|
أدلجة سوسور: قراءتا بلومفيلد و تشومسكي لمحاضرات سوسور
باقر جاسم محمد
الحوار المتمدن-العدد: 1889 - 2007 / 4 / 18 - 12:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أدلجة سوسور قراءتا بلومفيلد و تشومسكي لكتاب محاضرات في اللسانيات العامة جون إي. جوزيف John E. Joseph ترجمة: باقر جاسم محمد
تمهيد في هذه الدراسة القيمة، يسعى جون إي. جوزيف إلى تأسيس مرجعية فكرية لمفهوم معرفي جديد هو ’إساءة القراءة ‘misreading)) الذي قد يكون من معانية إساءة التأويل و الفهم. و المؤلف يطبق هذا المفهوم على أثنين من كبار علماء اللسانيات في القرن العشرين هما بلومفيلد و تشومسكي في قراءتيهما، أو الأصح قراءاتهما، لمحاضرات سوسور الشهيرة في اللسانيات العامة. و قد تابع المؤلف التحولات في فهم كل منهما لنصوص المحاضرات، و ربط بين تلك التحولات و أسبابها الذاتية الكامنة في التطور العلمي في النظريتين الخاصتين بكل من بلومفيلد و تشومسكي. و هو في كل ذلك لم يكن مسوقا ً باعتبارات ذاتية أو لغرض النيل من مكانتي بلومفيلد و تشومسكي العلميتين ، كما إنه لم يسع َ إلى نفي صفة العلم عن اللسانيات نفسها؛ و إنما أراد القول بأن إساءة القراءة ظاهرة متفشية في كل فروع الدراسة العلمية بما في ذلك اللسانيات . و إساءة القراءة ، حسبما يرى المؤلف، وظيفة من وظائف الحقول المعرفية التي تكون ذات طبيعة’ نظرية أكثر من كونها تطبيقية، و مجردة أكثر من كونها عملية، و مؤسسة على تقاليد الخطاب أكثر من تقاليد الفعل‘. و يذهب المؤلف إلى أن سياق التطور الفكري لكل من بلومفيلد و تشومسكي قد تحكم إلى حد بعيد، سلبا ً أو إيجابا ً ، في قراءتيهما لتلك النصوص. وهو لا يقدم هذا الرأي دونما سند علمي، و إنما يدعمه بنصوص مأخوذة من مؤلفات بلومفيلد و تشومسكي. فيعرض الشواهد النصية أولا ً، و يحللها ثانيا ً، و يبني عليها استنتاجاته ثالثا ً. و حري بنا أن ننبه إلى أن المؤلف لا يستعمل مصطلح الأيديولوجيا بمعناه العام المرتبط بالأحزاب و السياسة و السلطة ، و إنما بمعنى ضيق يناسب موضوع دراسته، ألا و هو الانحياز إلى نظرية أو فهم معين للغة. و نظرا ً لما أثارته هذه الدراسة لدينا من ملاحظات مهمة، و لحاجة بعض المفاهيم إلى شيء من التوضيح و الشرح ، فقد رأينا أن نضيف الملاحظات و التوضيحات الخاصة بنا إلى آخر الدراسة؛ و أن نشير إليها بالأرقام المحصورة بين معقوفتين[ ] لتمييزها عن ملاحظات المؤلف المحصورة بين هلالين( ) . المترجم
1. المقدمة: إساءة القراءة و الأيديولوجيا إن تاريخ اللسانيات هو إلى حد ٍ كبير ٍ تاريخ إساءات ٍ في القراءة، و تاريخ فشل ٍ في التواصل بين المؤلفين و القراء، و زاد من حدة ذلك الوهم ُ القائل ُ بأن التواصل قد تحقق بنجاح. فمنذ قراءات محاورة أفلاطون ( كراتيلوس ) بوصفها دفاعا ً عن النزعة الطبيعية في اللسانيات. تلك القراءات التي قام بها باحثون مختلفون منذ عصر النهضة و ما تلاه، و حتى تفسيرات تشومسكي (1966) لأولئك المفكرين من عصر النهضة و التنوير بوصفهم يمثلون إرهاصات ٍ لوجهات نظره الخاصـة في النزعة العقلانية rationalism و إحياء الثقافة الوطنية nativism،[1] وصولا ًً إلى الفهم الخاص لمفهومي تشومسكي في الكفاية (competence) و الأداء(performance) اللغويين لدى بعض المتخصصين باللسانيات التطبيقية في الستينيات و السبعينيات( أنظر نيوماير1989)،فإن عددا ً لا يحصى من صور فشل التواصل قد حددت من دراسة مادتنا الأساسية في التواصل. و سواء أكانت إساءات القراءة هذه شبه َ مقصودة ٍ أم أصيلة ً في كينونتها العرضية، فإنها نادرا ً ما تكون محايدة. فالنصوص لا تعالجها أدمغة فارغة، بل عقول قد تمّ ملؤها بمجموعة من الأفكار، و المقولات الفكرية المسبقة، و النماذج العليا، و ربما بما هو أكثر أهمية، أعني بذلك جدولا ً بالأولويات ( أو الأجندات ). وبكلمات أخرى فإن إساءات القراءة هي في العادة موجهة أيديولوجيا ً.
إن هذا الكلام ليس نقدا ً سلبيا ً موجها ً ضد حقل اللسانيات أو تاريخها. فإساءة القراءة كما عَُرّّفت في أعلاه هي حدث عارض لا يمكن تجنبه و بخاصة حين يكون المؤلف و القارئ منفصلين من حيث الجيل و من حيث الثقافة. لقد قبل معظم نقاد الأدب بالمقدمة المنطقية القائلة بأن النصوص لا تنطوي على معنى متأصل فيها، و لكنَّ المعنى يجري خلقه عند كل فعل قراءة، و بوساطة قارئ يأتي، أو تأتي، بعقله و تجربة حياته المتفردين ليفرض عبئهما على النص. و بالتأكيد فإنه ليس هناك من سبب ٍ يجعل من هذا الرأي أقل صدقا ً في نوع غير خيالي مثل اللسانيات بالمقارنة مع القصص؛ و في الواقع، وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار جدول الأولويات و نزعة المساجلة و الجدل العنيف في الحقل اللساني، فإنه قد يكون أكثر صدقا ً. وفقا ً لهذا الفهم، لا تـُـفسر إساءة القراءة على أنها خطأ. فمن الممكن تماما ً أن تكون متكاملة مع التغيير والتقدم. وهي على أية حال لا تقتصر على اللسانيات. إن إساءة القراءة وظيفة من وظائف فروع الدراسة العلمية تتناسب مع كون تلك الفروع نظرية ً أكثر من كونها تطبيقية، و مجردة ً أكثر من كونها عملية ً، ومؤسسة ً على تقاليد الخطاب أكثر من تقاليد الفعل. لذلك فإن اللاهوت نزاع إليها إلى حد بعيد، بينما تظل أعمال البناء و الإنشاء غير متأثرة بها نسبيا ً. و تقع الفيزياء و علم النفس و اللسانيات بين هذين الحدين. لا تجعل إساءة القراءة حقلا ً علميا ً ما أقل علمية. فأعمال البناء و الإنشاء لا تعتبر أكثر أو أقل علمية من اللاهوت؛ كما أن صفة العلمية ليست معيارا ً مناسبا ً يمكن اعتماده في إظهار الفروق بين الفرعين. و إنما هما مختلفان على مقياس ذي بعدين هما التجريدي- العملي. و على هذا فإن الاقتراح بأن إساءات قراءة ٍ خطيرة ٍ في دلالاتها قد صاغت و شكلت تاريخ اللسانيات، وأن إساءات القراءة هذه قد تكون ذات حافز أيديولوجي، ليس سوى طريقة لإثارة النقاش حول علمية الحقل. و كما أكـّدنا في المقدمة ، فإن الأيديولوجيا، بطريقة أو بأخرى، ذات حضور متعدد الوجوه(omnipresent ) في اللسانيات، و كذلك في أغلب أنماط الفكر الأخرى. و التمييز الحاسم الذي يجب أن يعتمد هو بين اللسانيين الذين يقر ّون بمواقفهم الأيديولوجية، و مَن لا يفعلون ذلك. و كما هو الحال عند الفشل في الإدراك بأن إساءة القراءة تنتج وهما ً للتواصل الناجح، فإن الفشل في الإقرار بالأيديولوجيا يخلق وهما ً لحقل البحث الموضوعي و النقي. و في الحالتين ، ليست الأيديولوجيا و ليست إساءة القراءة هما من يقوم بالتسوية بشأن تكامل العلم، و إنما هو الوهم، و إنه لأمر صحي أن نبدده ( 1 ). إن حضور إساءة القراءة المتعدد الوجوه و عدم إمكان تجنبها لا يؤديان ضرورة ً إلى أنها ستحصل بقياس ٍ واحد ٍ دائما ً وفي كل موضع من النصوص. فبعض القرّاء أكثر نزوعا ً لها من سواهم، وأكثرهم جدارة ً بالملاحظة هم أولئك الذين لديهم جداول أولويات ٍ خاصة، أمثال تشومسكي(1966). و يستحضر بعض المؤلفين إساءة القراءة أكثر من سواهم، و فوق هؤلاء جميعا ً هناك المؤلفون الذين لم يكتبوا الكتب التي غالبا ً ما عرفوا بها، و الأسوأ، أنهم ماتوا قبل أن يكتبها الآخرون. هكذا كانت الحال مع سقراط و يسوع المسيح و مونجين- فرديناند دي سوسور(1857- 1913). و لنأخذ حالة يسوع و سوسور، فلأن أفكارهما قد دونتها أياد ٍ كثيرة، فهي تطرح على نحو خاص مشكلات ٍ جسيمة ً أمام المفسرين: فالافتقار إلى نص ٍ وحيد ٍ يُحتج به قد مهد السبيل أمام توسع غير مألوف في التفسير.[2] و في حالة سوسور ، قد يغور هذا الانفتاح أعمق مستقبلا ً، كونه يمثل جزءا ً مميزا ً لفكره. وهذه كانت فكرة جاكوبسنJakobson ( [1969]:7441971) : ’ و لكن ربما تكمن أصالة و عظمة هذا الجوال الرائد الخالد تماما ً في تعارضه مع خيلاء أي فكر نهائي أو قطعي ‘ ، لقد أراد جاكوبسن أن يصف هذا الرائد الخالد في أثناء حياته، و بينما تبدو هذه الصورة الشخصية دقيقة ( أنظر للمزيد كتاب جوزيف a1989) فإنها تنطبق على نحو أفضل على سوسور في العقود التي أعقبت وفاته و طبع كتابه محاضرات في اللسانيات العامة{ و سنرمز لها لاحقا بالمحاضرات}. و من المؤكد أنه لا يوجد عالم لسانيات ٍ في القرن العشرين من قد عانى من ذلك العدد الكبير من القراءات الموجهة أيديولوجيا ً مثلما عانى سوسور- وهي نتيجة مرتبطة بالطبيعة الثورية لفكره، و بالطريقة التي حوفظ بها عليه، و بحقيقة أنه لم يكن حاضرا ً المشهد بصفته قوة ذات نفوذ مؤثر في السياسات الأكاديمية ليحتج على أكثر إساءات القراءة الأيديولوجية رداءة ً. و في هذه الدراسة سأركز على الكيفية التي تمت بها قراءة سوسور من أثنين من أكثر علماء اللسانيات تأثيرا ً في هذا القرن و هما ليونارد بلومفيلد(1887 -1949) و نعوم تشومسكي ( ولد في العام 1928). و في كلتا الحالتين، و على وجه الخصوص في حالة تشومسكي، سنرى كيف تطورت قراءاتهما بالترادف مع موقفيهما النظريين- و هذا يعني، و أعتقد أن من الإنصاف أن نقول، بالترادف مع أيديولوجيتهما فيما يخص اللغة. و لن تكون النقطة موضع البحث الكشف عن خطل قراءة ٍ بعينها. و إنما هي أن نظهر بطريقة ٍ بناءة ٍ الاستعمالات التي وضع فيها فكر سوسور في سياق تطور علم اللسانيات الحديث، و الأخذ بعين الاعتبار الأيديولوجيات التي حرضت على تلك الاستعمالات.
