|
السؤال الثقافي العراقي بعد اربع سنين من انهيار الطغيان
محمد خضير سلطان
الحوار المتمدن-العدد: 1889 - 2007 / 4 / 18 - 12:44
المحور:
ملف / الكتاب الشهري - في الذكرى الرابعة للغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري , العراق إلى أين؟
من الضروري التوطئة الى ان هذه المقالة لاتذهب الى الثقافة العراقية كونها حصيلة عامة للانتاج الابداعي الادبي والفني بل الى الثقافة داخل المنظومة الاجتماعية بوصفها بعدا ثابتا في سيرورة المجتمع وادواره الطبقية والتاريخية والمدنية وضرورات النظر الجدي فيها بعد كل تحول او تغيير. والبعد الثقافي في اطوار وانماط المجتمعات، يتماسك دائما مع ابعاده الاخرى الاقتصادية والسياسية في اي نظام اجتماعي فلا يتلبس النمط القبلي بانساق الثقافة الصناعية ألا عقب مشاريع تحويلية ، تعمل على تكييف الفهم المعاصر من خلال مشروع دولة ، يتسق تدريجيا مع الانماط التقليدية السائدة، ولا يفوق النمط شبه المديني، التحولي كما في بلادنا بنائه التركيبي ما لم توجه تحولاته في اطار مؤسسي مناسب من اجل اللحاق بمقتضيات العالم الحديث والاندماج بنظامه الدولي ، وطبيعة التوجه لابد ان تقترن بمعالجة فكرية، تحدد العلاقات بين البنى الاساسية وسياقها الارتقائي في المحيط، ولعل مثل تلك المعالجة الفكرية في العراق، اخذت اكثر من مسار متسق تارة كما في العهد العثماني والهاشمي ومتذبذب في العهد الجمهوري ومختلف تارة آخرى كما في العهد الاستبدادي القومي وبالرغم من ذلك فان العهد الاستبدادي لايخلو من معالجة فكرية وأن كانت متعسفة ، تجعل النظام المستبد متكاملا ثقافيا في ضوء مرتكزاته الاساسية النابعة من توجيه المجتمع العراقي بقوة الى الفكرة القومية الشاملة لنظام المجتمع العربي الوحدوي ولم يختل هذا التكامل ألا بعد ان افضت القوة الابوية الى الاستحكام المطلق حتى لو كان ثمنها ارتكاب جرائم ابادة ضد مكونات في المجتمع العراقي والعربي على حد سواء ، وهنا، اعطى التكامل الثقافي الاستبدادي مع سياقاته الاقتصادية والسياسية فكرة نظرية ، تؤكد على انه في هذا الاتجاه لايشكل قيمة اجتماعية قدر ما يعمل على العسف في تركيبة المجتمع العراقي ومجموع مكوناته العامة، وتوضح عملية التكامل وعي المستبد بالبعد الثقافي ودوره المستحكم بالسيطرة على المقدرات الانسانية والاجتماعية ضمن منظور شمولي قامع، واذا كان المستبد يدرك ماهو البعد الثقافي فالواقع بعد اربع سنين من انهياره، لم تضع النخب السياسية الديمقراطية ثقافة العراق في حساب الاولويات الستراتيجية اللازمة لبناء العملية السياسية وحماية مكتسب سقوط الطغيان محليا كونه يتضمن البعد الثقافي في سياقه الدولي، والنخب السياسية جاءت لتقاسم وسد الفراغ السياسي، لم نر الفرق بين الوحدة التاريخية والوحدة الاجتماعية لظاهرة الصوت السياسي المجتمعي على مستوى الفعل، ولم تحسب معايير المقدمات في النظر الى النتائج، والسؤال الذي يفرض نفسه، من يعد الثقافة في حساب الاولويات، وهل هي طرف خيط لامرئي بسهولة لكي يتم الامساك به، كيف تفرض نظاما ديمقراطيا بوصفه آليات مطلقة دون النظر في طاقة التركيبة الاجتماعية على انتاج دلالة ديمقراطية، تعود بالنفع على الاصوات المقترعة لا على النخبة الحاكمة، وتبعا لذلك ، جاءت النتائج الانتخابية في دورة مهجنة لتصب في استحكام الكتل وتوازن الارهاب مع الوضع السياسي وبناء الاعراف اكثر من القوانين، وتعطيل الفعل الديمقراطي من ان يأخذ مداه الحقيقي المتصل بالمواطنية وتم في هذا الاثر تقويض المؤسسة الديمقراطية ليصبح مبدأ المشاركة والقرار الجمعي لحساب القرار السياسي الفئوي الذي يتحكم بزمام الحكومة والدولة عن بعد من مؤسستي الوزارة والبرلمان الديمقراطيتين وبالتالي تم اختزال مصدر القرار وحجب تحركه الحيوي اثر لحظات من ظهور النتائج وفوز هذه القائمة او تلك ، ولو كان هذا سياقا واقعيا لانستطيع عبوره ثم يجعلنا نسلم بالواقع الثقافي كونه حقيقة واقعة فهل نعد تصاعد العنف والارهاب في نفس السياق من الوضع الطبيعي، هل من المنطق السليم