|
مرافعة اثينا الفصل الثالث بضعة من المواقف الفلسفية - السياسية ، المساهمة في تهيئة اجواء المؤامرة 2-1
عبدالله اوجلان
الحوار المتمدن-العدد: 1893 - 2007 / 4 / 22 - 11:05
المحور:
القضية الكردية
ولكن حقيقةً، عليّ الاعتراف بأنه، ومثلما لم يكن كل ذلك يروي ظمأي، فقد كان وكأنه ينهش فيّ. ويستمر الخطأ، ولا أستطيع القضاء على نواقصي. والأغرب من ذلك أن أمي أيضاً، كانت تأخذني إلى الإسطبل عندما كنت صغيراً، لتفتعل حركاتٍ وكأنها تود خنقي. كانت تود تربيتي وتأديبي حسب قناعتها. وبالطبع كانت تفعل ذلك لأنها تعقد آمالها عليّ. وبالتدريج بدأت حياتي تأخذ هذا المنحى. وما قرار الإعدام الذي أصدرته الدولة رسمياً وفرضته فعلياً، سوى التعبير الرمزي الأخير لهذه المرحلة.
إن تطرقي إلى ذلك يشكل نصف الحقيقة. أما النصف الآخر فهو أنه تواجد المرتبطون بي والمدّاحين لي في كل زمان. فكيف لي أن استنكر الآلاف من الناس الأعزاء والمرتبطين بالقضية أكثر مني بألف مرة؟ إذ ثمة الآلاف ممن كانت روابطهم وثيقة، بدءاً من فتيات القرية وحتى نسائها، ومدرِّسيها المخضرمين والناس المعروفين بجسارتهم في الحياة. عندما صُلِب عيسى، لم يستطع المحيطون به سوى البكاء عليه رثاءً له. وعندما توفي محمد (ص) دارت النقاشات المحتدمة بصدد السلطة ثلاثة أيام متتالية، وجثمانه لم يكن قد دفن بعد. وعندما قضى لينين نحبه لم يقتل أحد نفسه لأجله. ولكن، عندما أكَلَت النارُ أبدان المئات من أبناء الشعب الكردي وبناته بعد اعتقالي وأسري وتسليمي؛ تُرى ما الذي كانوا يودُّون قوله بذلك؟ والذين جعلوا من أنفسهم قنابل متفجرة، عَلامَ كانت نقمتهم وحنقتهم؟ أية حقائق تلك التي تحثهم على القيام بذلك؟ كان الآلاف مستعداً لو لم أقم بذاتي بإعاقة الأمر. إنها ليست أساليب خاصة بالحركة التحررية، بل حوادث ووقائع حصلت متحمورة حولي. وتحليلها جميعها يعد وظيفة لا يمكن الاستغناء عنها. ولن أنسى هنا إضافة حقد وآلام المناهضين لي أيضاً إلى المسألة .
كلما تم الغوص في الظاهرة الكردية وقضيتها، كانت تتحول إلى مأساة إنسانية تراجيدية. وكان يحل بي ما أخاف منه. عندما كنت أدرس الثانوية، كتبتُ موضوعاً إنشائياً أدبياً بعنوان "أنت طفلي الذي لم يولد قط". ومعلمي الذي كنت أقدّره وأوقّره كثيراً، كان يمنحني عشر علامات ويغدقني بالمدح والثناء فوق العادي. وتدريجياً كنت أتنبه بوضوح أكثر مع مضي الزمن إلى أن عدم رغبة أثينا وأوروبا إياي، يتوارى وراءها صراع الذهنية. لم أكن أتقبل الحياة الإقطاعية القائمة، ولا الحياة الأوروبية. ذلك أنهما نظامان لا يمكن أن يلدا أو ينتعشا في شخصيتي. فلماذا سيقبلون هم بي؟ أما الحياة التي أتطلع إليها، فلم أكن أجدها. عندما مررت بالكعبة الموجودة في موسكو، والتي كلّفت الملايين، رأيتهم يقومون بكل مستلزمات إنكار الدين دون الرحمة. أما آسيا، أفريقيا وأوروبا، فلم يكن لي مكان فيها. في حين أن أمريكا، وحينما كانت تقول "سأسلِّمه إذا ما وقع في قبضتي"، كانت تسلك منطق القوى الحاكمة للمجتمع الرسمي والمعروف بالبرودة والخمود وعدم الإنصاف، والتحرك تماماً حسب المصالح طيلة التاريخ المديد .
