ان تطور وتوسع الحركة النقابية العالمية أثر تأثيراً كبيراً على عموم الحركة النقابية في بلدان ما يسمى بالعالم الثالث ، كما كان ذا تأثير أيضاً على حركة الطبقة العاملة العربية في الاقطار العربية.
وبالرغم من الخصوصية التي تمتعت بها الحركة النقابية في هذه البلدان إلا القاسم المشترك الذي جمع بينها منذ نشوء الطبقة العاملة هو الاستغلال التي تتعرض له من قبل الرأسمالية " ان طبقة العمال الاجراء المعاصرين الذين لا يملكون أية واسائل انتاج فيضطرون بالتالي إلى بيع قوة عملهم لكي يعيشوا"
لقد نشأت الطبقة العاملة العربية بأعتبارها حركة وطنية تقدمية معادية للإستعمار تدافع عن الاستقلال وتناضل في الوقت نفسه نضالاً طبقياً وان نضالها الطبقي أتسم بطابع النضال ضد الرأسمال الأجنبي، وسيطرة القوى الاجنبية على الموارد والثروات الطبيعية لبلدانها، وهي تتعرض في هذه الحالة إلى استغلال مزدوج، كما أنها تعتبر النواة الاساسية لحركة التحرر الوطني العربية التي تقف مع طموحات شعوب الاقطارالعربية وحركتها السياسية الوطنية التقدمية، وهي القوة الاساسية المستقبلية التي تناضل من أجل التقدم الاجتماعي والديمقراطية وحقوق الانسان وقيام المجتمع المدني الحديث المبني على اسس دستورية وقانونية عادلة.
التراكم الرأسمالي
ان التراكم البدائي للرأسمالية هو الخطوة التاريخية التي أدت إلى الانتقال من التشكيلة الاقطاعية إلى التشكيلة الرأسمالية، ففي هذه المرحلة المهمة من تاريخ البشرية تكونت طبقتين اساسيتين في هذه التشكيلة الجديدة، طبقة الرأسمالية والطبقة العاملة بشقيها اليدوي والفكري، وأن لم يشر على هذين التقسمين في الطبقة العاملة سابقاً إلا نادراً لكنها الحقيقة التي اثبتت الحياة صحتها في أوج تطور الصناعة والتكنلوجيا الحديثة في الدول الصناعية المتقدمة وكذلك باقي البلدان الأخرى.
والجدير بالذكر ان الثورات البرجوازية لعبت دوراً كبيراً في الاسراع للتخلص من الاقطاعية في اوربا وأعتبرت حينها من الانجازات التقدمية الكبيرة.
ان التراكم البدائي للرأسمال وتكامله أدي الى التنافس المتسارع لتطوير اسلوب الانتاج الراسمالي ، وأخذت تتوطد اسس الرأسمال الصناعي أكثر فاكثر وتتسع عملية انشاء المصانع والمعامل وغيرها من المرافق الانتاجية، وتلازم مع هذه العملية أتساع مستمر لبنية الطبقة العاملة كماً ونوعاً وتطورت وسائل نضالاتها التراكمية إلى نضالات نوعية وعلى أقل تقدير منذ عام 1871م وحتى الثلث الأخير من القرت التاسع عشر ظهرت بوادر الطور الثاني للرأسمالية، أي الراسمالية الاحتكارية، كما أن الرأسمالية دخلت ازمتها العامة بعد قيام ثورة أكتوبر في روسيا عام 1971م وبقت هذه الأزمة ملازمة لها حتى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي بسب الصراعات العنيفة على الاسواق والتناقض الاساسي التي تعيشه الراسمالية داخلياً، وعلى الرغم من محاولات الدول الصناعية الكبرى للتخفيف منها من خلال قيام بعض التكتلات الاقتصادية والاجتماعات والمؤتمرات التي تعقدها للتخفيف من حدة هذه الازمة التي من الممكن ان تقود العالم إلى كارثة الحرب النووية.
ففي الطور الاول للرأسمالية كانت تتميز الرأسمالية ببحثها عن المعادن " الثمينة في المستعمرات" ونشأت " كونتورات" تجارية اضافة لتجارة الرقيق، ولم تتوقف هذه الوظائف الاقتصادية عندما بدأت الرأسمالية تنتقل إلى الطور الثاني انما اتخذت اشكالاً جديدة مع تطورها إلى أشكال الطور الثاني " كان الاعتماد على اساس تصدير الرأسمال بدل من تصدير البضائع إلى المستعمرات" وهنا نجد اتساعاً لتوطيد العلاقات الرأسمالية الاستعمارية ونشوء نوع جديد من النهب والاستغلال لثروات المستعمرات والطبقة العاملة وهو استجابة طبيعية لزيادة التراكم الرأسمالي ذو المتطلبات الجديدة، وقد
استعملت أكثر الاساليب خبثاً في سبيل المحافظة على استثمار الشعوب، ونهب الثروات الوطنية لبلدان هذه الشعوب واستخدمت " كل الاسلحة السياسية والايديولوجية والعلمية والثقافية " إلى جانب الوسائل العسكرية للغرض أعلاه.
