أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نزار خالد - العـراق وأهداف أمريكا الستراتيجية















المزيد.....


العـراق وأهداف أمريكا الستراتيجية


نزار خالد

الحوار المتمدن-العدد: 570 - 2003 / 8 / 21 - 05:10
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



 
   ربما تجلت صورة الوضع السياسي في العراق ، بوضوح أكبر ، من خلال استعراض السياسة الأمريكية وأهدافها الستراتيجية في الهيمنة عالمياً . ولعل أفضل من عبر عن تلك السياسة " مبدأ ملئ الفراغ " المعروف باسم " مبدأ أيزنهاور " المعلن عنه من قبل الإدارة الجمهورية عام 1957 .
 تستهدف هذه السياسة إعادة اقتسام مناطق النفوذ في العالم لصالح أمريكا على حساب الدول الإمبريالية الأخرى ، تحت ستار الدفاع عن حرية الشعوب ودرء الخطر الشيوعي .
وهي قد ‘رسمت استناداً إلى توازن القوى الجديد بين الدول الكبرى ، الناشئ بعد الحرب العالمية الثانية ، الذي تميز بتزايد قوة أمريكا وبانحسار كبير في قوى جميع البلدان الرأسمالية الإمبريالية وانهيار بعضها ( ألمانيا واليابان وغيرها ) . وكذا لمواجهة تزايد نفوذ الاتحاد السوفيتي ومنعه من التحول نحو بناء الاشتراكية .
وكما هو معروف كان العراق ضمن مناطق نفوذ بريطانيا العظمى وقت الإعلان عن مبدأ أيزنهاور .
 ثورة 14تموز" يوليو" 1958.
 أسفرت ثورة 14 تموز " يوليو" عام 1958 ، عن إزالة النظام الملكي الخاضع لنفوذ بريطانيا وإقامة الحكم الوطني الجمهوري . وكان لنجاح الثورة في تنفيذ أهدافها ، أن يشكل تهديداً جدياً لمصالح بريطانيا في العراق والشرق الأوسط ، وكذا لسياسة إعادة اقتسام النفوذ الإمبريالي على حساب الشعوب . ولهذا توحدت جهود الدول الإمبريالية لمحاربة الثورة ومنعها من التطور ومن ثمَّ القضاء عليها . وخلال التآمر البريطاني _ الأمريكي المشترك لإجهاض الثورة خفت حدة التناقضات بين الطرفين دون اختفائها ، بل أن أمريكا قد وجدت في متاعب حليفتها فرصتها في تعزيز وتقوية نفوذها داخل الساحة السياسية العراقية ووجدت ضالتها في يمين حزب البعث الاشتراكي ( جناح عفلق ) أداة لها في التنفيذ ، والذي أراد القفز إلى السلطة بأي ثمن . أما بريطانيا فكانت تمتلك أدواتها الخاصة بها التي لم تتم تصفيتها تماماً من قبل سلطة الثورة . وأسفر تآمرهما المشترك عن تنفيذ انقلاب دموي في 8 شباط " فبراير " 1963 .. أسقط الحكم الوطني في العراق وأجهض الثورة .
وقد سبق لأمريكا أن جربت تكتيكاً ناجحاً لسياستها في إيران ، بمشاركتها في التآمر في إسقاط حكومة مصدق الوطنية( 1952 ) ، حقق لها زعزعة  " حليفتها " بريطانيا من موقع النفوذ الأول لتحل هي محلها . لم يكن مقدراً لتكرار التجربة في العراق دفعة واحدة بسبب إزاحة زمرة البعث من الحكم  من قبل شركائها ـ في تنفيذ الانقلاب والجرائم ـ في تشرين الثاني " نوفمبر " من نفس العام . . وكانت تلك الإزاحة انتكاسةً مؤقتة لأمريكا لصالح بريطانيا .
                