2. بلومفيلد و سوسور
ظهرت عبارتان مختلفتان تماما ً بشأن علاقة بلومفيلد بسوسور في مطبوع في سنة 1987، و هي السنة المئوية لميلاد بلومفيلد. إحداهما، و هي لروي هاريس Roy Harris، تلاحظ أنه بينما ُ يقرٌّ بلومفيلد، و في سياق عرضه للمحاضرات في العام1923 بمكانة سوسور بوصفه مؤسس اللسانيات العامة الحديثة ُ ( هاريس b1987: xii-xiii) ، فإنه في كتابه اللغة الصادر عام1933 لا يُعطى سوسور سوى ذكر ٍ عابر ٍ و لمرة ٍ واحدة ٍ في فصل ٍ تمهيدي ٍ عن تاريخ اللسانيات (هاريس: نفسه). ليس صعباً أن نفسر َ السبب في التفاوت بين مديح بلومفيلد لسوسور في العام 1923 والاستبعاد الأخير لـه بعد عشر سنوات. ذلك أن بلومفيلد عام1923 هو بلومفيلد في مرحلة ما قبل السلوكية؛ و في مرحلته ما قبل السلوكية، كان بلومفيلد من أتباع عالم النفس فونت Wundt. و لذلك فإن عرض عام1923 يعطينا قراءة للمحاضرات من وجهة نظر باحث أمريكي ٍ من أتباع فونت كان أيضا ًً مختصا ً بفقه اللغات الجرمانية التقليدية ( و هو كذلك دارس للغات ذات الأصول الأمريكية ). و لكن بعد عشر سنوات ٍ نـَبـَذ َ بلومفيلد فونت لصالح واتسونWatson . و قد اختلفت قراءته لسوسور تبعا ً لذلك. فهو الآن يقرأ سوسور ليس بوصفه المؤسس الرائد للسانيات الحديثة، و لكن بوصفه مؤمنا ً بتأبيد نظرية المفاهيم النفسية السائدة في أواخر القرن التاسع عشر و المتفشية في مناهج دراسة اللغة. و قراءة بلومفيلد المتأخرة تلك كانت لتقرير طبيعة العلاقة بين كل من النسختين الأمريكية و الأوربية للبنيوية لربع القرن القادم.( 2 ) ( هاريس1987b:xiii ) و العبارة الأخرى هي لبلومفيلد نفسه، وردت في رسالة ٍ موجهة ٍ إلى جَي. ميلتون كوانJ.Milton Cowan يعود ُ تأريخـُها إلى 15 كانون الثاني( يناير) من العام 1945. وقد طبعها كوان على أنها نموذج للرسائل الجدية لبلومفيلد في مقالة ٍ مكرسة ٍ لمراسلاته الهازلة ( كوان 1987 ). إذ بعد بعض التصحيح في كتاب ٍ للنحو الروسي يعود لزمن الحرب كتبه كوان تحت أشرافه، تفجع بلومفيلد بالقول: إن ّ مواقف الشجب و الاتهام تأتي غليظة ً و سريعة ً: و أتوقع أن يُرفض كليا ً تصديق ُ ما أقول في نهاية ِ المطاف. فهناك كلام يدور حول أن دي سوسور لم يذكر في نص كتابي اللغة ( الذي يعكس محاضراته على كل صفحة). و كذلك أنه لم يتناول المعنى بالدراسة- ويبدو أنه ليس هناك من فصل ٍ مكرس ٍ لهذا الموضوع. و أنا لم أكن مقصودا ً [ كذا في نص كوان و الصحيح لم أقصد] أن أقدم اعترافا ًً بزيف ٍ من هذا النوع أو بالخطابات التي تحتويه أو التي تـُبنى عليه. ( كوان 1987:29) و على الرغم من أن المرء يميل فطريا ً إلى أخذ كلمة بلومفيلد على أنها حاسمة و نهائية، فإنه يجب الإشارة إلى أن ما صرح به هاريس فقط هو ما يتطابق مع التواريخ المعروفة للسانيات في القرن العشرين؛( 3 ) و بأن قراءة بلومفيلد السطحية و المتعجلة في العام1914 و العام 1933 تبدو مـُثبتة ً لوجهة نظر هاريس و ليس وجهة نظر بلومفيلد؛ و بأن ردود أفعال المؤلفين تجاه عروض الكتب السلبية التي تظهر في المجلات يمكن أن تكون في الغالب أقل عقلانية. و حتى عند القبول بالرأي القائل أن بلومفيلد قد تورط ببعض المبالغة المضادة( كما يذهب إلى ذلك كوورنر (1989: 441)، فإن قارئ هذه الأيام في حيرة ٍ من أمره في تتبع تأثير سوسور الواسع الانتشار في بلومفيلد (1933).{ أي بلومفيلد في كتابه اللغة الصادر في العام1933. المترجم} و مع ذلك فإنه بالكاد يمكن أن يُطرح َ جانبا ً قول موجود فعليا ً لبلومفيلد. و هذه المفارقة الظاهرية تنجم جزئياً عن وهم ما: فنحن نتخيل بأن ما اعتقده بلومفيلد انعكاساً لفكر سوسور يتطابق مع مفهومنا المتأخر في القرن العشرين حول سوسور. و قد يصل الأمر أن نقع في مصيدة التخيل بأن مفهوم بلومفيلد أو مفهومنا لسوسور يتطابق مع سوسور التاريخي، أو أن تركيبا ً كلاميا ً من مثل ’ المفهوم المتأخر في القرن العشرين لسوسور ‘ هو شيء ما يتجاوز كونه تجريدا ً غامضا ً. وهذه منطقة مألوفة: فنحن نغاير بين الاثنين لإظهار الفروق بين سوسور بوصفه لغة ً langue و سوسور بوصفه كلاما ًparole . و لكن بما أننا لا نستطيع أن نحدد طبيعة اللغة إلا من خلال دليل ٍ مأخوذ ٍ من الكلام ، فإن أفضل أدلتنا لفهم المفاهيم حول سوسور سيأتي من القراءات الفردية الحقيقية. و سأبدأ، تبعا ً لذلك، بتقديم فحص ٍ محكم ٍلكتابات بلومفيلد الأكثر تفصيلا ً حول المحاضرات في الأعوام (1923) و (1926) و (1927).
3. بلومفيلد(1923): الدفاع عن النفس في عرضه للمحاضرات في العام1923 ( للمزيد من التفاصيل أنظر كوورنر 1989)، يقدم بلومفيلد عدداً من العبارات التقريرية الكاشفة. فالفقرات الافتتاحية تمنح اعترافاً بأهمية سوسور، رغم أنه اعتراف لا يكاد يكون أقوى من العبارات الأكاديمية شديدة التنميق التي تقال عادة ً في تقريض زميل ذي منزلة رفيعة عند وفاته. إنه لأمر سار أن نرى طبعة ثانية من عمل سوسور المنشور بعد وفاة مؤلفه حول اللغة؛ إن سعة شعبية الكتاب تدل ليس على الاهتمام باللغة فحسب، و لكن أيضا على إرادة الجمهور العلمي لمواجهة النظرية اللسانية بجرأة و عزم. ... ... و في إلقائه المحاضرات حول ’ اللسانيات العامة ‘ كان يقف لوحده على نحو وثيق جدا، ذلك أن ّ ، و كم يبدو الأمر غريبا ً، القرن التاسع عشر الذي درس بتوسع تاريخ عائلة لغوية واحدة أبدى اهتماما ً قليلا ً أو حتى لم يبدِ أي اهتمام ٍ في الجوانب العامة للكلام الإنساني. ( هوكيت1970: 106)
و من هنا إلى آخر الجملة في العرض، حين يصرح بأن سوسور ’ قد أعطانا الأساس النظري لعلم للكلام البشري ‘ ( نفسه:106) فإن كل عبارة تسمح عمليا ً بقراءة ٍ غامضةٍ. فأين، على سبيل المثال، يضع بلومفيلد مكانة سوسور؟ بصراحة ليس في أية جدة ٍ أو ابتكار ٍ- ناهيك عن الثورة- في المنهج؛ و الأكثر من ذلك: إن قيمة المحاضرات تكمن في العرض الواضح و شديد الدقة للمبادئ الأساسية. فأكثر ما قاله المؤلف قد كان شائعا ً و جرى التعبير عن أجزاء منه هنا و هناك. أما التنظيم فهو خاص به. (نفسه:106) و يصف بعد ذلك بعض هذه الأفكار التي غدت معروفة ً و القائلةٍ بأن المحاضرات منسقة فحسب: ’ فمن المعروف أن التغيير التاريخي في اللغة يجري بطريقة آلية(mechanical ) مثيرة للعجب، و مستقلا ً عن أية حاجات ٍ للمتكلمين أو رغباتهم أو مخاوفهم‘ ( نفسه). قد يتفق سوسور مع الرأي المتعاطف، و لكنه قد يوسعه أكثر ليشملَ استقلال التأثيرات الممكنة و الموجودة بالقوة على تركيب اللغة. وهو قد يصدّ عن المصطلح ’ التغيير التاريخي ‘ و ربما مصطلح ’ آلي ‘ الذي يختلف عن مصطلح ذاتي الفعل(automatic ) لوجود استعارة ضمنية. نحن نعرف بأن قيمة المصطلح آلي، mechanical ، في عمل بلومفيلد تتحدد بوساطة المقابلة بين الآلي- العقلي (mechanistic-mentalistic )، و لا نستطيع الافتراض بأن مكانة بلومفيلد تتطابق في حقائق الموقف القاسية التي لا مفر منها مع مكانة سوسور. أما الفكرة اللاحقة ’ الشائعة ‘ فهي أنه: خارج حقل النحو التاريخي، قد عملت اللسانيات فقط بطريقة المحاولة المتهورة و اليائسة لإعطاء تفسير نفسي لحقائق اللغة، و بطريقة الصوتيات العامةphonetics {بإعطاء} قوائم لا نهاية و لا هدف لها لمختلف طرق تلفظ الكلام. ( نفسه:106-7 )
و على الرغم من أن بلومفيلد قد يكرر غالبا صور النقد هذه عبر السنين، فإنها في حقيقة الأمر تنطبق إلى حد بعيد على بلومفيلد(1914). و في هذا الموضع ، ربما يكمن مفتاح ما لطبيعة هذا العرض الغامضة: إن بلومفيلد لا يستطيع أن يـوجه تحية للخطوات النظرية المتقدمة للمحاضرات بدون الإقرار ضمنا ً بجوانب الضعف في عمله الخاص الكبير. و تبدو الجملة اللاحقة ، التي تحتوي على أكثر ملاحظات بلومفيلد نيلا ً من سوسور ، مؤيدة لهذا الاحتمال: ’ و الآن، يبدو أن دي سوسور لم يمتلك من علم النفس ما يتجاوز أكثر الأفكار العامة فجاجة، و ما أنجزه في الصوتيات العامة هو تجريد من الفرنسية و الألمانية السويسرية الذي لنْ يصمد حتى بوجه اختبار طلب التقديم لدراسة الإنجليزية ‘ ( نفسه:107 ). و بعبارة أخرى لم يكن سوسور بوضعية تسمح لـه بنقد بلومفيلد(1914){ توفي سوسور عام 1913 } حين لم يكن بلومفيلد مستعداً للتسليم بنقاط الضعف فيها. و بعد ذلك و بخبرة مميزة يحول بلومفيلد نقدا ً لاذعا ً إلى إطراءٍ ظاهري: ’ و هكذا هو يمثل، في شخصيته الخاصة و ربما دونما قصد ، ما برهن عليه إراديا ً و بكل ما هو واجب الأداء: إن علم النفس و الصوتيات العامة ليس لها من أهميةٍ مطلقا ً و هي، من حيث المبدأ، لا علاقة لها بدراسة اللغة‘ (نفسه) و هكذا ينقذ بلومفيلد عمله الشخصي[ اللغة ] من مبدأين لسوسور يبدو أنهما يمكن أن يقللا من قيمته، وذلك بوساطة انحراف ذي شقين: فهو يجعل من رفض المحاضرات لعلم النفس و الصوتيات العامة تافها ً بالزعم أنهما مبدأين أساسيين شائعين- و لذلك فهما معروفان من بلومفيلد نفسه- ثم بجعل الأمر واضحا ً في أن سوسور لن يتمكن من النجاح في أي حكم ذي قيمة في هذه المجالات على أية حال. و المعنى الضمني هو أن رفض سوسور لعلم النفس و الصوتيات قد يكون ناجما ً عن عجزه المطلق في هذه المجالات. و هنا يبرز بلومفيلد متفوقا ً على سوسور على أي معيار يمكن تصوره.( 4 ) و الفقرتان اللاحقتان اللتان تعطيان بعض تفاصيل المحاضرات هما أقل حرفية ً و تلاعبا ً، فإن المرء ليذعر لكثرة عدد الكلمات ذات الطابع الشخصي المتفرد المنثورة على الطريق التي لا تعود لسوسور، و لكن بشكل بارز لبلومفيلد:
ينبغي النظر إلى لغة الجماعة على أنها نظام من العلامات( signals ). و كل علامة مؤلفة من وحدة أو أكثر؛ و هذه الوحدات هي ’ أصوات ‘ اللغة. و لا يقتصر الأمر على أن لكل علامة معنى محدد فحسب... و لكن ربط هذه العلامات يتواصل بوساطة قواعد محددة و هو نفسه يضيف عناصر محددة للمعنى. ... و هذا كله نظام معقد و اعتباطي للعادة الاجتماعية مفروض على الفرد، و هو ليس موضوعا ً للتفسير النفسي مباشرة... ( نفسه:107) إن كلمة علامات( signals ) هي، بوضوح، ترجمة لكلمة signes { الفرنسية }؛ و لكن المصطلح الإنجليزي يوحي بفكرة دافع ما، مع ما يتضمنه ذلك من إيحاءات سلوكية. أما بالنسبة للمكون ’ وحدات ‘ units فإن المحاضرات تتكلم بطريقة غامضة فحسب عن مصطلح خطية اللغة linearite [3]. فإذا ’ كانت هذه الوحدات هي" أصوات " اللغة ‘ فإنه يجب أن يكون في ذهن بلومفيلد الدال signifiant فقط ، و ليس الدلالة signifiē. فقولـه بأن ’ لكل علامةٍ معنى محددا ً ‘ يـُبـْطِل ُ، بوساطة كلماته، ديناميكية العلامة السوسورية، و بالنسبة لهذا الكلام فإن القول بأن لكل معنى علامة محددة سيكون مساويا ً من حيث الصدق و الحسم. و إنه لأمر ذي مغزى أن بلومفيلد لم يقم بعلمية القلب هذه إذا ما أخذنا بالحسبان انحيازه ضد علم الدلالة؛ إذ على الرغم من احتمال كون هذا الانحياز ليس مطلقا ً( أنظر ماثيوز 1986)، فإن من المؤكد أن بلومفيلد متردد في الإقرار بوجود ٍ مستقل ٍ للمعنى. و في الجملة الأخيرة من الاقتباس، فإن كلمة عادة habit تعود بوضوح إلى بلومفيلد أكثر من سوسور.( 5 ) و قد يبدو النصف الثاني من العرض داعما ً للفرضية القائلة بأن النزعة السوسورية لدى بلومفيلد ربما قد تغيرت بطرق رئيسية عما يتصوره أغلبنا على أنه مكانة سوسور الراهنة. و سواء أكان لذلك التصور وجود موضوعي أم لا، فإن بلومفيلد وجد في المحاضرات نظاما ً لسانيا ً يعمل على ’العلامات‘، و رفضا ً أساسيا ً للمقولات النفسية. و يساعدنا الجزء الأول من العرض أن نفهم بطريقة فيها كثير من العمومية كيف يجب أن تكون قوة ُ أثر ِ المحاضرات على بلومفيلد: فالمعتقدات الأساسية لسوسور، إذا ما كانت صحيحة، لن يكون مقدرا لها أن تفشل في تدمير الأسس التحتية لدراسة بلومفيلد الرئيسية (1914). إن جدول أولويات بلومفيلد، و هو أمر طبيعي تماما، هو الدفاع عن عمله الخاص. و مثل أغلب عارضي الكتب الجيدين، فإنه يغطي نقده لسوسور بحجاب معقد من الاختلاف و التبني. و مع ذلك فإنه حتى العبارة الختامية ( ’ هنا قد رسم دي سوسور بالتفصيل أولا ً العالم الذي كان فيه النحو الهندو- أوربي التاريخي (الإنجاز العظيم للقرن الماضي) مجرد فرع منفرد من فروع المعرفة؛ لقد أعطانا الأساس النظري لعلم للكلام البشري ‘( نفسه: 108 ) تبهت بوصفها إطراء ً عندما نتذكر كم هي ضئيلة ُ القيمة ِ الأهمية ُ التي أضفاها بلومفيلد فعلا ً على ’ الأساس النظري ‘ المنفصل تماما ً عن التطبيقات العملية.
