محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 1883 - 2007 / 4 / 12 - 11:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كثيراً مايتردد علي الأٍسماع مصطلح الردة الحضارية في المناسبات التي تدار من أجلها الندوات والحوارات والمؤتمرات لمناقشة الأمور الخاصة بالتحضر والتمدن والنهضة الدينية .
ولكن يلاحظ في البدء أن الردة لم تكن في البدء هي النكوص عن الركب الحضاري وإنما بداياتها تعود إلي المفهوم الديني للردة والإرتداد عن الدين والتحول من دين إلي دين آخر , ومن هنا كانت لهذا المصطلح الديمومة والإستمرارية في كافة الأوساط وخاصة الدينية منها , لأن الردة والإرتداد عن الدين , وحروب الردة , أو حروب المرتدين لها حيز في التاريخ الإسلامي في المنطقة العربية صاحبة الوحي ومستقبلة الرسالة .
وكانت أزمة مفهوم الردة أن لصقت بالمفهوم الديني علي أخص الجوانب والتفسيرات , ولم ينصرف المفهوم إلي الردة الحضارية إلا في أضيق نطاق وذلك ليس في العصر الحديث وإنما في الماضي القريب والحاضر المعاش , ولم يتم إستخدام مصطلح الردة الحضارية إلا للتعبير عن التخلف والتقهقر والرجعية , بما تمثله من حالات الضعف والهوان في جميع المجالات العلمية والحضارية الضامة لكافة العلوم الحياتية المبتناة علي التجربة والبرهان والنتيجة , وكان الغرب هو الرائد في هذا المضمار العلمي الحضاري بكل ما تحمله كلمة رائد من معاني لها صدي في أرض الواقع المعاش .
الردة الدينية :
لم يثبت من النصوص الدينية المقدسة أن هناك إباحة لقتل التارك للدين الإسلامي والمتحول لدين آخر من الأديان السماوية أو حتي غير السماوية , وإنما كانت الأمور في جلها تبني علي إجتهادات لتأويل وتفسير النصوص الدينية لتكون بمفهمومها ومسماها حد من الحدود الدينية حسبما ترائي للمجتهد أو صاحب التفسير والتأويل للنصوص الدينية المقدسة , وإنما هي من إجتهادات العلماء والفقهاء في الدين فقط !!
وحد الردة هو من ضمن مجموعة من الحدود التي إرتآها بعض الفقهاء لتكون رادعاً وزاجراً لكل من تسول له نفسه أن يعتنق الدين الإسلامي ثم يريد أن يتحلل من عري الدين الإسلامي إلي دين آخر أو إلي اللادين , ومذهبهم العقلي في ذلك يبني علي أن معتنق الدين الإسلامي لم يجبره أحد علي إعتناقه أو الدخول فيه بداءةً , ومن ثم فمن إرتضي الدين الإسلامي ديناً له فلايجوز له أن يخرج منه بإرادته , وإلا كان القتل هو الجزاء الأوفي لمن يتلاعب بالدين !!
وهذا هو رأيهم الذي يبني عليه حد الردة , وذلك بالرغم من أن القرآن الكريم لم يشر إلي قتل المرتد عن الدين , ولم يرتب علي ذلك عقوبة دنيوية علي الإطلاق وهذه بعض الآيات الكريمة الواردة فيما هو مفهوم ومقرؤ منها :
قوله تعالى: "ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون".
و قوله تعالى: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم".
وقوله: "إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".
وقوله: "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً"
وقوله: "ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ".
وقوله: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم. ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين ".
وهذه هي معظم الأيات الكريمة التي تحدثت في شأن ما أسماه بعض فقهاء وعلماء المسلمين بالردة وأولوا مفهوم الآيات إلي ما أسموه بحد الردة التي هي في التأويل والتفسير فقط القتل , مع أن النصوص القرآنية لم تتحدث عن القتل أو إزهاق الروح مقابل تغيير الدين أو تبديله أو الخروج منه إلي حيث لادين !!
