عباس النوري
الحوار المتمدن-العدد: 1887 - 2007 / 4 / 16 - 07:41
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
نعم .. وإلا ما سبب المقولة التي تقول عن العقول - التي يقال- عنها مغسولة أو مبرمجه, أو متحجرة.
لا... هذه ليست مقالة علمية تتحث عن العقل البشري بصورة عامة, بل أنها كلمات تخص العقل العراقي بشكل خاص. وقد نعتبر كثيراً... ونصل لحلول واقعية كما هو مطالب به من قبل الكثيرين, في ضل الظروف المستعصية التي يمر بها الشعب العراقي.
قد سمع الكثيرون من يقول العقول المتحجرة...والجامدة, لكن هل هناك سبب حقيقي وراء أمثال هذه المقولات, أم أن الذي يقذف الآخرين بمثل هذه المصطلحات له عداء أو في داخل كره وضغينه. أم أن الذي يقول هكذا بحق أناس قد لا يعرفهم حق المعرفة ينوي لشأن ومصلحة خاصة. أم أنه حزين لوضعهم المأساوي ويحاول إبداء المساعدة ؟؟
لكن أيهما أفضل أن نســـمع الآخرين كلاماً سلبياً أم نســمعهم كلاماً جميلاً ... وهذا الذي أنوي الحديث عنه, لعل هناك من يجد فيه صواباً فيتخذه, أو يراه آخر غير مصيب فلا يكترث به كثيرا.
في رأي أن استخدام المصطلحات الجميلة لها مردود إيجابي, والحيث الشريف( الكلمة الطيبة صدقه) لها دائل كثيرة, ولكنني لا أريد الخوض في معاني وتفسيرات الحديث الشريف ولا لتلك القصص ذات العلاقة بالحديث. لأنه بإمكان الجميع البحث عنه والتوصل إليه. الذي يهمني في الأمر هو البحث عن كيفية استخدام الكلام الجميل بين العراقيين وأثره الايجابي على الوضع المتأزم في العراق. والجميع يعرف أن ما جرى من ويلات وما يجري من قتل وتشريد أحد أهم أسبابه التطرق لكلمات فرقت الشعب عوض ان لو تحلوا السياسيين الجدد للخطاب الذي يخلق الألفة والمحبة ويغســـل الضغائن القديمة.
الحب... أفضل مصطلح له سحره...الذي اذا استخدم بصورة صحيحة يمكن أن يخلق معجزات. لنلقي نظرة سريعة في تأريخ المجتمع العراقي لنرى كيفية حالة الشخصية العراقية, كإنسان ماذا قاسى وكم عانى من مصائب بسبب سياسات مجحفة, واليوم بدأ تمزيق الجسد العراقي نتيجة صيحات مستفزة جرت العراقيين للتقاتل بعد خلاصهم من أعتى دكتاتورية في العصر الحديث. قتلوا الفرحة بكلمات كلها سلبية مسمومة قاتلة لكل ذرة محبة وحنان. وأنتشر البغضاء والكره والحقد...ورجع العراق لعصور مظلمة لا يكاد أن ينجوا من مهالك الوحشية المفترسة إلا بقدرة وســـحر الكلمة الطيبة.
قرأت بأن شخصاً حصل على جأئزة نوبل لأنه أكتشف بأن تكرار أي عملية يولد مفهوم ثابت وغير قابل للتغيير بسهولة. هذا العالم كان ذات يوم قرب ساحل فرأى ( حلزونه ) فأخذها يتفحصها عن قرب وكثب. لكن الحلزونه تختبيء في كل مرة ترى أن هناك خطر. فأخذ العالم أبرة ونقر رأس الحلزونه بها في كل مرة حين تخرج راسها من الصدفه. وبعد تكرار العملية لعدة مرات تعودة الحلزونه على الأبرة فلم تختبيء. رجع العالم الباحث لمختبره ووضع اسلاك مثبتة بدماغ الحلزونه ومربوطة بجهاز الحاسوب... وبدأ بحثه..حتى توصل إلى نتيجة أن تكراره لنقر رأس الحلزونه بأبرة لمرات... تنمي لدى دماغها شعور بالتقبل. ثم كتب عن الموضوع ليصبح بعدها أمراً يفيد بها البشرية وادى نتائج بحثه ودراسته وتجاربه ليحصل على جائزة نوبل المشهورة التي هي بمثابة تقدير للعلماء في مجالات مختلفة.
