مصطفى بريش أسملال
الحوار المتمدن-العدد: 1885 - 2007 / 4 / 14 - 12:15
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
مقدمة: أثير جدل كبير في الساحة السياسية المغربية حول الحزب الديمقراطي الامازيغي أهداف تأسيسه ومشروعه السياسي بل حتى مشروعيته السياسية, وظهر مؤيد ومعارض ومحايد لهدا التأسيس كل حسب معطياته واتجاهاته وخلفياته الإيديولوجية. وفي هده الدراسة المتواضعة سنحاول إعطاء نبذة موجزة عن مفهوم الحزب السياسي كما أتت به التجربة الغربية ثم السياق العام المؤطر للتجربة الحزبية بالمغرب مند الدخول الاستعماري حتى الآن وذلك بإبراز الثابت والمتحول في نسقها الوظيفي ثم محاولة نقد تهافت فكرة تحزيب الامازيغية متمثلا في الحزب الامازيغي واستكناه" أسباب النزول" .رغم أن هده الدراسة لن تستوفي شروطها إلا بقراءة نقدية لأدبيات الحزب ممثلة في كتاب البديل الامازيغي والقانون الأساسي بإضافة إلى التصريحات الصحفية التي أدلى بها أمين عام الحزب دون أن ننسى البيانات الصادرة عن هدا الإطار وهو ما سنقو م به لاحقا.أما الإشكاليات الرئيسية في هده الدراسة فهي تتمثل في الأسئلة التالية : إلى أي حد يمكن اعتبار الحزب السياسي الإطار الوحيد القادر على فرض المطالب الامازيغية ?وهل النسق السياسي المغربي بثوابته المتمثلة في الفصل 19 قادر على استيعاب خطابات الأحزاب واخدها بعين الاعتبار ?وهل الحزب في المغرب جاء كنتيجة لحراك اجتماعي سياسي وثقافي أم هو فقط استمرار لنمط معين من ممارسة السلطة متمثلا في الزاوية?
-في مفهوم الحزب السياسي:
تناول كثير من الدارسين والباحثين ظاهرة الأحزاب السياسية من وجهات نظر مختلفة فهناك من عرفه على انه "عبارة عن تنظيم سياسي له مبادئ معينة يهدف إلى الوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات العامة لتطبيق تلك المبادئ لأنه يرى أنها تحقق الصالح العام للمجتمع " . وعرف الحزب السياسي كذلك بأنه" تلك المنظمة التي تجمع بين أناس دو رأي واحد لتضمن لنفسها تأثيرا قويا وفعالا في إدارة الشؤون العامة ". وهناك من تناول الأحزاب السياسية باعتبارها " ظاهرة سياسية مرتبطة بالنظم السياسية وكظاهرة اجتماعية من حيث الوجود وهي تعد سياسية من حيث الوظيفة", علما أن هناك من يعد الأحزاب كيانات مشبوهة تقوم من اجل الاستحواذ على مقدرات المجتمعات ووسيلتها في دلك أساليب وبرامج تقوم على الزيف والدجل ووفق هدا التحليل فهي ليست أداة ديمقراطية على الإطلاق .ويبدو أن هدا الرأي هو الأرجح وفق المعطيات السائدة الآن. وهناك من يعد الأحزاب أداة يستعملها الشعب للتعبير عن أمانيه والتي من خلالها يأمل في أن يحقق هده الأماني وهو في الوقت نفسه أي الحزب يحقق مصلحة خاصة اد أن مجموعة الأفراد التي تركز أمانيها في حزب ما إنما ترمي في الحقيقة إلى تحقيق وزن اكبر لهده الأماني وتأمل تنفيذها عن طريق العمل المشترك الذي يتاح لها من خلال الجهاز الحزبي .
هناك من يعتقد خطأ أن الأحزاب السياسية هي حلقة الوصل بين المواطن والحكومة وان الأحزاب هي التي تتولى تحويل الفكر الاجتماعي في المجتمع وتترجمه إلى سلوك سياسي ملموس وذلك يجعل برامجها منظمة وفي نفس الوقت تقوم بمطالبة الحكومة بتنفيذها, وهذا ينطبق على الأحزاب التي هي خارج السلطة, لكن ما الذي يحدث عندما تتولى هذه الأحزاب السلطة? عندها تتولى الأحزاب التي خرجت من السلطة نفس المهمة ويبقى الدوران في نفس الحلقة المفرغة لا تؤدي إلى تحقيق تلك المطالب من الناحية الواقعية.