والآيات الكريمة لم تنطق ولم يفهم منها أن هناك حد للردة وأن هذا الحد يكون القتل , وكانت العقوبة عقوبة آخروية مؤجلة وليست عقوبة آنية دنيوية حاضرة التطبيق علي أيدي بشر مثلهم مثل المرتد في النفس والروح ولكن يختلفون في العقيدة والإيمان بالدين !!
وفي هذا المضمار فيما ننقله عن موقع ميدل إيست أونلاين :
يرى كاتب عراقي متخصص في الفقه الإسلامي أن القرآن خال من حد الردة عن الإسلام مناقضا بذلك ما يقال عن " وجوب" قتل المسلم إذا اعتنق دينا آخر أو اختار الإلحاد استنادا إلى أقوال تنسب إلى النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ منها "من بدَّل دينه فاقتلوه."
وينفى طه جابر العلواني المقيم في الولايات المتحدة الأميركية أن يكون في الشرع الإسلامي نص يشير إلى أي عقوبة توقع على المرتد قائلا إنه "لا وجود لهذا الحد في القرآن المجيد وهو المصدر المنشئ الأوحد لأحكام الشريعة."
ويرى المؤلف في كتابه "لا إكراه في الدين" أن الذي يستبدل بالإسلام دينا آخر مجرم، لكنه في الوقت نفسه لا يشير في المقابل إلى أن غير المسلم إذا بدَّل دينه واعتنق الإسلام يرتكب جريمة حيث يقول إن "الأدلة كلها تتضافر على نفي الدليل على وجود حد شرعي منصوص عليه لجريمة تغير الاعتقاد الديني أو تغير الدين من غير انضمام أي فعل جرمي آخر إليه."
وينفى في الكتاب الذي حمل عنوانا فرعيا هو (إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام إلى اليوم) وجود أي واقعة في عصر النبي محمد "تشير إلى ما يمكن أن يقوم دليلا على قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتطبيق عقوبة دنيوية ضد من يغيرون دينهم مع ثبوت ردة عناصر كثيرة عن الإسلام في عهده (النبي) ومعرفة رسول الله بهم."
ويضيف أن عهد النبي شهد "مئات" من المرتدين أو المنافقين الذين عمدوا إلى إيذائه والكيد للمسلمين لكنه "ترفع تماما عن المساس بهم" حتى لا يقال إنه يكرههم على الإسلام.
ويستشهد بآيات قرآنية منها "كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات" من سورة آل عمران. وفي سورة النساء آية تقول "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا." ويقول معلقا إن فيها نفيا لوجود حد شرعي دنيوي للردة.
ويضيف أن القرآن لم يشر تصريحا أو تلميحا إلى ضرورة إكراه المرتد على العودة إلى الإسلام أو قتله إذا امتنع، وأن "حرية الاعتقاد مقصد مهم من مقاصد الشريعة" في الإسلام.
ويقول المؤلف إنه يأمل أن يتمثل الباحثون كتابه في "معالجة القضايا الجادة المستقرة في ضمير الأمة (الإسلامية) وثقافتها دون تفريق لكلمتها" حتى يسود منهج في مراجعات التراث "بحيث نجعل تراثنا مما يصدق القرآن عليه ويهيمن. إن أهل التراث الإسلامي هم الاولى والأحق بمراجعته من داخله وبآلياته، وإن الضغط الخارجي أيا كان سوف يؤدي إلى مزيد من التشبث بالتراث بخيره وشره."