ان تطور الرأسمالية تتحكم فيه اسس اقتصادية تابعة للنظام الرأسمالي نفسه، والرأسمالية الاستعمارية تفعل فعلها في " نشوء الطبقات والشرائح الاجتماعية في البلدان التي تستعمرها" ويتجلى القانون الاساسي في المستعمرات بجانب كونه يعبر عن التناقض بين " العمل والرأسمال" في التناقض بين الاستعمار والجماهير الكادحة في البلدان المستعمرة وفي هذه الحالة يعطي الاستثمار معنى أوسع بكثير فهو يستغل
1- قوة العمل
2- وينهب الثروات الوطنية.
ان الاقطار العربية كانت مستعمرات لعديد من الدول الاستعمارية، الامبراطورية العثمانية، بريطانيا، فرنسا، ايطاليا، إضافة إلى اتساع وتغلغل الولايات المتحدة الامريكية وانتشار قواعدها العسكرية بعد الحرب العالمية الثانية، ولقد قامت الدول الاستعمارية باستعمار الاقطار العربية بحجج مختلفة واخضعتها لسيطرتها الاستعمارية..
ففي العراق والاردن ومصر والسودان وفلسطين واليمن كان الاحتلال البريطاني، وفي الجزائر والمغرب وتونس وسوريا ولبنان كان الاحتلال الفرنسي، وفي ليبيا الاحتلال الايطالي وغيرها..
هذه المسألة لعبت أدواراً غير قليلة في نشوء وتطور حركة الطبقة العاملة في الاقطار العربية من نواحي عديدة، لكنه متفاوت من بلد لآخر نتيجة السياسة الاستعمارية، ومن ناحية أخرى التنافس بين الدول الاستعمارية نفسها.
لقد نشأت الطبقة العاملة في الاقطار العربية في ظروف مختلفة، وهي تختلف في نشؤها عن الطبقة العاملة اوربا التي نشأت بدون العامل الخارجي ولهذا كان نضالها طبقياً فقط، بينما نجد الطبقة العاملة العربية كانت تواجه الاحتلال الاجنبي وفي الوقت نفسه الاستغلال الطبقي، فاتسم نضالها بطابعيين ، وطني وطبقي.
ولا يمكن الاشارة فقط على ان العامل الخارجي كان الوحيد في تطور الطبقة العاملة في الاقطار العربية، فهناك اسباباً أخرى لنشؤها وتطورها، ان التطور هذا بعد الحرب العالمية الاولى وفي ظل المنافسة الشديدة، حيث تطورت الصناعة وتوسعت بشكل متفاوت من بلد لاخر " رغم وجود بعض الصناعات البسيطة" احتاجت إلى أيد عاملة تستطيع العمل وتحسن استخدام الالات.
ان ظهور الطبقة العاملة العربية بدا أواخر القرن التاسع عشر وبدأت تتطور وتتوسع أوائل القرن العشرين، وازداد توسعها وتطورها بعد الحرب العالمية الاولى مما أدى إلى ظهور احزبها السياسية، وكذلك اتساع الحركة النقابية حيث شُكلت المنظمات والجمعيات النقابية بشكل مختلف، بينما نجد انه تشكلت بعض الجمعيات العمالية في مصر مثلاً ( نقابة الاحذية عام 1895م) نجدها تأخرت في بلدان أخرى، لقد كانت النضالات العمالية تتنامى باستمرار وخلال هذه النضالات بدات تتسع حركة الاضرابات المطالبة بالحقوق الاولية للعمال مثل رفع الاجور، وتحسين أماكن العمل، وساعات العمل... الخ.
واتسعت هذه النضالات وتطورت من مطلبية إلى نضالات سياسية وطنية وتضامنية، وقد شاركت الطبقة العاملة في العديد من الانتفاضات والمظاهرات والاضرابات وقدمت التضحيات الجسام من اجل الاستقلال الوطني أو من أجل حقوقها المسلوبة.
