|
كلما تراكم غيابه ازداد نصه حضورا
خلف علي الخلف
الحوار المتمدن-العدد: 1882 - 2007 / 4 / 11 - 11:20
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
موت لم يكتمل: تأريخ السيرة حتى في العصر الحديث لازال هناك خلاف على تاريخ ولادة شاعر، فرياض كما هو مذكور في (وعل في الغابة ) الذي صدر بعد وفاته عن وزارة الثقافة « وُلِدَ رياض الصالح الحسين في مدينة درعا في 10/3/1954 لأب موظف بسيط من قرية مارع في شمال حلب. كان والده يتنقّل مع عائلته بين المدن السورية ثلاثين عامًا. منعه الصمم و البكم من إكمال دراسته، فدأب على تثقيف نفسه بنفسه. اضطر إلى ممارسة العمل مبكرًا، كعامل و موظف و صحفي، و عانى من مشكلة البطالة. كان مستمرًّا في كتابة الشعر و الموضوعات الصحفية منذ عام 1976.. كتب في الشعر، القصة القصيرة، قصص الأطفال، المقالة الصحفية، و النقد الأدبي » (1)
بينما في تراجم أعضاء اتحاد الكتاب العرب في سورية نجد أنه « ولد في مدينة (درعا) عام 1953. تلقى تعليمه في درعا، وعمل في الشركات الاهلية للغزل، وفي مؤسسة الأمالي الجامعية في مدينة حلب وفي أعمال عديدة وآخر عمل له في مكتب الدراسات الفلسطينية»(2). ويذكر د. علي حافظ أن « رياض انتقل في منتصف السبعينيات إلى دمشق بحثاً عن حياة (ليست عادية) على حد تعبيره. لكن هذه الحياة ـ الحلم كانت تتوارى بين أصابعه كالزئبق، وقد عمل رياض بداية مع أخيه عند الخياط علي الدخيل بالمرجة ببناية العابد! (...) في هذا الوقت بدأ رياض الصالح الحسين يشق طريقه الصعب في الحياة، ويخط معالم مسيرته الأدبية بنجاح ملحوظ، ناشراً نتاجاته الإبداعية بمطبوعات العاصمة: (المسيرة)، (الثقافة الأسبوعية) و(الثورة).، لكنه لم يكن سعيداً ومسروراً بهذا، إذ إن ظروفه الاجتماعية غير مستقرة، وأوضاعه المعيشية معقدة، وحالته الصحية السيئة تضغط على روحه وجسده » (3)، و يستند في المقالة التي كتبها عن رياض الى رسالة كان قد أرسلها رياض الصالح الحسين الى الشاعر الفلسطيني محمود علي السعيد بتاريخ 16 أيلول 1975شاكراً إياه على وضع اسمه ضمن لائحة الشعراء الشباب الذين سيشاركون بالمهرجان الشعري السنوي المقام بالنادي العربي في حلب، ومعتذراً عن عدم حضوره لفعالياته بسبب الظروف الصعبة والقاهرة المحيطة به في العاصمة!! (...) كما أنه يرسل قصيدة (العاشق القادم من البحر الخامس) طالباً من الشاعر محمود علي السعيد المساعدة على نشرها بجريدة (الجماهير) الحلبية، راجياً أن يكون هذا (دون حذف، أو بتر أصابع، أو نزع أضلاع)، كما يحدث عادة في أغلب صحفنا! لكن القصيدة للأسف لم تنشر لأسباب غير معروفة! " (4) وكذلك فإن تاريخ وفاته، يحوي اختلاف طفيف. إذ كما هو مذكور في " وعل في الغابة ". توفي في مستشفى المواساة بدمشق عصر يوم 21/ 11 / 1982بينما ذكر د. علي حافظ في نفس المقالة أنه كتب على شاهدة قبره ( هنا يرقد الشاعر رياض الصالح الحسين الذي توفاه الله بيوم