ويقول العلواني إن بعض الفقهاء حين ذهبوا إلى "وجوب قتل المرتد" لم يستندوا إلى آيات القرآن، "وقد تبين أن الفقهاء كانوا يعالجون جريمة غير التي نعالجها إذ كانوا يناقشون جريمة مركبة اختلط فيها السياسي والقانوني والاجتماعي بحيث كان تغيير المرتد عن دينه أو تدينه نتيجة طبيعية لتغيير موقفه من الأمة والجماعة والمجتمع والقيادة السياسية والنظم التي تتبناها الجماعة وتغيير الانتماء والولاء تغييرا تاما."
وتحت عنوان (كيف حدث الخلط بين الديني والسياسي) يشرح سياق ما عرف في التاريخ الإسلامي بحروب الردة في عهد الخليفة أبي بكر الصديق، الذي تولى الحكم بعد وفاة النبي حيث امتنعت بعض القبائل في الجزيرة العربية عن دفع الزكاة. ويرى أن السياسي اختلط بالديني في تلك الحروب وأن أسبابها "لم تكن محددة بدقة صارمة. كانت لا لإعادة من غيروا اعتقادهم إلى المعتقد الذي فارقوه بل لإلزام مواطنين تخلوا عن التزاماتهم وواجباتهم باعتبارهم أعضاء في الأمة أو مواطنين في دولة" وعليهم الالتزام بالشرعية.
ويوضح أنه يبحث قضية الردة الفردية التي تعني تغيير العقيدة. ويتساءل "هل الردة تعد خروجا من الإسلام أو خروجا عليه.." مشيرا إلى أن أهم ما يتبادر إلى ذهنه عند ذكر الردة والحديث عنها هو مصطلح المؤامرة " مؤامرة الدولة. الغول البشع على الحرية سواء مارسها فرد أو حزب أو فئة أو عالم. هي مؤامرة الدكتاتورية الغاشمة المجرمة على المعارضين والمخالفين لها أيا كانوا.
"هي مؤامرة استعباد الطغاة الجبابرة للمستضعفين والتحكم في مصائرهم لا على مستوى الحياة الدنيا فقط بل على مستوى الآخرة إن استطاعوا. هي محاولة قتل وتدمير عباد الله بالافتراء على الله وانتحال صلاحياته وادعاء تمثيله والنطق باسمه، هي تزييف هدايته وتعاليمه، هي مؤامرة الخاطفين للسلطة والمتغلبين على الأمم والمزيفين لإرادة الشعوب ضد معارضين لا يملكون إلا ألسنتهم التي يقطعها الجبابرة عندما لا تنطق بمآثرهم."
ويقدم العلواني نماذج للذين قتلوا بعد أن اعتبرتهم السلطة السياسية مرتدين، منهم المفكر السوداني محمود محمد طه (1909 - 1985) الذي أعدم بموجب إعلان الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري - الذي اعتلى السلطة بعد أن قاد انقلابا عسكريا عام 1969- تطبيق الشريعة الإسلامية "بعد أن أفلس سياسيا".
كما يشير إلى أن فيصل بن مساعد الذي قتل عام 1974 عمه فيصل ملك السعودية الأسبق صدر الحكم بقتله "بالسيف حدا بتهمة الردة" رغم اعترافه بارتكاب جريمة القتل العمد "وهي كافية شرعا لإعدامه."
وشهدت مصر عام 1992 قضية غريبة أثارت جدلا واسعا بعد اغتيال الكاتب المصري فرج فودة (1946 - 1992) أمام منزله بالقاهرة على يد شاب أوعز اليه أن فودة مرتد، لكن أحد رموز من يوصف بتيار الاعتدال الإسلامي اعتبر في شهادته أمام المحكمة الكاتب القتيل مرتدا في إدانة صريحة للقتيل.