وتحول بحثي عن الحرية لأجل الكرد إلى مجازفة بكل معنى الكلمة على الصعيد العالمي. ولكن كم هو مؤسف أنني لم أكن قد تعرفتُ تماماً على نفسي بعد. فكيف لي أن أمنح الحرية للكرد. دعكم من منح الحرية، بل إن القوى المنتصبة أمامي مدهوشة، جاحظةً عيونها فيّ، سواء تواجدت داخل التنظيم أو مضادة له، كانت تفرض نفسها عليّ بكل وطأتها، وكأني بها تقول لي "لن نقضي على نظام الدعارة الذي أَلِفْناه وعَهِدناه منذ خمسة آلاف عاماً". كنتُ أمام مجتمع منحط ومستَمْلَك لهذه الدرجة وجهاً لوجه. لكني كنت سأستمر في بحثي، كما يقول المثل "لا يأس ممن لا تزال روحه حية". ولا ريب في أن الدروس المستخلصة من فترة المؤامرة السريعة والكثيفة، حادة وضاربة، مفيدة ومعلِّمة. وربما أبدي التواضع عندما أقول أن لا مثيل لهذه الظروف والأجواء، سوى في مثالَيْ بوذا وزرادشت، اللذين يعلّمان الإنسان الكثير، وعلى نحو نقي شفاف وملفت للنظر .
في النتيجة، أنا على قناعة بأني قدَّمت التعريف الصحصح لمصطلح "المجتمع". ومفتاح المسألة يكمن في التعريف السليم لمصطلح "المجتمع" بكل أبعاده. وهنا يخطرني القول فوراً بهذا الصدد أن الكاهن السومري عندما كان يبدع الميثيولوجيا الأصلية، ربما كان أدنى وأقرب إلى الحقائق الإنسانية، من علماء الاجتماع الأوروبيين ضمن الأجواء العلمية السائدة الآن. فالفردية الأوروبية قد تحولت إلى وسيلة لتطبيق المجازر بحق المجتمع والأيكولوجيا هناك. أما الحكماء فيها (وهم مَن في إمرة النظام القائم دون أي انتقاد له)، فهم قصّابو الحقيقة. وكيفما يقوم القصّاب بذبح الحيوان وتقطيعه، يقومون هم بتقطيع الحقيقة إرباً إرباً قائلين "كَلْ من هنا، والتَهِمْ هنا"، ويفعلون الشيء ذاته على الطبيعة والمجتمع برمته. قالوا في البداية "أسلوب التجريب والمراقبة" وتعرفوا عليها. ومن ثم قالوا "مرحلة التنفيذ والبراغمائية (التحديد المطلق)"، فأكلوها وأنهَوْها تماماً. ولا شيء - عدا هذا السرد المذكور آنفاً - بإمكانه توضيح أو شرح كيفية تفجير الذرّة على رؤوس البشرية أو إلحاق المحيط بدمار شامل. كُتِبَ الكثير عن المجتمع الرأسمالي، إلا أن القول الصحيح الواجب قوله بصدده، لم يُذكَرْ بعد .
الكهنة السومريون كانوا يعلمون علم اليقين كيفية الارتقاء بالطبقة العبودية، فخلقوا أسطورة "الآلهة، والناس المخلوقون من قُذاراتها". أما كهنة العلم في الحضارة الأوروبية، فيبتكرون الظاهرة نفسها مجدداً على نحو نصف جاهل. لا يحق لأي أحد القول "من غير الممكن البحث عن الحقيقة والواقعية في الميثيولوجيا السومرية. أما العلم المتمركز في أوروبا، فهو علم بُرهِن على صحته بالتجارب والاختبارات دوماً". فَدُنُوُّ الميثيولوجيا السومرية وقربها من الحياة الإنسانية يعبِّر عن قُربها أكثر بألف مرة إلى الظاهرة العلمية. وإذا كان المهم في الأمر هو العيش دون تقطيع المجتمع كالقصّابين، فالحكماء السومريون والأنبياء اللاحقون لهم كانوا مفعمين حقاً بالإنسانية ولو بالمعنى الطبقي، لأنهم كانوا قريبين جداً إلى حياة الإنسان لدرجة تقديسها. لقد كانوا يقدّرونها ويعظّمون شأنها .
علماء الاجتماع في الحضارة الأوروبية يتظاهرون بأنهم قد رجعو إلى رشدهم رويداً رويداً بعد كل هذا الدمار الذرّي والبيئي، وبعد أن عانوا من الأزمات الخانقة والسياسة المالية (النقدية) الرأسمالية المتحولة إلى أداة للنهب والاختلاس. لقد دخلوا مرحلة النقد الذاتي هذه، ويبدو أن البعض منهم قد تفهّمَ وتلمّس ضرورة ذلك كي لا يخسر كل شيء .
سيُفهَم وضعي على نحو أفضل، إن قمتُ بشرحه ارتباطاً مع وضع سقراط. فسقراط أيضاً كان يود صياغة تعريف صحيح للإنسان، فضولاً منه. كان يثبت خطأ كل من يواجهه أو يقف أمامه، عبر الأسئلة التي يطرحها عليه. أي أن أسلوبه هو إظهار الخطأ وإثباته. لم يكن يفعل ذلك عَمْداً وعن قصد. هكذا كان يبرهن على مدى تمرُّغ مجتمع أثينا في متاهات الكذب والرياء. وحينها، إما أن يقبل مجتمع أثينا بكونه كذاباً، أو أنه لن يترك سقراط يعيش. وبدأتْ أعتى وأشد مرحلة صراع بين الكذب والصدق. الادعاء الأساسي الذي تزعمه مذكرة الادعاء هو أن "سقراط أوجد آلهة جديدة " شوهت عقول الشبان اليافعين .
