|
أربع سنوات على الحرب الديمقراطية: الجزء5
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 1883 - 2007 / 4 / 12 - 12:13
المحور:
ملف / الكتاب الشهري - في الذكرى الرابعة للغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري , العراق إلى أين؟
العزلة القاتلة للقوى السياسية الموالية للإحتلال
إن ّ من طبيعة الإمبريالية الأمريكية شن ّ الحروب، واتسامها بالروح العدوانية التوسعية للهيمنة على مقدرات الشعوب ونهبها. وإن ستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تقوم على السيطرة على الأسواق الجديدة ، ونهب مصادر الطاقة وخاصة في الشرق الأوسط، وارتكاب المجازر وانتهاكات حقوق الإنسان. إن ّ الوجود الإمبريالي الأمريكي في المنطقة رافقته تقوية الرجعية السياسية، و عودة المجتمع العراقي القهقرى إلى الوراء، و تحطم بنيته الإقتصادية ، و انهيار أسس المجتمع المدني، واذلال أكثر ما يمكن للجماهير المحرومة وافقارها . فالستراتيجية الأمريكية لا تحسب لمصالح العمال والكادحين في العراق والمنطقة أي حساب ، ولا تحل أية مشكلة من مشكلاتهم الإجتماعية والإنسانية، بل إنها بالعكس ، تتناقض كليا معها. فحرب العراق كانت ولا تزال حربا بين الإرهابيين والقتلة . وإن ّ هزيمة طرف واحد من طرفي هذه الحرب القذرة لن تضع نهاية لمأساة العراقيين والعراقيات و البشرية الشريفة. و ينبغي الحاق الهزيمة بكلا طرفي الحرب لكي تتنفس الجماهير الصعداء من شرّ قطبي الإرهاب ، لأن هزيمة قوى النظام العالمي الجديد انتصار للطرف الآخر الإجرامي الذي لم يقصر في قتل الأبرياء وخلق المأساة للجماهير المظلومة. فالإمبريالية الأمريكية تريد التخلص بجلدها من المستنقع ، وفي هذه الحالة ستواجه الجماهير الطرف الآخر ، الإسلام السياسي والعروبة السياسية ، ومهمات القوى الشيوعية والتقدمية وإلانسانية الشريفة ستصبح أصعب , لكن الرؤية حينذاك ستكون أكثر وضوحا.
و مما يثير العجب عندي هو اعتقاد البعض أن العراقيين ، وبعد أن أربع سنوات منذ اسقاط النظام البعثي ، سائرون صوب الديمقراطية. هدية الإحتلال إلى أهالي العراق خارج إقليم كردستان واضحة ومعلومة ، ويعيشونها على أشكال التطهير العرقي ، والطائفي والديني، بشكل لم يشهد له التاريخ المعاصر. لم يعد غير المسلمين يهددهم خطر الابادة فحسب، بل أصبح المسلمون أيضا مهددين بالتطهير المذهبي والسياسي. فهم استحالوا فرقا وجماعات متقرقة تمزقها المعارك السياسية التي نتجت عنها حكومات طوائف سلفية ، وحرب طائفية مذهبية شيعية سنية، لم يشهد لها التاريخ منذ 6 قرون ، فترة الصراع بين العثمانيين والصفويين. وقد تحولت الأحياء والأزقة إلى توابع قومية وطائفية ودينية ومذهبية بشكل لم يشهد له التاريخ منذ قرون عديدة. وبلغ عديد المشردين والمهجرين في ظل سلطات المليشيات إلى ملايين ، و القتلى حوالي مليون من مواطني العراق. والأخطر تفاقم ظاهرة تعذيب السجناء ، وقتل الأسرى بيد الأطراف المتصارعة والتمثيل بالجثث . وتحول البلد إلى جحيم للنساء ، و تجاسرت السلطات الباترياركية في اضطهادهن ، ويشهد العراق منذ سقوط النظام البعثي تصفيات لمثقفين و متخصصين وعلماء . الوعود بالديمقراطية لم تكن إلا فقاعات هوائية ، ونستها حتى البلدان الأخرى ، و توقفت على أن تجعلها شرطا للتعاون مع أمريكا لتخقيق أجندتها في العراق. و لم تعد الميديا اللبرالية الغربية في تقاريرها عن العراق تتشدق عن الديمقراطية واللبرالية كموضوعات مهمة وراهنة ، بل أصبح الأمن والاستقرار هاجسها القاتل . فلم نعد نسمع ، أو نقرأ في هذه الوسائل أية معالجات أو مقاربات للقضية الكردية، و لا لحقوق المرأة ، والحياة المدنية ، و لا التطهير العرقي للأقليات والأكثريات العراقية . ولم يبق من المحللين السياسيين من يتساءل ماذا دها هذا البلد الذي كان أكثر بلدان الشرق تمدنا وتحضرا وثقافة لكي تمنع نساؤه من الخروج من البيت ، ويفرض عليهن الحجاب ، والنقاب أحيانا؟ ولماذا يتم فصل الإناث عن الذكور في المدارس والمؤسسات الحكومية؟ ولماذا يُقتل المساكين أصحاب محلات بيع المشروبات الكحولية؟ أما ما يخص الوعود بالرفاه و " البنين" فحدث ولا حرج! والكل يعرفون وضع الخدمات في العراق، من كهرباء وماء و ترافيك وتعليم و تربية. إن أمريكا تأمل أن تضطر القوى الموجودة على الساحة السياسية أي الكتل التي تتقاسم الحكم رغم تناقضاتها على التعاون في تنفيذ ألجندا الأمريكية. ونشهد أن هذه الكتل تنقص جماهيريتها يوما بعد يوم ، و تغدو ضعيفة أكثر ما يجعل القوات الأمريكية الضمانة الوحيدة لحفظ وحدة العراق وحكومته, وإن هذه الحكومة العراقية لم تعد سوى ورقة توت لحكومة الأحتلال الأمريكية. وفي وضاع كهذه تكون مقاومة الإحتلال و مواجهته أمرا محتوما. والسؤال هو ما يمكن لليسار عمله في هذه الظروف؟ يبدو في هذه اللوحة السوريالية للمشهد العراقي أن تكون لبديل اليسار رغم ضعفه على أرض الواقع حظوظ كبيرة، لأن بقية البدائل، ومنها بديل ما يسمى اللبرالية واليمين المتنور ، انكشفت معاداتها لمصالح جماهير العراق. كانت النخب العراقية من أثقف النخب العربية ، وثمة عراقيون انفتحوا على الحياة المعاصرة والحداثة بفضل وجودهم في أوروبا والغرب، وتبلورت عندهم رؤية واضحة عن المجتمع المدني . وقد اطلع كثر من عراقيي الخارج على اللبرالية، واصبحوا " لبراليين" تحت تأثير ألأجواء المعادية للاشتراكية بعد انهيار المعسكر السوفييتي. لكن النقطة الأهم هي أن أمريكا بحضورها العسكري الغازي في العراق، تشكل مانعا كبيرا أمام هؤلاء" اللبراليين" ، ليكونوا قوة جدية وحاسمة في العملية السياسية العراقية. لن تدعم أمريكا اللبرالية في العراق والشرق الأوسط، ولا يستطيع اللبراليون ، مثقفي رأس المال ، أن يعترضوا على السياسة الأمريكية اعتراضا جذريا. لذلك تقتصر مهمة اللبراليين العراقيين باعتبارهم قوة هامشية ، و زملائهم العرب ، في امتصاص النقمة على الأوضاع التي خلقها الاحتلال، وفي والترويج لفوائد الديمقراطية ، وأرباح السوق، على غرار ما كان يروج عند الأنصار والمهاجرين في المدينة إبان الفتوحات لفوائد الغزو من سلب و نهب وأنفال. ومن المعلوم أن عملاء البنتاغون والسي آي أي الذين جاءت بهم امريكا إلى العراق مع غزوه ، لا يملكون جذورا في المجتمع العراقي، وهم غير قادرين على غرز أي جذر في تربة العراق. وكل ما لديهم هو حفنة من الكتاب والصحفيين المأجورين . إن التيار الفاعل الذي برز في فترة الاحتلال ويلعب دورا مؤثرا على الساحة السياسية في العراق، هو التيار القومي العربي الممتد في العالم العربي. لكن ما نراه لحد اليوم أن صعود التيار القومي لا يتعدى ردود فعل القوميين العرب على تحقير أمريكا واسرائيل ، وشعور هم بالذل والهوان بعد سقوط النظام البعثي . ولم يتبلور إلى اليوم مشروع سياسي واضح وصريح عند القوميين العرب. والتيارات الإسلامية واقعة تحت تأثير النزعة القومية العربية، وهي تؤكد على عروبتها ، سواء العروبة على مستوى العراق، أم العروبة العفلقية الوحدوية. وكل هذه التيارات الإسلامية السياسية تتطلع إلى نيل حصتها من الكعكة ، بالتعاون الجزئي ، أو الكلي مع أمريكا ، أو المساومة معها. والحزبان الكرديان اللذان يتقاسمان كردستان العراق، لا يملكان أي برنامج ثابت، بل يسران وراء الأحداث. لقد ربطا مصير القضية القومية الكردية بسياسة أمريكا، وارضائها ، والتسابق على كسب ود الضباط الأمريكان ومراتبهم وجنودهم بمختلف الوسائل. إن كل التيارات السياسية التي رقصت للغزو الأمريكي لا تملك قاعدة جماهيرية في العراق، و كل ّ وجودها مدين لمساعيها الدائمة لمطابقة سياساتها مع أهداف أمريكا. إن امتصاص غضب الجماهير وتذمرها هدف أمريكا الذي له أولوية على أي هدف آخر، وأن تيارات الإحتلال السياسية ، لكي تكسب دعم أمريكا عليها كبح اعتراضات الجماهير على الاحتلال ، ما يؤدي إلى توسيع الشقة بينها وبين أبناء الشعب وبناته.
للحديث صلة 11/04/2007
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أين جناحك الآخر؟
-
أربع سنوات على الحرب الديمقراطية: الجزء 4
-
أربع سنوات على الحرب الديمقراطية: الجزء 3
-
أربع سنوات على الحرب الديمقراطية : الجزء 2
-
أربع سنوات على الحرب الديمقراطية .. الجزء 1
-
خفقتان في ذاكرة الياسمين
-
إرادة الجماهير أقوى من أسلحة مشعلي الحروب
-
المرأة الأممية والنضال الأممي
-
المرأة الضحية الأولى لجبهتي الإرهاب
-
أيّهما أفظع ، الذبح بسيف الله المسلول، أم بصاروخ كروز؟
-
قصيدة - فوق الثرى- للشاعرة التحررية فروغ فرّخزاد
-
المعارضةالإيرانية وجحيم الديمقراطية الأمريكية في العراق
-
الرأسمالية الأمريكية تنهب فقراء أمريكا لتمويل حروبها
-
النيوصفويزم عودة مأساة التاريخ وملهاته
-
أزهار الخمسين
-
جين العراق وينار* أمريكا
-
اغتيال هرانت دينك جريمة تضاف إلى آثام القومية
-
شعبوية خافيز وبدعته في الإشتراكية
-
أزمة الصومال آفة تنشرها الإمبريالية الأمريكية في القرن الأفر
...
-
البارجة بوتمكين - سفينة محركي التاريخ
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
|