ويقول العلواني إن محامي قاتل فودة طلب شهادة "أكثر علماء المسلمين في ذلك الوقت اعتدالا وهو الشيخ محمد الغزالي، فلم يجد بدا من تقرير مذاهب الفقهاء في هذا الموضوع وهو وجوب قتل المرتد، واعتبر فرج فودة مرتدا يستحق القتل، وأن كل ما فعله هؤلاء الشباب هو تنفيذ حكم الشرع في إنسان مهدر الدم لا حرمة لدمه ولا قيمة. ولكن كان ينبغي على الدولة أن تريق دمه بنفسها وبأجهزتها، وإذ لم تفعل فقد افتأت هؤلاء الشباب (القتلة) على الدولة ونفذوا ما كان ينبغي لها أن تنفذه بنفسها."
ويقول إن كلمة "حدود" وردت في آيات قرآنية كثيرة لكنها في جميع هذه الآيات لم تطلق على عقوبة وإنما تؤكد الالتزام بتشريعات أو أحكام.
ويعيب على بعض رموز تيار الإسلام السياسي اختزال الإسلام والشريعة الإسلامية في العقوبات، ويبدي دهشته في إسراع بعض الأنظمة إلى تطبيق بعض العقوبات "لتثبت صلابتها في الدين وتمسكها بالشريعة وقد لا يكون لها نصيب من الشريعة أكثر من تلك العقوبات." أ . ه
وفي تعليق للشيخ جمال قطب والذي كان يرأس لجنة الفتوي بالأزهر سابقاً ونشرته المصري اليوم في عددها 987 علي ماتم تسميته بحد الردة حسب تصنيفات الفقهاء وأبدي رفضه :
جميع الفتاوي السابقة للفقهاء التي تقول بوجوب قتل المرتد، مؤكدا أن الإسلام يقوم علي حرية العقيدة، وأن قتل المرتد كان في فترة محددة فقط في عهد الرسول «صلي الله عليه وسلم».
وقال قطب في كلمته مساء أمس الأول في ندوة «الحريات العامة في الإسلام»، التي نظمتها جمعية «المقطم للثقافة والحوار» إن القرآن الكريم لم يذكر حدا للردة بل قال تعالي: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين) «المائدة: ٥٤».
أما ما عرف بحد الردة فمصدره حديث النبي صلي الله عليه وسلم «من بدل دينه فاقتلوه»، وتفسير هذا الحديث أنه كان في فترة محددة من فترات حياة النبي «صلي الله عليه وسلم» بالمدينة.
وأوضح قطب: لقد كانت معركة رسول الله «صلي الله عليه وسلم» مع آخر فئات اليهود بالمدينة، وهم بنو قريظة الذين كانوا يسكنون حيا من أحياء المدينة فأصبحت هناك إمكانية استقطاب ضعاف النفوس لتغيير دينهم،
ولذلك قال الرسول «صلي الله عليه وسلم»: «من بدل دينه فاقتلوه»، لكن الأصل العام في الإسلام أنه «لا إكراه في الدين»، لأن الله تعالي لا يعبد جبرا، وأكد أن قتل المرتد لم يكن حدا أبدا ولكنه قرار يسمي عند الفقهاء «سياسة شرعية لأمر محدد في وقت محدد»، ولا يجوز تطبيقه حاليا.
فبماذا يمكن أن يرد التكفيريون والتجهليون علي هؤلاء العلماء ؟!!
هل سيتم تكفير طه جابر فياض العلواني ؟!!
وهل سيتم تكفير الشيخ جمال قطب والذي كان رئيساً للجنة الفتوي بالأزهر ؟!!
وهل من يقول برأيهم فهو كافر حال كونه حسب ظنهم أنه منكراً لما هو معلوم من الدين بالضرورة ؟!!
وهل سيتم تكفير كاتب هذه السطور علي إعتبار أن هذا كفر وأن ناقل الكفر بكافر ؟!!
وهذا عن حد الردة الذي يتشدق العديد من الذين نصبوا أنفسهم وكلاء عن الله وعن الرسول في إستباحة دماء الناس وأرواحهم بزعم أنهم خلفاء لله في الأرض وأنهم ظل لله في أرض الله , ويتوجب علي الناس جميعاً الإنصياع والطاعة لما يرتأونه من أراء علي أنه من صحيح الدين , بل وأن أرائهم وأفكارهم وتصوراتهم يريدوها أن تكون معلوماً من الدين بالضرورة !!