السبت الواقع 4 صفر 1403، والموافق 20 تشرين الثاني 1982 ميلادية). لكن الثابت مكان دفنه إذ دفن في قريته مارع شمال حلب. بورتريه: من سيرة الحاضرين في غالب أحاديث المثقفين حينما يتناولون فترة السبعينات وبداية الثمانينات، خصوصاً أولئك الذين عاشوا في حلب أو دمشق، لابد أن تأتي سيرة رياض الصالح الحسين. وإذا كان لازال بالامكان تدوين بعض التفاصيل عن حياته ممن كانوا قريبين منه، فإنه سيأتي اليوم الذي يصبح فيه تدقيق معلومات عن رياض أمراً ليس هيناً. وإذا كنت قد سمعتُ الكثير من المرويات الشفهية من الروائي فيصل خرتش عبر حسه الساخر لبعض مفارقات تلك الفترة شفاهاً، فلم يتح لي أن أقرأ روايات فيصل خرتش لأعرف إن كان قد ورد كأحد الشخوص في وراياته أم لا، وبعضها تناول جانباً من حيوات المثقفين في تلك الفترة. إلا أن جزء من حياة رياض الصالح الحسين ترد في رواية خليل صويلح ( بريد عاجل ) (5) و التي كانت أحد الزوايا التي اشتغلت عليها هي تأريخ حياة جيل الثمانينات من المثقفين في دمشق. رغم أن الرواية لم تذكره بالاسم. وإذا كان نذير جعفر يرد أيضاً في تلك الرواية كأحد شخوصها، دون إسمه إيضاً، فإنه نشر جزءا من مخطوط عن ذكرياته مع رياض في السبعينيات وتحدث فيه عن الأنسة س التي وردت كثيراً في شعر رياض « غنّى رياض أغنية فيروز: " بكتب اسمك ياحبيبي عالحور العتيق .. " التي حفظها مع بعض أغاني فريد قبل أن يفقد سمعه, وكان لا يغنيها إلا في ساعات التألق العاطفي واللحظات الحميمة, ثم قرأ المقطع الذي يحمل عنوان: "الآنسة س" من قصيدته ( سطور من كراسة الحطابين الأشرار ) التي عددتها حينذاك نقلة نوعية في تجربته, وفي كل سهرة تطلب منه أن يلقيها على الحضور، وعندما استمعت إلى رياض بحضور الآنسة " س " بدا وكأنك لا تعرفه, فقد احمرّت وجنتاه, واشتعلت عيناه بوميض شفّاف, وتهدّج صوته, فأدركت أنه عاشق حقيقي في هذه اللحظة, ولما سألته معقبا على ما قرأه: هل " س " التي تتحدث عنها هي غير " س " التي تجلس معنا الآن ؟ فقال: إنها هي نفسها» (6) وفيما ذكر د علي حافظ أنه جزء من رواية قيد الطبع « أياماً وأياماً أبحث في قريتي عن ذكريات طفولتي.. عن أصدقاء الزمن الجميل! من بيت لبيت.. من شارع لزقاق.. من مقبرة إلى مقبرة.. من فاتحة إلى فاتحة.. من حي إلى ميت، ومن ميت إلى حي...أقف عليهم طويلاً.. أحدثهم بشأن حياتي، يحدثونني بشأن مماتهم الحي، خالد أنت في الذاكرة يا رياض، يا رياض الصالح الحسين! وقفت عنده تأملته.. تأملني.. لمسته بروحي المحترقة.. لمسني بقصائده: (بسيط كالماء واضح كطلقة مسدس)، جاء صوته مرحباً مع صوت ابن عمي الراكض بتداخل نبراته: (جهز الحلوى أيها الغريب القادم.. ها هو ذا صديقك الغريب الآخر الذي تبحث عنه يقف بين يديك). » (7) وربما كان موت رياض المبكر هو ما جعل أصدقاءه يكتبون عنه " بحرية " أكثر من الأخرين الذين ما زالو أحياء، إلا أنه كما بدى مما كتب عن تلك الفترة