في بلدان ثقافة الأحزاب السياسية تقوم هذه الأخيرة بوظائف متعددة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية, هذا من الناحية النظرية ولكن من الناحية الواقعية هي تنظيمات لأشخاص يهتمون بضبط بناء القوة في المجتمع والتأثير عليه والعمل من خلاله على نحو يلاءم تحقيق مصالحهم الخاصة سواء كانت ثقافية أو اقتصادية.
نخلص إذن إلى مجموعة من الحقائق التي لايمكن إغفالها والتي تتعلق بالزيف الإيديولوجي الذي صاحب وجود الأحزاب السياسية, فالحزب السياسي يمثل جزءا من الناس أي من الجماهير إذ كيف يسمح هذا الحزب أن يحكم ويتحكم في إرادة الجماهير وفي مقدرات الكل في ظل غياب أدنى شروط الديموقراطية ? كيف يتأتى للحزب أن يكون أداة للديموقراطية وهو يصل إلى الحكم عن طريق زيف الانتخابات في المجتمعات التقليدية? ناهيك عن الدسائس والمؤامرات التي تحاك في الخفاء. كيف يمكن أن يكون الحزب السياسي ممثلا للإرادة المجموع وتطلعاتهم وأمالهم وهو مكون من فئة لها مصالح وأهداف مشتركة تسعى حثيثا لتحقيقها فور وصولها للسلطة?
لاتخرج الظاهرة الحزبية بالمغرب عن هذا الإطار وعن هذه التساؤلات المشروعة, فبغض النظر عن طبيعتها الايديولوجية أكانت عروبية أم اسلاموية أم امازيغية فإنها خرجت ونمت وترعرعت في نفس المناخ السياسي الذي تغلب عليه المؤسسة الملكية الحائزة على أعلى درجات الرساميل الرمزية من بيعة وشرف ونسب إلى أل البيت بالإضافة إلى تمركز سلطاتها وتضخمها أمام الأحزاب التي تظهر في الصورة ككائن مجهري قلما يضعه المخزن في دائرة القرار. فالحزب الديموقراطي الامازيغي يصعب عليه امتلاك الوسائل الكفيلة بممارسة الفعل الديموقراطي والتأثير على دوائر القرار وزحزحة القلاع المخزنية الحصينة, والتجربة التاريخية أظهرت بجلاء أن أحزاب الحركة الوطنية منذ بداية الاستقلال الشكلي إلى الآن لم تستطع تحقيق برامجها الحزبية إلا ما كان يتعلق بتعريب المغرب باعتبار أنها تلتقي في هذا الجانب مع المخزن المغربي, لذا فعلى الحزب الديموقراطي الامازيغي أن يبحث بدوره عن نقط التقائه مع المخزن حتى يتمكن من تحقيق برنامجه المسمى بالبديل الامازيغي.
جذور الفكر السياسي العصري بالمغرب :
من الصعب إذن أن نخرج الحزب الامازيغي عن المنظومة الحزبية بالمغرب هذه المنظومة التي تشكلت عبر مسار تاريخي واحد تمثل في بدابة الاتصال بين النخبة الموريسكية المغربية ونظيرتها بالمشرق العربي. فقد شكل منتصف القرن 19 فترة دقيقة في التطور السياسي للمغرب حيث أن مجموعة من التأثيرات السياسية الخارجية استطاعت التسرب الى البلاد وأثرت بشكل كبير وعميق على النخب المغربية التي أطلت على التيارات السياسية الجديدة التي كانت تخترق المنظومة الإقليمية بشرقها العربي وغربها الأوروبي, من خلال الصحف والمجلات التي بدأت تتداول بالمغرب. فقد حملت هذه الصحف مختلف النقاشات والجدالات حول الإشكاليات الدائرة بالمشرق العربي, من هنا كانت العديد من الصحف الأجنبية خاصة العربية متداولة بين أفراد النخبة المغربية والتي كانت تحمل إلى جانب مقالاتها الثقافية والأدبية رسائل فكرية وسياسية لاتخرج عن نطاق معاناةاليالات ا العثمانية في المشرق من سياسة الأتراك والتي مهدت للثورة العربية الكبرى سنة 1916 وبداية خروج الفكر القومي العروبي من جحوره ليستوطن عقول النخبة المغربية المستلبة. وقد تاثرت هذه النخبة بمختلف هذه التفاعلات حيث كانت تتابعها باهتمام بالغ,وقد أشار عبد الله كنون إلى أن :" النهضة الشرقية التي بلغت في هذا التاريخ طور النضج والإنتاج لاسيما في مصر … تصل إلى المغرب فتتلقفها الأيدي بتلهف عظيم وبالجملة فان تأثير النهضة الشرقية على تطور الحياة الفكرية بالمغرب كان عظيما جدا ..".