4. بلومفيلد(1926) و(1927) سوسور ذو النزعة السلوكية إن الورقة المهمة الأولى التي تـُجسّد النظريات السلوكية ل أي. بي. فايس A.P.Wiess هي مقترح عام 1926 لإنشاء مفهوم ’ الطريقة الافتراضية ‘ postulational method التي تنقذ المناقشة لأنها تحدد مقولاتنا بجهاز مفاهيم مُعرّف ؛ و بالتخصيص، فهي تفصلنا عن الجدال النفسي (هوكيت128:1970-9). و هنا يُعترَف بسوسور و سابيرSapir لأنهما اتخذا ’ خطوات باتجاه تعيين وتحديد اللسانيات ‘ ( نفسه:129). ’ وهكذا ‘، يلاحظ بلومفيلد،’ بإن كلا ًمن الوصفين النفسي الفيزيائي لأحداث الكلام يخصان علوما ً أخرى غير علومنا‘( نفسه:129) . و كل هذه الأقوال المتعاطفة تـَكررَ التفوه بها لأول مرة في عرض المحاضرات، وهي متبوعة بالتقديم الأول للمخطط النفسي في قالب عام 1933: ’ لحافز معين هو (A) يستجيب الشخص بوساطة الكلام؛ و كلامه و هو(B) يحفز بدوره سامعيه للقيام باستجابات معينة هي (C). و بوساطة عادة اجتماعية يكتسبها كل فرد ٍ في الطفولة من الأكبر منه سنا ً، تترابط العناصر A-B-C بشكل وثيق (نفسه). و المصطلح ’ عادة اجتماعية ‘ يأتي مباشرة من عرض عام 1923 و بعد ذلك ، وفي العام 1926 ظهرت الأفكار التي ربطها بلومفيلد مبكرا ً بسوسور بشكل اعتراف ٍ بالفضل سريع ِ الزوال و غير مباشر فحسب. و مجاراة لهاريس، لا يمكن أن نستنتج من هذا استبعادا ً لسوسور، لأن ورقة أخرى تعود للمرحلة نفسها( بلومفيلد 1927 ، مقدر لها أن تلقى قدرا ً من الإهمال مساويا ً لقدر التأثير الذي مارسته ورقة عام 1926 ) تتناول تعاليم سوسور بالتفصيل و بلغة إيجابية مع ذلك. و يوضح بلومفيلد(1927) بعض المسائل المحورية فيما يخص فهمه للمحاضرات و أثرها بالنسبة للبنيوية الأمريكية. و هي تبدأ بتصريح من كتاب فونت (1900) بوصفه أعظم عمل في لسانيات الربع الأول للقرن( هوكيت 1970: 173)؛ و القائمة الموجودة في أسفل الصفحة لسبعة عشر عملا ً هي’الأقل‘ أهمية تتضمن بلومفيلد(1914) و سوسور(1922). و لم يظهر فايس (1925) في القائمة، على فرض أن عمله لم يكن لسانيا ًً خالصا ً، و لكن رغم ذلك هيمن على مقالة القسم الأول المعنونة (’ الطريقة الأساسية‘). يلاحظ بلومفيلد بعض الجوانب الإيجابية في عمل اللسانيين المدرجين في قائمته، و من بينها ’ إنهم لا يستخدمون في ممارستهم الفعلية جهاز المفاهيم الاستبطاني introspective terminology المثير للمشكلات، ولا تقلقهم اليوم استحالة إرجاع السلوك البشري إلى مصطلحات ٍ نفسية ٍ( عصبية ٍ)؛ و مع ذلك فهم لا يستخدمون قوى مادية إضافية‘ (نفسه:174). لاحظْ بصورة خاصة قصره الأمر على مصطلح ’ الممارسة الفعلية ‘، بالمقارنة مع التنظير، حيث ما زالت المصطلحات النفسية ’ الاستبطاني‘ و ’ مادية إضافية‘ تهيمن على نحو وطيد. و يجب أن يكون حاضرا ً في الذهن أن مثل هذا التنظير هو هدف عرض بلومفيلد النقدي عند قراءة مديح المحاضرات بوصفها تعطي ’ الأساس النظري لعلم للكلام البشري‘( أنظر أعلاه). و رغم أن اللسانيات تحتل موقعا ً ستراتيجيا يمكن منه الشروع بدراسة الإنسان‘ ( نفسه )، فإن اللسانيين الذين سطر أسماءهم - بمن فيهم فونت ، و سوسور ، و هو نفسه كما كان في العام1914- لم يقوموا بهذا العمل. كانوا يقبلون بالنزعة القطعية finalism و ما فوق الطبيعية supernaturalism لمدرسة ٍ نفسية ٍ بعينها، مع كثير من الاختلافات ‘ فقط من أجل نبذها، و طبعا ً، يكون ذلك حال أن يصلوا إلى موضوع اللسانيات الحقيقي،( نفسه ). و هذا يعني أن علم النفس الذي جرى بسطه و الدفاع عنه في فصولهم التمهيدية لم يمتد ليصل إلى فصولهم المتأخرة حول التحليل اللساني. فالمزاوجة بين النزعة فوق الطبيعية مع المصطلح الوضعي المنطقي ’النزعة القطعية‘ سيتكرر حدوثها في كل مكان من المقال. لا يستطيع اللساني أن يقبل ’ مدرسة نفسية بعينها، مع كثير من الاختلافات‘ بسبب من أنها ’ تسعى إلى أن تفسر، و على أساس ٍ فردي ٍ، ظواهرَ يعلم أنها تكون مشروطة ً تاريخيا ً بوساطة المجموعة الاجتماعية‘(نفسه). و العبارة تبدو ذات صفة سوسورية على نحو مثالي، بيد أن بلومفيلد لم يرد منها أن تنطبق على سوسور فحسب، بل على كتاب فونت Völkerpsychologie ( و من الواضح أنه يُعدّ ُ هنا نسخة مختلفة من مدرسة نفسية بعينها)، و بالنسبة لبلومفيلد (1914)، و في الحقيقة، و كما سنعرف قريبا ً، ينطبق ذلك على كل منهج لم يؤسس على المبادئ السلوكية. فليست الدراسة النفسية الفردية و لا الاجتماعية هي مما يتعلق ’ بمستوى التجريد‘ الذي توجد عليه ’ الأنماط الاجتماعية اللسانية و سواها‘ و تعمل:
نحن لا نتعقب الأقوال اللفظية لفرد ما منذ ميلاده. ... و نحن لا نتعقب استعمال شكل لساني في الجماعة البشرية، حدثا ً بعد حدثٍ. و حالما يكتسب فرد ما عادة استعمال شكل لساني معين، نفترض أنه تحت كوكبة معينة من[ الحافز المادي، و الشرط الشخصي المحض للفرد في الزمان، و مجموعة عادات ما وراء لسانية] سيتلفظ به. ( نفسه:175) و مرة أخرى يكون الجزء الأول من هذه العبارة ذا صيغة سوسورية مثالية، و هي لن تأتي من بلومفيلد خلال طوره الأكثر تبكيرا ً حين كان من أتباع فونت. و إنه لأمر يزيدنا إستنارة أن نرى الأفكار السوسورية تستخدم بوصفها مسوغا ً منطقيا ً لتقديم مسلمات المدرسة السلوكية. و يعتقد بلومفيلد بأن اللسانيين لا يجب أن يعتمدوا أية نظرية ٍ نفسية ٍ في مطلق اُلأحوال، و لكن يجب جعل علماء النفس يأُتون إليهم إذا جاز التعبير. و مرة أخرى فإن هذه العبارة قابلة للفهم فقط إذا فصلنا المدرسة السلوكية عن علم النفس، و ذلك لأن كتاب بلومفيلد(1933) قد بُنِيَ مباشرة على نظرية سلوكية. و في نهاية الفصل الأول، يصوغ بلومفيلد عبارتين، تـُنبئ إحداهما بكتابه الصادر عام1933( ’ بالنسبة لفايس فإن المجموعة الاجتماعية مكون حيوي من مرتبة أعلى من أي كائن حي فرد متعدد الخلايا‘ ) و تعيد بإيجاز عرضه للمحاضرات( ’ علم النفس ليس ضروريا ً في اللسانيات‘) ( نفسه:176). و يعرض بعد ذلك الزعم القوي القائل بأن وجهة نظر فايس هي ’ مخطط لما حسبته أنا المعاني الضمنية للممارسة الفعلية ... لكل اللسانيين، و مهما كانت وجهات نظرهم حول علم النفس‘ ( نفسه ). و مرة أخرى، يكون الفصل بين الممارسة الفعلية و التنظير أساسيا ً(6). و يعالج الجزء الثاني، و عنوانه ’ مشكلة المعنى‘، المحاضرات بطريقة أكثر مباشرة من سواها ، و فيه لا يـُعدّ المعنى مما يرقى إلى حجم مشكلة مطلقا ً، و بداية، يبدو بلومفيلد معترفا ً بذلك: بأي طريقة ’ تعني ‘ كلمة تفاحة أو ’تشير‘ إلى تفاحة ما، حين لا يكون أي منها حاضرا ً؟ و لماذا يكون التعريف المعجمي برغم ذلك كافيا ً؟ هذه المشكلة نفسية أكثر من كونها لسانية و بالنسبة لعلمنا{اللسانيات} فإن من الأفضل أن تـُعالج ببعض المبادئ الملائمة. و هي طبعا ً ستُحل بسهولة ٍ سحرية ٍ إذا ما رضينا بالجواب القائل بأنه، عندما لا تكون التفاحة الطبيعية حاضرة ً، فإن ’ صورة ً عقلية ً‘ أو ’ مفهوما ً ‘ للتفاحة سيحل مكانها. ( نفسه: 177 ) و تلك هي ’ الصورة العقلية ‘ أو ’ المفهوم ‘ التي أدخلها أرسطو في الفكر اللساني، و أعادت المحاضرات إحياءها و إبرازها، وسخر منها بلومفيلد، و قد نسبها بلومفيلد- و يا للعجب- ليس إلى سوسور و إنما إلى أوجدن و ريتشاردز(1923).{في كتابهما ’معنى المعنى‘} و حقيقة أن خطاطة مثلث المعنى الشهيرة لديهما تحتوى ’ الفكرة أو المرجع‘ بوصفه أحد رؤوس المثلث( أضاف إليها بلومفيلد التفسير الخاطئ بين حاصرتين ’[ صورة، مفهوم، أو فكرة التفاحة]‘) توضح السبب في أن بلومفيلد يقول أنهما’ لم يتقدما بنا خطوة واحد نحو الأمام ‘( نفسه). أما رأسا المثلث الآخران فهما المشار إليه ’ Referent‘ ( و هو عند بلومفيلد:’[ ... التفاحة الطبيعية الحقيقية]‘)، والرمز ’ symbol ‘ ( عند بلومفيلد:’[ الكلمة تفاحة]‘). و مع ذلك فمن الناحية التاريخية كان مصطلح المشار إليه مما أضافه أوجدن و ريتشاردز - أو هو إعادة الصياغة ما قبل الأرسطية- إلى النظام السوسوري ( أنظر هاريس 1987b:62-3)، الذي يحتوي مصطلحات مكافئة ل لمفهوم’ الفكرة أو المرجع‘ (signifiē) و مفهوم ’الرمز‘ (significant) فحسب. و لكونه أبطل مركزية الدلالة وفقا ً للفهم السوسوري و أعاد الشيء الطبيعي إلى النظام، ينبغي أن يحظى أوجدن و ريتشاردز بالفضل، لا باللوم، في عيني بلومفيلد! و لكن بلومفيلد يرى الأمور على نحو مختلف جدا ً: بالنسبة إليه، لم يكن نظام سوسور مكوناً من وحدتين ، بل من أربع. ’ نظام دي سوسور أكثر تعقيدا ً فهناك(1) الشيء الحقيقي، (2) المفهوم،(3) الصورة الصوتية المادية،(4) القول الكلامي ...‘ (بلومفيلد 177:1927). و هو بوضوح يفضل سوسور على أوجدن و ريتشاردز، و لكن العنصر غير المرغوب فيه أي ’ المفهوم ‘ ما زال هناك. ثم يوضح بلومفيلد بأن العنصر(4) هو الكلام parole ، بينما ’ الجزء المكون من المصطلحين العقليين الخالصين(2) و(3) يتجسد في المفهوم langue ، و هو قالب اللغة الموحد اجتماعيا ً‘( نفسه ). والعقلي هو مصطلح آخر يمثل عبئا ً بالنسبة لبلومفيلد، و هي إشارة إلى إنه من المحتمل أن لا يقبل النظام كما جري تقديمه.( 7 ) و في حركة بلومفيلد القادمة سنراه ينقذ سوسور من تهمة النزعة العقلية؛ إنه، كما أَعـْتقـِد ُ، المقطع المفرد الأكثر أهمية في فهم قراءة بلومفيلد الاستثنائية لسوسور. ومرة أخرى ستكون المشكلة أن مصطلحين من نظام سوسور، هما’ المفهوم ‘( signifiē ) و ’ الصورة الصوتية المادية ‘ ( signfiant )،هما مصطلحان ’ عقليان خالصان ‘: ’ تطرح عبارة دي سوسور الحذرة على نحو جلي النقطة موضع المساءلة في القضية: فما يسميه ’عقلي ‘ هو بالضبط ما يسميه هو و كل اللسانيين الآخرين " اجتماعي " ‘(نفسه). و هذا يعني أن كلا ً من الدال و المدلول يعودان إلى اللغة langue ، و اللغة مـُنشأ اجتماعي ذو أصل عقلي؛ و بذلك يكون الدال و المدلول مـُنشأين اجتماعيين لهما أصل عقلي. حتى الآن كان بلومفيلد يسبح دائخا داخل فجوة سوسورية: الفشل في تبديد الغموض بين اللغة بوصفها حقيقة اجتماعية سابقة الظهور و بوصفها خاصية عقلية فردية. و لكنه يذهب أبعد من ذلك: ’ لا حاجة لمصطلحات قاطعة شائعة. و من الأفضل أن نعمد إلى استبعاد العنصرين(2) و (3) و نتكلم بدلا ً عن ذلك في الانسجام المحدد اجتماعيا بين خصائص معينة في (1) و(4)‘( نفسه ). و بما أن من الواضح أن ’ الأشياء الحقيقية‘ و’ الأقوال الكلامية‘ لها جانب اجتماعي أيضا ً- الأشياء الحقيقية ، إما بحضورها أو بغيابها، تستثير الأقوال، التي تشكل تفاعلا ً اجتماعيا ً- إذن نستطيع ببساطة أن نستغني عن خصيصتها العقلية. و إذا ما تم ذلك، لن يتبقى سبب للتمييز بين الشيء الحقيقي و المفهوم، و بين القول الكلامي و الصورة الصوتية المادية. و نحن لم نتجنب مصطلحات ’المفهوم‘(signifiē) و’ الصورة الصوتية‘(signifiant) غير المرغوب فيهما فقط،، و إنما أوضحنا بأنهما لا يخصان نظام سوسور قط، و بأن سوسور، في الواقع، ليس عقليا ً. و يستمر بلومفيلد في مناقشة مسألة أن سوسور لم يقصد في الواقع أن يـُؤخذ مصطلحا الدال و المدلول على أنهما جزء أساسي في نظامه- و مرة أخرى تجري ترقية ’ الممارسة الفعلية‘ لمرتبة الأولوية متفوقة بذلك على التنظير المجرد: في ممارسته الفعلية، يحكم دي سوسور خارج المصطلحات الميتافيزيقية. ... أو مرة أخرى، إن توضيح أوسثوف للسمات الأولى في المركبات compounds التي تظهر في عدة لغات هندو-أوربية، و هو توضيح مثالي لتجنب الباحث اللساني للنزعة العقلية، يمثل بالنسبة لسوسور نموذجا ً يـُحتذى.( 8 ) ( نفسه:177-8) و جوهر هذا القسم أن نظام سوسور اللساني، كما يراه بلومفيلد، هو بالضبط ذلك النظام الذي اعتدنا على تشخيصه على أنه يخص بلومفيلد(1933). و لا يعرض بلومفيلد تحسينات على نظام سوسور؛ إنما يزعم أن نظام سوسور هو على هذه الصورة، و أن الإضافة غير الموفقة لأثنين من المصطلحات الميتافيزيقية الزائدة و غير الضرورية لا يجب أن تسم سوسور بكونه عقليا ً، لأنه أساسا ليس واحدا ً منهم. و يتقلص نظام سوسور إلى ’ انسجام ٍ محدد ٍ اجتماعيا ً بين خصائص معينة ل(1) [ الشيء الحقيقي ] و (4) [ القول الكلامي ]‘ ( نفسه:177) و لا ينجو سوسور من اللوم كليا ً؛ لاستخدامه دونما ضرورة المصطلحات العقلية التي مال زال يـُوبـَخ ُ عليها( على نحو متصل مع بلومفيلد العام1914) و لقبولـه ب ’ النزعتين القطعية و ما فوق الطبيعية لمدرسة نفسية بعينها، مع بعض الاختلافات‘ حتى و لو كان قد هجرها في التحليل الفعلي. للعودة، على طريق الخاتمة الاستنتاجية، إلى العبارة التي أطلقها هاريس و كانت مفتتح القسم الثاني: إن ’ مديح عام 1923‘ أكثر غموضا ً و أقل نبلا ً مما اعتدناه من أماديح ؛ فلا وجود للزعم ب’استبعاد سوسور بعد عشر سنوات‘ كما شهد بذلك كوان(1987) عن صواب. إنه لمن الصحيح القول بأن’ عرض عام1923 يعطينا قراءة للمحاضرات كما يراها أمريكي من أتباع فونت ‘، و لكنه أيضا يعطي دافعا ً جزئيا ً لاستبعاد بلومفيلد لفونت. و يبدو أن بلومفيلد قد أكتسب من المحاضرات قولـه الفصل بأن اللسانيات لا تحتاج علم النفس. قرأ بلومفيلد سوسور بوصفه يقدم مدخلا ً إلى مظهر اجتماعي جديد و جذري، ثم وجد الضبط الشكلي لذلك المظهر في المدرسة السلوكية. و ليست القضية أن قراءته لسوسور قد اختلفت بين عام1923 و عام1933 بسبب من إعادته تكييف أموره العلمية حين انتقل من فونت إلى فايس؛ و إنما يبدو أن إعادته تكييف الأمور من فونت إلى فايس قد وجدت قوة دفع لها من خلال قراءته لسوسور، التي، و استنادا ً إلى ما تتيحه لنا الوثائق المدونة من تحديد،، لم تمرّ بتغيير جوهري. و من المؤكد أن بلومفيلد(1927) أوضح بجلاء بأن سوسور لم يكن من الذين تمسكون باستخدام المقولات النفسية دائما، ولكنه سلوكي طليعي. و في ملاحظته الختامية، كان هاريس على صواب بالتأكيد: ’ قراءة بلومفيلد كانت لتقرير طبيعة العلاقة بين النسخة الأمريكية و النسخة الأوربية من البنيوية لربع قرن قادم‘. و اتجاه الرأي أنها، على أية حال، مقلوبة على رأسها. إن قراءة بلومفيلد لم تكن استبعادا ً ، وإنما هي تفسير مفرط في خصوصيته كانت في مسألتها الحاسمة- و هي القرار بأن الدال و المدلول هما ’ أقوال الكلام‘ و ’ الشيء الحقيقي‘- تنحرف بعيدا ً عن منهج النزعة السوسورية التقليدية.