إن هذه الأراء التي إنساق ورائها التكفيريون والتجهيليون والتي يعتقد بها هؤلاء الكارهون للناس والفارون من الحياة إلي الموت والمقابر لايعنيهم أمر الدين , ولايشغل بالهم أمر الإنسان في شئ سوي تعبيد الناس لله بطريقتهم هم من خلال فتح أبواب الحرام وتضييق أبواب الحلال وإن لزم الأمر إغلاق كل الأبواب المباحة علي زعم ترك المباح مخافة الوقوع في المكروه أو الحرام !!
سيادة الإستبداد :
حينما تسود قيم الإستبداد في مجتمع من المجتمعات , فإن هذا المجتمع لاشك يصاب بمجموعة من الأمراض النفسية التي تؤثرفي جميع إيجابيات حياته وتحيلها إلي قيم وأنماط سلبية تفتقد للخلق والإبداع في شتي مناحي الحياة , وهذا الإستبداد ليس سياسياً فقط , ولكنه متلون بألوان حياتية عديدة تبدأ من الأسرة الأبوية التي يسيطر فيها الأب علي جميع شوؤن وتصاريف الحياة من بداية إختيار الإسم وخانة الديانة ونوع التعليم وأسلوب التربية , ثم الوصاية حتي نهاية المطاف بالإنسان ودخوله القبر , أو حتي وفاة العائل في الأسرة الأبوية وهو الأب , وساعتها تكون قيم الإستبداد قد تمكنت من الإنسان ولايستطيع لتغييرها حولاً ولاطولاً , وتنتقل هذه القيم السلبية إلي ممارسات الحياة العامة فيتلقي الإنسان ممارسات الإستبداد الإجتماعي المقرونة بالإستبداد السياسي الذي تتوه معه الشخصية التي تصبح شخصية عاجزة إتكالية منصاعة للأوامر والنواهي الإجتماعي الموجهة بالقرار السياسي الصادر من سلطة الإستبداد السياسي والمتمترسة علي كرسي الحكم والسلطة , ومن ثم يصبح المجتمع الممارس فيه / عليه سلطة الإستبداد حتي يتحول المجتمع في وعيه الجمعي إلي مايشبه إنسان السجن من طباع وسلوكيات , وأخلاقيات , وتتغير نظرته إلي مفهوم حاجياته الأساسية لدرجة يمكن معها أن يتحول الإنسان الإجتماعي الكائن في إطار مجتمعي واسع تصبح سلوكياته وكأنها أقرب إلي سلوكيات إنسان السجن ويرضي ويكتفي بكونه مازال حياً ويتمتع بالطعام والشراب والملبس , دونما نظر أو إعتبار لأن يكون له دور في الخلق والإبداع الفكري والثقافي والإجتماعي والعلمي , لأن السلطة المستبدة هي المحولة عقيدته إلي أنها هي صاحبة الخلق والإبداع والإبتكار في جميع مناحي الحياة وعلومها ومعارفها , ويتحول المجتمع بأسره إلي مايشبه إنسان السجن الباحث عن أبسط الأشياء التي تخصه ويهتم بتفاصيلها البسيطة كالخروج من الزنزانة لرؤية الشمس وضؤ النهار , أو الإهتمام بيوم الزيارة الذي يحتوي علي وجبة غذائية شهية , ولايفكر إلا في اليوم الذي ستنتهي مدة عقوبته فيه !!