وشكلت البعثات الطلابية وسيلة لتعرف النخبة المغربية وبالملموس على التطورات الخارجية التي كانت تجري في المشرق, وكانت أول بعثة توجهت إلى الشرق العربي هي التي أرسلت من تطوان مهد العائلات الموريسكية وكانت تتكون من بعض أبناء العائلات المشهورة والتي ستتكلف فيما بعد بمهمة تعريب المغرب.
وقد لعب المستعمر دورا كبيرا في تهيئة شروط تكوين النخب المغربية وفق فلسفة ليوطي الذي قام بتعريب مؤسسة المخزن كما هو معروف فبدخول الحماية إلى المغرب ثم إدخال مجموعة من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية. ورغم نظام الطوارئ والحصار الذي فرضته الحماية على الأهالي فإنها قد عملت على إرساء نظام الحريات العامة وهكذا أصدرت ظهير 26 مارس 1914 الذي نص على اعتبار " حق التجمع حقا شرعيا " كما أصدرت ظهيري 29 يونيو 1935 و 20 يوليو 1936 اللذين نصا على تنظيم التظاهرات العامة في الشوارع العمومية, أما فيما يخص حرية التعبير فقد نظم ظهير 27 أبريل 1914 المتمم بظهير 12 يناير 1918 تأسيس وإصدار الجرائد باللغتين العربية والفرنسية وفي نفس الوقت اضطرت الحماية إلى تخويل الحق النقابي من خلال إصدار ظهيري 14 دجنبر 1936 و 24 يونيو 1938 .
يتضح إذن أن التغلغل الاستعماري بالمغرب أدى إلى إدخال مجموعة من التنظيمات السياسية التي كانت تختلف في طبيعتها عن التنظيمات السياسية التي كان يعرفها المجتمع المغربي عبر مراحل تطوره من رابطة وزاوية, فقد ادخل الاستعمار الاسباني والفرنسي خاصة النموذج الحزبي كإطار جديد للتنظيم السياسي بالمغرب, حيث تغلغل النموذج الفرنسي في البنية السياسية المغربية من خلال إقرار هياكل الدولة الاستعمارية وهجرة المعمرين الفرنسيين إلى المغرب, الشيء الذي أفضى إلى بلورة حياة سياسية استدعت خلق الأحزاب الميتروبولية لفروع لها بالمغرب للاستقطاب مطالب هذه الفئات. فكان ذلك بداية انغراس النموذج الحزبي الفرنسي بالمغرب الذي اثر في مختلف الشرائح السياسية المغربية التي كانت تمارس العمل السياسي والمطلبي وكان الحزب الشيوعي الفرنسي خير مثال على ذلك .
لماذا زاوية سياسية وليس حزب سياسي?
"تستمد علاقة السلطة قوتها من أنموذج ثقافي يشكل الارتباط بين الشيخ والمريد في التلقين الصوفي مثاله المقدس " ( عبد الله حمودي : الشيخ والمريد )
تحكمت في ميلاد الأحزاب المغربية منذ ما قبل الاستقلال الشكلي إلى الآن تفاعلات اجتماعية وسياسية كانت تعكس طبيعة المجتمع المغربي آنذاك في علاقاته مع العائلة والعشيرة والمرتبط بالزاوية الدينية كأداة للتعبئة وتنظيم المواجهات السياسية في علاقاتها بمقاليد السلطة والحكم.
