مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 1888 - 2007 / 4 / 17 - 11:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في برنامج عرض على فضائية الجزيرة بتاريخ الخميس 12 نيسان عن التعذيب في مصر يتجدد سؤال بسيط في مشروعيته هائل في أبعاده عن همجية الغابة التي نعيشها و تحميها قوى القمع و " فرض القانون" القائمة المتوحشة ضد الإنسان و المجتمع..إن الصفاقة التي تزعم فيها الأنظمة و مؤسسات القمع و "القانون" حماية المجتمع لا يمكن احتمالها على الرغم من الوهم الذي لا يمكننا التحرر منه عن الدولة و أن تغلبها على المجتمع حالة طبيعية بل شرط للحياة الإنسانية و حصر "إصلاحها" في التخفيف من تغول مؤسساتها على الإنسان و المجتمع..هنا يمكن أن نرى أننا جميعا لا نرى المشكلة في أجهزة القمع نفسها كأجهزة متخصصة بذاتها بممارسة ممنهجة "نظامية" للتعذيب و القمع الجسدي و النفسي بموافقة أو "تفويض" المجتمع ضد بشر يفترض أنهم في وضعية تستوجب وقوع هذا التعذيب المباشر عليهم , هذه الفكرة التي نمر عليها بموافقة بديهية عن ضرورة الرقابة و التوجيه الدائمين على الإنسان هذا في الحقيقة هو مبرر وجود تلك الوظيفة القمعية للدولة التي نقر بها جميعا و نعتبر أنها فقط بحاجة للتقنين أو القوننة , هذه النظرة الدونية في المحصلة للإنسان الذي يحتاج قطعا و في أية ظروف ( في كل الظروف ) للتوجيه و القيادة أن يكون محلا للثواب و العقاب من قوة خارجة عنه و عن المجتمع مستقلة عنه و عن المجتمع و في نفس الوقت تتمتع بصلاحيات مطلقة في تحديد مفهوم الصواب و الخطأ مفهوم القيم السائدة و إيقاع العقوبة على الإنسان استنادا إلى هذا السائد , هذا الذي يبرر وجود قوة مستقلة عن المجتمع ذات سلطة و صلاحيات "مقبولة" لممارسة القمع و التعذيب..إن النظرة السائدة عن الدولة تحصر فيها الحق في استخدام القمع الموجه ضد الإنسان و ترى أن هذا الحصر هو ما يميز الحضارة أو المجتمع "المتحضر" عن المجتمعات السابقة على "الحضارة"..على التوازي مع عرض ذلك البرنامج عن التعذيب في مصر تفجرت عدة أجساد محملة بالمتفجرات في الجزائر و المغرب و بالطبع في العراق و من الطبيعي أن هذا الحدث سيتم الرد عليه بالمزيد من الاعتقالات العشوائية و انفلات أجهزة القمع في الشارع ضد المواطنين العاديين أساسا و ضد أي شخص متدين بسيط بحجة حماية المجتمع و أمنه و استقراره..إن الإسلام الجهادي المعاصر يزاحم السلطة القائمة على حق استخدام القوة الموجهة ضد الجسد البشري على حق القوة القمعية تجاه المجتمع لكنه يستمد مشروعيته هنا من المقدس وفق قراءته الخاصة , من فقه الخوارج التكفيري تجاه السلطة و المجتمع و من الفقه الحنبلي في تحديد الإيمان و الكفر..هنا تتماهى هذه المجموعات مع السلطة مع دورها القمعي ضد الإنسان ضد المجتمع هذا التماهي مع المعتدي في صورة السلطة الذي يعيد إنتاج سلوكيات السلطة و ممارساتها ضد الإنسان و المجتمع..هذا التماهي هنا يجري لحساب "تغيير" يزعم أصحابه أنه يتم باسم المقدس باسم المطلق الكوني لحساب مشروع رسمت تفاصيله من قراءة النص المقدس..من المفيد هنا أن نذكر أن هذا النص المقدس يشرع في الأساس لوضعية الإنسان المستوجبة للثواب و العقاب , بل إن النص المقدس , أي مقدس و ليس الإسلامي بالضرورة , يربط رؤيته عن حالة العدالة المطلقة التي ستتحقق في نهاية العالم في يوم القيامة الذي يسمى بيوم الحساب بحالة استثنائية في تطرفها من العقاب الجسدي الذي لا يمكن حتى تخيل شدته و قسوته الذي يوقع على الكفار , و من المفيد هنا أن نتذكر أن إيقاع هذا العقاب الاستثنائي في قسوته يعتبر إحقاقا للعدالة المطلقة التي تأخذ كل صغيرة و كبيرة في الحساب حسب النص..في مقابل موقف إنساني عقيدي من النص يهدد النص المقدس هذا الإنسان بعذاب هائل في قسوته أبدي لا نهاية له..