|
نحو حوار ثقافي عراقي
سعد محمد رحيم
الحوار المتمدن-العدد: 1890 - 2007 / 4 / 19 - 12:00
المحور:
المجتمع المدني
هل يمكن أن نتصور حياة ثقافية مبدعة ومنتجة من غير تأسيس لتقاليد حوار بين المثقفين أنفسهم من ناحية، وبين النخب الثقافية والمجتمع من ناحية ثانية؟. كان هناك، في الصحافة العربية ومنها العراقية، في النصف الأول من القرن العشرين، حراك ثقافي يعتمد الحوار آلية رئيسة في التنمية الثقافية وتأصيل وعي سياسي وثقافي وقيم مدنية متحضرة عند شرائح واسعة من السكان. وإذا كان المتعارف عليه في ذلك الحين إطلاق تسمية "معارك فكرية أو أدبية " على تلك الحوارات ( السجالات ) جرياً على العادة في تفخيم ظواهر الواقع وإضفاء طابع عنف ( رمزي أو مجازي ) عليها، فإننا، اليوم، نفتقر إلى مثل تلك الحوارات ( المعارك... ). كان الرأي الذي يطرحه طه حسين، في سبيل المثال، في الصحافة المصرية تجد له ردود فعل عند آخرين مثل المازني والزيات والعقاد وغيرهم، لتتعدى ( ردود الفعل ) نطاق الصحافة المصرية إلى الصحافة العربية فيشترك في التحاور والسجال حول القضية المعنية كتّاب ومثقفون من العراق وسوريا ولبنان وغيرها. كذلك لم تقتصر مساحة تلك المعارك الحوارية، إن صح التعبير، على الساحة الثقافية بين المثقفين وحدهم بل كان المجتمع بجمهرة قرائه يتابعها ويناقشها في المقاهي والمجالس فينتصر فريق لهذا الطرف وفريق آخر للطرف الند. صحيح أن جزءاً من تلك المعارك كان يتخذ صورة سجالات انفعالية بحسب قاعدة ( أنا ضد ما تقوله حتى قبل أن أقرأ لك أو أسمعك ) غير أن تأثيرها في الوسط الأدبي والفكري والاجتماعي وحتى السياسي كان فعالاً، وعلى خلفيتها تأسست بعض من أهم الجماعات الأدبية والفكرية والسياسية. نتحدث، في راهننا، عن تقنيات الإعلام الحديث والاتصال، عن عالم يصبح واحداً "أكثر من أي يوم مضى من حيث كونه سوقاً للتبادل أو مجالاً للتداول أو أفقاً للتواصل" على حد تعبير علي حرب. لكننا أبعد ما نكون عن هذا كله إلاّ باستثناءات قليلة لا ترقى إلى أن نؤشرها كونها ظاهرة مثلما هي حاصلة في الجانب الآخر من البحر، أي في العالم المتقدم. فعديد من مثقفينا ما يزال يخشى تلك التقنيات أو يحذرها أو يشعر بالصُغار أمام سطوتها، وما زلنا لم نستغلها، بالقدر المتاح لنا، من أجل تواصل ثقافي حواري حقيقي يقرّب بيننا المسافات ويوظف فضاءً لحوار. فهذه التقنيات تختزل الأمكنة وتضع مجموعة من الأشخاص ( المثقفين )، يعيشون في بلدان وقارات مختلفة متباعدة، داخل غرفة واحدة افتراضية يستطيعون فيها عقد مؤتمرات وندوات فكرية وأدبية وثقافية يجعل من الممكن التحاور فيما بينهم وتبادل الأفكار وإغنائها وإخصابها إلى جانب تسهيل تعرّف بعضهم على نتاجات بعضهم الآخر. أي أننا مع هذه الثورة في مجال الاتصال نكون قد تجاوزنا وذللنا تعقيدات السفر والبريد ورقابة السلطات بأشكالها المختلفة وكسبنا قدراً لا يستهان به من الوقت والفرص والحرية. ومن المؤكد أن هذا يصح على المهتمين والمشتغلين في حقول الفكر والفن والمعرفة كافة. أما الندوات واللقاءات التي جرت بين مفكرين ومثقفين، من الذين استضافتهم القنوات الفضائية، فإنها في الأغلب الأعم، كانت مساحة لطرح آراء سريعة وحذرة ومحدودة، ولم يتم تناول كثر من القضايا الجوهرية فيها، أو أنها، في أحسن الأحوال، لمست تلكم القضايا من السطح. ويبقى للصحافة المكتوبة، عندنا، فائدة أكبر بهذا الصدد لأن الحوارات التي تدور