مع حزب الاستقلال دشن المغرب نموذجا جديدا للحزب يقلد على مستوى الشكل النموذج الغربي للأحزاب وعلى مستوى المضمون أحزاب القومية العربية في الشرق بمواصفات زاوية سياسية تجمع داخلها كل التناقضات من حيث المواقف والأهداف, ورغم الاختلاف البين بينه وبين الحزب الديموقراطي الامازيغي فمن الصعب على هذا الأخير أن يتجاوز هذا النمط من ممارسة السلطة على الرغم من حداثة تجربته على الساحة فنمط الزاوية السياسية ثابت من ثوابت الحقل السياسي المغربي .
استمرت إذن الزوايا السياسية المغربية تجهل تصنيفات اليسار واليمين والوسط حيث لم تتوفر بعد على برنامج حكومي كمحدد للخلافات السياسية بين الأحزاب أو بين أعضائها.
لقد سبق أن ميز موريس دوفيرجي بين ثلاثة أو أربعة نماذج من الأحزاب مستندا في ذلك إلى الاختلاف في بنياتها القاعدية والعلاقات الهرمية وطبيعة بنيات الأجهزة القاعدية, والخلاصة في هذا التمييز أن الحزب المغربي لم يستطع في مرحلة تطوره التأسيس لأشكال تنظيمية واضحة يمكن ربطها بنموذج من النماذج الحزبية العصرية .
ظلت الزوايا السياسية منذ بدايتها محكومة بسلطة الزعيم أو القائد مثل علال الفاسي بالنسبة لحزب الاستقلال وعبد الرحيم بوعبيد بالنسبة للاتحاد الاشتراكي والأمثلة متعددة نظرا لسيطرة منطق "الاستبداد الشرقي العروبي " على هذه الزوايا, هذا القائد غالبا ما يعتمد في تصريفه للقرارات لطاقم تتحكم فيه اعتبارات عائلية وعشائرية ( سيطرة البورجوازية الفاسية على حزب الاستقلال ) تتوسع أحيانا بتحالفات تقوم على المصاهرة وبعض الارتباطات الأخرى ( زواج إسماعيل العلوي من إحدى عائلات ابن سليمان المعروفة ...). والديمقراطية تبدو غائبة في علاقات الزوايا السياسية بباقي مكونات المشهد السياسي المغربي كما تنعدم في ارتباطات قيادات الأحزاب بقواعدها ( غالبا ما تنطلق انشقاقات الأحزاب من قواعدها المهمشة ) .
إن استعمال أماكن العبادة في سنوات الاستعمار كمكان للعمل السياسي ولتأطير الناس وتعبئتهم يمكن اعتباره بداية تدشين أشكال تنظيمية غريبة تسمى " الحزب ", تعمل بأدوات وتقنيات تعبوية قديمة تجذ جذورها في الزاوية .
لم يكن العمل الحزبي بالضرورة استمرارية للزاوية بشكلها القديم لكنه كان يقتبس على مستوى الفضاء والتنظيم الهرمي الصارم من الزاوية الدينية كما كان زعماء الأحزاب يحضون بمكانة ونفوذ شبيهين بوضعية شيخ الزاوية . وقد صور عبد الله حمودي العلاقة بين الشيخ والمريد وبالتالي بين قائد الحزب الملهم ومناضل يوجد في أسفل الهرم الحزبي على نحو كاريكاتوري حيث يقول :" حين يعثر الشاب المتعطش للمطلق على شيخه (...) أو حين يعلمه هذا الشيخ بالمثول بين يديه يستحوذ عليه التأثر والانفعال فيحمر ويتصبب جسمه عرقا , هذا الإجلال وهذا التواضع ينبغي أن يلازمه طوال مخالطته للشيخ فإذا قدم له وقف على الباب ينتظر بقايا وجبة الشيخ التي يلتهمها والسعادة تغمره " ( عبد الله حمودي : " الشيخ والمريد " ص 179 ) .