أنه كان أحد الأشخاص الذين لا يمكن تجاهلهم حين سرد الوقائع الحياتية لذلك الجيل. وتزداد المفارقات المروية ( شفاهاً على الأقل ) عن رياض تحديداً نظراً لوضعه " الصحي "، وما تشكله طرقه في التعبير من رفع المفارقة الى سقف أعلى، مما لو حصلت مع آخرين. إلا أن هذه المرويات ما كان لها أن ترسخ لولا موته المبكر أولاً، وتشكيله علامة فارقة عبر منجزه الشعري في جيله وما تلاه. قصاصات الشهود: عن إرثه الشعري إن أي كتابة تعنى بمنجز قصيدة النثر في سوريا وتتناول فترة الثمانينات ونهاية السبعينات سيكون رياض الصالح الحسين حاضراً فيها بكل تأكيد. وإذا كان السوريون نادراً ما يجمعون على شيء فإن كل من كتب أو تحدث، منهم، عن قصيدة النثر السورية في تلك الفترة، لا بد أن يأتي على ذكره كأحد أبرز ممثلي " تيار " ما اصطلح على تسميته لاحقاً القصيدة اليومية أو الشفوية، وممن سلطوا الضوء عليها الناقد (حينذاك ) محمد جمال باروت موصّفا إياها بإنها « قصيدة اليوم، قصيدة الكلام وقصيدة الشعور ذات البعد الواحد أو الصوت المفرد والمناخ الغنائي، ذات البنية الخيطية وذات الرؤية الجزئية (اهتمام بالأشياء الصغيرة) » وقد اعتبر باروت أن الماغوط يشكل مرجعية أساسية لهذا التيار إذ « استطاع الماغوط بقدرة إبداعية نادرة أن يترجم هذه المشاعر وهذه الحياة فنّيّاً وأن ينقلها من حقل الكلام اليوميّ المتكرر والمستهلك، إلى حقل الكلام الشعري الخصوصي والمتفرّد في مساحة غنائية، مظلّلة بخلفيّة رومنتيكية (نهلستيّة). لقد حقق الماغوط التّوافق الخلاّق مابين التّقنية والتّجربة الداخلية (المضمون). فالتّقنية تستمدّ ملامحها من حقل الكلام اليوميّ » (8) ويرى باروت أن قصيدة النثر بصغتها تلك اقتربت من جماليات الحياة إذ « عبرت "الحساسية الجديدة" في شعر السبعينات في سورية عن هذا العالم، حيث تقوم إشكاليتها الجمالية ـ الشعرية على البحث في "النثري" عن لغة شعرية ممكنة خارج لغة الرؤيا والخطابة. ولا نعني بـ "النثري" المعنى اللغوي للكلمة، بل المعنى الجمالي لها الذي قصده "بيلينسكي" والذي يشير إلى "الوقائعي اليومي". ومن هنا تقترب "الحساسية الجديدة" من جماليات "نثر الحياة"، وتبحث في تفاصيله ولحظاته ووقائعه عن عوالم شعرية أليفة، تعكس أحلام ورغبات وأحاسيس "الإنسان الصغير" المهمش في الظل، ومن هنا فإن "الإنسان الصغير" هو البطل الحقيقي في هذه العوالم، وليس "البطل القادر" أو "المنقذ". وكأن هذه العوالم ترى عالمها خالياً من "البطولة" و"والأبطال". ويمكن القول أن هذه العوالم في مناخها النثري الحياتي الوقائعي تقترب من "أحلام الإلفة" التي تحدث عنها باشلار. حيث تقوم على "المتناهي في الصغر" مقابل "المتناهي في الكبر" الذي قامت عليه بنيتا الرؤيا والخطابة. وبهذا المعنى فإنها تنمذج "الإنسان الصغير" بعلاقاته وتجاربه ولحظاته وأحاسيسه. فهذا الإنسان في شعر رياض الصالح الحسين هو "ذلك الطفل.. تلك