|
ملاحظات تمهيدية حول الظاهرة الدينية في العراق
يوسف محسن
الحوار المتمدن-العدد: 1883 - 2007 / 4 / 12 - 11:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قد تبدو تخطيطات فوكو المتعلقة بكيفية ضبط الخطابات في المجتمعات الغربية قاصرة عن قراءة تاريخية الخطاب الديني داخل المجتمعات العربية الاسلامية لذا يتطلب اعادة صياغة هذا النموذج التخطيطي انطلاقاً من فريضة مرجعية تؤسس ان اي مجتمع بشري هو نسق سيولوجي ومؤسساتي تتصادم داخل تكويناته مجموعة من الخطابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية والثقافية والمعرفية وانها تعود بالمحصلة النهائية الى الحقل الايديولوجي حيث تمثل هذه الخطابات قوى اجتماعية وتركيبات سياسية داخل النظام الفكري فمن خلال ارشفت هذه الخطابات يمكن لنا اكتشاف البنية الاركولوجية المعرفية للمجتمع المعنى بقراءته.فالخطاب الديني يشمل هنا كل انتاج ذهني. نصوص وقائع فقهية ـ شرائح. تقنيات طبية منطوقة او مكتوبة وقد تكون فردية او اجتماعية او مؤسساتية فهي تشكل نظام هيمنة ايديولوجية للانساق المجتمعية ويبقى السؤال عن كيفية اشتغال هذه الخطابات الدينية داخل وعي الجماعات الاجتماعية وتحولها الى قوة مادية وممارسة ساسية. حيث ان الخطابات الدينية ( قطب . حنفي . السيستاني. اياد جمال الدين. محمد مهدي شمس الدين..) جزء من التاريخ الايديولوجي للمجتمع فهي خطابات اجرائية لتوضيح وتبيان المواقف من السلطة السياسية. المنظومة الرمزية. احياء التراث الديني. اقصد هنا الخطاب الديني علاقات القوى التي تؤسس النظام المعرفي فقد تم تأسيس هذا الخطاب في الفكر العربي الاسلامي داخل العلاقات السياسية والاقتصادية والسحرية والثقافية مما يدل على صعوبة ضبطه كمفهوم لتداخله في كل الحقول البشرية. هذه الملاحظات التمهيدية يمكن ان تضاف كمدخل لتاريخية الخطاب الديني لانها تصف الاشكال المزدوجة للخطاب اولاً بوصفه اداة ايديولوجية للهيمنة والتصنيف وثانياً كنسق لتحديدات الهوية ضد الآخرالديني او السياسي. اذن الخطاب الديني نتاج فضاءات تاريخية وجزء من السرديات الثقافية وليس نصوصاً ميتافيزيقية لانه مركب من مفاهيم ومقولات وتصورات في اطار اختيارات فلسفية واقتصادية وسياسية فهي تحمل علامات العقل الذي ينتجه. الخطاب الديني الاسلامي في المجتمع العراقي لم يتحول الى نسق ثقافي وانما بقي في كل الاحوال منظومة اعتقادية مطلقة إذ ان الجماعات الدينية السياسية العراقية تفتقد الى شخصية كارزمية قادرة على ضبط التوازنات الخطابية والسياسية رغم الصخب المتعالي لانتاج واعادة انتاج ظاهرة دينية اصلاحية والاجابة عن الاسئلة التاريخية من داخل المؤسسة الدينية لكون المجتمع العراقي ( افراداً او مؤسسات) ضعيفاً وعاجزاً بنيوياً على الاقتراب من هذه المؤسسة. ان دراسة الخطاب الديني الاسلامي في المجتمع العراقي وفق تخطيطات العروي لاكتشاف العناصر التنويرية إذ يحدد العروي ثلاث كيفيات رئيسة لفهم التاريخ السياسي ضمن الايديولوجية العربية المعاصرة. ( الشيخ الديني. رجل السياسية الليبرالية القومي التقنوي) إذ نجد تعبيرات هذه الانساق تتشكل منذ القرن التاسع عشر وقد تم تحديد وعي المجتمعات العربية والاسلامية من خلال هذه الكيفيات. 1. الشيخ الديني يرسم التعارض الجذري بين الغرب والشرق في اطار الايديولوجية الدينية وداخل ثنائية ( المسيحية ـ الاسلام) إذ يشغل على ميراث تاريخي وفقهي ضخم. يعيد انتاجه رغم اختلاف المجال التاريخي. انه يرجع دائما الى حرفية النصوص ويحاول ان يعثر فيها على اسرار القوة والضعف المجتمعي وقد انتهى هذا الشيخ( الخارج من الصدمة الكولونيالية والفضاء الليبرالي) (محمد عبده) الى شيخ اصولي. تكفيري (اسامة بن لادن). 