أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سعيد لحدو - حين لا نفتقر إلى الحكمة














المزيد.....

حين لا نفتقر إلى الحكمة


سعيد لحدو

الحوار المتمدن-العدد: 1883 - 2007 / 4 / 12 - 04:18
المحور: المجتمع المدني
    


بين الحكمة والتهور بون شاسع وكبير. لكن ما يفصل السلوك اللامنضبط والمتهور عن التصرف الحكيم والعاقل في لحظة حرجة هو مجرد خيط رفيع تكاد لا تلمحه العين ولكن نتائجه ستكون بلا شك مائلة بقوة.
يأتي هذا الكلام في سياق حادثة ديريك التي بدأت قبل أيام شجاراً بين مجموعة من الشباب السريان والأكراد وراح ضحيتها شاب كردي وبعض الجرحى مما هدد بتطورها إلى أسوأ من ذلك بكثير لولا أن الحكمة قالت كلمتها ورفعت صوتها ليعلو كل الأصوات.
هي لم تكن أكثر من حادثة بلا أية أبعاد قد تحصل في أي وقت وفي أي مكان وحتى بين أفراد العائلة الواحدة, لكنها كادت أن تخرجنا عن طورنا وتحولنا إلى مجموعة من المهتاجين المساقين بالغريزة والمستعدين للتحرك بأي اتجاه بردود فعل غير منضبطة بضوابط المصلحة والفائدة ولا مسترشدة بهدي نور العقل والمنطق.
إنني أسمح لنفسي هنا للتحدث ليس باسم السريان فقط ولكن أيضاً باسم الأخوة الأكراد, مستميحاً منهم العذر لتطاولي هذا على حق أساسي من ,حقوقهم أفرادٍ وجماعات. ولعل غايتي ستشفع لي في ذلك وهي الوئام والمحبة والتعايش الأخوي المشترك والسعي الدائم لتكريس هذه المبادئ نهجاً ثابتاً في حياتنا اليومية.
هي حادثة مؤسفة بكل المقاييس. حصل مثلها في الماضي وتحصل اليوم وستحصل في المستقبل طالما نحن بشر ونتعايش معاً, وما يؤسف له أكثر أن تخلف وراءها ضحايا بشرية, لا فرق من أي جانب كانوا. فنحن في الحقيقة جانب واحد وإن كان لنا أكثر من لون. جانب حزب الإنسان والمواطن المكافح ضد القهر والظلم واللاعدالة من أية جهة جاءت. ولذا يسوؤنا كثيراً ويعصر قلوبنا أسىً وألماً حين نجد أنفسنا في صفين متقابلين كنتيجة لحادثة من هذا النوع مهما كانت أسبابها. وألا نعمل كل من جانبه بدافع ضرورات الحكمة والمصلحة المشتركة أن نخفف من حرارة الموقف وأن نقلل ما أمكن من نتائجه السلبية.
لا شك أن سقوط ضحية وجرحى وعشرات المعتقلين ليس فقط مدعاة للأسف والحزن الشديد لعدم إمكان تلافي ذلك, ولكن للحسرة والألم العميق في النفوس والتي لن يزيلها أي كلام مواساة مهما بلغ من قوة البلاغة والتأثير. كما إن الروح التي أزهقت لن يكون بالإمكان إعادتها إلى الحياة بأية وسيلة كانت. ولكن تبقى الحكمة ,التي لا نفتقر إليها, هي الضامن الأكيد والرهان الوحيد للملمة الجراح وحصر النتائج السلبية لهكذا حادثة, ومحاولة تلافيها في المستقبل أو حصرها ما أمكن في حدودها الطبيعية تسهيلاً لمعالجتها بما يعيد الحق إلى نصابه. هذه الحكمة هي بالتأكيد ليست مفقودة لدى رجالات كبار بنفوسهم ورجاحة عقولهم من الطرفين. ولعل مسيرة التصالح التي جرت في 6 نيسان في ديريك وبعد أيام قليلة من الحادثة, بهمة هؤلاء الرجال خير دليل على ذلك. وهي الخطوة الأكثر حكمة وجرأة وشجاعة من الجميع. والاستقبال المتميز بروح السماحة والإخاء والمحبة من قبل الأخوة الأكراد, وأهل الفقيد تحديداً دليل سمو أخلاقي رفيع, وعظمة في النفوس لا تدانيها عظمة. مما أزال كل أثر سلبي لمشاهد الإثارة والهيجان والتي لا تعبر بأي حال أمام هذا المشهد الفريد سوى عن نزوة هياج مؤقتة وطفرة زائلة. لتعود الصورة الناصعة إلى الواجهة, صورة التحضر والترفع عن الصغائر وتجاوز الدونيات, لما هو أهم وأعظم, ولتحتل تلك الصورة موقعها المناسب في قلب مجتمع طالما تقاسمنا معاً أفراحه وأتراحه, همومه وخيراته, وتشاركنا في بناء عوامل رفعته وتساميه.
ماذا يمكننا قوله بعد والواقع أصدق من كل التعابير. ومسيرة التصالح بالأمس في ديريك أبلغ من كل الوقائع, وأصدق من كل المشاعر. فهي ليست مجرد مسيرة تصالح بين فريقين كان لهما لسبب ما أن يختلفا. وإنما هي في الحقيقة مسيرة وطن بأبنائه نحو إشراقة المستقبل. لقد علمتمونا أن ديريك بمسيرتها تلك لم تعد المدينة المنسية في أقصى شمال شرق سورية, وإنما هي الوطن بأكمله وقد تجسد بتلك المسيرة المثال والنموذج للتآخي والتعايش.
لسنا بحاجة بالتأكيد لحوادث مؤسفة من هذا النوع لكي نعبر عن أصالة الروح الوطنية السمحة التي طالما تميز بها أبناء هذا الوطن, أياً كان لون العمامة التي يرتدونها, قومية أو دينية أو سياسية. فهل لنا بالمزيد من أمثال هذه المسيرة في عموم أرجاء الوطن لنكرس تلك الوحدة الشاملة التي لا يزعزع لها تكاثر الألوان بنياناً.
فتحية لكل أولئك الرجال من كل الأطياف الذين لم يفتقروا للحكمة والشجاعة, فرسموا بذلك نهجاً للحياة والمستقبل لوطن لكل أبنائه. وأخص بالتحية آل الفقيد, فقيدنا جميعاً, وجميع الذين تضرروا بأي شكل كان. مترفعين بكل شهامة وإباء عن آلامهم وجراحهم التي هي آلامنا وجراحنا جميعاً, معتبرين تلك مجرد حادثة عابرة لا يمكن أن ننساها, ولكن ليس لإثارة الأحقاد وإنما لأخذ الدروس والعبر.



#سعيد_لحدو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأقليات الصغيرة في عراق ما بعد صدام والبعث -الكلدان الآشوري ...
- الخيانة خيار وطني
- اغتيال- اعتقال- انتحار:أساليب حوار للنظام في سورية
- الحكام العرب والمحاكم المؤجلة- صدام مثالاً


المزيد.....




- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...
- إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا ...
- إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد ...
- مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته
- مقررة أممية لحقوق الانسان:ستضغط واشنطن لمنع تنفيذ قرار المحك ...
- اللجان الشعبية للاجئين في غزة تنظم وقفة رفضا لاستهداف الأونر ...
- ليندسي غراهام يهدد حلفاء الولايات المتحدة في حال ساعدوا في ا ...
- بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
- مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سعيد لحدو - حين لا نفتقر إلى الحكمة