لمحات موجزةعن التنظيم النقابي في الاقطار العربية
1- مصر
ظهرت الصناعة فيها منذ عهد ( محمد علي) لاسيما الحربية منها فقد انشأت " مصانع القلعة للأسلحة" ومصانع الحوض المرصود، ومصانع لانتاج السلع المدنية كالغزل والنسيج، ومصانع السكر، ومصانع الحبال وشراع السفن، ومصانع للكتان والحرير وتم انشاء ترسانة الاسكندرية .. ولقد كان مجموع العاملين في هذه المصانع ما يقارب 30 ألف عامل، وبعد عهد محمد علي تم انشاء السكك الحديدية وانشاء ترام القاهرة والاسكندرية ثم معامل الدخان والزيوت والصابون... الخ.
ان أول اضراب عمالي حدث عام 1882م قام به عمال تفريغ الفحم في بور سعيد خص قضايا مطلبية طالب بها العمال، كما تم تأسيس أول نقابة اسسها عمال من الاردن واليونانيين عام 1895م هي الاحذية، وحدثت اضرابات عديدة منذ عام 1896م حتى عام 1902م ، كأضرابات عمال الدخان وعمال الشركة الخديوية للملاحة وعمال
السجائر، وعمال الترام والفحم في جمارك الاسكندرية وغيرها من الاضرابات العمالية والتي كان طابعها الرئيسي " مطلبي" وبعد ذلك توسعت حركة تأسيس الجمعيات العمالية ففي عام 1901م تم تاسيس اتحاد عمال الخياطين في القاهرة وفي عام 1902 جمعية للحلاقين في القاهرة وجمعية عمال المطابع وعمال الادوات المعدنية وجمعية عمال السجائر... الخ
وحدثت اضرابات عمالية عديدة بعد الحرب العالمية الاولى، ونظمت الطبقة العاملة المصرية حتى عام 1919م (36) اضراباً مطلبياً ووطنياً.
وفي عام 1921م تمكنت بعض العناصر الاشتراكية من تأسيس اتحاد لنقابات العمال في مصر حيث حضر المؤتمر مندوبو 20 نقابة مثلوا 3000 عامل.
وزداد حجم الطبقة العاملة كما تم تشكسل النقابات بشكل كبير، ففي عام 1944م تكون 210 نقابة بلغ عدد اعضائها 102876 عامل وفي عام 1950م ارتفع عدد النقابات إلى 491 نقابة بلغ عدد اعضائها 149434 عامل.
ان هذا التطور المشهود لوحظ من قبل النقابات الثورية العالمية وعليه وجهت عام 1950م دعوة إلى العمال المصرين لحضور المؤتمر التأسيسي لاتحاد النقابات العالمي، ولبى الدعوة كل من اللجنة التحضيرية لعمال القطن المصري ومؤتمر نقابات عمال الشركات والمؤسسات الاهلية.
ولقد شاركت الطبقة العاملة المصرية وحركتها النقابية في كافة النضالات اللاحقة التي خاضها الشعب المصري في سبيل الاستقلال الوطني وضد الحكم الملكي وكذلك في عهد الاستقلال الوطني الذي انجز بعد ثورة يليو ــ تموز 1952م.
2- فلسطين
نشأت الطبقة العاملة الفلسطينية في اعقاب الحرب العالمية الأولى لقد تطورت الصناعة بشكل ملحوظ بعد الحرب لاسيما بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين وهيمنته الاستعمارية على القطاعات الرئيسية مثل النقليات والتجارة الخارجية، وتجارة الجملة إضافة إلى هجرة اليهود من الدول الاوربية الصناعية.
لقد كان الاستعمار البريطاني يبذل جهوداً كبيرة في سبيل ان لا تتطور القوى المتجة إلا في المجالات التي تنتفع منها الدول الاستعمارية.
أما الطبقة العاملة فقد كانت تتمركز في قطاعات النقل والسكك الحديدية ومعامل معالجة التبغ وصناعة السجائر وبعض معامل الميكانيك والاسمنت وفي مشاريع صناعة المواد اللازمة للبناء وانتاج الصوف، وحسب الاحصائيات أنه بلغ عدد العمال العرب في عام 1928م 13500 عامل اضافة إلى العمال اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين من مختلف بلدان العالم، وظهر على الرغم من قلة تجربة العمل النقابي انشاء منظمات نقابية بين العمال العرب. ويبدو ان المحاولة لتنظيم العمال العرب اواخرعام 192م لاسيما عمال السكك الحديدسة " وعندما قدم عدد منهم للانظمام" إلى نقابة السكك للاتحاد العام للعمال اليهود (الهستدروت ) الذي تأسس عام 1920م قد رفض من قبل الهستدروت،
لكن هذا الرفض لم يقف حائلاً امام العمال العرب في سبيل العمل في النقابات، فلقد قام العمال بتأسيس اتحاد العمال للطباعة عام 1924م وكانت بمبادرة العمال المصريين.