5. تشومسكي و سوسور يتضمن كتاب تشومسكي معرفة اللغة(1986)، و هو تركيب لوجوه كثيرة من عمله اللساني، محاولته الأولى، خلال عدة سنوات، لتحديد موضع هذا العمل بالنسبة للتراث البنيوي الأكثر تبكيرا ً. و يحصل ذلك في الفصل الثاني، ’مفاهيم اللغة ‘، المكرس بشكل واسع لتأسيس التمييز بين مفهوم ’ اللغة الداخلية‘I[nternlized]-language))( و معناه النحو الموجود في عقل المتكلم الفرد) و مفهوم’ اللغة الخارجية‘(E[xternal]-language)( و معناه الفكرة الشائعة حول اللغة مثل الإنجليزية)( نفسه:15) الذي يعده تشومسكي ’ إنشاء ً اجتماعيا ًمصطنعا ً‘ ( نفسه:26) ’ ليس لـه من شيء ٍ حقيقي ٍ مماثل ٍ في عالم الواقع‘ و على ذلك فهو كائن’ في مرتبة أعلى من التجريد‘ بالمقارنة مع مفهوم اللغة الداخلية( نفسه:27) ). و بينما تكون اللغة الداخلية بالنسبة لتشومسكي بؤرة الاهتمام الصحيحة التي يتركز عليها البحث اللساني فإن اللسانيات الحديثة { التي لا تتبع نهج تشومسكي} ‘ فشلت في التمييز بين الاثنين( نفسه:16). اللسانيات الحديثة تتجنب عادة هذه المسائل آخذة بعين الاعتبار مجتمعا ً كلاميا ً في حالة ٍ مثالية ٍ و هو مجتمع منسجمم داخليا ً في ممارسته اللسانية. ... و لم تبذل أية محاولة للوصول إلى، أو صياغة، أي مفهوم للاستعمال العامي لمصطلح اللغة. الأمر نفسه يصدق على المناهج التي تفسر اللغة على أنها نتاج اجتماعي طبقا ً للمفهوم السوسوري للغة(langue). ( نفسه ) الجملة الأخيرة غامضة: فليس من الواضح مباشرة فيما إذا كانت عبارة ’ الأمر نفسه يصدق...‘ تعود فقط على الجملة التي تسبقها ( ولم تبذل أية محاولة للوصول إلى ، أو صياغة، أي مفهوم للاستعمال العامي لمصطلح اللغة ... ) أو على الفقرة برمتها، بما في ذلك افتراض وجود مجتمع كلامي في حالة مثالية و هو منسجمم داخليا ً في ممارسته اللسانية. و يمكن القول بأن التفسير الثاني صحيح، على أية حال ، إذا كان يجب اعتبار المقطع منسجما ً مع إشارة لاحقة إلى ’أمثلة‘ idealization {اعتبار الشيء مثاليا ً} سوسور و بلومفيلد المألوفة لمجتمع كلامي متجانس التكوين‘( نفسه:147).(9) و بسبب من فشلها في التمييز بين الصيغتين، انتهت اللسانيات البنيوية إلى دراسة الظواهر الثانوية المجردة للغة الخارجية. نزعت اللسانيات البنيوية و الوصفية، و الاتجاهات النفسية السلوكية، و المناهج المعاصرة الأخرى إلى دراسة اللغة بوصفها مجموعة أحداث، أقوال، أو أشكال لسانية( كلمات ، جمل ) مقرونة بالمعاني، بوصفها نظاما ً للأشكال أو الأحداث اللسانية. ففي البنيوية السوسورية، فـُهمت اللغة(langue) على أنها نظام أصوات مع نظام مفاهيم مرفق به؛ و تركت الجملة في نوع من الإهمال، ربما لكي تـُكيّف َ داخل حقل دراسة استعمال اللغة. ( نفسه:19) و مرة أخرى تكون الجملة الأخيرة، مع الإشارة إلى سوسور، غامضة. فهل يساوي تشومسكي بين ’ نظام‘ للأصوات و للمفاهيم و ’مجموعة ‘ الأحداث و الأقوال و الأشكال المشار إليها سابقا ً، أم أنه يقوم بالتمييز بين بنيوية سوسورية على وجه التخصيص و فروعها اللاحقة؟ و هل يلقى سوسور نوعين من النقد( لدراسته ’ مجموعات الأشكال‘ المجردة، و لعدم تضمين الجملة في اللغة،langue، )، أم أنه يلقى نوعا ً واحدا ً( الأخير ) مع تصفيق استحسان و إشادة واحد ( لدراسته الأنظمة أكثر من دراسة المجموعات المجردة)؟ و من الواضح أن التفسير الثاني هو الصحيح، و مرة أخرى بأفتراض بالتناغم مع إشارة تشومسكي القادمة إلى سوسور: يجب الملاحظة بأن الأوصاف المألوفة ’ للغة‘ على أنها شفرة أو لعبة تشير بشكل صحيح إلى اللغة الداخلية(I-language)، و ليس إلى الإنشاء المصطنع للغة الخارجية(E-language). فالشفرة ليست مجموعة بيانات تمثيلية، بل الأصح أنها نظام محدد للقواعد التي تخصص البيانات التمثيلية المشفرة في الرسالة (message-representations ). و أي شفرتين ربما تكونان مختلفتين رغم أنهما، وتوسعا بالدلالة، متطابقتان فيما تقدمانه مما يصاحب شفرة الرسالة . و على نحو مشابه فأن اللعبة ليست مجموعة حركات ، بل الأصح أنها نظام الدستور الذي يشكل الأساس بالنسبة لها. و المفهوم السوسوري للغة، رغم أنه بالغ الضيق في دلالته المفهومية، قد يـُؤول على أنه مناسب من هذه الناحية. ( نفسه:31 )
هنا، فإن شأن اللغة تحديدا ً لن يكون مع’ مجموعة‘ عناصر ولكن مع’ نظام الدستور الذي يشكل الأساس بالنسبة لها‘ هو ما يقدره تشومسكي حق قدره, بينما يتفجع على الفشل في تضمين علم التراكيب النحوية( syntax ) داخل هذا النظام. و إذا كان سوسور يعمل بوصفه سلفا ً و رائداً ثانويا ً لمفهوم اللغة الداخلية، فإن السلف الرئيسي هو’ أوتو يسبيرسن، Otto Jespersenالباحث الذي اعتقد بأن ثمة شيئا ً من ’’ فكرة البنية ‘‘ في عقل المتكلم ’’ التي هي بالتحديد كافية لتوجيهه في تركيب الجمل الخاصة به‘‘، و على وجه الخصوص ’’ التعبيرات الحرة‘‘ التي قد تكون جديدة بالنسبة للمتكلم و الآخرين‘ ( نفسه:21-2 مقتبسا ً من يسبيرسن1924). و المفهوم السوسوري للغة ’بالغ الضيق‘لأنه لا ينهض ظاهريا ً بأعباء الاحتمال لهذه القدرة على الإبداع في اللغة، و ليس لأنه بالحقيقة لم يعط الجملة حقها.( نفسه:19، أنظر الاقتباس على صفحة 18). و البنيوية السوسورية قد وضعت ملاحظة يسبيرسن حول’ التعبيرات الحرة ‘خارج نطاق دراسة بنية اللغة وفقا ً لمفهوم سوسور للغة( نفسه:32) و إجمالا ً يبدي تشومسكي قبولا ً بخصيصة واحد من خصائص اللسانيات السوسورية- (1) تصوير اللغة(langue) على أنها نظام تحتي أكثر من كونها مجموعة عناصر - و لكنه يبدي رفضا ً لاثنين آخرين في الأقل: (2) أنها تعتبر اللغة نتاجا ً اجتماعيا ً فارضة مجتمعا ً كلاميا ً مثاليا ً و مانعة إياه من الاستيلاء ’المظاهر الاجتماعية السياسية (sociopolitical) و الغائية‘ للغة الخارجية؛ (3) أنها لا تتضمن الجمل أو ’ التعبيرات الحرة‘ في نطاق مفهوم اللغة langue. و ليس في كل هذه الحالات ما هو جلي بذاته مما يؤدي إلى أن عرض القضية على هذا النحو يمثل نظرية لسانية صائبة أو غير صائبة، أو أن ذلك يصور بدقة المحاضرات. و بالمقارنة مع المقوم (1)، تأمل الأفكار الآتية: يبدو بأن سوسور قد نظر إلى مفهوم اللغة على أنه أساسا ً مستودع للعلامات (مثلا ً، كلمات و عبارات ثابتة الدلالة) و صفاتها النحوية المميزة ، بما في ذلك ، ربما، ’أنماط عبارات‘ معينة. إن اللسانيات الحديثة واقعة إلى حد ٍ بعيد ٍ تحت تأثير مفهوم سوسور للغة بوصفه بيانا ً مفصلا ً للعناصر( سوسور،1916،154، و يتكرر ذلك في عدة مواضع ) و تحت تأثير انشغاله بأنظمة العناصر أكثر أنظمة القواعد التي كانت في بؤرة اهتمام النحو التقليدي و في لسانيات همبولدت(Humboldt). و التمييز الذي ألاحظه هنا يعود إلى التمييز القائم على مقابلة سوسور بين اللغة- الكلام (langue-parole) ؛ و لكن من الضروري رفض مفهومه للغة بوصفه مجرد بيان ٍ مفصل ٍ و منسق ٍ للوحدات و العودة بالأحرى إلى صوغ همبولدت لمفهوم الكفاءة الضمنية بوصفه نظاما ً للعمليات التوليدية. و الاقتباسات السابقة هي، بالطبع، لم تؤخذ من أحد ٍ سوى نعوم تشومسكي(328:1963؛c23:1964؛4:1965).( 10 ) و هي تتهم مفهوم اللغة langue بكونه يتصف تماما ً بالخصيصة التي أعتقد تشومسكي(31:1986) أُنها ليست فيه. و شبيه بذلك الخصيصة (2) أعلاه، حيث يـُرفـَضُ مفهوم اللغةlangue بزعم كونه نتاجا ً اجتماعيا ً يستلزم مجتمعا ً كلاميا ً مثاليا ً، و هي تمثل انقلابا ً في الرأي عند تشومسكي. و في المرحلة التي نوقشت توا ً، حينما رفض تشومسكي مفهوم اللغة بوصفه بيانا ً مفصلا ً للعلامات فقط ، إلا أنه مع ذلك قبلـه لارتباطه بعلاقة متبادلة مع تصوره الخاص للكفاءة اللسانية الفردية: في عمل ٍ دشـّنَ الحقبة الحديثة في دراسة اللغة أستنتج فرديناند دي سوسور (1916) تمييزا ً أساسيا ً بين ما أطلق عليها اللغة langue و الكلام parole. الأول هو النظام النحوي و الدلالي ممثلا ً داخل ذهن المتكلم؛ و الثاني هو الناتج الصوتي الحقيقي الخارج من جهازه الصوتي و المستلم من أذنيه. ( تشومسكي327:1963) إن النموذج النهائي هو كالآتي :ِA))هي أداة تحدد وصفا ً بنيويا ً كاملا ً و مفصلا ً وهوD)) لكلام ٍ مـُقدم ٍ وهو((U مستثمرة في العملية النحو الذاتي خاصتها و هو(G) حيث يولد (G) تمثيلا ً صوتيا ً هو( R) للعنصر(U) مع الوصف البنيوي (D). و في اللغة الاصطلاحية لسوسور، فإن العنصر(U) هو عينة كلام مفسرة بوساطة الأداة ((A بوصفها أداء ًperformance للعنصر(R) الذي يمتلك الوصف البنيوي (D) الذي يعود إلى اللغةlangue المتولدة بوساطة (G).( 11 ) ( تشومسكي c26:1964) إن الوصف الذي تضمنته المحاضرات للمفهوم langue على أنـه ’ حقيقة اجتماعية‘ لـم يذكره تشومسكي قـط في هذه المرحلة. بقيت الخصيصة (3) نقطة َ نقد ٍ ثابتة ً نسبيا ً في تعليقاته على سوسور عبر السنين. و مع ذلك أعتبرها مرة مشكلة ثانوية يمكن الاستعاضة عنها، و ذلك من أجل إنتاج ربط كامل بين مفهوم سوسور للغة عامةlanguage و مفهومه الخاص: ثانيا ً، يختلف مفهومنا للغةlangue عن مفهوم سوسور في نقطة أساسية واحدة؛ أعني، يجب أن تمثل اللغة على أنها عملية توليدية مبنية على قواعد متكررة الحدوث. ... و حالما نعيد تشكيل فكرة اللغة وفقا ً لهذه الصياغة ، نستطيع أن نأمل بأن ندمج في وصفها تفسيرا ً كاملا ً لبنية التراكيب النحوية syntactic structure. ( تشومسكي 328:1963) لقد أوردت هذه المجموعات من الأفكار المتضاربة ليس لكي أوحي بأن وجهات نظر تشومسكي حول سوسور تتفكك، و لكن بالأحرى لكي أبين كيف قد تطورت في حقبة تتجاوز العشرين عاما ً. و أفترض بأن وجهات نظر تشومسكي في العام 1986 تمثل طورا ً أكثر تقدما ً في فكره، وتقديرا ً تقريبيا ً أقرب إلى حقيقة الأشياء، تماما ً كما تمثل لسانياته في العام 1986 تقديرا ً تقريبيا ًُ أقرب إلى بنية النحو الكوني من لسانياته المختلفة جدا ً في العام 1965.( 12 ) و من الواضح أنه لكي نقبل افتراضات تشومسكي في العام1986 فإننا يجب نقرّ بأن افتراضاته في العام 1965 هي في الأقل ليست مكتملة، و حينما يكون الاثنان متناقضين فإن افتراضات العام 1965غير وافية ٍ بالمراد. و في بالحقيقة فإن ما قرره في العام1986 يغدو أفضل في حال كونه مدعما ً بما أفادت به المحاضرات فعلا ً، في الأقل في الحالتين (1) و (2). و على هذا النحو يمكن أن نستنتج على أساس من عمل تشومسكي الحالي بأن بعضا ً من أقواله المحددة حول سوسور منذ الستينيات غير وافية، وبأنها تمثل إساءات قراءة بالنسبة لوجهات نظره الأكثر حداثة. و يمكن لنا الانطلاق للبحث في تأريخها، بما في ذلك دوافعها الأيديولوجية المحتملة. إن تطور وجهات نظر تشومسكي حول سوسور بين 1963 و1968 قد وُضِـع َ لها مخطط بإيجاز، و تمت ملاحظة بعض أوجه الافتقار إلى الدقة فيها من قبل دي ماورو (400-4: 1972). و مع ذلك لم يؤشر دي ماورو كيف يمكن الربط بين إساءات القراءة و تطور نزعة تشومسكي السوسورية. فقد رَضيَ ببيان ٍ مفصل ٍ لأقوال تشومسكي السطحية، إذا شئت، دون البحث في تفسيراتها الضمنية العميقة.
