات للقاء صديق بالمقهى أو الاستمتاع بقليل من الترفيه اللهم ما كان من مشاهدة قنوات التلفزيون الأرضية لا غير لأن مشاهدة الفضائيات تتوقف إجباريا على موافقة خاصة من مالك المنزل لتركيب صحن لاقط بسطوح المسكن .
هذه الصورة /المعيش تتكرركل يوم برتابتها وقساوتها فلا تترك الفرصة للإلتقاء بالأصدقاء إلا ما كان صدفة أو خلال العطل الرسمية الجرمانية القومية و"الدينية " أوفترات تخفيض الإنتاج التي تجود خلالها المؤسسات المشغلة بعطلة الأسبوع ،ومع ذلك فقد أصبح من باب الإحتياط ل"كل ما من شأنه" ــ ( الجملة التي كنا تعودنا عليها بمغربنا الحبيب خلال سنوات المهانة) ــ ممارس الرقابة الذاتية في انتقاء ألأصدقاء من غير الملتحين خصوصا مهما كانت قناعات وأسباب إرسال لحاهم وممن هم بعداء عن الشبهة التي أفرزت الإسلاموفوبيا ، واجتناب التردد على أماكن العبادة التي تقام بها الصلوات الخمس والجمع ويتلى بها كتاب الله ، في حين أن من يرتادون الكنائس والبيع يبقون خارج دائرة الشك والرصد ولم يبق بعد كل هذا سوى اتخاذ مذكرة جيب لتسجيل حركاتك والسكنات ومن يدري لعلك تحتاج إليها كأدلة لدرء شبهة أوالتبرئة من تهمة قد تطالك جزافا وما أكثر من ابتلوا بتهم باطلة بعد 11 شتنبر الأسود .
إنه الإرهابالنفسي الذي يكرس الوساوس ويتولد عنه داء "رهاب الشك" إو الشك/فوبيا المريب الذي يعاني منه المغتربون العرب والمسلمون منهم على الأخص ، فضلا عن المضايقات العنصرية التي تتراوح ما بين السباب والقذف والتعنيف الجسدي فمن يجيرهم مما يعانون أو بمعنى أصح من هي الجهة المسؤولة التي تتقاعس عن اتخاذ التدابير القمينة بحمايتهم وتتركهم عرضة للمهانة ونهبا للإهمال القاتل .
لنا سفراء وقناصلة عامون وقناصلة ونوابهم وملحقون بمختلف التسميات والرتب يفترض في هذه الأجهزة أن تنقل بمنتهى الأمانة أحوال أبناءنا المهاجرين بخيرها وشرها في مختلف الأقطار التي تنتشر فيها عدوى الإسلاموفوبيا ورهاب الشك بل ومن واجب تلك الأجهزة أن تقوم بالدراسات اللازمة وتقترح الحلول المناسبة للآفات الخطيرة السالفة الذكر التي تعصف بأبنائنا هناك....فما رأي وزارة خارجيتنا ؟ وهل تتوصل من سفاراتنا بتقارير فيما نحن بصدده ؟ إذا كان الجواب بالنفي فتلك كارثة أما إذا كانت التقاريرتصل ولا تحرك أي ساكن فتلك كارثة عظمى وصورة من صور مؤامرات الصمت وماذا صنعت الوزارة المكلفة بالجاليةالمغربية المقيمة بالخارج وهل غيرت من واقع الأمر شيئا تلك الزيارات الميدانية المكوكية المتكررة التي تقوم بها الوزيرة المنتذبة لأهم الأقطارالأوروبية ؟ وما مصير ترسانة الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة مع تلك الدول ومن يسهرميدانيا على تنفيذ مقتضياتها وتحيين ما تقادم أو لم يعد منسجما منها ...ووزارة الشأن الديني التي تصوم عن شؤون أبناءنا المغتربين عاما ولا تتذكرهم إلا في رمضان أليس من مهامها تأطير جالياتنا في المهجر دينيا بالمفهوم الشامل للتأطير المتمحور حول محوالصورة الضلامية و إبراز الصورةالأصيلة المشرقة للإسلام الحق دين المحبة والتسامح والإخاء والمساواة والعدالة الاجتماعية ....وهي المزايا التي تتخذها الدول الأوروبية ــ التي يقيم بها أبناؤنا ـ مبادئ أساسية في حياتها.
رغم كل تلك المعاناة على بشاعتها وما أنتجته وتنتجه من متاعب وأدواء وهموم يتجشمها أبناؤنا المغتربون فإنهم وإن غضبوا من بعض المسؤولين عن شؤونهم فلن يكرهوا هذا الوطن وستضل مدخراتهم تضخ في شرايين اقتصادنا الوطني لأن ذاك هو قدرهم وإلا فكيف يودعون أموالهم بخزائن الدول التي تأويهم ولا تضمن لهم الحماية الكافية من سوء استغلال في الشغل وهضم الحقوق وتضعهم موضع الريبة وتصنفهم على الهوية وتغمض عيونها وتصم آدانها عما يلاقونه من صنوف المعاملات العدائية والعنصرية.
وبعد ،فعسى أن يهاتفنا ابننا يوم 12 ربيع الأول المقبل ويكون سباقا بمباركة العيدوعسى أن لا أكون كالقائل
ونار لو نفخت بها أضائت°°°° ولكن أنت تنفخ فى رماد
لقد أسمعت لو ناديت حيـــا°°°° ولكن لا حياة لمن تنادي
الرباط : 9 أبريل 2007
#عبد_السلام_البقالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