وحسب ما يذكر أنهم كانوا ينتسبون إلى النقابات المصرية.
في بداية عامي 1924 ــ 1925م قامت اضرابات عمالية في يافا والتي دفعت الحركة النقابية إلى الأمام ووقف الهستدروت موقفاً سلبياً منها فيما يخص تنظيم العمال العرب لايجاد نقابات خاصة بهم واضطر آخر الامر إلى ايجاد الحلول الوسطية فيما يخص مسألة التنظيم النقابي للعرب فقرر اقامة نقابات عربية على اساس الارتباط بالنقابات اليهودية وبهذه الطريقة يستطيع الهيمنة على هذه النقابات لتنفيذ مخطاطته اللاحقة.
على أعوام مديدة رفضت من قبل الهستدروت اقامة منظمات نقابية تجمع العرب واليهود، ولقد تم تأسيس لجنة عمالية باسم " اللجنة الأخوية لعمال سكك حديد فلسطين" وكانت أهدافها مساعدة العمال وتقديم العون لهم في مجالات الصحة والمساعدات المالية للمحتاجين وفي حالة الوفاة... الخ كما ان اللجنة الأخوية لعمال السكك الحديدية أشرفت وقادت " اضرابين للعمال في عام 1927م" وكانت من أجل زيادة الأجور وتخفيض أوقات العمل وغيرها.
ان جمعية العمال هذه كانت جمعية حقيقية للعمال وتم تشكيلها بشكل مستقل من قبل العمال العرب، وقد ناضلت في سبيل نقابة تجمع العرب واليهود ونجحت في نهاية عام 1927 م للاتفاق مع نقابة عمال سكك الحديد التابعة للهستدروت " على تقديم مطالب مشتركة" بخصوص زيادة الاجور، كما جرت محاولة في عام 1928م " لتنظيم لجنة مشتركة من المنظمتين" بخصوص شروط عمل واحدة لكل من العرب واليهود، اضافة إلى تساوي الاجور لكن ذلك لم ينجح بسبب التخريب الذي قامت به النقابة الصهيونية.
ولقد تأسست الكتلة العمالية بتأثير من الحزب الشيوعي الفلسطيني عام 1919م واهتمت هذه اللجنة بمسألة تنظيم العمال العرب ونجحت في عام 1924م باقامة نقابة للعمال العرب في صناعة الاسمنت، وفي العام نفسه وجه " المكتب التنفيذي للأممية النقابية نداءً وجهه إلى العمال العرب في فلسطين" أشار فيه
" ايها العمال العرب ان للاممية النقابية اصاراً في بلدكم فلسطين انهم مناضلوا الكتلة العمالية داخل الهستدروت الذين يناضلون منذ وقت طويل ليس في سبيل المصلحة القومية اليهودية وانما في سبيل المصالح الطبقية، وفي سبيل مصالح اليهود والعرب، ان الكتلة العمالية تسعى إلى اقامة تحالف كفاحي بينكم وبين العمال الثوريين اليهود للنضال في جبهة واحدة ضد المستعمرين والمستوطنين الاغنياء"
كما أقامت الكتلة العمالية العديد من النوادي العمالية، وبعد نضال مرير استطاع الشيوعيين ارسال 20 مندوباً عربياً من اصل 80 إلى المؤتمر الاول لحركة الوحدة بين النقابات الفلسطينية ولأجل اقامة جبهة عمالية بين المنظمات العربية واليهودية.
وبعد انتفاضة آب عام 1929م ومن مبادرة قامت بها جمعية العمال العربية الفلسطينية التي اصدرت نداءً لدعوة " عقد مؤتمر عام للعمال العرب في 11 / كانون الثاني عام 1930م" بدأ التحضير للمؤتمر في كل المدن الفلسطينية ولعب الشيوعيين دوراً بارزاً في التحضير لهذا المؤتمر الذي عقد في حيفا وساهم فيه 61 مندوباً مثلوا 3020 عامل وارسلت العديد من الرسائل تحية لعقد هذا المؤتمر.
لقد كان نمو وتطور الطبقة العاملة وحركتها النقابية الفلسطينية ذات تأثير كبير على الوضع السياسي بعد الثلاثنيات ولا سيما النضال ضد الاستعمار والصهيونية وباشكال مختلفة.
(يتبع .. سوريا ودول عربية أخرى)
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
