سوس هي منطقة تقع في الجنوب الغربي للمغرب
لقد سبق للكاتب " واتربوري" أن تطرق إلى مكانة السوسيين ضمن النسيج المجتمعي والنسيج الاقتصادي المغربي لاسيما في مؤلفه المعنون " أمير المؤمنين".
لقد اعتبر " واتربوري" أن السوسيين لم يكونوا ضمن المحظوظين لاسيما وأن موقعهم ضمن الإدارة كاد يكون غائبا، كما أنهم لم يهتموا بالدراسة والتعليم، إلا أن تضامنهم في المجال الاقتصادي جعلهم يحتلون موقعا خاصا في الركح الاقتصادي على الصعيد الوطني، وبفضل تقوية هذا الموقع تمكنوا من احتلال موقع ضمن النخبة السياسية.
ولا يخفى على أحد أن مدينة الدار البيضاء شكلت منذ البداية مركزا للنشاط التجاري للسوسيين، إضافة إلى أنهم تحكموا في تجارة التقسيط على الصعيد الوطني بامتياز وقد كان لهؤلاء دور حاسم في التطور الذي عرفته منطقة سوس ومدنها وقراها الذي استثمروا أموالهم بها.
وبعد مدة اهتم التجار السوسيون بالصناعات الحديثة بالأراضي الفلاحية، وقد لعبت بعض الفصائل القبلية دورا مهما في هذا الإطار، مثل إذاوكنضيف، أملن، آيت صواب وآيت مزال بتخصص أبنائها في أنشطة تجارية محددة، فبالنسبة لأملن اهتموا ببيع السجائر والبقالة، أما إداوكنضيف فقد نافسوا الفاسيين في تجارة الجلد والنسيج.
لقد جاء في كتاب " واتربوري" أنه يكاد يكون من المستحيل العثور على سوسي من أملن بفاس أو بمكناس اللتان كانتا تشكلان ميدانا لأبناء إداوكنضيف، وقد عزى أندري أدام هذه الظاهرة إلى نوع من العادة استقرت وسط العائلة السوسية، حيث أين ما ذهب الأب يتبعه الأبناء وأفراد العائلة، إن الطفل الصغير الذي يبدأ حياته العملية كمساعد في متجر يندمج على مرور السنين في دواليب المهنة والوسط ويستعد للحصول على مكانته في سن الرشد، ومن الأسباب والعوامل التي تسهل هذا المنحى ـ الذي يكاد يكون عاما ـ أن المقاولة السوسية ترتكز بالأساس على العلاقات العائلية وعلى التمويل الأسري ونادرا ما يلجأ للغير.
وكانت الانطلاقة هي اهتمام بعض السوستين لاسيما بالدار البيضاء باقتناء بعض مقاولات الأوروبيين ومن أمثال هؤلاء الحاج عابد الذي برع في هذا المجال أما البعض فقد اختاروا التحالف مع عائلات فاسية بواسطة الزواج لولوج الركح الاقتصادي من بابه الواسع، لاسيما في المدن الكبيرة.
بالرجوع إلى الإحصائيات القديمة المتوفرة، ففي سنة 1657 بلغ عدد تجار التقسيط بالمغرب ما يناهز 295420 ، أي تاجر تقسيط لكل 30 مغربي تقريبا، آنذاك كان الكثيرون يكتفون ببيع بعض السلع القليلة بواسطة التجوال بأمل الاستقرار يوما وتحويل جزء من الأرباح إلى بلد الأصل .
أما في الميدان السياسي فإن السوسيين كان لهم تواجد متميز في حزب الاستقلال قبل الاستقلال، وأغلبهم تبعوا توجه المهدي بنبركة، ومن أبرزهم عبد الله إبراهيم والفقيه البصري وأولحاج بنسعيد، ولقد قيل الكثير عن التنافس الحاد بين السوسيين والفاسيين، إلا أنه في الواقع المعيش يلاحظ نوع من التعايش مع سيطرة الفاسيين على حزب الاستقلال، ولا أدل على ذلك اختيار الفاسيين آنذاك على راس غرف التجارة والفلاحة قبل الاستقلال، كما أن السوسيين قد قبلوا بدور عباس القباج، وهو فاسي من طنجة بحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكان فلاح بناحية أكادير وقد تم اختياره كممثل لبيوكرة في البرلمان سنة 1963.