6. تشومسكي (1963) السوسوري بدأ اهتمام تشومسكي بالتاريخ المبكر للسانيات حوالي العام 1960، وهو الزمن الذي قرأ فيه كلا ً من المحاضرات و جودل Godel(1957){ في كتابه " المخطوطات الأصلية لكتاب محاضرات في اللسانيات العامة لمؤلفه دي سوسور" الذي صدر في جنيف، دار نشر دوزل، و باريس، دار نشر مينارد: المترجم}، بالترافق مع كثير غيرها( تشومسكي، مقابلة شخصية معه). و بوصفه طالبا ً عَرف تشومسكي سوسور من خلال اسمه فقط،. إذ، مع قليل من الاستثناءات، فإن التراث السابق و اللاحق لبلومفيلد( بما في ذلك بعض عمل بلومفيلد الخاص) قد جرى إهداره في الجو المناهض للنزعة التاريخية السائد في ذلك الوقت. و يتذكر تشومسكي سماع إشارات عرضية في محاضرات و محاورات مع جاكوبسون الذي كان قد التقاه في أوائل الخمسينيات، و يشير تشومسكي إلى أن الإشارات تلك كانت أقل تكرارا ًمما يمكن أن يفترضه المرء. و على هذا النحو فإن اكتشاف تشومسكي الشخصي لسوسور قد أخر لسنوات عدة تشكيل معالم وجهات نظره اللسانية، التي هي حسب ما يرويه حافظت على جوهر ما كانت عليه في أوائل الخمسينيات و حتى أواسطها. (أنظر تشومسكي113:1979؛5:1986). و ترد الإشارات الأولى إلى المحاضرات في عمل تشومسكي في مقالته الطويلة 1963 ’ الخصائص الشكلية للمدارس النحوية‘( Formal Properties of Grammars ) كما أشار دي ماورو (400:1972)، و القسم 1.1 من ذلك المقال، الذي يحتوي على ثلاثة مقاطع تعود للعام(1963) و المقتبسة في أعلاه، يشكل(إحدى الممارسات الحقيقية المعترف بها في اعتقاد السوسوريين) { بالفرنسية في الأصل} حيث يساوي تشومسكي بصراحة نظام سوسور بنظامه الخاص. ’ تنحرف مناقشتنا عن المفهوم السوسوري المتزمت بطريقتين ‘(328:1963)- فقط طريقتين، مع كون أي منهما تمثل عائقا ً غير قابل للحل. و يمضي تشومسكي قدما ً لمساواة مفهوم اللغة langue مباشرة مع ’ النحو الذي يولد جملا ً مع أوصاف بنيوية؛ وهذا يعني، ... الحدس اللساني للمتكلم، و معرفته باللغة‘(329:1963). تمثل هذه المقالة محاولة تشومسكي الواسعة الأولى ليضم نفسه إلى سلف ٍ سابق ٍ لبلومفيلد. في أوائل الستينيات كانت القضية الرئيسية في مواجهة تشومسكي هي تأسيس اللسانيات الذي يهيمن عليه طلبة بلومفيلد السابقون، و قد حاول الكثير منهم تصوير تشومسكي على أنه شاب مارق{ في الأصل: تركي } لا يحترم التراث العظيم الذي كانوا يدعمونه. وقد عطـّل َ تشومسكي هذا السلاح بالعثور على تراث أقدم من تراثهم، تراث أراد أن ينتصر لآرائه به. و ما عثر عليه هو المحاضرات. إنها تسمح لـه بتصوير أتباع بلومفيلد الجدد على أنهم أدعياء مغرورون حقيقيون، و تصوير نفسه على أنه مدافع عن البحث اللساني التراثي. و هكذا فإن قائمة الأولويات خلف تشومسكي (1963) هي أن يؤكد كل نقطة ارتباط ممكنة بين المحاضرات و عمل تشومسكي الخاص. و إساءة القراءة الأساسية المدفوعة بجدول الأولويات هذا تتمثل في تطابق مفهوم الكفاءة اللغوية (competence)المزعوم مع مفهوم اللغة (langue) السوسوري. ذلك أن تشومسكي (1963) قد تجاهل كليا ً أثنين من أبرز خصائص مفهوم اللغةlangue: أولا ً، أنه يتضمن كلا ً من الوجهين الفردي و الاجتماعي، و لا يمكن تصور أي منهما و فهمه دون الآخر( قارن تشومسكي16:1986)؛ ثانيا، أنه يتضمن كلا ًمن الوجهين التزامني synchronic و التاريخي diachronic ( المحاضرات24).( 13 ) فوصف المحاضرات لمفهوم اللغةlangue على أنها ’ الجانب الاجتماعي في اللسان ، خارج الفرد‘ يشير إلى نقص كبير في مساواة تشومسكي بين ثنائية مفهومي اللغة- الكلام langue-parole عند سوسور و ثنائية مفهومي الكفاءة-الأداء competence-performance عنده. ففي المحاضرات، إذ يكون المفهوم langue ممثلا ً للوجه الاجتماعي للغة و المفهوم parole ممثلا ً للوجه الفردي، فإنه في عمل تشومسكي، يكون المفهوم competence ممثلا َ للوجه الفردي، مع كل الحقائق الاجتماعية التي تنظر إلى اللغة على أنها تـُحال إلى حقل الأداءperformance ( وهو دائما ذو أهمية جانبية) لينفذها. و عند العام 1986، حين اختفى مفهوما الكفاءة و الأداء ’competence ‘ ’ performance ‘ من قاموس تشومسكي، صار مباحا أخيرا ًالاعتراف بالجانب الاجتماعي لمفهوم اللغة langue. و لكن حتى في 1963، فإن تشومسكي يعرض للمناقشة فجوة في المحاضرات ؛ وهي الفشل في إرجاع علم التراكيب syntax و القواعد متكررة الحدوث إلى مفهوم اللغة langue. فعلم التراكيب، لكونه المنطقة التي كان لـه فيها أعظم الأثر على دراسة اللغة، فإن تشومسكي بملاحظته هذا الاختلاف بين عمله و المحاضرات أوضح أنه ليس الوارث للتراث الذي يسبق بلومفيلد فحسب، بل أنه قد أجرى على هذا التراث تحسينات في أكثر نقاط ضعفه شدة ً. بإدراك متأخر، كانت المحاضرات اختيارا ً أقل مثالية من أن يكون ملاذا ً لتشومسكي، لكونها قد اعتـُبـِرت على نطاق واسع أحد النصوص الرئيسية للبنيوية، و يشمل ذلك تنويع بلومفيلد. و بلومفيلد نفسه لم يكن كارها ً للفكرة، ناظرا إلى المسألة من محاولته التوفيق بين فكر سوسور و فكره الخاص. ( أنظر القسم 4 أعلاه ). لقد جازف تشومسكي بأن تـُفهم لسانياته على أنها بنيوية صادقة، في مقابل بنيوية أتباع بلومفيلد الجدد الزائفة. في الوقت الذي كانت البنيوية، مهما كان نوعها، هي ما رغب في الهرب منه في الحقيقة. 7. تشومسكي(4-1962): الامتداد إلى الخلف أكثر في العام1962، و بعد كتابة ورقة العام 1963، تلقى تشومسكي خطابا ً مفتوحا ً للمشاركة في المؤتمر العالمي التاسع للسانيات الذي كان لـه دور في الاحتفاء به و دفعه إلى البروز على النطاق العالمي في حقل اللسانيات. و الورقة موجودة على شكل مسودة سابقة للنشر وزعت على أولئك الذين حضروا المؤتمر( تشومسكي 1962)، و بثلاث نسخ مطبوعة أخرى ، و كل منها يختلف عن النسخة السابقة للنشر كما يختلف بعضها عن بعض . و نسخة تشومسكي(a1964) هي الأقرب إلى نسخة (1962)؛ أما نسخة(b1964) فتحتوي تنقيحات نسخة(a1962) فضلا ً عن كمية جديرة بالاعتبار لمادة جديدة حول تاريخ اللسانيات؛ و نسخة(c1964) تعيد إنتاج نسخة(b1964) مع بعض التحويرات الثانوية جدا ً. ينشئ تشومسكي(1962) تعليقات على المحاضرات مشابهة جدا ً من الناحية السطحية لتلك التي وردت في ورقة(1963) الأقدم.{ من الواضح أن الإشارة هنا إلى قدم زمن الكتابة على زمن النشر، فقد كـُتبت نسخة 1963 قبل نسخة 1962 و لكنها نـُشرت بعدها: المترجم} وهو يستمر هنا في الزعم بأن وجهة نظره ’ تختلف عن تلك التي لدي سوسور في ناحيتين‘ (512:1962)، و بعد مناقشتهما يقدم نموذجين لأدراك اللغة و اكتسابها كما لو أنهما’ ما يزالان باقيين ضمن الإطار السوسوري التقليدي ، كما تم تحديده أعلاه‘( نفسه513). و مع ذلك، و مفضلا ً ذلك على تشكيل نظامه الخاص به على وفق لغة مصطلحيlangue-parole كما في مقالة العام(1963) يقدمهما تشومسكي أولا ً بكلماته الخاصة، ثم يترجمهما إلى مصطلحات سوسور.( نفسه ). و في ما يخص ذلك فإن المسافة الضئيلة التي يضعها بين نفسه و سوسور تتزامن مع إشاراته الأولى العابرة إلى لسانيي القرن التاسع عشر الآخرين، أعني فليهلم فون همبولدت و هيرمان باول. و هو يقتبس من باول أولا ًبحيث أن ذاكرة الاستظهار من دون فهم تلعب دورا ً غير ذي أهمية في إنتاج اللغة( نفسه 509؛ راجع c1964: 8)؛ و لكن اقتباسه اللاحق من باول ، الموضوع هذه المرة مع همبولدت، هو نوع من النقد لكلا الباحثين لفشلهما بالأخذ بنظر الاعتبار ’السمة الإبداعية‘ creativity في إنتاج اللغة(512:1962؛ راجعc22:1964). و على أية حال فإنه بين النسخة السابقة للطبع و أعمال المؤتمر المكتملة، يبدو أن مواقف تشومسكي تجاه سوسور و همبولدت تم عكسها. و قد أضاف إلى مناقشته للسمة الإبداعية بضع صفحات تلخص مفهوم همبولدت للغة(a1964: 918-21), و قرر بأن ’ بإمكان المرء أن يميز وجهتي نظر متعارضتين فيما يخص الجانب الجوهري في طبيعة اللغة في النظرية اللسانية في القرن التاسع عشر‘ ، هما وجهة نظر همبولدت في الشكل الضمني في اللغة( نفسه918-20)، و وجهة نظر وليم دوايت وتني William Dwight Whitney في اللغة بوصفها بيانا ً شاملا ً بالعناصر( نفسه:921). و إلى وجهة نظر و تني، يلحق تشومسكي سوسور و اللسانيات البنيوية، وإلى همبولدت يلحق فكره الخاص، قائلا ً ’إن وجهة النظر هذه فحسب هي التي تشكل الأساس و تحفز العمل الراهن في النحو التوليدي‘( نفسه:920 )(14). و في الوقت نفسه، أسقط تشومسكي القول بأن منهجه يختلف عن منهج سوسور بطريقتين. و النتيجة كانت أنه، بينما أستمر محافظا ً على القول بتطابق النحو التوليدي العام مع مفهوم اللغة langue، و معلقا ً على استبصار سوسور و وضوح فكره في تمييز الكفاءة اللغويةcompetence عـن الأداء اللغويperformance ( نفسه:915 ) ، أخذت تتعاظم أهمية النقد الموجه إلى مفهوم اللغة langue بوصفه أساسا ً مستودعا ً يجمع بين العلامات و خصائصها النحوية. و ما كان عائقا ً ثانويا ً للتوفيق بين نظريات سوسور و نظريات تشومسكي أمسى حاجزا ً لا يمكن تخطيه. و غالبا ً ما يتم التعبير، على نحو معقد، عن التغيير في الموقف: فلم يعد تشومسكي يقول بأن مخططه لأدراك اللغة و اكتسابها ما زال واقعا ً ضمن ’ الهيكل السوسوري التقليدي‘، و لكنه ببساطة ’ الهيكل التقليدي‘(a1964. و في الحقيقة ، فإن تشومسكي قد بذل جهدا ً عظيما ً لتكييف تصويره