   تداعيات انتكاسة 5 حزيران " يونيو " عام  1967 .
تواصل التنافس بين أمريكا وبريطانيا وبات الصراع سجالاً بين الطرفين دون حسم نهائي حتى 5 حزيران " يونيو " عام 1967 .. عندها شهد العالم العربي انتكاسة مخزية للحكام العرب رافعي الشعارات القومية ومنهم حكام العراق . لقد أفرزت الانتكاسة رد فعل شعبي عنيف ضد الحاكمين أخذ يهدد بجدية مصير الحكم في العراق .
عندها خفت التناقضات بين أمريكا و"حليفتها " بريطانيا بهدف معالجة أزمة الحكم ومنع تطور الأحداث لصالح القوى الوطنية ، فتضافرت جهودهما المشتركة وأسفرت عن تنفيذ انقلاب عسكري " أبيض " في 17 تموز " يوليو " عام 1968 ، شاركت فيه الأدوات الداخلية للطرفين . وبذلك عاد الجناح اليميني لحزب البعث ليشغل مراكز أساسية في السلطة سرعان ما استخدمها ضد حلفاءه فأقصاهم من الحكم في انقلاب " أبيض " آخر نفذه في 30 من الشهر نفسه . وبهذا التحول تكون أمريكا قد أنجزت خطوة حاسمة في تنفيذ سياستها في ملئ الفراغ في العراق . ومنذ ذلك الحين أصبح الحكم في العراق أداة نشطة وفعالة بيد أمريكا لمواصلة نهجها وسياستها في العالم العربي وداخل حركات التحرر العالمية موظفةً إمكانيات العراق وثرواته المادية وطاقاته البشرية لهذا الغرض . لقد استغرقت عملية تجميل صورة يمين البعث حوالي عقداً من الزمن لترسيخ حكمه وتأهيله محلياً وعربياً وعالمياً .
لحرب على الثورة الإيرانية عام 1980  .
ألحق نجاح الثورة في إيران ـ بطرد الشاه واستلام السلطة من قبل القوى الإسلامية المعادية لأمريكا والصهيونية ـ أضراراً جسيمة بالنفوذ الأمريكي فيها وفي المنطقة أيضاً كون نظام الشاه كان قد تحول أداةً لها في تنفيذ سياسة " ملئ الفراغ " في دول الخليج وغيرها . عندها لجأت أمريكا لاستخدام سلطة البعث العراقي في محاولة لاستعادة ما فقدته في إيران ولهذا الغرض شنت الحرب ضدها .
 لم تسفر الحرب عن انهيار سريع للسلطة الجديدة في إيران وإحلال بديل لها يعيدها إلى دائرة نفوذ أمريكا بسبب المقاومة الباسلة للشعب الإيراني وإصراره على الصمود والمقاومة رغم الخسائر الجسيمة والاختلال في توازن القوى العسكرية والمادية لغير صالح إيران ، بفضل دعم  أمريكا والدول العربية الرجعية دعماً استثنائياً لحكام العراق . وبدون ذلك الدعم ما كان لزمرة البعث أن تبقى في الحكم . فغالبية أبناء الشعب العراقي عارضت الحرب ووقفت ضدها وقاومتها بدرجات متفاوتة كما إن أوساطاً هامة منه كانت تدعم وتساند الثورة الإيرانية وتتعاطف معها . وكان لإطالة أمد الحرب أن تعمق أكثر فأكثر الهوة بين الشعب العراقي وزمرة الحكم مما يزيد في احتمالات سقوطها نتيجة لأي حدث طارئ . ولهذا انصبت جهود أمريكا على دعمها بشكل مكشوف ، رافعة بذلك البرقع الزائف عن عداء الزمرة لها وللصهيونية ، وعملت في نفس الوقت على إيقاف الحرب ولو بشروط مهينة لحكام بغداد إنقاذا لها من ورطتها . لقد تحول هدف أمريكا من إسقاط النظام الإيراني ، من وراء الحرب ، إلى إنقاذ زمرة بغداد من السقوط .
 غزو غادر لدولة الكويت .
بعد أن أنجزت أمريكا هدفها في الحفاظ على حكم الزمرة توجهت لتسخيرها لتحقيق سياستها في ملئ الفراغ . ولهذا تمَّ غزو الكويت في 2 آب " أغسطس " 1990 . وكان هذا الغزو ذريعةً لشن حرب الخليج الثانية ، التي أسفرت عن تعزيز النفوذ الأمريكي في الكويت أولاً وفي الخليج أيضاً على حساب بريطانيا بالمقام الأول ، وكذا حرمان جميع الدول ، بالحصار ، من الاستثمار في العراق . 
إن نتائج الأحداث وإفرازاتها على أرض الواقع تدل بصورة قاطعة على أن زمرة البعث لم تكن إلا أداةً طيعة بيد الإدارة الأمريكية لتنفيذ سياستها الستراتيجية في المنطقة والعالم في خلق " الفراغ "! والنتائج العملية أصدق من جميع أشكال الادعاءات والأضاليل .
 لماذا عمدت أمريكا إلى إزاحة زمرة البعث من حكم العراق أخيراً ؟