على صفحاتها تكون متروية وفي متناول قراء كثر يمكنهم المشاركة فيها من خلال الكتابة، على الرغم من أن الحوارات الدائرة على الشبكة العنكبوتية تتيح الفرصة، إذا ما رغب المتحاورون، لعدد أكبر بكثير من المستخدمين الإطلاع والمشاركة، مع تأشير أن عدد مستخدمي تلك الشبكة من الناطقين بالعربية ضئيل جداً قياساً لأقرانهم في العالم المتقدم. إن أي متتبع للصحافة العربية، ولاسيما العراقية منها، يشعر بغياب مثل هذه الحوارات، في الوقت الذي تُنشر فيه مقالات ودراسات ومداخلات غير قليلة على صفحاتها تحوي آراءً وأفكاراً خصبة تخص حياتنا الثقافية والسياسية والاجتماعية لا تجد لها أصداء من أي نوع ( ردود أو تعقيبات أو تعليقات أو تساؤلات أو انتقادات أو تصويب معلومات، الخ.. ) وبذا تضيع جهود وتتبدد أفكار وآراء ومقترحات، فلا تغدو محل نقاش ولا تدخل في ضمن برنامج مؤسسي. فيما إدامة الحوار تتيح الفرصة لمشاركة جمهرة أكبر من المعنيين والقراء فتتشذب، إذ ذاك، المعلومات، ويتعمق الوعي وقد يؤثر في مفردات السلوك وإجراءات المؤسسات المعنية الحكومية منها، وتيارات الثقافة والسياسة الحزبية منها والمستقلة. فضلاً عن إرسائها لقواعد وتقاليد حوار هي بمثابة البارومتر لأي نظام يقول بالديمقراطية. ونحن، في وضعنا الراهن، أحوج ما نكون لمثل هذا التواصل الفكري والمعرفي والثقافي من خلال توفير مناخ سليم لحوارات متعمقة عبر قنوات ووسائط التواصل المتاحة، فيما يبدو أن جزءاً مهماً من مشكلنا الحالي هو ثقافي.
#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بمناسبة بلوغه الثمانين: ماركيز بين روايتين
-
حين يُصادر كافكا وبوشكين؛ الإيديولوجيا والإنتاج الثقافي
-
فيروسات بشرية
-
جحا وابنه والحمار
-
الأفضل هو الأسرع
-
الإعلام العربي: سلطة الإيديولوجيا ومقتضيات العصر
-
سنة موت ريكاردو ريس: المخيلة تنتهك التاريخ
-
السياسة والكذب
-
النخب العراقية ومعضلة تأصيل الهوية الوطنية
-
عن الربيع والموسيقى والقراءة
-
السياسة التي خربت نصف أعمارنا!!
-
( بورخس: مساء عادي في بوينس آيرس )
-
كوميديا عراقية سوداء
-
مغامرة الكتابة الروائية
-
الحلم العراقي
-
لماذا علينا نقد المثقف؟
-
تكيف الرواية: مقتضيات عصر ما بعد الحداثة
-
المثقف بين الممنوع والممتنع
-
صنّاع السعادة.. صنّاع التعاسة
-
في بلاد حرة: نيبول ورواية ما بعد الكولونيالية
المزيد.....
-
دول تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو وزعيم أوروبي يدعوه لزيارت
...
-
قيادي بحماس: هكذا تمنع إسرائيل إغاثة غزة
-
مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت.. إسرائيل تتخبط
-
كيف -أفلت- الأسد من المحكمة الجنائية الدولية؟
-
حماس تدعو للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لجلب نتنياهو و
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يوقف الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن
...
-
133 عقوبة إعدام في شهر.. تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في إيرا
...
-
بعد مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت.. سيناتور جمهوري يوجه تحذي
...
-
قادة من العالم يؤيدون قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الا
...
-
معظم الدول تؤيد قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الاحتلال
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|