ولإظهار دور السوسيين في المجال السياسي في فجر ستينات الألفية الثانية، يجب الرجوع إلى الانتخابات الأولى بعد الاستقلال المقامة في 8 مايو 1960 والخاصة بتجديد مكاتب غرف التجارة والصناعة، وبمفاجأة الجميع آنذاك فاز الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بأغلبية المقاعد في الدار البيضاء والرباط وطنجة والقنيطرة ومكناس وسيدي سليمان وسطات والجديدة والقصر الكبير، في حين أنه لم يقدم أي مرشح بمدينة فاس.
وقد لعب السوسيون دورا حاسما في هذا الانتصار الكاسح، كما أنهم لعبوا نفس الدور في انتخابات سنة 1963 الخاصة بغرفة التجارة والصناعة للدار البيضاء، لكن هذه المرة انحازوا لعبد الله الصويري الذي ارتبط بالفديك (حزب من صنع النظام).
ومهما يكن من أمر فإن السوسيين كانوا دائما حاضرين بشكل أو بآخر على الركح السياسي.
التجار السوسيون باريس
لا يخفى على أحد أهمية تجارة المواد الغذائية بالتقسيط التي يديرها السوسيون بباريس وضواحيها، إن عدد المحلات التي يديرها هؤلاء تفوق 1200، أغلبها متمركزة بالضواحي، وتحتل ضمنها البقالة حظ الأسد بنسبة 73% إذ تضاعف عددها بسرعة ملحوظة على امتداد أقل من 10 سنوات.
وبجانب البقالة هناك تجارة الأثواب والمخبزات والحلويات إلا أن هذه التجارة تظل دائما وراء البقالة لتي تظل هي السائدة، إذ أن هذه الأخيرة تتمركز بالأحياء التي يقطنها المغاربيون بصفة عامة، لاسيما في المقاطعة 18، بحي " باربيس" و " كوت دورا" و " جونفيلي" و " كليشي".
فيما يخص تجارة المواد الغذائية يمكن التمييز بين نوعين: البقالة التقالعصرية فتحترمالمتاجر العصرية، فالأولى لا تختلف كثيرا على البقالة كما هي بالمغرب، وتتمركز بالأساس في الأحياء الشعبية لباريس ويديرها بقالون مسنون من الرعيل الأول، وتحتل المواد الغذائية مكانة بارزة في هذه المحلات (توابل، طجين، براد.....) كما أن مساحات هذه المحلات صغيرة ونادرا ما تتعدى 40م2 أما المتاجر العصرية فتحترم كل مواصفات المتجر العصري وغالبا ما تعمل بطريقة " الخدمة الذاتية".
وبجانب البقالة هناك تجارة الخضر والفواكه، وغالبا ما تعرض على الرصيف أمام المحل، إلا أن السوسيين لا يتعاطون كثيرا لهذه التجارة التي تكاد تكون مجالا يسيطر عليه التونسيون .
أما الجزارة فإنها تعد أول تجارة تعاطى إليها السوسيون بباريس قبل غيرها، وأغلب محلات الجزارة متمركزة في الأحياء التي يقطنها المسلمون، لاسيما في المقاطعات 20, 18, 11 أكثر من 85% من محلات الجزارة باريس يديرها سوسيون.
أما في قطاع المطاعم فهناك عدد من السوسيون يديرون مطاعم مختصة في المطبخ المغربي، وهو قطاع يأتي في الدرجة الثالثة بعد البقالة والجزارة، ويتعلق الأمر بصنفين:مطاعم شعبية مفتوحة خصيصا في وجه العمال المغاربيين، لاسيما في المقاطعة 18، على سبيل المثال لا الحصر هناك مطعم أكادير ومطعم الدار البيضاء ومطعم مراكش، ويشر عليها سوسيون من تزنيت، أما الصنف الثاني من المطاعم فهي التي تستهدف زبائن أوروبيين وهي منتشرة في جميع أنحاء باريس منها مطعم المامونية بحي لاكورنوف ومطعم تزنيت بحي بلان ميسنيل ومطعم شمس مراكش بحي سان أرون والمطعم الصغير لأكادير بحي لاكارين كولومب، إن هذه المطاعم توجد بالأساس في الأحياء البرجوازية بباريس، إن أسماء هذه المطاعم في غالبيتها الساحقة ذات ارتباط بالمغرب مثل النخيل، موعد بأكادير، في المطاعم الشعبية غالبا ما تكون الوصفات المعروضة محدودة، الكسكس والطاجين مرفوقة بالشاي أو المشروبات الغازية بأثمنة تتراوح ما بين 30 و 50 فرنك فرنسي ومدخولها اليومي يتحدد ما بين 3000 و 4500 فرنك فرنسي، أما في المطاعم العصرية فإن الوصفات أكثر تعددا مرفقة بالخمر والحلويات وثمن الوجبة 250و 350 فرنك فرنسي أما المدخول فيصل إلى ما بين 6000 و 9000 فرنك فرنسي، وقد يتجاوز 10000 فرنك فرنسي أيام العطل والمناسبات.