نعرف طبعا أن النص المقدس نفسه حاول أن يقنن هذا الوعيد بالعقاب بالحديث عن رحمة الذات الإلهية التي وسعت السماء و الأرض عدا عن أن فرق إسلامية و فقهاء كبار , بينهم مثلا الإمام أبي حنيفة النعمان , قننوا هذا الاستخدام الإلهي للتعذيب و العقاب ضد الإنسان عندما اختصروا الإيمان بمعرفة الله فقط لكن يجب هنا أن نذكر أيضا كذلك بأن الخطاب السائد ( الذي يعطي مشروعية القتل عند الإسلام الجهادي المعاصر ) خاصة ما بعد الإمام ابن حنبل تشدد في قضية التكفير و الوعيد و كفر حتى المرجئة الذين قننوا التكفير و الوعيد..سبق أن اعتبر المعتزلة أن الإنسان ككائن عاقل مسئول عن أفعاله و أن عقله يوجب الحسن و القبح حتى قبل ورود السمع عن الأنبياء , كان هذا أول باب يفتح لحرية الإنسان في تراثنا..يمكن لنا أن نسرد هنا الكثير من ألوان و صنوف العذاب الجسدي التي تنتظر المتمردين على اشتراطات المقدس هذه لكن المهم هنا هو , إضافة لتتبع أصول مشروعية التعذيب و القمع , أن نحدد الأطراف التي خصت بممارسة القمع هنا إلى جانب الذات الإلهية طبعا و هي هنا تنحصر في السلطة..كانت المؤسسة الدينية في سعيها للحفاظ على وجودها و سيطرتها الفكرية العقيدية على المجتمع قد تنازلت تاريخيا للسلطة القائمة أو ما سمي بإمامة المتغلب عن أية ممارسة سياسية جدية لكن الإسلام السياسي المعاصر يصر على إعادة توحيد السلطتين معا من جديد : سلطة تحديد السائد العقيدي و السلطة السياسية..هنا تستعيد مجموعات الإسلام السياسي لحظة البداية و تصر على أن هذا التوحيد إنما يمثل عودة إلى الإسلام في وضعيته الأولى "السليمة"..سلطة أخرى تريد السلطة سواء السائدة أو بديلها الإسلامي أن تقوننها و هي سلطة الفكر و التعبير سلطة العقل و الكلام بغرض قوننتها للنشاط العقلي في المجتمع ليعيد إنتاج الخطاب السائد و يعلن كل ما هو متمرد أو خارج عن السائد "هرطقيا" أو كفر محض..هنا علينا أيضا أن نرصد مركزية الدولة في الخطابات السائدة بما في ذلك الخطابات التي تنسب ذاتها إلى التغيير..هنا تبدو الدولة كمؤسسة مطلقة الصلاحية في التعامل مع المجتمع أساس التغيير المفترض..يصبح القفز إلى السلطة نقطة البداية في نقل أي مشروع إلى حيز الواقع و تستخدم قدرات مؤسسة الدولة الهائلة في محاولة فرض المشروع من فوق من أعلى و يصبح جهاز الدولة البيروقراطي هو حامل للمشروع..إذا عدنا قليلا إلى الوراء لنجد أن "ثورات" كثورة تموز و آذار و شباط و غيرها كانت عملية قفز على السلطة بهذا المفهوم و عملت على فرض نموذجها و الأهم من ذلك سلطتها الخاصة بالقوة القمعية ضد المخالفين و المجتمع ككل..على الطرف الآخر فإن ثورات مثل الثورتين الفرنسية و الروسية مثلت تطورا موضوعيا للواقع السياسي و الاجتماعي و الثقافي , مثلت نقلة نوعية في الصراع السابق عنها إلى درجة نوعية جديدة..المشكلة اليوم أن كل الخطابات السائدة تتمحور حول إعادة إنتاج علاقة التبعية و التهميش بين المجتمع و السلطة بما في ذلك حق السلطة الحصري في استخدام القمع و القوة ضد المجتمع , هكذا يصبح التغيير عبارة عن نقل ملكية الدولة بما في ذلك أجهزة القمع من طرف إلى آخر..هذا يعيدنا مثلا لحالة الفكر الماركسي الذي أقر مؤسسوه كسائر الاشتراكيين أن المجتمع الشيوعي كما هو مجتمع بلا طبقات فهو مجتمع بلا سلطة مركزية بلا دولة لكن في الممارسة اعتبرت الدولة ضرورية للتغلب على مقاومة الطبقات السائدة و ظهر مفهوم ديكتاتورية البروليتاريا الذي تحول في الممارسة إلى نظام متسلط يقوم على سيطرة البيروقراطية على الطبقة و المجتمع انتهى تناقضه المنطقي مع المجتمع إلى انهيار التجربة ككل..بعيدا عن الجدل عن كون الإنسان في مركز الكون أو عن حدود العدالة و المساواة بين البشر فإنه ككائن عاقل وحيد يتمتع ليس فقط بالقدرة على التأثير في واقعه المادي بل إنه أكبر من مفهوم العقاب و الثواب السائدين أكبر من فكرة الخير و الشر السائدة التي تعتبره محلا للعقاب..يفترض بالتغيير القادم أن يغير جوهر علاقة المجتمع بالسلطة أن يعيد تأسيسها نحو تأصيل حرية الإنسان حريته أمام قوى الكبت و القمع و يفترض بالفكر الديمقراطي أن يكتشف الإنسان أن يضع الإنسان في مركز المرجعية أن يكتشف جسده كما روحه أو حياته النفسية عند الماديين أن يدور حول الإنسان حول حريته أو تحريره..
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