يتبين إذن أن ظهور الزاوية السياسية في المغرب كن بمثابة إعادة تأسيس للزاوية كأداة للتأطير والتنظيم الاجتماعي والسياسي. والخلاصة أن الأحزاب المغربية في العمل هي زوايا سياسية بأدوات فعلها وشروط عملها, رغم تنظيمها على مستوى الشكل بهياكل حديثة غربية نادرا ما يتم استعمالها لتسيير دواليب الزاوية السياسية الداخلية .
إذا كانت مقاربة الحزب المغربي باعتباره زاو ية لا تلاقي قبولا لدى " مثقفي الأحزاب ", فان البعض الأخر وخاصة المؤرخين لازالوا يؤكدون هذه المقاربة, وهكذا نجد عبد الله العروي في كتابه عن الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية يؤكد أن الزاوية قد مهدت الطريق للحزب, وذلك لأنها كانت قد قامت بعدة مجهودات على مستوى المركزية العمودية بتفتيتها الاستقلالية المحلية, كما قامت بنفس المجهودات على مستوى التوحيد الأفقي إذ أصبحت الزوايا تملك فروعا لها في معظم الأقاليم, فالزاوية الناصرية مثلا كانت تراقب 120 زاوية موزعة على المغرب, ثم إن التشابه الموجود بين الزاوية والحزب يجسده أيضا دور المعارضة الذي كانت تلعبه الزاوية . فالزاوية كالأحزاب تنقسم إلى زوايا موالية للسلطان تأتمر بأمره و تستمد نفوذها منه وزوايا معارضة تعمل ضده أو لصالح مرشح أخر للخلافة أو السلطة.
بعد الإجابة عن السؤال المطروح في هذا المحور يجدر بنا الآن التساؤل عن موقع الحزب الديموقراطي الآمازيغي: هل هو حزب سياسي بالمعنى العصري للكلمة أم فقط زاوية سياسية لم تستطع بعد الخروج عن هذا النسق في ممارسة السلطة ?.
من الصعب القول أن الحزب الآمازيغي يشكل استثناءا بين أكثر من 30 زاوية سياسية بالمغرب, فظروف التأسيس وطريق عمل هياكله والعلاقة بين قواعده والأمين العام وطريقة تصريف المواقف السياسية والقرارات لن تخرج عن نطاق عمل الزوايا السياسية الأخرى رغم الاختلاف البين في الايدولوجيا والمنطلقات والأهداف.
تظل إذن الزوايا السياسية المغربية تعبر عن مرحلة" الطفولة الحزبية" أو المراحل البدائية الأولية للأحزاب, وبذلك تتسم في غالب الأحيان بطابع وظيفي ومؤقت . فنظام الحزب قام في أوروبا في سياق التطور السياسي الذي عرفته هذه المنطقة وفي خضم مجتمعات متيقظة سياسيا واقتصاديا ومتمتعة بنسبة عالية من الثقافة, أما في السياق المغربي حيث تسود المجتمعات " النووية " المرتبطة بالولاءات القرابية والتي تعيش على اقتصاد الكفاف وفي ظل أمية شبه مطلقة فقد وجدت عقبات هائلة تحول دون وجود الأبنية الحزبية أو ممارسة الوظائف التعبوية . في تلك الظروف وجدت الزوايا السياسية كضرورة للاستيلاء على السلطة, ولدى فان أولوية هذه الزوايا إنما نبعت من فراغ الانتقال من الحكم الاستعماري إلى الحكم الوطني .
لقد حدد صمويل هنتغتون ثلاثة أبعاد لقوة الأحزاب كمؤسسات سياسية أو " القوة المؤسسية " للأحزاب. البعد الأول يتحدد بقدرة الحزب على البقاء والاستمرار بعد غياب الزعيم الذي أنشأه أو الشخصية الكاريزمية التي أوصلته إلى القوة السياسية, وهو ما يغيب عن الزوايا السياسية المغربية فزعيم الحركة الشعبية المحجوبي أحرضان يوجد على رأس الحزب منذ 1958 إلى الآن وهو شخصية محورية ومركزية بالنسبة للقيادات الشابة كمحند العنصر .. وبالتالي فالحركة الشعبية ربما ستعيش فترة تراجع وانحطاط بغياب زعيمها التاريخي, نفس الشيء ينطبق على الزوايا السياسية الأخرى وان استطاعت الاستمرار بشكل أو بأخر رغم غياب قادتها التاريخيين .