ومن الملاحظ أن أغلب المتعاطين لقطاع التجارة بباريس أصلهم من تزنيت يليهم الذين من أكادير ثم الأطلس الصغير ثم تارودانت ثم كلميم أما الآتون من الدار البيضاء ومكناس ووجدة والقنيطرة فلا يمثلون إلا قلة قليلة.
أن التجار المغاربة المتواجدون بباريس الآتون من إقليم تزنيت أغلبهم من مدينة تزنيت (30% تقريبا) و 25% من لخصاص و 17 % من أكلو و 14 % من الساحل و 8% من أولاد جرار و 4 % من مير اللفت، كما أن أكثر من 55 % من هؤلاء يشتغلون في قطاع البقالة و 22 % في الجزارة و 6 % في بيع الخضر والفواكه و 5 % في قطاع المطاعم.
أما بالنسبة للأكاديريين فإن الأوائل منهم استقروا في خمسينات الألفية الثانية في حي جونوفيلي وعرف عددهم تطورا ملحوظا في سبعينات الألفية الثانية وبالنسبة للتجار الآتون من الأطلس الصغير والمشهورون في ميدان البقالة بالمغرب نفسه يحتلون المرتبة الثالثة من ناحية العدد وأغلب هؤلاء من أنزي وآيت باها وإغرام وتافراوت وبعض هؤلاء قدموا إلى فرنسا بعد مغادرتهم للجزائر سنة 1975.
في حين أن الرودانيين فأغلبهم آتون من حركيطة وباقي التجار المغاربة المستقرين بباريس آتون من قبائل آيت با عمران (كلميم وبويزكارن) والذين شرعوا في التعاطي للتجارة في فجر الثمانينات من القرن الماضي.
وبجانب كل هؤلاء هناك بعض التجار المغاربة من الدار البيضاء ومكناس ووحدة والقنيطرة، إلا أنهم لا يمثلون إلا أقل من 3 %.
فيليكس مورا
النخاس الفرنسي الذي أعطى الانطلاقة لهجرة.
منذ الخمسينات، احتاجت فرنسا للسواعد المغربية، ولذلك فتحت أبوابها لهجرة واسعة النطاق للمهاجرين من دول المغرب العربي، وبذلك بدأت فترة "بلترة" أقوى سواعد الشباب المغربي لاسيما المنحدرين من الجنوب، حيث تم آنذاك تشغيل ما يناهز 78000 شاب مغربي في مناجم الفحم بشمال بادوكالي بفرنسا، وقد تكلف بهذه المهمة جندي فرنسي سابق يدعى فيليكس مورا، وهو شخصية ذائعة الصيت بمنطقة سوس لاسيما بين جيل الخمسينات لأنه كان النخاس الفرنسي المكلف باختيار السواعد القوية المرصودة للأشغال الشاقة بمناجم الفحم الفرنسية.
كل شيء كان يمر عبر فيليكس مورا الذي صال وجال في ربوع سوس ابتداء من سنة لتشغيل أكثر من 66000 مغربي، كان المرشحون يمرون أمامه قصد إجراء الاختيار الأولي.
وكان مورا هذا يشترط مواصفات محددة في المرشح ما دام سيرصد للعمل في قاع الأرض في ظروف شاقة، ومن بين هذه الشروط أن لا يتجاوز سن المرشح 30 سنة ولا أن يتجاوز وزنه 50 كلغ وأن يتوفر على رؤية جيدة.
وكان يرافق مورا موظفين من شركة المناجم الفرنسية وموظفين مغاربة الذين تكلفوا أساسا بإعطاء هوية رسمية للمرشحين مادام أغلبيتهم الساحقة لم تكن تتوفر على دفتر الحالة المدنية.