ويتزامل مع الإستبداد السياسي في نفس الآن الإستبداد الديني ويكون له تأثيرات خطيرة خاصة في ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشها الإنسان , حيث تتلقفه الأيادي المغيبة للوعي دون بحث عن حل للأزمات أو المشاكل المعاصرة أو المستقبلية لمجتمع الأزمة ودون البحث عن سبيل لتغيير الواقع السياسي / الإجتماعي المأزوم بفسادات الإستبداد السياسي , ويتم الهروب بالمجتمع إلي الآخرة حيث النعيم المقيم وجنات الخلد , وحيث تنعدم الأزمة وتموت المشاكل , ولكنها ستكون من نصيب ومن حظ من إنصاع لسلطة الإستبداد الديني الممثلة في المشايخ وأمراء الجماعات الدينية , بل والجماعات الصوفية صاحبة الرايات الحمراء والخضراء والسوداء علي السواء !!
إحتكار مفهوم الدين :
رأيي هو الصواب , ورأي غيري هو الخطأ !! هذه هي المصيبة التي وقعت فيها معظم الجماعات الدينية , ومعظم أهل الفتوي في الدين , إذ القاعدة أن رأيي صواب يحتمل الخطأ , ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب , هذه كانت قاعدة معمول بها في عصور الإذدهار الفقهي , الذي كان يقبل بالمخالف في الرأي في أمور الدين التي تناولت حتي العقائد والأصول في الدين .
والأزمة الناشئة في عقلية الإستبداد والمتجزرة في الوجدان الديني بصفة عامة تتأتي من إحتكار الحقائق الدينية المطلقة , علي زعم أن حق ملكية هذه الحقائق هي لفرد ما أو لجماعة ما من الجماعات أو الفرق أو المذاهب الدينية, علي خلفيات التعبد لله والطاعة المثلي والإنصياع لأوامره ونواهيه في العبادات والطاعات من خلال منظومة تعبدية قوامها الدين وأدبياته في إطار مجتمعات مأزومة بفسادات سياسية / إجتماعية / سياسية , والدين فيها دوره علي المستوي الإجتماعي مهمش بفعل فسادات السياسة التي تصادر مفاهيم الدين و وتأويلاته , وتفسيرات نصوصه لصالح تلك العصابات السياسية الفاسدة التي تصادر كل رأي مخالف لرأي السلطة السياسية الفاسدة , ومن ثم يصبح الدين بي شد وجذب بين مفاهيم السلطة السياسية وأصحاب السلطة الدينية الرافضة لمؤسسات الحكم المستبدة , ويقع المواطن المأزوم بين إحتكار مفهوم الدين بين تلك السلطتين !!
ومع ذلك فإن إحتكار مفاهيم الدين ومصادرة الأراء الدينية الأخري الخارجة عن إطار المفهوم الديني النافي للأراء الأخري يجعل المجتمعات في حيرة من أمرها إذ تتعدد الفتاوي الدينية في مسألة واحدة , ويتم إقصاء الرأي الآخر في الدين , بدعوي الوصاية المستترة علي النصوص الدينية من قبل الأفراد والجماعات الدينية , بل وفي أحيان عديدة من قبل الأنظمة السياسية المستبدة التي توظف إستخدامات النصوص الدينية لمصالحها لكي يكون لها إستمرارية في الوجود والبقاء علي كراسي الفساد في الحكم والسلطة .
وتتأتي جميع الأزمات من مفهوم الوصاية الدينية علي الدين والمفاهيم الدينية , فالغالبية العظمي من المهتمين بأمر الدعوة الدينية ونشر التعاليم والقيم الدينية تجدهم في الغالب الأعم يظهروا من أنفسهم بمظهر الأوصياء علي الدين والخائفين عليه والمحافظين علي أحكامه وتعاليمه من الضياع والإندثار بسبب التهاون في الدين والتعاليم والأحكام الدينية , ومن ثم يبرز التعصب للمفاهيم الدينية في التفسير والتأويل للنصوص الدينية علي خلفية التشدد والتعصب التي يظنوا من خلالها الحفاظ علي الدين !!