الأقدم للمحاضرات على أنها تضع بوضوح علم التراكيب ضمن حقل مفهوم الكلام parole،( أنظر القسم 8 تحت ). و مع ذلك فإن الناتج النهائي الصافي هو أن كتاب تشومسكي (a1964) لم يعد يحمل الانطباع بأن مؤلفه يرغب في أن يصطف بنفسه مع ما كان يراه نظرية ً سوسورية. و قد استمر هذا التطور في كتابات تشومسكي(b وc 1964)، التي حملت البحث عن نقطة ارتكاز تاريخية رجوعا ً من القرن التاسع عشر و حتى القرن السابع عشر. و هنا بالذات، و للمرة الأولى، قد ّم َ تشومسكي ديكارت، و كوردموي Cordemoy( رينيه ديكارت، فيلسوف عصر النهضة 1596-1650)، و مجموعة نحويي Port Royal ( و هو من أتباع ديكارت الذين ظهر أثرهم العلمي في القرن السابع عشر )، مقترحا ً بأن ’ تقاليد التراث اللساني الديكارتي‘Cartesian linguistic tradition كانت ستبلغ أوجها مع همبولدت قبل أن يبطلها وتني، و مجموعة النحويين الجدد ( neogrammarians)[4] و آخرون. و على الرغم من أن الإشارات إلى سوسور قد بقيت دون تغيير في كتابات تشومسكي(b وc1964)، فإن قدرا ً وفيرا ً و جديرا ً بالاعتبار من مادة جديدة حول ’ الديكارتيين‘ ( و حول فصول متأخرة عن همبولدت) قد ترابطت لتقزم من أهمية سوسور- وهو أمر مختلف تماما ً عما أذاعه تشومسكي في(1963). و حين قام تشومسكي بتوسيع هذه المادة و تحويلها إلى كتاب مستقل هو (اللسانيات الديكارتية) Cartesian Linguistics (1966)، تلقـّى سوسور ذكرا ً عابرا ً لمرتين(55:12:1966). من الواضح أن اهتمام تشومسكي بهمبولدت يرتبط بعمل جون فيرتل(John Viertel ) الذي كان أحد زملائه في مشروع الترجمة الآلية لمعهد ماساشوتس التقنيMIT{ و هو مؤسسة جامعية و بحثية كبيرة و معروفة على نطاق عالمي: المترجم } في أواخر الخمسينيات ( و بعد مضي عشرين عاما ً صار مترجم كتاب تشومسكي الصادر 1979)، و هو الذي أخذ على عاتقه مسؤولية دراسة واسعة النطاق لفكر همبولدت اللساني( أنظر تشومسكي135:1979؛ و الإشارة إلى عمل فيرتل في تشومسكي a1964:920، b 1964: 59، c 1964: 21). و من المحتمل أيضا ً أن تكون ورقة بحث جون فيرهار(John Verhaar ) حـول سوسور و همبولدت التي قـُدِمت إلى مؤتمر اللسانيات العالمي التاسع قد ساعدت تشومسكي في توضيح الاختلافات بين افتراضاتهما النظرية، على الرغم من أن اهتمامات ورقة فيرهار مختلفة تماما ً عن إضافات تشومسكي إلى نصه الأصلي. و لكن تعيين مواضع أصول اهتمام تشومسكي في عمل همبولدت هو ليس عثورا ً على دوافع هجره لسوسور. و قد ذ ُكِرَ أحد الدوافع في نهاية القسم 6 : الحقيقة القائلة بأن المحاضرات كانت تعتبر على نطاق واسع حجر الزاوية في البنيوية التي رغب تشومسكي بأبعاد نظريته عنها قدر المستطاع. و كان من الإنصاف أن تنضج هذه المشكلة في المؤتمر العالمي بممثليه الأوربيين الذين يهيمن عليهم المجاهرون بكونهم سوسوريين. و رغم زعم تشومسكي(1963) بوجود علاقة قرابة بين عمله و عمل سوسور، فإن من الصعب التصور بأن معرفة اللسانيين الأوربيين بالمحاضرات قد هيأتهم لأن يكونوا أقل ترويعا ً من نظرائهم البنيويين الأمريكيين من أفكار تشومسكي. وعلى أية حال ٍ، فإن ما يحتاجه تشومسكي لم يكن حلفاء ً سوسوريين، و لكن نقطة ارتكاز تاريخية، تراثا ً لسانيا ً يحظى باحترام ثابت ليقيم أوثق العلاقات بينه و بين موقفه النظري الخاص. ما زال لتراث همبولدت ممارسوه، و لكنهم خلاف أتباع سوسور، كانوا محصورين إلى حد بعيد في ألمانيا، و معزولين عن التيار الرئيسي في حقل الدراسات اللسانية. إن ما ذكرته من ضرورة ملاحظة هذه الفائدة المقصود بها تحقيق غرض معين، ليس القصد منه القول ضمنا ً بأن اهتمام تشومسكي بعمل همبولدت لم يكن يتسم بالإخلاص؛ بل بما يفيد العكس ، لم يـتردد ذلك قط في الداخل بأكثر من ربع قرن من الزمان منذ مؤتمر 1962. لكن نقطة الالتقاء السياسية بوساطة تفضيل اتباع همبولدت على اتباع سوسور ليست أقل صدقا ً. 8. تشومسكي( الأعوام1965-1979) المناهض لسوسور وفقا ً لما جاء في المناقشة السابقة، و لكون ’ الديكارتيين ‘ بدون تراث ٍ حي في طور الممارسة، فقد مثلوا نقطة ارتكاز تاريخية أكثر فائدة لتشومسكي. و كان نقاد ’اللسانيات الديكارتية‘ ذوي صوت أعلى و لكنّهم كانوا بطيئين : إذ، و بحلول أواخر الستينيات، كان تشومسكي قد تغلب بالنتيجة على طلاب بلومفيلد السابقين، و أسهم في منعهم من البروز في ميدان اللسانيات. و منذ ذلك الحين فصاعدا ً كان أغلب خصومه الجادين و المهمين من طلاب تشومسكي السابقين. إن مرحلة الاهتمام المكثف بالديكارتيين تتطابق زمنيا ً مع ملاحظاته الأعلى صوتا ً حول سوسور. ففي هذا الوقت تحول جدول أولويات تشومسكي إلى الضد تماما ً عما كان عليه في ما كتبه في العام(1963): أن يجمع في كتلة واحدة كلا ً من سوسور و أتباع بلومفيلد الجدد معا ً في بحث موسع موحد و كبير في عفاريت’ اللسانيات الحديثة‘، و هو بحث مؤطر بتراث يبدأ بديكارت و ينتهي بهمبولدت و الناهضين به ممن أحياه من التوليديين. و إذا ما تذكرنا أن الخصيصة(1) أعلاه توحي بأن شروحات تشومسكي المبكرة حول سوسور التي تنظر إلى مفهوم اللغةlangue على أنه مجرد بيان شامل للعناصر تمثل إساءة قراءة؛ فلدينا هنا دافع واضح لإساءة القراءة هذه. و يضيف تشومسكي تعقيبا ً إلى إحدى الفقرات التي تقدم تفاصيل أفكار بعينها تعود إلى القرنين السابع و الثامن عشر تتعلق بالكيفية التي يلخص بها نظام الرتبة في الجملة ( word order) ’ الترتيب الطبيعي للآراء ‘ و لذلك يجب استبعاده من النحو، و نص التعقيب هو: من الجدير بالملاحظة أن وجهة النظر الساذجة هذه, و المتعلقة ببنية اللغة، ظلت ثابتة ً حتى الأزمنة الحديثة و بأشكال مختلفة، مثلا ً في تصور سوسور لسلسلة من التعبيرات منسجمة مع سلسلة من المفاهيم غير المتبلورة ( تشومسكي7-8 : 1965). و هذا صوغ متطرف في قوته للخصيصة (3) إذ حتى في كتابات تشومسكي(a،b،c1964) كانت الملاحظات حول عدم إدراج المحاضرات لعلم التراكيب النحوية syntax، على نحو ظاهر، ضمن مفهوم اللغة langue مشروطة إلى درجة كبيرة: ’ يظهر أنه [ سوسور ] يعدُّ تشكيل َ الجملة ِ مسألة تخص الكلامparole أكثر من كونها تخص اللغة، و ذات تكوين حر و إرادي أكثر من كونه قاعدة ً نظامية ( و ربما، على نحو غامض، على أنه يقع على الحد الفاصل بين المفهومlangu و المفهوم parole )( تشومسكي a 1964: 921 ؛ b1964: 59-60 ؛ c1964: 23). و أعتقد بأن أغلب أتباع سوسور ربما يقبلون بهذا الكلام على أنه تعليق منصف. فالمحاضرات تفتقر إلى الدقة فيما يخص هذه النقطة، عاكسة بذلك تطورا ً مستمرا ً في فكر سوسور طوال مرحلة تقديم المحاضرات ، ذلك الفكر الذي أقيم على أساسه الكتاب. ( 15 ) و جودل (1957: 168-79)، الذي يقتبس منه تشومسكي أكثر من مرة، يقترح بأن نقطة النهاية لهذا التطور قد تكون وجهة النظر التي بناء ً عليها يعود كل ما يمثل علاقات التجاور(syntagms)، بما في ذلك الجمل، إلى مفهوم اللغةlangue ، بشـكل ضمني في الأقل. ( أنظر أيضا ً دي ماورو 1972: 468-9، ملاحظة 251). و من الطبيعي أن غموض النص سيتركه عرضة للهجوم و النقد خصوصا ً بالنسبة للقراءات الموجهة أيديولوجيا ً. و كتاب ( اللغة و العقل) (1968 و طبعته الموسعة في 1972) الذي يتوج مرحلة اهتمام تشومسكي المكثف بالديكارتيين ، يقدم علم التراكيب بوصفه جزءا ً من مفهوم الكلام parole و بدون أية عبارات مخففة سوى الكلمتين أحيانا ً( في الجملة الأولى)، و ليس على نحو صارم ( في الجملة الثانية: يعبر[ سوسور] أحيانا ً عن وجهة النظر القائلة بأن عمليات تشكيل الجملة لا تعود إلى نظام اللغة مطلقا ً- و أن نظام اللغة مقصور على وحدات لسانية من مثل الأصوات و الكلمات و ربما بعض العبارات ثابتة الدلالة و عدد صغير من الأنماط شديد العمومية، و آليات تكوين الجملة هي من نواح ٍ أخرى حرة من أي إكراهات مفروضة من البنية اللسانية بحد ذاتها. و على ذلك، و في لغته الاصطلاحية، ليس تكوين الجملة مسألة تخص مفهوم اللغة langue على نحو صارم، و لكنها بالأحرى تـُنسب إلى ما سماه بالكلام parole، لذلك فقد وضعت خارج نطاق اللسانيات بالمعنى الضيق للكلمة، فهو عملية إبداع ٍ حر ٍ، غير مقيد بالقاعدة اللسانية إلا بقدر ما يتعلق الأمر بقواعد من قبيل التي تحكم أشكال الكلمات و أنماط الأصوات. ( تشومسكي1968/1972: 19-20) و التعليق الأخير لا تدعمه المحاضرات (172-3) التي تقرر بلغة لا ينقصها التوكيد بأنه في الأقل بعض العبارات المحتوية على حروف الجر و العبارات الفعلية و حتى الجمل داخل اللغةlangue تكون مقيدة بوساطة القاعدة اللسانية. و يستمر تشومسكي ليلمـّحَ بأن سوسور قد تبنّى موقفا ً موطدا ًمن قضية وضع علم التراكيب داخل مفهوم الكلامparole – ’ باتخاذه هذا الموقف كان سوسور يردد صدى موقف نقدي مهم موجه لنظرية همبولدت اللسانية من وليم دوايت وتني الذي أثر تأثيرا ً عظيما ً و بشكل جلي في سوسور‘( تشومسكي1968/1972: 19-20) – حينما كان، في الحقيقة، الافتقار إلى الموقف الواضح من جانب سوسور هو الذي سبب تأرجح المحاضرات. و أخيرا ً ربما جاءت أقوى عبارة مطبوعة لتشومسكي حول سوسور في إحدى مقابلات العام 1976، عند مناقشة فكرة ’ التعبير الحر ‘ ليسبيرسن : ’ هنا يصبح{ يسبيرسن} نموذجا ً أفضل من البنيويين، بما في ذلك سوسور، الذي كانت لديه أشياء بدائية تماما ً لقولها حول الموضوع ‘ ( تشومسكي1979: 156).