خطرت لي فكرة على غرار أعلاه, بأن الأمراض النفسية يمكن للإنســان الوقاية منها بمثل هذه الطريقة. أي أن تكرار قبل الخبر ينمي شعور تقبل الخبر والتفاعل معه دون مردود وردت أفعال مفاجئة... أي أن أي خبر مفاجيء له ردت فعل مفاجئة, فلو قيل لشخص فقير أنك ربحت مبلغا ضخما لا يتخيله قد يصاب جراء الخبر بغبطة ووكعة وصدمة قد تؤدي بحياته. لكن الظاهر أصبح العراقيون يتقبلون كل الأخبار المروعة وكأنها أمر بسيط لكثرتها وتكرارها. وهذا قد يؤدي لمرض اجتماعي خطير جداً ...عدم الأكتراث للكوارث...
ويصبح الأمر طبيعياً ولا يهتم أحد لأمر القتل...وكثيراً ما سمعنا عن قتل العراقي بمبلغٍ بخس قد لا يتجاوز مائة دولار. وكل ذلك نتيجة لخطابات ثورية مهددة لوجدان الإنسان وكل قيمه الإنسانية فيصبح أكل لحوم البشر. والقتلة يعتادون على القتل لدرجة إذا لم يمارسوا يوماً قتل البشر يصابون بهستريا حادة. وهذا معروف لدى علم النفس.
المراد مما ورد, أنه من الواجب على المثقفين وأصحاب المعرفة التصدي لهذا الخطر وتعميم مصطلحات ايجابية ومتكررة للحد من الخطر والأمراض الاجتماعية المتسشرية في المجتمع العراقي. وأن السياسيين يجب أن تتغير خطابهم ويتقوا الله لهذه الدماء التي تسال من أجل استمرارهم في الحكم والسلطة وسرقت ثروات البلد. أن أثر نشر المحبة بين العراقيين سيعطي حافزاً للتقارب والتفاهم وشد أواصر المواطنة بعيداً كل البعد عن الأفكار التي تزعز الثقة بالآخر.
في العراق عدد من المجتمعات, ولكل مجتمع خصوصيات, ولكلً تاريخ طويل وثقافة خاصة. وهناك أديان متعددة ومذاهب متنوعة وقوميات مختلفة من حيث اللغة والثقافة والعادات والطبائع وما إلى ذلك من أمور تميز الواحدة عن الأخرى. كثراً ما سمعنا ونسمع بمصطلح الوحدة والتوحيد والشعب العراقي الواحد, وأراها كسابقاتها من الشعارات المزيفة للواقع والحقيقة. بالأمس القريب أرادوا أن يجعلوا العراق جزءاً لا يتجزء من الأمة العربية عنوةً ورغم أنف العديد من القوميات التي لا تنتمي للعربية ولا تريد أن تنتمي لها, لكن الحديد والنار كان جوابهم, والقتل والتشريد والتهجير كان الدواء الذي استخدمه اللانظام من أجل إرغام من سولت له نفسه أن لا يكون عربياً. وتاريخ قتل الأكراد خير دليل. والدليل الآخر أن عدداً من الذين ينتمون لقومية غير العربية أصبحوا أعضاء في حزب البعث العربي الأشتراكي. يدافعون عن تسلط قومية على قوميات أخرى وحتى على قوميتهم هم أنفسهم. أليس هذه مفارقة تستحق الدراسة والبحث.
الحل: نعم... لكل القوميات..نعم لكل الأديان..نعم لكل المذاهب والطوائف..أليس لكلُ منهم كنز هائل من التاريخ والثقافة والمعرفة والحضارة؟ أليس لكلُ منهم فكرُ قد تدارسوا وتعلموا وعلموا ليتطور ويصبح ناضجاً؟ أليس أن مجموع الثروات الطبيعية داخل الأرض وخارجها تعطي قوة مادية واقتصادية لأي بلد؟ وحين تتواجد التنوع في الثروات الطبيعية يكون المركز والثقل الاقتصادي لذلك البلد كبير ويؤهله في مجالات التفاوض السياسي لكل يحصل على حقوق أكثر وأكبر مما لو لم تمتلك تلك الدولة أي من الثروات الطبيعية, أو حتى لو أمتلك بعض الثروات الطبيعية فليس مكانها قوي كما لو كان لديها مجمل ممتلكات لثروات طبيعية متنوعة وذات فوائد متعددة ويشتاق لاغتنائها دول عديدة فيكون موقعها أقوى وأكثر حزماً في التعامل العالمي سياسياً وأقتصاديا وثقافياً وفي كل المجالات. وبالتالي تعطي مردوداً ايجابياً لأبناء تلك الدولة.