التفسير المنطقي ، كما أعتقد ، نجده في مسألتين  أساسيتين :
المسألة الأولى تتعلق بسياسة الإدارة الأمريكية ذاتها ..
لقد أسفرت حرب الخليج الثانية عن نشوء " فراغ " ، نتيجة لسياسة الحصار ، الذي أبعد جميع الدول الكبرى عن الاستثمار في العراق وخاصة في قطاع النفط . وتحوي أرض العراق على احتياطي بترولي كبير هو في المرتبة الثانية عالمياً ( أكثر من 110 مليار برميل ) حسبما هو معلن رسمياً . وهو احتياطي مرشح للزيادة بصورة كبيرة قد تضع العراق في المرتبة الأولى حسبما أكده بعض الخبراء العراقيين العاملين في مجال استكشاف الثروة النفطية مدةً طويلة . وقد حَرّمَ نظام الزمرة البائدة عليهم التصريح بهذه الحقيقة علناً . وفي كل الأحوال كان لا بد لأمريكا من تحقيق المرحلة التالية بعد إزاحة المنافسين ، وهي المباشرة باستثمار هذا الاحتياطي وكذا في مشاريع الصناعات التحويلية ذات العلاقة وغيرها ، بواسطة احتكاراتها ، وتوظيفه لصالح أهدافها الستراتيجية على المستوى العالمي .
 والسؤال .. هل كان ممكناً لأمريكا أن تخطو الخطوة الثانية .. وهي " ملئ الفراغ " ـ بعد استحداثه ـ وهو الهدف الرئيسي ، في ظل وجود زمرة البعث في الحكم وفي ظل بقاء الحصار ؟
 أشك في أن تكون الإدارة الأمريكية على درجة من السذاجة ، فتكشف عن نوياها الحقيقية ، من وراء حرب الخليج الثانية ودورها في إشعالها ، باختيارها التعاون الفاضح مع حكم الزمرة !
أما المسألة الثانية فهي تتعلق بمقدرة نظام زمرة بغداد في مواصلة الحكم مع توفر حد أدنى من الضمان بعدم انهياره لأي سبب كان .. ومثل هذا الضمان من الأولويات لدى مخططي السياسة الأمريكية دون شك ، خاصة بعد تجربتها القاسية والمريرة في إيران ، وهي تجربة طرية .
لقد بات معروفاً الآن ، أكثر من أي وقت مضى ، مدى تفكك نظام الزمرة وعزلته القاتلة وأزمته الخانقة وقطيعته الشاملة مع الشعب العراقي .
لقد بات النظام عاجزاً عن إيقاف حالة تفككه وتفسخه المتواصلة حتى وصلت إلى أضيق دائرة هي دائرة رأس الزمرة .. عشيرته وعائلته ، خاصةً بعد قمع الانتفاضة الشاملة للشعب العراقي في آذار " مارس " 1991 ، التي تمَّ قمعها بهمجية مطلقة بمباركة أمريكية سافرة ، لكنها أسفرت بالنتيجة عن تحرر كوردستان ـ العراق من سلطة الزمرة في بغداد .
وإن كان أبناء الشعب العراقي على معرفة بقسم من المعلومات عن التدهور والانحطاط في وضع الزمرة ، فهو كان بيناً وجلياً أضعاف المرات لدى أولي الأمر في أمريكا ! .
 لقد سبق لأمريكا وبريطانيا المبادرة إلى تغيير سلطة عارف الهزيلة في تموز " يوليو " عام 1968 رغم أن سلطة عارف لم تكن آنذاك على القدر من التدهور والقطيعة مع الشعب كما آل إليه حكم البعث عام 2003 . وقد أظهرت " المقابر الجماعية " المدى الواسع والشامل والعنيد لمقاومة الشعب العراقي الباسل لحكم الزمرة وإصراره على رفضها رغم سياسة الإبادة الشاملة ضده ، وبالرغم من  سياسة أمريكا في " رهن " قوت الشعب لدى الزمرة عن طريق الحصار الاقتصادي الظالم .
حقائق كانت تعرفها أجهزة المخابرات الأمريكية أفضل من أي جهة أخرى . قد يكون لمثل هذا النظام المسخ " السـبّة " حظ _ما في البقاء لمدة _ما ، لكنه في كل الأحوال لا يحظى بحد أدنى من الضمان على مستقبله بالقدر الذي يطمئن مخططي سياسة الإدارة الأمريكية . ولهذا كان لا بد من التغيير..  لقد استهلكت الأداة القديمة وبات من الضروري استبدالها .
 حرب كاذبة ومفتعلة .. وسيلةً للتغيير ! 
العاملين المذكورين كدوافع لتغيير النظام لا تلغي عوامل أخرى ، لكنهما بتقديري هما الرئيسيان .
ويعزز من صحة مثل هذه القراءة هو " السيناريو " الذي أتبع في عملية التغيير .. حرب كاذبة ومفتعلة ، لم تستغرق سوى ثلاثة أسابيع .. هي المدة الضرورية ، بل القياسية ، لتحريك ونقل قوات بحجم القوات الأمريكية والبريطانية المحتلة حتى بدون قتال صوري ! . لقد كان هذا السيناريو في التغيير هو السيناريو الأكثر ضماناً لأمريكا في إجراء التغيير .