أما البعد الثاني للقوة المؤسسية للحزب فيقاس بالتعقيد والعمق التنظيميين وخصوصا كما يظهران في الرابطة بين الحزب وبين التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية مثل النقابات ...وهنا فمعظم التنظيمات السياسية المغربية تعرف جفاءا كبيرا وهوة سحيقة بين قطاعاتها الموازية كالمنظمات الطلابية وهو ما يلاحظ في موقف شبيبة حزب الطليعة من المشاركة في الانتخابات والذي يتناقض مع موقف القيادة .نفس الأمر يظهر في العلاقة بين الحزب والنقابة فإما أن تكون تبعية عمياء كما هو الحال بالنسبة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب وحزب الاستقلال, أو النفور المطلق كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الاشتراكي ومنظمته النقابية السابقة وان كانت هذه الأخيرة حالة طبيعية .
أما البعد الثالث لقوة الأحزاب فيتعلق بدرجة توحد العناصر النشيطة سياسيا والساعية إلى السلطة مع الحزب والمدى الذي تذهب إليه في رؤية الحزب كوسيلة لغايات أخرى, وان كان هذا البعد يبقى نسبيا نظرا للان الأحزاب العصرية وخاصة باوروبا أصبحت تقنن مسالة التيارات داخل الأحزاب وتعترف بأحقيتها في الوجود, وهذا ما أراد الحزب الاشتراكي الموحد الإقرار به في مؤتمره الأخير بتقديمه لسبعة أرضيات, لكن ستبقى مسالة تدبيرها الداخلي داخل الحزب تستمد مقوماتها من منطق علاقة الشيخ بالمريد .
ويبقى من ثوابت الممارسة الحزبية والسياسية بالمغرب مسالة تغيير الانتماءات والتي تطرح حتى على مستوى الانتقال الفجائي وبدون مقدمات من حركة سياسية إلى زاوية حزبية دون إلمام بالواقع السياسي المغربي ومدى تغيره . في حين انه في الأنظمة الديموقراطية ينذر أن ينتقل زعيم سياسي أو مناضل من حركة إلى حزب أو العكس صحيح, وغالبا ما يكون ذلك التحول عملية تاريخية معقدة طويلة الأمد تتحكم فيها شروط دقيقة وأكثر موضوعية وعقلانية. وكمثال واضح يبرز مدى تهافت بعض "المتناضلين " ما يجري داخل الحركة الآمازيغية حيث تتعدد لدى البعض الانتماءات الجمعوية والحزبية والحقوقية وقد ينتقل من إطار إلى أخر دون أدنى إلمام أ وحتى اطلاع على ميكانيزمات وطرق اشتغال الإطار الذي انتقل إليه.
لذلك كله كانت الزوايا السياسية المغربية مجرد تجمعات فضفاضة للتكتلات الشخصية التي لاتتعدى جذورها القشرة العليا للمجتمع وفي داخل تلك القشرة كانت الأحزاب مجرد أدوات لذوي النفوذ وللنخب الصغيرة .
الحزب الديموقراطي الامازيغي والمشاركة السياسية :
يعرف صمويل هنتغتون مفهوم المشاركة السياسية على أنها:" النشاط الذي يقوم به مواطنون معينون بقصد الثأتير على عملية صنع القرار ...". لكن النسق السياسي المغربي لايشجع على الفعل السياسي الحقيقي فالمخزن وتوابعه التنظيمية والإيديولوجية ورمزيته الدينية المتمثلة في الفصل 19 يبسط بشكل أخطبوطي على مجمل المبادرات السياسية ويدفع بالتالي الأطراف الأخرى إلى الهامش أو يسعى إلى دمج الإطارات وربطها به قسرا من اجل الحفاظ على نوع من الاستقرار الذي يكون دائما في صالح النظام . فمنظمة العمل الديموقراطي الشعبي استطاع المخزن من تحييدها على الأقل وإدخالها إلى لعبة المشاركة السياسية في أوائل الثمانينات. إذن فهذا المعطى هو ميكانيزم عمل النظام السياسي للإضفاء طابع المشروعية عليه بعد تمكنه من دمج النخبة المولوية الامازيغية متمثلا في المعهد الملكي للثقافة الامازيغية وبعض الاطارات الجمعوية ...
