مرسل الكسيبي
الحوار المتمدن-العدد: 1886 - 2007 / 4 / 15 - 11:45
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
مفزعة جدا وبشعة للغاية تطورات مدينة الدار البيضاء المغربية وأليمة أكثر تلكم الانفجارات الدموية الرهيبة التي وقعت هذا اليوم الأربعاء الحادي عشر من أبريل 2007 بالعاصمة الجزائرية الجزائر...
صورة دموية حمراء تنقلت مشاهدها القانية بين الأشلاء والأعضاء المبتورة وسط ركام من الخراب واثار الدمار الذي أحدثه الارهاب الدموي الذي استهدف الخلاص من ضيق الدنيا وأخطاء السياسة بالانخراط في أعمال انتحارية-مثال الدار البيضاء , أو بتفخيخ السيارات واستهداف واحد من أبرز رجال السياسة اعتدالا في صفوف جبهة التحرير الوطني وهو رئيس الوزراء السيد عبد العزيز بلخادم ...
عمل وصفه رئيس وزراء الشقيقة الجزائر بالجبان والاجرامي ولاأظن أن العاقل والمحب لوطنه ودينه والمنضبط لأحكام الشريعة الغراء يرى فيه غير ذلك ...
الغضب على الأنظمة السياسية وأخطائها أو بعض مظالمها لايمكن التعبير عنه اطلاقا بمثل هذه الأعمال التخريبية والدموية التي لن تزيد الا من تعكير الوضع الأمني والسياسي بمنطقتنا العربية والاسلامية بل انها قد تكون مبررا حقيقيا لاعادة التدخل العسكري المباشر في بلداننا المغاربية وسائر بلاد المنطقة العربية المستهدفة بهذه الأعمال.
مانراه اليوم من اجتماعات متتالية بين بلدان المنطقة ودول الجوار الصناعية والنافذة في المسرح الدولي لايمكن أن يخرج أبدا عن هذا الاطار ...
اجتماعات أمنية مشتركة ,تنسيق مشترك في مكافحة الارهاب ,تدريبات مشتركة ,مناورات ,قيادة مشتركة لمكافحة الارهاب : موضوعات خطيرة وشديدة الحساسية لايتحمل عبئها الأكبر أنظمة سياسية ضعيفة لاقدرة لها على مواجهة المجتمع الدولي بل يتحمل وزرها الكبير تنظيمات عسكرية وسرية عنيفة تحمل يافطة الاسلام ولكنها تسيء اليه من حيث لاتشعر ولاتدري .
أنظمتنا السياسية تتحمل بلاشك شيئا من المسؤولية التقصيرية في ملفات الاصلاح واحترام عقائد وقيم شعوب المنطقة ,غير أن هذا لايبرر مطلقا اللجوء الى سياسة علي وعلى أعدائي التي تعتمدها بعض الجماعات الاسلامية المسلحة حين تدرك عجزها عن تغيير الأوضاع أو عجزها عن تركيع الدولة لشروط سياسية صارمة لاتقبل بها النخب الحاكمة ولا حتى قطاعات عريضة من النخب المعارضة فمابالكم بعواصم صناعة القرار الدولي.
لايمكن في هذا الموضع توجيه الاتهام بشكل مباشر الى نظامي المغرب والجزائر في رفض مطالب الاصلاح ,اذ أن عجلته جارية على قدم وساق منذ أن استلم الرئيس بوتفليقة والملك الشاب محمد السادس مقاليد الحكم ,غير أن عصا الحاكم ليست بالسحرية بحيث تحل قضايا مجتمعاتنا وتحدياتها بين عشية وضحاها ,الا أن هذا لايعني بأن البلدين معفيين من ادخال ديناميكية جديدة على موضوعات حساسة تهم شرائح الشباب وعلى رأسها قضايا التشغيل والنهوض بالتعليم والانخراط في معارك التنمية الشاملة التي تتيح للشباب فرص المشاركة الاقتصادية والسياسية الواسعة ...
ان المتابع لمسيرة البلدين منذ حوالي عقد كامل يلحظ تطورا على مستوى الأداء السياسي والاقتصادي مقارنة بالعهود السابقة , اذ تنكب الدولة على ملفات توسيع دائرة المشاركة السياسية وتطوير البنى التحتية ونشر التعليم والتصدي لمخلفات المظالم الحقوقية التي ورثتها عن العهود السابقة..