ومع هذه المفاهيم المبنية علي تغييب العقل وسيادة قيم الإستبداد وإحتكار مفاهيم الدين تتولد الردة الحضارية , وتصبح المجتمعات التي تسود فيها هذه القيم السالبة للحرية الشخصية , والمؤطرة للمفاهيم داخل مفهوم الدين المتبع , والرافضة لمعتقدات ومفاهيم الغير دينية من خلال سلطة رائدها الوصاية العقلية علي عقول الناس سل يمتد الأمر في الوصاية لتشمل المشاعر والأحاسيس الوجدانية المخبؤة داخل الأنفس من خلال الحب والكره المؤيد بعقيدة الولاء والبراء التي لها صدي واسع في مناطق التجمعات الدينية التي تمثل أقلية داخل إطار مجتمعات الأغلبية حتي يصل الأمر لرفض المجتمع والإنعزال الإختياري عنه بمجموعة من النصوص الدينية التي تم تفسيرها وتأويلها علي مسطرة الأنفس الضعيفة المريضة التي تبني معتقدها الديني علي أساس صلب من تكفير الغير في الدين , بل وتكفير كافة الفرق المخالفة لرأي فرقة من الفرق في إطار الدين الواحد , وكأن الأديان جاءت للدنيا بأناس كان الأجدر بهم يشتغلوا بالجزارة البشرية المبنية علي الذبح والسلخ والتشفي وتقطيع الذبائح علي هيئة قطع بشرية وكأنها حيوانات حان وقت ذبحها حينما تخالف المعتقد الديني أو الفكري أو الثقافي أو حتي أسلوب الحياة وطريقة التفكير !!
ويستمر مسلسل الوصاية العقلية بمجموعة من الأوامر والنواهي والمحرمات التي تبني علي التشفي من الغير ومبناها الغلول والتعصب والتطرف في الرأي والفكر والمعتقد , حتي لتكاد التعاليم الدينية حسب المفهوم المنقوص وكأنها جاءت لتقيم صلات من العداء بين البشر , وكأن رسالات الرحمة والتعاون , والعدل منتفية منها حسب أساليب الدعوة المنفرة والغير واعية بمرادات رسالات السماء !!
ويأتي دور إنكار العقل , وتغييبه وتغييب سلطان العقل أمام سلطان النصوص الدينية التي يريد حراس النص الديني أن يبسطوا سيطرتهم هم وحدهم علي مفاهيم النصوص الدينية ويبسطوا سلطان تفسيراتهم وتأويلاتهم علي الغير معتمدين علي أساليب الوصاية العقلية بالترهيب والتهديد والتقتيل والتذبيح إذا لزم الأمر وعقيد الولاء والبراء خير شاهد في الأمر !!
فكيف يكون للعقل دور ؟ وكيف يكون له سلطان أما سلطان النصوص الدينية المغموسة في أحبار التفسيرات والتأويلات العتيقة والمسجونة في سجن الماضي وأسره المؤبد بعادات وأعراف وتقاليد وطقوس وعبق الماضي متجاهلة الحاضر المعاش , بل وتطالب بأساليب الحياة القديمة صاحبة جغرافية ميلاد النصوص الدينية , ومن يحاول أن يجتهد ليحدث حالة من حالات التوائم مع النصوص الدينية والواقع المعاش يتهم بالتكفير والتلعين والعلمنة , وكأن إعمال العقل والتفكير أصبح جريمة لاتغتفر وجزاؤه القتل !!
ومن هنا فإن الردة الحضارية لابد وأن تكون لها قدم وساق وواضحة المعالم في المجتمعات التي يتسيد فيها الإستبداد ويتغيب دور العقل ويحتكر مفهوم الدين !!
فمتي نكفر بالردة الحضارية ونؤمن بقيم الدين بلا وصاية من أحد , وبلا رقابة من أحد , حتي يكون للعقل دور في مقابل تحديث وعصرنة النص ؟!!
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