ان ننظر الى عقل تجربتنا الذي لن يأتي ألا عن طريق استنفاد العنف وخمود شحنات البركان الاثني والمذهبي، وهل عاشت مجتمعات العالم تجربة اقسى من غمار تجربتنا الدموية حتى تعقلت وابتكرت القانون لصيانة السلطة والانسان معا. ان العملية السياسية بعد اربع سنين، تفتقد الى بعدها الثقافي الستراتيجي وتشكل قطعا وحجبا للتاريخ الثقافي للبلاد في اطار بناء الدولة والمجتمع، والاميركيون جاءوا لكي يؤكدوا هذه القطيعة بفكرة ما قبل الدولة الحديثة فشطبوا على الاثار العثمانية والانكليزية والهاشمية وبدأوا من الصفر في سياق نظرية المجموعات العرقية والمذهبية الخاضعة للسيطرة والنمو تحت اكثر من ذريعة وان كانت صحيحة في مقدمتها ماتعرض اليه مجتمعنا من ظلم وابادة شاملة وحجب لدور الاكثرية في اتخاذ القرار. ومن الخطأ الفادح ان نظن بان المحتل قد ارتكب خطأ لأنه يعتمد ابعاد ثقافته المتماسكه مع توازن دوره الاقتصادي والسياسي والعسكري واذا اصيب بالفشل فالمتغير والتصويب يأتيان من الرأي العام الاميركي نفسه في تحقيق النجاح بعيدا عن مصير الشعب العراقي وقضيته الكبرى،حتى وصلت المعادلة الى قيمتين اساسيتين كما يصف المراقبون، نفاد صبر الرأي العام الاميركي نهاية لوجود القوات المتعددة في العراق من جهة ونشوب الحرب الاهلية في العراق من جهة آخرى ولا احد يستطيع الوقوف امام الحد من تصاعد هاتين المعادلتين ما دام الوضع السياسي والامني على ما هو عليه ولم يشهد تحسنا ملحوظا، اي ان القضية العراقية هي من شأن العراقيين في كل الاحوال، وهي كل شيىء بالنسبة للعراقيين، واذا كان غرامشي يقول ، ان كل شيىء سياسي بامتياز فان الشأن السياسي في العراق هو ثقافي بامتياز، وحضور البعد الثقافي في العملية السياسية العراقية، يشكل تكاملا لها على جميع المستويات فالنص الدستوري وثيقة ثقافية لابد ان تراعي السمات الحاكمة لكل دساتير العالم لا ان تختلف عنها في مناورة سياسية جديدة، توضح شرعية دستور دائم قائم على التصويت الشعبي ويلقى الاعتراف الدولي من جهة ، فيما تنضوي مبادؤه الاساسية على حاصل توافق المكونات العامة من جهة آخرى، وتضيع حسابات التحديث والنظرة المعاصرة لهذه المكونات، ولنأخذ على سبيل المثال، المستوى الانساني الوضعي لكل دساتير العالم ووضعها الاداري الصرف لقوانين السماء فيما يتصدى دستورنا الى المقاربة الانسانية في مزاوجة مع قوانين السماء مما يجعل ارادة الامة الدينية اعلى من الارادة الانسانية بعكس الاطار الوضعي للمفاهيم الدستورية السائدة في العالم ، واذا كانت بعض الدساتير، تقدم في صياغتها القانونية صيغة التجاور بين ارادة الامة الالهية والانسانية كما في دستور ايران فانما يأتي ذلك في ظل معالجة ثقافية للمذهب الرسمي الايراني.
#محمد_خضير_سلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الى هيئة الحكام للاعلام العراقي..مشاركة فعالة لمركز معالجة ا
...
-
بعد اربع سنين من انهيار الطغيان المشكلة العراقية في الحل
-
في العراق الزمن كبنية مفقودة
-
اللغة والارهاب
-
بين النظام العربي والمجتمع العراقي ثنائية الانقسام الثقافي و
...
-
فكرة مسرح الحياة وسط جلبة الموت/ طقس الصلاة في طاحونة حرب
-
تنازل الدولة عن الاعلام
-
ما الذي لا يحدث لكي لا ننتبه /الى الشاعر الراحل خال حمرين
-
صانع الجرار التي لاتتحطم
-
الجدار العالي بين مجرى الدم ومسرى النفط
-
المصالحة الثقافية اولا
-
مقارنة بين الدستورالاتحادي والفدرالي الكوردستاني/ المركب الس
...
-
تطبيقات مبكرة لهوية السرد في الذاكرة الرافدينية/ القاصان محم
...
-
العلامة حسين علي محفوظ/ لم اقو على السياسة ولو بحمل عصاي بعد
...
-
قراءة في مسودة مشروع قانون لهيئة الاعلام العراقي-- الطرائق ا
...
-
رواية (سبت يا ثلاثاء) لزيد الشهيد/ النموذج الاخير في البناء
...
-
حيوا المجازين ......نصيحتان للبرلمانيين قبل لقائهم بالناس
-
تعريف وحوار المعضلة العراقية على طاولة مفكر عراقي
-
الالف توقيع
-
الاحساس بالزمن
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
|