9. تشومسكي (1986) السوسوري الجديد في هذا الموقف العقلي، كان لتشومسكي(1986: 19) تعليق معتدل بأنه ’ في بنيوية سوسور... تـُركتْ فكرة الجملة بنوع من الإهمال ربما حتى يجري تكييفها داخل دراسة استعمال اللغة؛ وهو ما يمكن اعتباره إشارة بأن عبارات (1965-1972) كانت إساءة قراءة، وبأن كلامه المطاط في(1963-3) أقرب للصدق.( 17 ) لقد رأينا إساءات القراءة تستخدم لتسوغ المزاعم المبالغ بها في كل من القول بالقرابة بين تشومسكي و سوسور(1963) و القول بالاختلاف بينهما(1964-67). و السؤال المتبقي هو ما الذي ’ نزع دوافع ‘ إساءات القراءة في المرحلة الأخيرة، جاعلا ً وجهات النظر الأكثر توازنا ً و دقة لتشومسكي(1986) ممكنة ً؟ ما نزال قريبين جدا ً من التغييرات موضع البحث بما لا يتيح لنا أن نكون واثقين من أننا نحاكمها بدقة و نزاهة. و لكن الحقائق الآتية واضحة. إن رفض تشومسكي لسوسور الذي بدأ مع مقالات(1964) اعتمد في الأساس على فكرة البنية العميقة و البنية السطحية التي أ ُحسن الدفاع عنها بوساطة مجموعة قواعد تحويل ذات علاقة، و هي فكرة أعتقد تشومسكي أنها كانت منسجمة مع وجهات النظر اللسانية ’ للديكارتيين ‘، و لكن ليس مع تلك التي يقول بها البنيويين. و كانت إحدى التطورات المهمة في النحو التوليدي منذ الستينيات هي وضع قيود صارمة على التحويلات ( قـُـلـِصَت ْ في النظرية المسماة بنظرية التحكم و الربطgovernment-and-binding theory { و تختصر لاحقا إلى نظرية GB}إلى حركة واحدة هي حركة ألفا "α " ، مع النموذج كله، و النظرية المـُقـَيـِدة bounding theory، خاضعة للتحديدات على تطبيقها)[5]؛ و هي بالنتيجة نوع من عدم التوكيد على التقابل بين البنية العميقة و البنية السطحية، التي، في الحقيقة، أعيد صوغها إلى تمييز ذي ثلاث شعب. وهي البنية-D، و البنية-S، و البنية السطحية و ذلك منذ ظهور عمل تشومسكي(1980). لقد عُرضَ تاريخ هذه التغييرات و ما دفع إليها في كل من عمل نيوماير(1986: 145-69) و تشومسكي1979: 169-79). و النقطة الأساسية هي، على الرغم من أن أتباع نظريةGB يترفعون عن الإقرار بها، فإن النتيجة كانت، ليس عودة إلى، و لكن نكوصا ً في اتجاه، نوع ٍ من البنية’ السطحية الثابتة‘ التي جعلت ذات مرة من سوسور أستاذا ً لمفهوم في اللغة غير خصيبٍ و غير وافٍ تماما ً (تشومسكيc1964: 20).( 18) إن الاختلافات بين تعليقات تشومسكي المبكرة و تلك الأكثر جدة فيما يخص نحاة Port-Royal هي اختلافات تنويرية بهذا الصدد. في العام 1964، زعم تشومسكي بأنه عثر على مكون ٍ مهم ٍ لنظريته موجود ٍ في نحوPort-Royal: ’ بالتحديد، نجد الملاحظة بأن المحتوى الدلالي لجملة ما ممثل فقط في بنية ٍ سطحية ٍ غير معبر عنها، مقامة ٍ على أساس سلاسل أولية ضمنية في كتاب النحو العام و العقل(1660)‘ لأصحاب هذه النحو ( تشومسكيc1964: 15). و في العام 1986، حين أعيدت نسبة ’ المحتوى الدلالي‘( أعيد نعته بالشكل المنطقيLogical Form ) إلى البنية-S ، و هو المستوى الذي عنده تم تطبيق القواعد التحويلية( أعني شواهد من الحركة ألفا" α " ) ، تغيـّر بالنتيجة وصف نحوPort-Royal : إن نحو القرن السابع عشر Port-Royal و المنطق، مثلا ً ، يدمجان أدوات مشابهة ببنية العبارةphrase structure و بالقواعد التحويلية بهذا المعنى و يستعملانها لتفسير الخصائص الدلالية للجمل و لتطوير نظرية في الاستدلال‘( تشومسكي1986: 65). و يستبين المرء هنا تغيرا ً في النبرة أيضا ً: ف ’ الأدوات ‘ موضع البحث توصف بأنها مشابهة فحسب،أكثر من كونها( ضمنيا) متطابقة. و الاقتباس السابق يتكرر،على نحو ذي مغزى، في وصف للنظرية القياسية الموسعة{ نسخة من النحو التوليدي- التحويلي : المترجم}التي طال أمد هجرها، ثم يــُتبع بعرض للقيود التي يجب أن توضع على التحويلات. و بإيجاز، هناك أدلة وافرة بأن تشومسكي- مثله في ذلك مثل بلومفيلد و سوسور و ربما أي لساني آخر- قد قام بعملية القراءة بناء على جدول أولوياته. و الكثير من وجوه تطوره العقلي موجود في مدوناته المتاحة للجمهور، و هي تشهد بأن عمله يقدم جزا ً استثنائيا ًمن الدليل الذي يبين كيف أن قراءات فرد ما تتغير بالتوازي مع التبدلات في أيديولوجيته. لقد تبنـّى تشومسكي سوسور بوصفه سلفا ً تاريخيا ً في لحظة مواتية و متسمة بالتسامح في السياق الزمني لعمله، مستشهدا ً بوجوه من الفكر السوسوري التي تنسجم مع ذلك العمل و متجاهلا ً تلك الوجوه التي لا تنسجم. ثم بعد ذلك بوقت ٍ قصير ٍ، و لعثوره على أسلاف ٍ مفضلين، نقض التوكيد على تلك الوجوه و أبعد نفسه تدريجيا ً عن سوسور. و الآن، قد أعطت التطورات ُ الإضافية للنظرية التوليدية تشومسكي الحرية ليعيد قراءة بعض الفضائل في وجهة نظر سوسور- و هي وجهة النظر التي حوفظ عليها في شكلها ’السابق لتشومسكي‘ في عدد من الجهات العلمية قليل إلى درجة أنه حتى أنصارها، في الأقل الحقيقيين منهم، قد مر ّ عليهم وقت طويل منذ أن توقفوا عن التصور بأنها قد تعود إلى الظهور يوما ً ما بوصفها تهديدا ً للنظرية التوليدية. 10.خاتمة آخذين بنظر الاعتبار مدى تأثير سوسور، يمكن القول بأنه في نهاية المطاف هناك عدد من القراءات المهمة لـه يساوي عدد اللسانيين المهمين في هذا القرن. و بينما كانت المعالجات المفحوصة أثناء العمل في قراءات بلومفيلد و تشومسكي ( و كذلك أيضا ً في تلك المجوعات الكبيرة لقراء آخرين من الذين قد يختارون ؛ مثلا ً ( أنظر جوزيفc,b,a 1989) واسعة بصورة غير اعتيادية لأسباب جرت الإشارة إليها في القسم1 أعلاه، فإنها مع ذلك توسيعات في مشكلة(إساءة القراءة) الأساسية في كل مكان من فروع المعرفة و الدراسة، و بخاصة تلك الفروع التي جرى توجيهها نحو المجرد أكثر من العملي. و ما دامت القضية هكذا، فإن المقال الحالي يجب أن يفكك نفسه: فقراءاتي لبلومفيلد و تشومسكي لم تـُقدم على أنها’ صادقة‘ بأي ضرب من المعنى الموضوعي. فهي قد صيغت في قالب محدد بوساطة جدول أولوياتي في تعيين مواضع القراءات الموجهة أيديولوجيا ً . و مع ذلك أعتقد، ربما بتفاؤل أكثر مما ينبغي، بأن إدراك المرء لميله الأيديولوجي يزيل في الأقل عائقا ً كبيرا ً تجاه وضوح الفكر. و في الوقت نفسه أدرك، ربما بتشاؤم أكثر مما ينبغي، بأن نشر هذا الفصل سيضمن أن تكون لـه إساءة القراءة خاصته: فبعض اللسانيين سيصرون على فهمه على أنه نقد سلبي لحقل اللسانيات و لتاريخه مهما كانت الكيفية المتحمسة التي أعبر بها عن احتجاجي على الضد من ذلك تماما ً. و لكن دعني أحاول للمرة الأخيرة بالقول: الفرع المعرفي يكون علميا ً بالقدر الذي يكون فيه قادرا ً على تبديد ما يكتنفه من أوهام. و ليس هناك من فرع معرفي قد بدد أو سوف يبدد كل أوهامه. و ما لم يكن المرء، بالاستناد إلى هذه الأرضية الفكرية، مستعدا ً للتوكيد بأنه لا فرع معرفي هو علم، إذن فاللسانيات هي بكل تأكيد مشروع علمي.
ملاحظات المؤلف: أنا ممتن لكل من روبرت أوسترلتزCharles Austerlitz ، و تشارلس هوكيت Charles Hockett، و كونراد كوورنرKonrad Koerner، و رولون ويلزRulon Wells لتعليقاتهم المفيدة على الأقسام 2، 3، و 4 حين قدمتها للمرة الأولى بشكل مختلف في اجتماع في العام1987( أنظر جوزيف d1989)؛ و لنعوم تشومسكي لإعطائه معلومات ثمينة فيما يخص اهتمامه المبكر بسوسور( القسم 6)؛ و لفرانسيس فرانك دينينFr. Frank; Dinnen لبعض من ذكرياته المباشرة عن مؤتمر اللسانيات العالمي التاسع ( القسم 7)؛ و لتالبوت تايلورTalbot Taylor لانتقاداته المفيدة وللمساعدة العامة. و إن أية أخطاء في الحقائق أو في التفسير هي كليا ًمن مسؤوليتي. 1. هناك عدد من أنماط الشطط الأيديولوجي معروضة في الفقرات السابقة: مثلا ً ، القول بأن إساءات القراءة من المتعذر تجنبها، و هي خصبة، و موجهة أيديولوجيا ً؛ و بأن الكشف عنها يقوي أكثر من كونه يضعف حقل الدراسة اللسانية. 2. إنه ليس جَي. بي. واتسون ، ولكنه ألبيرت باول فايس(1879-1931) الذي غدت مدرسته النفسية السلوكية نموذج بلومفيلد. و يقرّ هاريس على نحو أصدق حول ذلك بأن ’ من الخطأ الاستدلال من الطريقة التي تجاهل بها كتاب بلومفيلد عن عمد سوسور بأن أفكار سوسور لم تترك أثرا ً اللسانيات الأكاديمية الأمريكية لفترة ما بين الحربين. حتى أن بلومفيلد نفسه قد اعترف لجاكوبسون بأن قراءة المحاضرات كانت حدثا ً من الأحداث الأكثر تأثيرا ً فيه.( دي ماورو1972: 371)’ (xiv-xiii). 3. فمثلا ً، يذكر دي ماورو(1972: 371-2): ’ بيد أن الإشارة الوحيدة إلى أسم سوسور في اللغة [ بلومفيلد 1933 ] تؤذن بابتداء غياب سوسور الثابت، و هي صفة مميزة في اللسانيات ما بعد بلومفيلد... و هو ما ترك خوفا عند من تابعوا تقليد بلومفيلد من الوقوع ثانية تحت تأثير النزعة العقلية دون الرجوع إلى السلوكيين و اللغة المحكية ‘ { بالفرنسية في الأصل}. 4. أستنتج بلومفيلد هذه الفقرة مع شيء ظاهري مما وراء التعليق؛ تظهر ملاحظاتي بين حاصرتين: ’ لا حاجة للتوكيد، بإن الشخص الذي يخوض غمار مسؤولية تدوين لغة غير معروفة [ كما فعل بلومفيلد، و لم يفعله سوسور] أو الشخص الذي يتحمل مسؤولية تدريس الناس لغة أجنبية[ بطريقة مماثلة كان ذلك أحد الهموم الأكثر مركزية بالنسبة لبلومفيلد أكثر منه لسوسور] يجب أن يمتلك معرفة بالصوتيات العامة[ كما لم يكن سوسور]، تماما ً مثلما يجب أن تكون لـديه البراعة [ كما تعرض ذلك وسائل بلومفيلد ببراعة!]، و الصبر، و كثير من الفضائل الأخرى؛ من حيث المبدأ[ و لكن ليس في الممارسة]، و مع ذلك فإن هذه الأشياء جميعا ً متكافئة القيمة، و هي لا تشكل جزءا ً من النظرية اللسانية.‘ و في ضوء ممارسة بلومفيلد لأكثر من خمسة و عشرين عاما ً القادمة، من العسير أن نفهم أنه كان يعني موافقة حقيقية هنا. 5. يستمر بلومفيلد في إعطاء شرح ٍ دقيق ٍ تماما ً للمفاهيمParole-langue-langag ؛ ثم يرتكب خطأين صغيرين: فهو يساوي بين مصطلح سوسور للسانيات التعاقبية، و هو linguistiqe diachronique مع مصطلح اللسانيات التاريخية في حين أن القصد الواضح للمحاضرات هو أن تضع الاثنين في تضاد( أنظر هاريس1987: 89)؛ ثم يصف ذلك بلغة ’ التغير في نظام اللغة la langue ‘، بينما عانت المحاضرات الكثير لتصحيح الفكرة القائلة بأن التغير هو من قبيل التزامن والاستبدال في الكلام la parole. 6. يـُعطى مسوغان إضافيان لهذا الموقف: (1)’ في مناقشة مشكلات أساسية معينة، من مثل مشكلة المعنى، التي ربما كانت المسلمات [ السلوكية] قد تطرقت لها، أعتاد اللسانيون على الاحتكام إلى علم النفس مباشرة ‘؛(2) ’ بين حين وآخر، و أمام بعض المشكلات المعقدة،يضع اللساني جانبا ً أدوات عمله التي طالما تم تجريبها، ليس ليزيد من حدتها أو ليحسنها، و لكن لكي يلجأ بدلا ً من ذلك، و مؤقتا ً، إلى تعويذات حول قيمتها التي لن يقبل بها أي ُ أثنين غير منحازين من المعالجين النفسيين بالسحر‘. و يبدو هذا كما لو كان هجوما ً على’ الفصول التمهيدية‘ للكتاب الذي يناقشه، حيث تـُحدد المبادئ العامة قبل تطبيقاتها- أو الأكثر صحة لا- تطبيقاتها، و التخلي عنها- إلى تحليل المعطيات. تلك التعاويذ التي تنسجم مع ما سيصنفه و يستبعده بوصفه’ نزعة عقلية‘ في العام1933. 7. في غضون ذلك، دعونا نلاحظ بأن التعقيد الإضافي الذي يراه في نظام سوسور زيادة على نظام أوجدن و ريتشاردز يكمن في ’ الصورة الصوتية‘acoustic image، وهي ربما لا تقع حقيقة ً في أي ٍ من ’ الفكرة أو المشار إليه‘، الذين تشترك معهما بخصيصة كونها عقلية بكل معنى الكلمة، أو ’رمزهما‘ ، الذي تشترك معه في صفة اللسانيةlinguisticness. 8. حتى نكون دقيقين، فإن المناقشة الثانية ليست وثيقة الصلة بالموضوع ، لأنها تنطبق على تحول تعاقبي ، وهو أمر أصرت المحاضرات على أنه لا يحدث داخل المفهومlangue بل داخل المفهوم parole. 9. فقط في الكتب المحتوية على إشارة لسوسور غير تلك التي نوقشت في هذا الفصل ، يـَنبذ تشومسكي، على أنه’ مضحك دونما قصد‘ الاتهام الذي أطلقه هاريس(1983) القائل بأن ’ عملية الأمثلة المعيارية‘standard idealization ( التي ينسبها إلى كل من سوسور-بلومفيلد- تشومسكي) تعكس" مفهوما ً فاشيا ً fascist للغة إذا ما كان هنالك يوما ً ما مفهوم من هذا النوع " ، مفهوما ً يتناول المجتمع الكلامي" المثالي " بوصفه مجتمعا ً " متجانسا ً كليا ً" ‘ ( تشومسكي1986:n 47). و لكن راجع كراولي و كاميرون في هذا المجلد. 10. النسختان الأقدم من تشومسكي(c1964) تظهران اختلافات ٍ أسلوبية ً ثانوية ً في الفقرة المقتبسة (a1964: 922، b1964: 60). 11. في الفقرة المماثلة في كتابات تشومسكي(a1964: 923) و (b1964: 61-2) تحذف كلمة ’full‘ في الجملة الأولى. 12. يصف تشومسكي(1986: 5) مثل هذا التقدم بأنه ’ ظاهرة صحية تشير إلى أن الحقل العلمي حيّ، برغم أنـه في بعض الأحيان، و بشكل عرضي، يعدّ نقصا ً خطيرا ً، و علامة على أن شيئا ً ما مغلوط فيه مع المنهج الأساسي‘ ( أنظر أيضا ً تشومسكي1979: 175-6). و قد يقال الشيء نفسه تماما ً بصدد آراءه المتعلقة بسوسور. 13. صادف أيضا ً أن هاتين كانتا اثنتين من خصائص اللغة اللتين لم يقدم تشومسكي إسهاما ً مباشرا ً قط في دراستهما، برغم أن أفكاره كان لها أثر كبير على البحث التعاقبي و أثر جدير بالاعتبار على اللسانيات الاجتماعية. 14. يشكك كوورنر (1988) في دقة مطابقة تشومسكي لوجهة نظر همبولدت مع وجهة نظره الخاصة. 15. من أجل أن نورد عبارة واحدة فقط قالها سوسور من المادة المصدر للمحاضرات:’ إنه في علم التراكيب استثناء ً كيف يمكن إظهار تردد ثابت لما يكون معطى من معطيات اللغة و ما هو متروك للفرد. وعدم وضع حدود بين الاحتمالين قول عسير‘{ بالفرنسية في الأصل}. 16. فيما يتعلق بتأثير وتني على سوسور، أنظر جوزيف(1988). 17. كما علـّق َ تشومسكي (1986: 5) فيما يخص تطور النظرية التوليدية، ’ كان هناك الكثير من الأمور و الاختلافات في الآراء، و غالبا ً ما كان هناك ارتداد إلى أفكار كانت قد هجرت و قد أعيد تنظيمها و بناؤها مجددا ً و في ضوء مختلف‘ ( أنظر أيضا ً تشومسكي1979: 176). 18. خلال مرحلة تحجيم قوة المكون التحويلي، و ما أعقب ذلك، كان تشومسكي يصرّ على أن حذف المكون ليس أمرا َ مرغوبا ً فيه. و من المؤكد أنه استمر في لعب دور أساسي عمليا ً في كل قالب من قوالب نظرية التحكم و الربط GB. و النقطة المهمة في مناظرتي هي ببساطة الحقيقة غير القابلة للجدل بأن هذا المكون قد جرى تحجيم عظيم في قوته و في العمل المنجز، و بهذا المعنى فإنه نسبيا ً أقل أهمية داخل مخطط النموذج الشامل بالمقارنة مع نموذج الستينيات. و فيما يتجاوز هذا، يمكن اعتبار النجاح المهم لنموذج التحويل الحرtransformation-free model في النحو الذي جرى تعميمه لتركيب العباراتGeneralized Phrase Structure Grammar على أنه دليل إضافي على الاحتكام المتناقص لذلك المكون إلى المجتمع اللساني الطليق.