كان هناك جيش عرمرم من المرشحين، لكن البعض منهم فقط هم الذين تم اختيارهم في نهاية المطاف، لاسيما وأنه كان من اللازم إبعاد كل المصابين بأمراض معدية وبأي عجز.
كان مورا يكشف على المرشحين بنفسه يعاين اسنانهم وعضلاتهم وعمودهم الفقري، وبعد الفحص يضع على صدورهم إما طابع باللون الأحمر أو اللون الأخضر، فكان الأخضر هو علامة على القبول أما الطابع الأحمر فيعني الإقصاء، وقد قيل أن بعض الفائزين بالطابع الأخضر كانوا يساومون بعض المرشحين حول حضنهم لالتقاء الصدر بالصدر قبل جفاف مداد الطابع مقابل مبلغ مالي أو مصلحة.
وكان على المرشحين المختارين من طرف مورا أن يتوجهوا إلى المستشفى عل حسابهم الخاص لعرض نفسهم على الفحص الطبي وإذا كان إيجابيا عليهم التوجه إلى المكتب الوطني للهجرة بالدار البيضاء لتوقيع عقد العمل حسب ما تنص عليه الاتفاقية المغربية ـ الفرنسية لسنة 1963.
وكانت تلك الفترة هي فترة الحلم بالنسبة لشبان كلميم وورزازات وتزنيت ومختلف جهات سوس، وقد أرخت بعض الأغاني الشعبية لهذا الحدث وقد أكدت كلمات بعضها على ما يلي:" جاء وقت بيع فيه الرجال...آه يا مورا النخاس ذهبت بأولادنا إلى باطن الأرض ..جاء مورا وجمل الرجال كما تجمل البهائم...اختار الفحول وترك النعاج....آه يا بنات عليكم بثوب الحزن....مورا أهاننا وذهب....يكون الله في عون شبابنا....ما دام الذي في فرنسا هو من عداد الموتى....".
نشأة موقع السوسيين في البرجوازية المغربية.
هناك أكثر من دراسة تعرضت لإشكالية الثراء ببلادنا، سواء تلك التي أعدها مغاربة أو تلك التي أنتجها أجانب، ومن بين هذه الدراسات هناك دراسة قامت بإعدادها مقاولة أمريكية متخصصة في التحقيقات وهي دراسة رصدت تطور الثراء السوس فيما بين 1963 و 1978 ومقارنته مع الثراء الفاسي ومن بين المعطيات المتوفرة في هذه الدراسة تمركز الثروات بين أيدي الفاسيين والسوسيين حسب القطاعات كما هو مبين في الجدول التالي:
القطاعات الفاسيون السوسيون الدولة/ الأجانب
1963% 1978% 1963% 1978% 1963% 1978"
الفلاحة 15 25 5 10 80 65
المعادن 0 0 0 0 100 100
الصناعة الثقيلة 20 25 5 20 75 55
الصناعات الخفيفة (النسيج) 30 30 15 25 55 45
الصناعات الخفيفة العصرية
( الفلاحية ـ الغذائية ) 15 20 10 25 75 55
الخدمات (الفنادق) 40 40 25 40 35 20
إن نصيب السوسيين في الاقتصاد الوطني في 1963 كان محدودا جدا ولم تكن تتجاوز 0,7 % مقابل 3,1 % بالنسبة للفاسيين ، إلا أنه بعد مرور 15 سنة تضاعف نصيب السوسيين مرتين في القطاع الفلاحي وأربع مرات في قطاع الصناعات الخفيفة وأقل من مرتين في قطاع الصناعات الفلاحية والغذائية ، وعرف نصيبهم تطورا لم يسبق له نظير في قطاع الخدمات ..
كما أن الجدول يبين بجلاء أهمية تدخل الدولة آنذاك في القطاع الاقتصادي، ففي الثمانينات كان عدد الشركات العمومية يناهز 70، لم تكن توفر للدولة إلا 895 مليون درهم، من ضمنها 500 مليون درهم بالنسبة للمكتب الشريف للفوسفاط، إلا أن تدخل الدولة تراجع بشكل واضح لفائدة البورجوازية المغربية، إذ السوسيين والفاسيين معا وضعوا اليد في نهاية السبعينات على أكثر من 30 % من الاقتصاد الوطني.
إدريس ولد القابلة