الألوهية، تعبر عن تعريف مصطلح المجتمع بأسمى معانيه وأقدسها. وهي تعني مضموناً، التعبير الأرقى للمجتمع. وإذا كان سقراط يبرهن عدم صحة ذلك على الدوام عن طريق أسلوب إثبات الخطأ، فهذا يعني بالطبع أنه رسول إله الحق والصواب الجديد .
لا أرى حاجة لاعتبار ذاتي في مصافّ الأنبياء ومنزلتهم، إلا أنني أعتبر تبشير البشرية بأنباء سامية ونبيلة على ذلك المنوال، مهمة أساسية لي تجاه الإنسانية. وبإمكاني التعبير عن تطلعاتي وتدوينه في مجلدات عديدة حسب بحوثات العلم الاجتماعي. ولكنني قلت أنه أمر مفهوم. إن رفض النظام الرأسمالي الرسمي القائم إيايَ، ينبع من تنبهه إلى عدم مطابقتي لآلهته. وهذا هو المنطق الكامن وراء الموقف الشمولي المتخذ تجاهي .
يتم البحث عن الآمال والطموحات طيلة التاريخ المديد على هوامش الأنظمة الحاكمة، وفي الجماعات الملتجئة إلى البراري وفي ظلمات الجبال المهجورة. والظاهرة الاجتماعية الكردية هي إحدى تلك الزوايا المعتمة والمهجورة، سواء من ناحية تضاريسها أو أناسها. كنتُ منتبهاً منذ البداية إلى أن الحقيقة الإنسانية الأساسية المفقودة، تتسم بخواص تمكَنها من تهيئة الأرضية للتعريف المصيري للمجتمع. ومثلما يتم التعريف الصحيح لأي لغز علمي أساسي، فإن التعريف الذي قمت به أنا أيضاً في هذا المضمار، وبإصرار، بصدد المصطلح الاجتماعي، إنما هو أقرب إلى الصواب. وهذا أمر مفهوم .
لا يمكن بلوغ نظام يتجاوز العصر، ما لم يتم التحليل الصحيح للمجتمع القائم في ذاك العصر. ستتجذر أزمة النظام العالمي الرأسمالي وتستمر في حدَّتها. أما نهايتها، فسيُحَدِّدها مستوى القدرة التحليلية لها. وقد تنجم أوضاع أحسن، أوربما أسوأ منها. يتعين مستوى المجتمع البشري بمستوى القدرة الذهنية البشرية فيه. فالمجتمع البشري هو الظاهرة التي تزداد فيها وتيرة قوانين العقل والأدوار المبدعة والباعثة على التقدم، وتتسع نطاقاتها لأعلى درجة. وهي تحتوي في داخلها فروقات نوعية، سواء بقوانينها الفيزيائية، أو قوانين عالم الكائنات الأخرى من نباتات وحيوانات. المهم في الأمر هو بلوغ قوة قوانين تحول المجتمع ووعيها، وإعادة بناء المجتمع عبر هذه القوة العلمية المتكونة .
#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرافعة اثينا الفصل الثالث بضعة من المواقف الفلسفية - السياسي
...
-
مرافعة اثينا الفصل الثاني الحضارة الهيلينية علاقاتها مع الكر
...
-
مرافعة اثينا الفصل الثاني الحضارة الهيلينية علاقاتها مع الكر
...
-
مرافعة اثينا الفصل الثاني الحضارة الهيلينية علاقاتها مع الكر
...
-
مرافعة اثينا الفصل الثاني الحضارة الهيلينية علاقاتها مع الكر
...
-
مرافعة اثينا الفصل الاول مغامرة اوربا ونهاية مرحلة 2-1
-
مرافعة اثينا الفصل الاول مغامرة اوربا ونهاية مرحلة 1-1
-
مرافعة أثينا
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الخاتمة الثا
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الخاتمة الثا
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الخاتمة الثا
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الخاتمة الثا
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الخاتمة الاو
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الخاتمة الاو
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
المزيد.....
-
بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
-
مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا
...
-
إصابة 16 شخصا جراء حريق في مأوى للاجئين في ألمانيا
-
مظاهرة حاشدة مناهضة للحكومة في تل أبيب تطالب بحل قضية الأسرى
...
-
آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد نتنياهو
-
مسؤول أميركي يعلق لـ-الحرة- على وقف إسرائيل الاعتقال الإداري
...
-
لماذا تعجز الأمم المتحدة عن حماية نفسها من إسرائيل؟
-
مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر
...
-
لندن.. اعتقال نتنياهو ودعم إسرائيل
-
اعتقالات واقتحامات بالضفة ومستوطنون يهاجمون بلدة تل الرميدة
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|