الإشارات و المصادرالواردة في متن الدراسة
1. أوجدن، سي. كي. و ريتشاردز، آي. أي.(1923) ’ معنى المعنى‘، نيو يورك: هاركورت برَيس. 2. بلومفيلد، ل.(1914) ’ مقدمة لدراسة اللغة‘ نيو يورك: هولت. 3. ــــــــــــــــ (1923) ’ عرض لكتاب أف. دي سوسور محاضرات في اللسانيات العامة‘ في مجلة اللغة الحديثة، العدد8: الصفحات 317-19. و أعيد نشرها في كتاب هوكيت ( تحرير). { و يحمل التسلسل 3 الآتي} 4. ـــــــــــــــ (1970) ’ أعمال ليونارد بلومفيلد الكاملة‘ بلومنجتن. مطبعة جامعة أنديانا، الصفحات 106-8. 5. ـــــــــــــــ (1926) ’مجموعة فرضيات للتحليل اللساني‘ ، اللغة2 : 153-64. و أعيد نشرها في كتاب هوكيت المنوه عنه في 3 أعلاه. الصفحات 128-38. 6. ـــــــــــــــ (1927) ’ حول العمل الحالي في اللسانيات العامة‘، فقه اللغة الحديث، العدد25: الصفحات 211-30. و أعيد نشرها في كتاب هوكيت المنوه عنه في 3 أعلاه في الصفحات173-90. 7. ــــــــــــــ (1933) ’ اللغة‘ نيو يورك، هولت رينهارت و ونستن. 8. تشومسكي، ن.(1962) ’ الأساس المنطقي للنظرية اللسانية‘، في النسخة ما قبل الطباعة للمؤتمر الدولي التاسع للسانيات، 27-31 من شهر آب، كامبردج ، ماساشوستس، الصفحات 509-74. 9. تشومسكي، ن.(1963)’ الخصائص الشكلية للمدارس النحوية‘ في كتاب آر. دي. لوس، آر.آر. بوش، و إي. جالانتر( تحرير) كتاب علم النفس الرياضي . نيو يورك و لندن: وايلي، الصفحات 322-418. 10. تشومسكي، ن.(a1964)’ الأساس المنطقي للنظرية اللسانية‘ في كتاب أتش. لونت ( تحرير) وقائع المؤتمر الدولي التاسع للسانيات. هاج و موتن. الصفحات914-78. 11. تشومسكي، ن.(b1964) ’ قضايا راهنة في النظرية اللسانية‘ في كتاب جـَي. أ.فودور و جـَي. كاتز( تحرير) ’ بنية اللغة: قراءات في فلسفة اللغة‘ إنجلوود كليفس، أن. جـَي. برينتس-هول، الصفحات 211-45. 12. تشومسكي، ن.(c1964) ’ قضايا راهنة في النظرية اللسانية‘ هاج و باريس: موتن. 13. تشومسكي، ن.(1965) ’ وجوه نظرية التراكيب النحوية‘ كامبردج، مساشوستس.: مطبعة MIT. 14. تشومسكي، ن.(1966) ’ اللسانيات الديكارتية: فصل في تاريخ الفكر العقلاني‘ نيو يورك و لندن. هاربر و رو. 15. تشومسكي، ن.(1968) ’ اللغة و العقل‘ طبعة ثانية 1972. نيو يورك: هاركورت برايس و جوفانوفيتش. 16. تشومسكي، ن.(1979) ’ اللغة و المسؤولية‘ ترجمة جـَي. فيرتل عن الفرنسية . 17. تشومسكي، ن.(1980) ’قواعد و تمثيلات‘ نيو يورك: مطبعة جامعة كولومبيا. 18. تشومسكي، ن.(1986) ’معرفة اللغة: طبيعتها، أصلها، و استعمالها‘ نيو يورك: برايجر. 19. جاكوبسن، آر.(1969) ’ تأملات سوسور غير المطبوعة حول الفونيمات‘، في ’ كتابات مختارة‘ 1، ط2(1971) هاج و موتن. الصفحات743-50. 20. جودل، آر.(1957) ’ أصول مخطوطات محاضرات في اللسانيات العامة لفرديناند دي سوسور‘، جنيف: دروز، باريس: مينارد. 21. جوزيف، جـَي.إي.(a1989) ’ عدم أسطرة سوسور‘، في دورية اللسانيات المجلد27: 341-52. 22. ــــــــــــــــ (b1989) ’ عرض كي. كوورنر(1988) الدراسات السوسورية، دورية اللغة،المجلد 65: 595-602. 23. ـــــــــــــــــ (c1989) ’ عرض جـَي. أل. تشيس و سي بويتش أسس اللسانيات، المدونات اللسانية التاريخية، المجلد 16: 184-91. 24. ــــــــــــــــــ (d1989) ’ النزعة السوسورية عند بلومفيلد‘ دفاتر فرديناند دي سوسور، المجلد 43. 25. دي ماورو، تي.(1972) ’ جنة سوسور (1916) محاضرات في اللسانيات العامة‘، باريس: بايوت. نشرت بالأصل بالإيطالية، الترجمة الفرنسية لملاحظات دي ماورو قام بها أل. جـَي.كافيت. 26. سوسور، أف. دي.(1916) ’محاضرات في اللسانيات العامة‘ تحرير سي. بالي و أي. سيتشهاي، بالاشتراك مع أي. ريدلنجر، لوزان و باريس: بايوت. 27. ـــــــــــــــــــــ (1922) ’محاضرات في اللسانيات العامة‘ ط 2، لوزان و باريس: بايوت. 28. ــــــــــــــــ (1964) ’ رسائل أف. دي سوسور و أنطوان ميليه‘ تحرير إي. بنفينست، دفاتر فرديناند دي سوسور 21:89-130. 29. ــــــــــــــــ (1983) ’ محاضرات في اللسانيات العامة‘ ترجمة آر. هاريس، لندن، دوكورثز كوان، جـَي. أم.(1987) ’ بلومفيلد المتقلب‘، في دورية مدونات تاريخ اللسانيات، المجلد 14: 23-37. 30. فايس، آر.(1925) ’ الأساس النظري للسلوك البشري‘ كولومبس، أوهايو، آر. جـَي.أدامز. 31. فونت، دبليو.(1900) ’علم نفس الشعوب،1: اللغة. ليبزيج، إنجلمان. 32. فيرهار، جـَي. دبليو. أم.(1962) ’ الكلام، اللغة، و الشكل الداخلي( بعض الملاحظات اللسانية حول الفكر)‘، نسخة قبل الطباعة مقدمة لمؤتمر اللسانيات العالمي التاسع، للفترة 27-31 من آب، كامبردج، ماساشوستس. الصفحات 377-82. 33. كوان، جـَي. أم.(1987) ’ بلومفيلد المتقلب‘، في دورية مدونات تاريخ اللسانيات، المجلد 14: 23-37. 34. كوورنر، كـَي.(1989) ’ ليونارد بلومفيلد و محاضرات في اللسانيات العامة‘ في كتاب ممارسة اللسانيات التاريخية. أمستردام و فيلادلفيا: بنجامينز. الصفحات435-43. 35. ماثيوز، بي. أتش.(1986) ’ علم التراكيب التوزيعي‘ في كتاب تي. بينون و أف. آر. بالمر(تحرير) دراسات في تاريخ اللسانيات الغربية: على شرف آر. أتش. روبنز، كامبردج. مطبعة جامعة كامبردج، الصفحات245-77. 36. نيوماير، أف. جـَي.(a 1986) ’ النظرية اللسانية في أمريكا ‘ ط2، أورلاندو، لندن: المطبعة الأكاديمية. 37. ـــــــــــــــــــــــــــ (1989) ’الكفاية إزاء الأداء؛ النظري إزاء التطبيقي: تطور و تفاعل مفهومين ثنائيين في اللسانيات الحديثة‘ ورقة بحثية مقدمة إلى مائدة جامعة جورجتاون 38. 39. هاريس، آر.(1983) ’ أفكار نظرية‘ في ملحق التايمز الأدبي، 14 تشرين الأول. 40. هاريس، آر.(b1987) ’ قراءة سوسور: ملاحظات نقدية حول محاضرات في اللسانيات العامة‘ لندن، دوكورث. 41. هوكيت، سي.(1970)( تحرير) ’ أعمال ليونارد بلومفيلد الكاملة‘ بلومنجتن: مطبعة جامعة إنديانا. 42. يسبيرسن، أو.(1924) ’ فلسفة النحو‘، لندن، ألين و أنوان: نيو يورك:هولت.
ملاحظات المترجم:
1. لم يزعم تشومسكي بأنه يسعى إلى إحياء النزعة الوطنية في الثقافة وهو ما يفهم هنا من مصطلح nativisim، كما لا يمكن إطلاق هذه الصفة على عمله دونما دليل علمي يستند إلى دراساته. ولعل مناهضته لبنيوية بلومفيلد، هو من أبناء وطنه أمريكا، و تباين موقفه من سوسور، و هو من بلاد أخرى، بين التبني و النبذ خير دليل على عدم تورطه في مثل هذا الاتجاه الفكري. 2. الملاحظة التي تبدأ بقولـه ’ فالافتقار إلى نص وحيد...الخ‘ تفتقر نفسها إلى الدقة، ففي تاريخ الفكر كله لم يكن وجود نص وحيد، أو نصوص متعددة ، متفق عليها حائلا ً دون تعدد مذاهب التفسير و توسعها، سواء أكان ذلك النص الوحيد دينيا ً أم فلسفيا ً أم معرفيا ً أم أدبيا ً. و لعل من المناسب أن نؤكد بأن تعدد تفسير النص و تأويلاته سمة وظيفية مرتبطة بكينونة النص ذاتها. 3. مصطلح خطية اللغة linearity يستخدم في اللسانيات لوصف السمة المميزة في تمثيل اللغة بوصفها متوالية خطية من العناصر أو القواعد ذات بعد زماني واحد. فالمتكلم يحدث أصواتا ً في تتابع زمني خطي في الكلمات و الجمل. و هذا التتابع يستلزم تتابعا زمنيا ًً ضمنيا ً مناظرا ً لتفعيل قواعد اللغة على المستويات الصوتية و الصرفية و التركيبية و الدلالية. للمزيد أنظر: David Crystal(1997) A Dictionary of Linguistics and Phonetics. ( p 223) Blackwell Publishers .London 4. النحويين الجدد Neogammarians هم أتباع مدرسة فكرية في القرن التاسع عشر في فقه اللغة المقارن Comparative Philology الذي ابتدأه باحثون ألمان. و كان أهم آرائهم القول بأن قوانين الصوت لا تسمح بأي استثناء. 5. نظرية التحكم و الربط Government-and-binding Theory هي نموذج نحوي منحدر من النظرية القياسية الموسعة Extended Standard Theory و كل النحو التحويلي في نهاية المطاف. و هي تفترض بأن للجملة ثلاثة مستويات رئيسية للبنية هي: ( البنية D ) و ( البنية S ) و الشكل المنطقي logical form. و( البنية S) تـُشتق من ( البنية D) و الشكل المنطقي يـُشتق من ( البنية S) و ذلك بوساطة تحويل منفرد هو الحركة ألفا Move Alpha التي تعني أساسا ً ’ حـَرك ْ أي َ شيءٍ إلى أي ِ مكان ِ ‘. أما النظرية المـُقَيـِدة Bounding Theory فهي إحدى النظريات الثانوية المشتقة من نظرية التحكم و الربط. للمزيد أنظر المصدر المشار إليه في [3] أعلاه. ----------------------------------------------------------------------
هذه ترجمة للفصل الثالث من كتاب: Joseph E. John and Talbot J. Taylor (1990) Ideologies of Language. Routledge .London.(p 51- 78 )
#باقر_جاسم_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما تستحقه الكلمات
-
نظرية النشوء: نحو منهج مادي تاريخي في تأريخ اللسانيات
-
هدف الرغبة الغامض البعيد: علم اللغة
-
نزع الميثولوجيا عن اللسانيات الاجتماعية
-
من الذي سيكون سيدا ً تأسيس السلطة العلمية في علم اللغة
-
الأيديولوجيا و العلم و اللغة
-
أبواب
-
محو الغربة و تدوين الاغتراب
-
مسألة السلطة السياسية هي جوهر الخلاف بين العلمانيين و القائل
...
-
جدل الشكل و لامحتوى في السرد الوائي: ( حديث الصبح و المساء إ
...
-
العلمانية و الدين و المجتمع
-
لحية كارل ماركس
-
في أخلاقيات الحوار و شروطه المعرفية
-
حول اللغة و سوء التفاهم
-
مفهوم الهوية الوطنية: محاولة في التعريف الوظيفي
-
مرة أخرى، حول وجود قوانين للتطور الاجتماعي
-
حول احتمال وجود قوانين للتطور الاجتماعي
-
تعاريف ليست سياسية
-
جناية محمد الماغوط
-
حول حرية الكلام
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|