غير أن هذه الصفحة الايجابية في مسيرة المغرب الأقصى والجزائر تحتاج بلا شك الى دعم من قوى المجتمع المدني وانخراط حقيقي في قضايا البناء والتشييد والنظر بعين النسبية الى امكانيات الدولتين في ظرف دولي قاهر وحساس ...
ليست مسيرة البلدين بلاشك مسيرة مكتملة ولا بالمثالية ولاأظن أن ثمة بلدا في العالم قد حقق هذه المراتب في الأداء الحكومي والسياسي ,اذ لم يخل بلد على وجه الأرض من مشكلات أمنية او سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ,ولكن ما ينبغي أن نجتمع عليه تفكيرا وتخطيطا وممارسة هو أن استعمال العنف والانخراط فيه يعد انحرافا قبيحا من شأنه أن يهدد مكتسبات الشعوب والبلدان ويأتي على خراب ومظالم لا يعدها ولايحصيها الا رب العباد.
لابد أن نتفق جميعا على ان العنف الذي تمارسه بعض الجهات الأمنية في أجواء الاستقرار السياسي ساهم بلا شك في تعزيز مشاعر الكراهية والاحتقان العام ,ولابد أن نقر بأن تعثر عملية الانتقال والتحول السياسي الهادئ ساهم هو الاخر في تخريج أفواج من الشباب كافرة باليات التحول الديمقراطي ,والأخطر من كل هذا هو أن استخفاف بعض الأقليات الحاكمة في بعض البلاد العربية والاسلامية بعقائد وثوابت الشعوب الدينية والحضارية أعطى مبررا قبيحا وغير شرعي لجماعات العنف من أجل الكفران بالأنظمة السائدة والتعاطي مع مكوناتها بمنطق عدمي توخى سبيله الى التغيير عبر القتل الجماعي والتفجير عند العجز عن احداث الانتقال السياسي المدني والأهلي.
انحرافات خطيرة تقع فيها جماعات العنف المسلح باسم الاسلام وأخطاء وقعت فيها بعض الأنظمة السياسية نتيجة تراكمات قديمة ورثتها عن أنظمة سابقة كما هو الحال في نموذجي المغرب والجزائر ,وهو ماشكل خلطة كيمياوية ذات منشأ اجتماعي وسياسي وثقافي أدت الى حالة انفجار عدمي سوف لن يساهم الا في تعقيد أوضاع المنطقة وتقديم هدايا على طبق من ذهب لبعض القوى الأجنبية المترصدة من أجل مزيد من املاء الشروط الدولية المجحفة.
تحالف قوى الاعتدال السياسي مع القوى الخيرة وأجنحة الاصلاح داخل بلدان المنطقة بات أمرا ضروريا من أجل رفع الغطاء عن أعمال القتل الجماعي والتخريب باسم الاسلام,وبالمقابل فان الأنظمة مع اقرارنا باختلاف الواقع من بلد لاخر أصبحت مطالبة اليوم بالانخراط الايجابي والفوري في موضوعات الاصلاح والمصالحة مع شعوبها وهوياتها وثقافاتها المحلية ومع كل العناصر الخيرة من أجل وضع قاطرة الاصلاح الشامل على سكتها الموصلة بدل الانحراف بهذه القاطرة باتجاه مسار أجنبي وغير وطني من شأنه أن يعيد بلادنا المغاربية والعربية الى حقبة أخشى أن تذكرنا بحقبة الاستعمار.
وفي الختام انها دعوة صادقة الى قطع الطريق على مبررات العنف والياته في موضوعات الاختلاف السياسي والفكري عبر فتح قنوات الحوار الوطني في كل بلدان المغرب العربي وفي سائر بلاد العرب والاسلام من أجل التفكير مليا والعمل سويا على انقاذ مجتمعاتنا من دوامة العنف والعنف المضاد.
حرر بتاريخ 11 أفريل 2007-24 ربيع الأول 1428 ه.
*كاتب واعلامي تونسي- رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية
[email protected]
#مرسل_الكسيبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