مجموع مكونات الشعب العراقي بإختلافاتهم, القومية, العرقية, الدينية قوة كبيرة وعظيمة إن استحسن استخدامه من قبل سياسيين بمساعدة مختصين في المجلات العلمية المتنوعة. لكن يقول قائل هذا غير ممكن...لأن الشعب العراقي يقتل بعضه. والحقد منتشر بين القوميات والطوائف وأصبح القتل على الهوية...والسياسيين يقتلون بعضهم من أجل السلطة. إذن يجب على المخلصين ان يذكروا الشعب بأن أصحاب الكراسي لا هم لهم سوى انفسهم وعليه أن نتجنب الفتن ونبدأ بنشر المحبة بين صفوف العراقيين...وتذكر أن تكرار المصطلح الايجابي له مردود ايجابي ولو بعد حين.
تقبل الآخر كما هو, وكما يعتقد, وتذكر أننا جميعا ننتمي لوطن أسمه العراق!
الذي يحب...يعني يحب المقابل على كل ما فيه وعلى كل ما يعتقد, ولا يجوز له أن يجبره لتغيير شيء من شخصيته وذاته. المحبة هو أنك تحترم رأي الذي تحبه, وتنظر إليه بأنه أغلى شخص واجمل شخص وتتودد إليه وتتحذر لكي لا تزعجه بكلمة أو حركة تثير أستيائه وغضبه. ليكن العراقي أسمر البشرة أو ابيض أو أسود...فالنظرة له على اساس إنسانيته التي لا تختلف عن انسانيتك, لكن لكلُ خصوصية فلماذا الخوض في الحديث عن تلك الخصوصة.
انا أعتقد وكلي إيمان بأننا لو بدئنا بنشر مفاهيم المحبة ومصطلحات التقارب سنتوصل لعراق يعمه الأمن والأمان...لعراق قوي اقتصادياً وثقافياً وعلمياً... أي قويمة ليس لها ترايخ عريق وبطولات ونضال طويل ومرير, أي دين ليس له ثوابت وفكر وتاريخ وكنز هائل من المعلومات, وأي مذهب ليس له مفكريه ومنظريه وخصوصيات. أليس جمعهم في ميثاق حب أفضل من النزعات وإراقة الدماء وبذخ الثروات... ماذا فعل اللانظام المقبور من حروب داخلية وخارجية من أجل أن يرغم الجميع للتمسك بأكبر أكذوبة في العصر الحديث أكذوبة الأمة العربية...أراد إجبار الكردي والتركماني والأثوري الأشوري والصابئي والأزيدي والجميع لكي يتقبلوا الأكذوبة...ولكن بقوا كل هؤلاء وبقيت أثارهم وثقافاتهم وعاداتهم واندحر هو وزمرته لأسفل السافيلين وسيبقى الناس والتاريخ يلعنهم ويلعن فعلتهم المقيته. هلا نعتبر يا أولي الأباب بما جرى لمن أراد إرغام الناس وبالأكراه جرهم لفكرة هو أعتقد أو لم يعتقد بأنها هي الحقيقة الأزلية وكل مخالف باطل..ولكن الزمن أثبت العكس هو الصحيح...والصحيح أن نتعايش كما نحن ننتمي لوطن واحد تجمعنا شيءٌ واحد فقط....حدود دولة رسمها الأستعمار حيث جمع بين ضهرانيها مجموعة مجتمعات...علينا تقبل هذا ونفلح ان تواددنا وتقاربنا بالآخاء والمحبة وقبول الآخر من أجل بناء جيل لا يحمل الأحقاد, ولا يعرف للكراهية معنى...بل يتحلى بالصفات الإنسانية الموروثة مع الفطرة. هذا هو غســـل الدماغ الوقائي.
#عباس_النوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