|
الخطوط الحمراء بين الدين والسلطة
مازن شريف
الحوار المتمدن-العدد: 1882 - 2007 / 4 / 11 - 11:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا شك بان العلاقة بين البشر تنظمها أسس اجتماعية وقوانين تحكمها الأخلاق والاحترام المتبادل ضمن منظومة متناسقة تنسجم وحال أبناء المجتمع من كافة طوائفه ومعتقداته وانتماءاته السياسية والعرقية. كما أن للحرية اثر كبير في رسم الخطوط الحمراء في علاقة المواطن مع السلطة وعلاقته مع الأديان.
السلطة وخطوطها الحمراء
لو نظرنا بجدية إلى التجربة الديمقراطية التي رافقت حركة التطور التقني والعلمي والإنساني في المجتمعات الغربية التي اعتمدت العلمانية والليبرالية أساسا لانطلاقة أنظمتها الشرعية المنتخبة وفقا لقوانين وضعها الإنسان المتحضر كي ترفع من قيمته وتحفظ له حقوقه في حرية الرأي والتعبير والمعتقد، فإننا نجد بان هذا الإنسان قد أبدع في تجاوز كافة الخطوط الحمراء وازدادت مسؤولياته أكثر فأكثر بحيث انه بدأ هو نفسه (المواطن) في وضع خطوط حمراء لا يتجاوزها انطلاقا من احترامه لنفسه واحترامه للآخرين ضمن مسؤولياته وواجباته تجاه نفسه ومجتمعه.
بينما الأنظمة كما هو الحال في اغلب دول العالم الثالث فان الخطوط الحمراء لم يقم المواطن برسمها بل عمدت السلطة المستبدة والمتحكمة بجميع مفاصل الحياة بتقييم دور وأداء المواطن في الولاء لها أو في تأدية واجبه تجاه السلطة أولا (متذرعة بأنه يؤدي واجباته نحو الوطن الكبير) حتى غدت هذه الخطوط تشمل حياته الخاصة وعلاقاته الاجتماعية بحيث تجعل منه أداة تستخدمها كما تشاء وتعاقبها وفقا لأهوائها في حال تخطى ما رسم له من خطوط بيانية أجادت السلطة رسمها كي تستمر على ذاك الكرسي الذي بات من الصعب قلبه أو حتى تحريكه. ومن هنا نجد أن من يحاول إطلاق عنان الحريات يكون رصيده مزيدا من السنوات في سيبيريا الأجهزة القمعية لترويض هذا الإنسان (الحيوان البشري الذي اسمه المواطن) كي لا يتجاوز خطوط السلطة التي رسمتها له.
السلطة تفكر وتخطط وتعمل وتحكم بالنيابة عن المواطن دون إن تسأله إلا في يوم ما يطلق عليه إن جاز التعبير (الحملة الانتخابية لإبقاء الوصاية على العباد والرقاب) حتى أصبح من العسير على هذا المواطن أن يتخيل جملة وتفصيلا جزء بسيطا من مشاعره وأحاسيسه وتطلعاته نحو غد مزهر. وتنكسر شوكة المواطن وتتحول أحلامه إلى كوابيس تقيد حتى حريته وتحركه وتفاعله مع أبناء أمته ومجتمعه المنغمس في تامين لقمة العيش حتى صار هذا المواطن (المعتر) لا يعرف الخبز من السمك ولا الديمقراطية من الاستبداد.
يقول المفكر السوري العظيم (ادونيس(لم لا أرى في الأفق شمسا عربية؟ نعم يا شاعرنا الكبير حتى شمسنا تحكمها الخطوط الحمراء ولم يبق أمامنا إلا نور القمر بين سحاب كثيف في غياهب ليل عربي قاتم.
الدين وخطوطه الحمراء
بالرغم من أن الدين من أقدم النشاطات العقلية فهو الذي يحدد العلاقة بين الفرد وخالقه ليصقل نفسه ويهذبها ويبعدها عن الشرور والمظالم ويجعلها قادرة على التأقلم بين الحياة النفسية لكل فرد وبين أبناء مجتمعه بحيث يتعامل معهم بالأخلاق الكريمة التي حصدها من شعارات المحبة والتسامح ، فان الدين تحول إلى سلطة رجال الدين الذين هم اشد بطشا من السلطة المستبدة لما لهم من تأثير قوي على نفوس البشر خاصة الضعفاء منهم لإشعارهم بالخطيئة والذنب دائما فهم يحكمون باسم الرب ويفتون ويطلقون الشعارات ويتحكمون بطريقة تناولنا للأطعمة وكيفية جلوسنا وتنقلاتنا وحتى في زواجنا ونومنا وتفكيرنا وطريقة تعاملنا مع الآخرين وما علينا إلا الخضوع لان فتاوى هذه الشلة من الرجال آتية من الرب كما يزعمون وما علينا إلا الطاعة وان نسمع لهم ونتفق معهم بكل ما يقولونه وخلافا لذلك الويل لمن يعصي والويل لمن يرفض والويل لمن ينتقد أو يناقش أو يحاور ، فتصدر بحقه فتاوى التكفير ويوضع عليه حد القتل.
واليوم نجد العديد من رجال الدين يتدخلون في جميع مفاصل الحياة ويؤثرون على الشباب العاطلين عن العمل الذين ازدادت نسبتهم بشكل كبير في الآونة الأخيرة والذين وجدوا دور العبادة طريقا للتنفيس عن استيائهم لقلة فرص العمل فبدأ ينخرهم الدين ويتغلغل في نفوسهم وصاروا كاثوليكيين أكثر من البابا في زواج فكري لم نشهد مثيلا له ودفع بهؤلاء إلى نوع من العنف الجديد اشد خطرا على الإنسان والمجتمع وكل ذلك نتيجة لشح الموارد وضآلة فرص العمل والضياع والتشتت الذي أصاب معظم هؤلاء.
ويتساءل البعض هل هناك من حلول؟ وأين مكامن الخطأ والصواب؟
كلها أسئلة تؤرق نفس المواطن وتقلقه إلى درجة الثمالة فتخلق منه إنسانا يعجز حتى عن التفكير بمصيره وان بالغت قليلا تجعله أشبه برغيف الخبز المحترق في أفران القمع والاستبداد.
إن ما يدغدغ كافة الجوانب الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية هو العلمانية وهي بدون شك الحل الوحيد لبناء هذا الإنسان وتحوله من مرحلة القلق والضياع والتشتت الفكري والاجتماعي إلى مراحل التطور الفكري والإنساني لان بناء الإنسان أساس لتطور البشرية وتقدمها وفصل الدين عن الدولة هو السبيل الوحيد لمجتمعاتنا التي ما تزال تحتفظ بالموروث الديني (أهم أسباب تخلفنا) في ركب الحضارة والتقدم العلمي والتطور الإنساني .
#مازن_شريف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خيمة جديدة لحرية الكراهية في صحراء الربع الخالي
-
تحية إلى المرأة صاحبة القلب الجميل
-
المرأة السورية وظاهرة الابداع 2
-
المرأة السورية وظاهرة الابداع 1
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|