فبدون تواجد القوات الأمريكية في بغداد ومناطق العراق الأخرى ودون تهميش لدور القوى الوطنية العراقية الفاعلة كما حصل قبل وأثناء " الحرب " .. ما كان لأي سيناريو آخر أن يضمن عدم تطور الأحداث لغير صالح أمريكا لو اختارت مثلاً أسلوبها السابق في تنظيم انقلاب عسكري  دون تواجد قوات الاحتلال ، إذ سيعقبه حتما تحرك جماهيري مقدراً له أن يكون أوسع بكثير مما شاهدنا عند سقوط نظام الزمرة في  9 نيسان " أبريل " 2003 .. والمستمر لحد الآن ، على سعته وشموليته وعنفوانه .. إن مثل ذلك التحرك الجماهيري كان من شأنه خلق وضع ثوري غير مسبوق لا يمكن للإدارة الأمريكية أن تطمئن لنتائجه الوخيمة عليها حسب مفاهيمها . وهذا السبب
هو وراء معارضة أو إجهاض أمريكا لعدة محاولات انقلابية بادرت إليها بعض أوساط المعارضة العراقية خلال التسعينيات منها مثلاً المحاولة الجادة التي جرت عام 1995 ، ‘سلمت خلاها أسماء أبرز المنفذين ـ من ضمنهم مثلاً رئيس أطباء القصر الجمهوري راجي التكريتي ـ إلى أمريكا قصد الحصول على دعمها ، لكنها سلمتها بدورها إلى الزمرة فأبادتهم بوحشية .. فأجهض الانقلاب !.
وعن وقت " عملية تغيير"  نظام الحكم في العراق ، أزعم أنه قد تأخر بسبب فشل الجمهوريين
" غربان الحروب " في العودة إلى السلطة عام 1992.. بعد جريمتهم في إشعال حرب الخليج الثانية . . والديمقراطيون هم الأقل قدرةً على تعبئة جماهيرهم لخوض " الحرب " وهو السيناريو الوحيد ، مضمون النتائج ، في الحالة العراقية ، بالنسبة لمخططي السياسة الأمريكية . وقد سنحت الفرصة للتنفيذ بعد وصول الحزب الجمهوري إلى الحكم وافتعاله " الحرب على الإرهاب " كحرب عالمية لا يرغب الجمهوريون نهايةً لها كونها امتداداً  لسياسة "  ملئ الفراغ  " ! .  
بماذا يمكن أن تفيدنا ، في الظرف الراهن ، قراءة  " سلوك " أمريكا في العراق ؟
إن سجل أمريكا في العراق هو سجل قاتم ودورها لا يولد غير الحقد والمرارة .. ولكن ليس بالحقد الأعمى يخاض الصراع إلا قصد الانتحار .. لقد بات الاحتلال واقعاً معاشاً والقراءة الصائبة لأهداف أمريكا ونواياها الحقيقية تساعد على تلمس الطريق العملي والواقعي للخلاص ولتجنيب الشعب العراقي كوارث ومآسي جديدة نتيجة الغفلة أو تجاهل عبر وتجارب الماضي المرير .
وفي مقدمة هذه الدروس هو أن أمريكا على جبروت قوتها العسكرية والاقتصادية لم يكن بمقدورها أن تجعل من العراق أداة لتنفيذ استراتيجيتها دون " عون " داخلي استطاع التسلل داخل الحركة الوطنية تحت شعارات زائفة عن محاربة أمريكا والصهيونية .
وعلى بساطة هذا الاستنتاج ووضوحه يبدو أن التأكيد عليه ضرورياً وملحاً في الظرف الراهن ، عندما تنبري قوى لا تؤمن بحقوق الإنسان للمزايدة في مقاومة الاحتلال دون تقديم برنامج عمل تلتزم به أمام الشعب ، وعن موقفها بالأخص من الديمقراطية وحرية الناس كحد أدنى لضمان عدم تحولها إلى بديل للزمرة البائدة لدى أمريكا أو لدى غيرها من " الكبار " ! .
 استنتاجات رئيسية .
على ضوء ما تقدم ، يمكن الخروج بحقائق أساسية تستحق التأمل : ـ
1-    إن إمكانية زمرة البعث في العودة إلى الحكم هي مجرد وهم أو " فزّاعة "  للتضليل أو الاستغفال . لقد فقدت الزمرة مقومات بقائها في السلطة عند خسارتها المطلقة لشعبها .. فلفضها والي نعمتها ! .
2-     إن سياسة الإدارة الأمريكية ثابتة .. إن الرهان على تغيرها جذرياً هو وهم آخر أو من الأمنيات الخيالية ، في أحسن الأحوال ، حتى وإن كانت وراءها نوايا طيبة .
  أزعم أن الحل الأمثل لأمريكا في تنفيذ سياستها ، حسب مقاييسها ، هو محاولة إيجاد البديل للزمرة البائدة من بين الفئات والعناصر الطفيلية تحت واجهة وشعارات جديدة ..
وهنا يكمن الخطر الأساسي للاحتلال . أما الاحتلال بذاته ، في حالة العجز عن اختراق الجبهة الداخلية ، سيكون عبأً على أمريكا ومضراً بمصالحها وبسياستها الكونية في مناطق ودول أخرى .