ليس كل عمل سياسي مشاركة سياسية فحتى يكون العمل السياسي كذلك يجب أن يؤثر هذا العمل على السياسة العامة للدولة وعلى عملية اتخاذ القرار السياسي فيها . فشخص يطالع كتابا سياسيا لايعني انه يمارس مشاركة سياسية, وفي نفس السياق نرى أن الشخص الذي يمارس سلوكا سياسيا وهو جاهل عن فهم الأبعاد السياسية لسلوكه كالسير في مظاهرة بشكل عفوي وهو لايعلم أسباب قيام المظاهرة أو أهدافها أو يذهب إلى اجتماع سياسي حزبي لايعتبر مشاركة سياسية, وهو ما ينطبق على الزوايا السياسية وبعض " المتناضلين " الذين يطبلون ويزمرون للانجازات وهمية متناسين أن صاحب القرار هو الفصل 19 من الدستور المغربي.
هناك أسباب تدفع إلى المشاركة السياسية ( التي سنفترض وجودها بالمغرب ) فالمواطن أو الحزب هو إنسان عاقل ولا يمارس سلوكا سياسيا إلا إذا كان يعرف أن هناك فائدة أو مصلحة شخصية أو عامة مادية أو معنوية تحفزه على المشاركة السياسية مثل الدوافع النفسية حيث يسعى المشارك لاثباث وجوده وتأكيد ذاته, وهو ما يظهر بوضوح على مستوى الزوايا السياسية المغربية المنشقة عن الزاوية الأم فقط من اجل تأسيس إطار يمكنه من قيادته وبالتالي ضمان المشاركة السياسية بعدما كان مغضوبا عليه . ثم هناك المشاركة كتعبير عن وعي سياسي وهذا ما لانجده في المغرب بل ما نجده هو الوعي المصلحي والشخصي . ثم هناك المشاركة السياسية خوفا من سلطة المخزن حيث نجد بعض الزوايا السياسية تمارس التقية حيث تضمر للنظام العداء لكنها تظهر غير ذلك خوفا من سلطته وجبروته . ثم هناك المشاركة السياسية كمظهر من مظاهر التضامن العائلي أو القبلي وهو ما نجده عند الأحزاب العروبية مثل حزب الاستقلال المكون من أصحاب" النسب العلوي الشريف " ومن أعضاء الحركة" الوطنية" حيث نجد أغلب قيادتها تنحدر من المثلث الموريسكي: فاس تطوان والرباط.
إن تأسيس أي إطار حزبي بالمغرب يحمل دلالات متعددة فتلك النغمة السبعينية ( نسبة لسنوات السبعينات ) التي ترتكز على مقاطعة النظام المخزني وعدم المشاركة السياسية وخاصة في الانتخابات قد أثبتت ميكيافليتها, حيث نرى أن أغلب الزوايا السياسية التي رفعت هذا الشعار أصبحت من مرتكزات المخزن فالاتحاد الاشتراكي سقط قناعه في أواسط السبعينات نفس الشيء لمنظمة بن سعيد أيت ايدر في الثمانينيات وفي الألفية الثالثة ألتحق بهذه المجموعة حز ب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي وربما سيتبعه حزب النهج الديموقراطي باعتبار انه طرح مسألة المشاركة في الانتخابات في إحدى الاجتماعات الاخيرة .
والسؤال المطروح هو ما موقف الحزب الديمزقراطي الآمازيغي من مسألة المشاركة السياسية ? هل هو مع تزكية النظام المخزني أم ضد المشاركة السياسية ?
إن الجواب بنعم أم لا ليست له أية قيمة باعتبار المعطيات التي تم سردها علاه وبمعطى أخر يتمثل في أن النظام المخزني لايتسرع في قطف ثماره إلا بعد أن تنضج وتصلح كديكور يؤ ثث الفضاء السياسي المغربي.
