أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جمال الدين بن عبد الجليل - عَقْل و عِقَالٌ














المزيد.....

عَقْل و عِقَالٌ


جمال الدين بن عبد الجليل

الحوار المتمدن-العدد: 1891 - 2007 / 4 / 20 - 04:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ينعت العقل العربي الجمعي في الكثير من الأحيان سواء من طرف حامليه أو المتحاملين عليه بأنه سكوني لا يتقن في أحسن الأحوال إلاّ السلوك الاجتراري تماشيا مع مقولة ليس في الإمكان أفضل مما كان، مقولة لا تخلو من الصدق عند تتبع مصاديقها و هي كثيرة عند القدماء و المعاصرين في السياق العربي.
في اعتقادي لا يخلو التوقف عند هذا الطرح بهذه الصورة من سوء نيّة و اختزال مشوِّه حينا أو الارتهان ضمن منظومة تفكير تؤسّس و تنظّر له حينا آخر.
فالبنى الفكرية و القيميّة المحافظة التي تنظر إلى التاريخ البعيد و القريب بأشخاصه ووقائعه نظرة تمجيد و تحنيط تستعصي معها محاولات التفكيك و التحليل النقدي العميق تجعل إمكانية التجاوز غير قابلة للتحقق و تكرّس المراوحة في نفس الموقف في بنيته المنجزة و إن كانت هذه المراوحة بصيغ و أشكال متكررة أحيانا أو متجددة أحيانا أخرى. هذه النظرة يطلق عليها اصطلاحا التقليدوية و يرادفها في التراث الاصطلاحي العربي مصطلح السلفيّة . ليست براءة الاختراع لهذه النظرة عربية بشكل حصري إلاّ أنّ انتشارها و الاقبال عليها في السياق العربي يجعلها منافسا قويّا لكلّ الأنماط المغايرة، غير أنّ السؤال الذي ينبغي أن يطرح في هذا المقام هو هل أنّ العقلية التقليدوية هي بالفعل المعبّر و الممثل الأوحد و الوحيد عن العقل العربي في تجلّياته التاريخية و الراهنة ؟ ألا توجد لهذا العقل تمظهرات أخرى غائبة حاضرة تعبّر عن أشكال وجود و حركة مناوئة للسيادة و الهيمنة التقليدوية السلفية ؟
أعتقد أنّ مساحة الغائب (المغيّب) و المسكوت عنه في مناحي و جوانب هذا العقل و بشكل أعمّ في الثقافة العربية ماضيا و حاضرا أكثر بكثير من الظاهر منها و هي تستوجب التنقيب و الكشف عنها و القيام بحفريّات معرفية تزيح عن المخفي منها السُّتُر و تزحزحها.
فالنتاج الفلسفي و الكلامي وحتى الأدبي للعقل العربي يكشف تنوّعا و تعددية كبيرين ينبغي التأكيد عليها و على أهميتها في ذاتها كمعطى مؤسس لهويّة ثقافية و فكرية تجعل من الآخر المتغاير حاضرا و فاعلا إيجابيا فيها. فاستحضار الفكر الاعتزالي في تأكيده على أسبقيّة العقل و أفضليته في التقرير و التأويل مقابل المنقول من النصوص يمكن أن يعدّ عاملا مؤازرا لتأسيس عقل نقديّ في علاقته بالتراث و الموروث. كما يبين التفكير الفلسفي لدى أبي بكر الرّازي و أبي الوليد ابن رشد قدرة التأسيس و أهمية اعتماد البراهين و الأدلّة العقلية في الأخذ بالآراء أو ردّها. أمّا في الأدب نثرا و شعرا ففي مقابسات و إشارات و تنبيهات أبي حيان التوحيدي و اللزوميات و رسالة الغفران للمعري و كتابات الجاحظ و ابن المقفع و غيرهم ما يؤكد جرأتهم العقلانية و يجعل للعقل مكانة و منزلة رفيعة تجعله الحَكَم و له الفصل فيما يبدو و يظهر من مسائل و مواضيع.
إلى جانب التأكيد على مكانة العقل النّقدي و ضرورته في التعاطي مع التراث أو تأسيس الخطاب ينبغي أيضا التأكيد على سمة التنوّع و التعددية التي تصبغ التراث الثقافي العربي في كلّ مناحيه و أشكال الخطاب فيه، سواء على مستوى الفرق و الملل و المدارس الدينية الكلامية و الفقهية أو الاتجاهات الفلسفية المختلفة، كلّ هذه الفسيفساء تعبّر عن أنّ العقل العربي متعدد التمظهرات في وجوده و لم يكن أحادى المنحى و اللون أبدا، فالنظرة إلى التراث العربي في هذا الأفق الرحب المتّسع تجعل إمكانية الاستفادة منه أيسر و القدرة على التجاوز الخلاّق في المتناول و تحصّن ضدّ التّمجيد التّحنيطي و صناعة التّابو .
فالعقل العربي هنا هو في آخر المطاف عقول متغايرة و لكن ينبغي أن تكون متفاعلة مستحضرة لتغايرها في صيرورة بنّاءة تعتمد النقد الذاتي كشرط ملازم لتوجيه النقد للآخر المغاير لها. فمفهوم النهضة و الحداثة و التحديث عند الفيلسوف الألماني كانط يقوم أساسا على مبدأ النقد بما هو نقد ذاتي بدرجة أولى ، فالعقل النقدي وحده هو القادر على التجاوز لسوابقه و التأسيس للجديد.
حتى لا يكون العقل العربي مجرد ِعقال (و هو عند العرب ما تُشدّ به الدابّة أو ما يُلَفّ لشدّ الكوفية على الرأس ، وصفه أحدهم تبرّما بمن يضعونه وطرق تفكيرهم و سلوكهم بالصِّفْرِ المضاعف) و حتى يكون العقل العربي عقولا تنظر و تفعل ينبغي التأكيد على الممارسة النقدية للذات و للآخر في كلّ حين فلا وجود لضمانة أخرى سواها نستطيع اكتسابها تعصمنا عن الوقوع في الجمود و تقينا من التّمويه على الذّات و على الآخرين.

د. جمال الدين بن عبد الجليل



#جمال_الدين_بن_عبد_الجليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على ...
- روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر ...
- هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
- الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو ...
- دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
- الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل ...
- عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية ...
- إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج ...
- ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر ...
- خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جمال الدين بن عبد الجليل - عَقْل و عِقَالٌ