3-     إن درء مضار السياسة الأمريكية عن العراق أمر بيد القوى الوطنية وهي قادرة على تحقيقه مع الاستفادة من قدرات أمريكا الاقتصادية خاصةً في مجال الاستثمار ..  هدفها الرئيسي .
وفي هذه النقطة ينبغي الاستفادة من تجارب اليابان وألمانيا وفرنسا وغيرها في التعامل مع أمريكا .
لقد نجحت هذه البلدان في إعادة بناء دولها المنهارة واستعادة عافية اقتصادها بواسطة الاستثمارات الضخمة التي وضفتها أمريكا لمصلحة الطرفين . وقد تحقق التعاون المشترك بنجاح بفضل ( فقط بفضل )  متانة الجبهة الداخلية لهذه البلدان لاغيةً بذلك جدوى اختراقها .. 
علماً بأن أمريكا وحليفتها بريطانيا قد جربتا إحداث اختراق فيها .. مثلاً ، محاولتهما الفاشلة في فرنسا بالتعامل مع " جنرال مرتزق " كبديل للجنرال ديغول ! .
4-    أزعم أن أكثر ما يؤرق أمريكا ، هو أن يتمكن منافسوها ، وفي المقدمة منهم " حليفتها " .. بريطانيا العظمى ، من النجاح في اختراق الجبهة الداخلية وتغيير مسار الأحداث في اتجاه آخر كما حصل لها في نهاية عام 1963 ، أو كما فعلت هي بحليفتها في 30 تموز " يوليو " 1968 . وكذا حال بريطانيا .. ولإزالة هذا القلق " المشروع " ! لدى الطرفين .. لا بد من تحصين الجبهة الداخلية من أي اختراق محتمل .. وكفانا شر القتال بينهما ! .
5-    إن التعويل على التنافس بين الدول الرأسمالية ـ في تحسين شروط الاستثمار أو رفع أسعار المواد الأولية كالبترول وغيرها ـ أمر مبالغ فيه ، وكذا الحال مع الخشية من تدهورها ، كما يروج البعض وينسبها للاحتلال ، إذ أن حالها جميعاً تحددها ، صعوداً أو هبوطاً ، آلية " السوق الدولية " التي تتحكم بها في الأساس الدول الرأسمالية الكبرى ، ولهذا فهي قضية لا يعاني منها العراق فقط ، بل وأيضاً جميع الدول النامية ، لكنها قطعاً ليست من تداعيات احتلال العراق .. ومعالجتها قضية ليست ضمن موضوعنا .
القضية المركزية
من كل ما تقدم يتضح بجلاء أن " عقدة العقد " ، في الوضع السياسي الراهن في العراق ، تتجسد في الصراع الداخلي حول طبيعة ونهج الحكم الجديد .. هل سيكون حكماً خاضعاً لإرادة الشعب حقاً وحقيقةً ويستمد منه " الطاقة السحرية " القادرة على حل كل العقد والمشاكل الموروثة والتقدم إلى الأمام ، أم العودة إلى المربع الأول ؟
‘يشاع بأنه لا توجد " عصا سحرية " قادرة على التصدي لرغبات أمريكا والدول الكبرى .
بلى .. توجد مثل هذه العصا .. إنها " عصا " الديمقراطية والالتصاق بقوة بالشعب فهو من يمدها بقوة سحرية .. وكلامي ليس دعائياً أو تحريضياً فحسب ، بل هو واقع ملموس عايشه العراقيون في كوردستان . لقد استخدمت وجربت جميع القوى الوطنية العراقية فيها مثل هذه " العصا " ، ونجحت في تحقيق ما يمكن  اعتباره " معجزة " بحق ، وهو بناء وصيانة نظام حكم ديمقراطي ‘يسعد الشعب وله مكانته ودوره وصوته المسموع في ظروف استثنائية بالغة التعقيد والصعوبات . ولا شك أنها  قادرة أيضاً على نشر التجربة وتطويرها في جميع أنحاء العراق .
ومثل آخر قريب لا يزال طازجاً .. لقد مَكّنت الديمقراطية  الشعب التركي من منع " العسكر " ذوي النفوذ الكبير من إشراك تركيا ، عضو حلف شمال الأطلسي ! ، في تنفيذ مخطط أمريكا في العراق قبل بضعة شهور ..
 الديمقراطية .. هي العصا السحرية لحل جميع العقد والمشاكل ، فبواسطتها وحدها تتوفر الحصانة الداخلية وتطلق طاقات الشعب الكامنة .. الطاقات القادرة على لجم القوى الكبرى ومنعها من توظيف إمكانيات العراق في إدارة صراعاتها فيما بينها وإجبارها على التعامل والتعاون مع العراقيين باحترام ، وبذلك سيفقد الاحتلال جدوى وجوده لدى المحتل نفسه .     
           القضية المركزية ..   انتزاع الديمقراطية وإقامة سلطتها !
              15/ آب /2003 .                
 