الحزب الديموقراطي الآمازيغي والتحالفات السياسية:
تتأ ثر استراتيجيات التحالف بالاو ضاع المتتالية للأحزاب على المسرح السياسي . فالتحالفات التي يمكن تصورها تظم عادة تشكيلات متقاربة أو متجاورة وتقع على محور تصنيف مقبول اجتماعيا كا ليمين أو اليسار , ويكون لدى الأحزاب الواقعة على الحد الأقصى إمكانيات نظرية للاختيار أ قل مما لدى الأحزاب الواقعة بالقرب من الوسط . فالأحزاب اليمينية المعتدلة يمكنها أن تتجه نحو الوسط أو نحو أقصى اليمين, والأحزاب اليسارية المعتد لة يمكنها أيضا أن تفضل التحالف مع تلك التي تقع على يسارها أو في الوسط . وقد يحصل أيضا أن يتحالف المعتدلون من اليمين واليسار معا في تحالف كبير . هذا كله على مستوى الأنظمة الديموقراطية الحاملة لمفهوم الحزب الحقيقي أما في بلد الزوايا السياسية فالتحالفات فيه تشبه " أكلة الماكدونالدز" حيث لانستغرب مثلا أن الاتحاد الاشتراكي و التقدم والاشتراكية ( الذي صرح أمينه العام مؤخرا انه امتداد للحزب الشيوعي ) يقومان بمغازلة حزب العدالة والتنمية الاسلاموي وحزب الاستقلال ( حزب البورجوازية حسب المنطق الاشتراكي ) ضاربين بعرض الحائط الخلفيات الايديولوجية, بل يذهب البعض إلى اعتبار التحالفات تقوم على أساس البرنامج الانتخابي الذي يظهر فقط أيام الانتخابات .
إذا كان الواقع الحزبي بالمغرب لايعطي أية اعتبارات لمسألة المرجعية الفكرية, فإننا قد لانستغرب أيضا أن الحزب ا لديموقراطي الامازيغي قد يتحالف مع أعداء الأمس الذين أقبروا الآمازيغية في المهد وبالتالي تسقط كل الشعارات والتاريخ النضالي لمؤسسي الحزب.
إن مسالة التحالفات مطروحة على الحزب الديموقراطي الامازيغي ويجب ألا يغيب عن باله أن الساحة السياسية يسيطر عليها العروبيين ثم لاينسى أصدقائنا في الحزب أن التكتلات مسألة إستراتيجية, وبالتالي فالحزب سيقع بين مطرقة التحالف وسندان البقاء على الهامش . فالاختيار الأول يعد انتحارا سياسيا وخيانة تاريخية لدماء الامازيغ وتاريخهم النضالي, والخيار الثاني سيؤدي إلى موت تجربة الحزب الامازيغي وبالتالي سقوط مشروع الدغرني وفشله .
نستخلص إذن أن الحركة عكس الحزب ( الزاوية السياسية ) هي إطار تتجه للعمل على تنظيم المواطنين والمساعدة على وعي التضامنات بين المجموعات . فالمذهب أو البرنامج أو مجرد مواضع النقاش السياسي تنقل بالفعل رسائل تستخدم كمرجع مشترك ليس فقط للأعضاء الحركة نفسها وإنما لأعضائها والمتعاطفين معها أيضا, ومع ذلك فان بعض الحركات تشكل بالفعل مجتمعا حقيقيا مضادا وهذا الأمر ينطبق على المجموعات الصغيرة ذات البناء التنظيمي القوي والملتحمة من وجهة نظر إيديولوجية أو انضباطها الداخلي.
إن النضال في إطار حركة سياسية هي الأكثر دعما وتشجع على وجود الشعور بامتلاك أسلوب حياة مختلف ينمي شعورا حادا بالهوية السياسية يطغى على علاقات القرابة والصداقة . كل هذه السمات المميزة تتواجد على صعيد أكثر وضوحا بكثير عندما يتعلق الأمر بالحركات الجماهيرية الكبيرة التي تسعى جاهدة لتطوير مشروع مجتمعي غير قابل لان يختزل في العالم الذي تتطور فيه. إن هذا النمط من الحركات ليعد إذن مجرد فاعل في الحياة السياسية وإنما نوع من الحركات المحددة للهوية... الحركات التي ليس لها فقط أساس طبقي أو هدف مصلحي لكن بالأساس ثقافي وهوياتي وهذا هو البديل الآمازيغي الحقيقي.
#مصطفى_بريش_أسملال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