2. رجل السياسة الليبرالي. حاول ان يحل مكان الشيخ الديني في مقدمة المسرح السياسي العربي ويحكم تلاشي الطبقة الاجتماعية او الشريحة الطبقية التي كان يمثلها فقد تم اقصاؤه من الدولة والمجتمع بعد ولادة الدولة القومية التي ارست تكويناتها البرجوازية الصغيرة ذات النزعات الفاشية. فقد اختفى الليبرالي كموضوع في الحقل السياسي العربي. 3. القومي التقنوي. تشكل مع تاريخ الانقلابات العسكرية.تبنى مشروعاً ضخماً في بناء دولة قوية انحدرت من مشروع دولة وطنية الى دولة فاشية. عشائرية وقد نزعت هذه الدولة المجتمعات العربية من الحقل السياسي ونقلتها الى الحقل الرعوي انتهى الى صدام ، وقد شكل الشيخ الديني والسياسي القومي باشكاله الاخيرة او( النسخ المشوهة) تحالفاً مقدساً سماه الفردانية والاقصاء والشراكة الايديولوجية في معاداة الليبرالية والتنوير والحقوق المدنية للجماعات البشرية. بعد انهيار الكتلة السوفيتية دخلت الدولة الوطنية العربية في الطور الاخير من ازماتها الدورية ومع تبلور ايديولوجية التوسع النيوليبرالي الاميريكي فقد تم تفكيك الدولة العراقية وظهور نخب سياسية تجد اساس تكوينها في هشاشة البنى الاجتماعية وازمة التكوين التاريخي للدولة الوطنية العراقية وضعف الحراك السياسي للطبقات الاجتماعية وعدم تبلور جماعة الانتلجنسيا وظهور الشيخ الديني الاصولي ، رجل الحلف المقدس مع القومي العربي. ان هذه النخب السياسية العراقية التي اعادت بناء مفاهيم ومقولات عصر ما قبل الدولة الحديثة تجد تاطيراتها في تحقيقات العروي الفكرية. وداخل هذا المناخ السياسي الصاخب والملتبس.. يحقق رجل الدين الاسلامي الديمقراطي حضوره للمرة الثانية في التاريخ العام للايديولوجية العربية المعاصرة الذي يقبل بالحوار والفصل بين النصوص الالهية والشريعة واشغال العقل في شؤون الدين. وان المدينة الحديثة وثمرات العلم لا تتناقض مع اصول الاسلام.رجل الدين الديمقراطي ظاهرة حداثية في الفكر الديني العراقي يؤمن بالاشتراطات التاريخية وعدم اعطاء صفة القداسة والتي هي ملازمة حقيقية للدين الى عناصر الدولة لكي لا تستخدم لمصلحتها الخاصة وتتحول الى دولة شمولية. حيث ان الدولة مؤسسة لتأمين وضبط العلاقات بين الجماعات البشرية. ان ظاهرة رجل الدين الديمقراطي يفتقد الى الارضية المادية وهذا يعود الى قوة الدين الشعبوي.
#يوسف_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دفاعاعن الديمقراطيه في العراق
-
الاقنعة التنكرية صناعة الهويه في الثقافة العراقية
-
الخطاب الديني الاصولي او احتكار بلاغة العنف السياسي
-
اسامه ابن لادن الاصولي التخيلي
-
نحو حافات التنوير
-
نحو صياغة جدبدة للعلاقة مع الاخر الغرب
-
قراءة في اسطورة المثقفين العراقيين وخرافات الدولة الريعية
-
جدل الثقافات الفرعيه نحو تشكيل رؤية ستراتيجيه لثقافة وطنية ع
...
-
الاخفاق في صناعة دولة
-
خرافة الدولة الوطنية العربية: نحو قراءة موضوعية للظاهرة الأص
...
-
الجسد الانطولوجي الشارح الأولي لفوضى السلطة السياسية
-
اثريات الطائفية السياسية / مقاربات اولية في العنف والعنف الط
...
-
نحو إعادة قراءة حقل التمايزات للفضاء المفاهيمي، الإسلام/ الد
...
-
إسهام نقدي حول مقولة - الأسلام مصدر للتشريع
-
الحريم السياسي: مقاربات أولية حول الخطاب الجنساني في الثقافة
...
-
اعادة انتاج النخب السياسية التقليدية2
-
قراءة في التصميم الكولو نيالي للديمقراطية في العراق الراهن
-
نقد النزعة التاريخية الأحيائية في الفكر العربي
-
تحليل الخطاب السياسي حول مفهوم الديمقراطية الشعبوية
المزيد.....
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|