الطريق



#نزار_خالد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول توحيد - اليسار الديمقراطي العراقي - في حزب واحد ؟
- قراءة في ـ عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي . / 3
- عن إعلامنا الشيوعي والشعارات المركزية
- قراءة في / عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي . /2
- حكام العراق ومهزلة التاريخ !
- قراءة في كتاب " عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي " ج 1.
- صوت أمريكا اليوم والغد !
- النهج الثالث !
- زيارات عمل ...في الوقت المناسب وفي المكان الأنسب !
- روسيا في الناتو ..اندماج أم صراع بشكل جديد ؟
- النظام العالمـي ..صراع أقطاب أم صراع طبقات ؟
- أمريكا وحربها المفترضة ضد العراق والتجربة اليوغسلافية
- ما هي طبيعة السلطة الحاكمة في العراق ؟وما هي ضرورة تشخيصها ؟
- محاولة في قراءة الوضع السياسي الراهن في العراق
- حول إنتفاضة الشعب العراقي في آذار 1991


المزيد.....




- بوتين يكشف عن معلومات جديدة بخصوص الصاروخ -أوريشنيك-
- هجوم روسي على سومي يسفر عن مقتل شخصين وإصابة 12 آخرين
- طالب نرويجي خلف القضبان بتهمة التجسس على أمريكا لصالح روسيا ...
- -حزب الله-: اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية مع ال ...
- لبنان.. مقتل مدير مستشفى -دار الأمل- الجامعي وعدد من الأشخاص ...
- بعد 4 أشهر من الفضيحة.. وزيرة الخارجية الألمانية تعلن طلاقها ...
- مدفيديف حول استخدام الأسلحة النووية: لا يوجد أشخاص مجانين في ...
- -نيويورك تايمز- عن مسؤولين: شروط وقف إطلاق النار المقترح بين ...
- بايدن وماكرون يبحثان جهود وقف إطلاق النار في لبنان
- الكويت.. الداخلية تنفي شائعات بشأن الجنسية


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نزار خالد - العـراق وأهداف أمريكا الستراتيجية