المرأة" و"الجندي" و"الفنان" و"الرجل" و"الولد/ الفتاة" و "رجل متعب عائد إلى البيت"...» (9). ويرد رياض الصالح الحسين كأحد أبرز الاسماء التي تقدمت بـ هذا " التيار " أشواطاً إلى الأمام فحسان عزت يعتبر ان « التيار الآخر – الأول هو تيار قصيدة الدراما والتنامي الملحمي- هو تيار أوسع من حيث العدد والانتشار الكمي، لكننا سنجد القصيدة عنده أميل الى السرد والمباشرة ، والايقاع السريع، والصورة التي لا تكاد ترى.. وهنا سنقع على القصيدة الومضة والبرقية، والفقاعة، وحفنة الكلمات .. واللغة عادية يومية هي لغة الناس، لا مرجع لها إلا العابر والمستهلك، في حالات كثيرة ستكون القصيدة أشبه بالبيان القصير، وخبر الرادين، والرسالة العاجلة وشكوى الحال، والخاطرة .. وتوحي بمقاربة للترجمة والاغتراب وتأتأة اللغة، والقصيدة عند أصحاب هذا التيار هروب من عقد ومحرمات واوجاع بعيدة، وفك ارتباط مع المطلق والتراث والأساطير والرموز والتاريخ، فأساطير شعرائها يومية ، والخراب خراب دورتهم الدموية، فهم وعول هاربة الى الغابة، بسطاء كالماء واضحون كطلقة مسدس .. وهذه العبارات مأخوذة من عناوين مجموعات الشاعر الآفل رياض الصالح الحسين » (10). بينما اعتبره عهد فاضل في كتابه ( تعريف الشعر) (11) أحد الذين نجو من الإرث السبعيني. وجعلوا الحياة تتدفق في القصيدة فعاد الإنسان الطبيعي إلى مملكته بدون كلفة الترميز والشحن الماورائي أو الذهني. وقد احتج منذر مصري حين كرست إحدى المجلات الفرنسية الفصلية (Poetique Action الحركة الشعرية) أحد أعدادها، لملف خاص عن الشعر السوري المعاصر. ولم يترجم رياض الصالح الحسين حينها « يوجد هناك أسماء مكرسة ليس يسيراً القفز فوقها وعدم إيرادها، وذلك لأهمية صوتها الشعري وفرادتها، مثل بندر عبد الحميد وعادل محمود والراحل رياض صالح حسين، أسماء هامة لا ريب يستغرب المرء غيابها. في الوقت الذي كان يمكن لتواجد قصائدهم، على حساب تقليل عدد القصائد الواردة لكل شاعر في الملف، أن تغنيه لحد كبير، بالقدر الذي يساعد على أخذ صورة أشد كمالاً للشعر السوري. » (12) فهو يرى أن قصيدة «الخنجر» المنشورة في مجموعة «وعل في الغابة» هي واحدة من أفضل وأجمل مااستطاع «جيلنا الشعري الركيك والضائع أن يقدمه» (13) وقد اعتبر عزت عمر في سياق تقديمه لأنطلوجيا شعر التسعينات في سوريا، والتي رأى أنها استندت الى ارهاصات مرحلة الثمانينيات، في تغيّر التوجّهات الشعرية السورية من حيث المضامين، وكذلك تغيّر أنماط الخطاب من حيث الشكل ؛ بحيث اندفعت عميقاً إلى الذات الإنسانية و قد رأى أنه « ربّما كانت تجربة الشاعر رياض الصالح الحسين تشكّل منعطفاً حاسماً في التأسيس لهذه اللغة الجديدة والمختلفة حتى عن لغة شعراء مجلة شعر وتنظيراتهم، وكان على هذه الولادة الجديدة أن تقحم في مواجهات شديدة وعلى أكثر من صعيد، ولم يكن شعراء التفعيلة في هذه » (14) وفي تقديم سعدي يوسف لأعمال لقمان ديركي رأى أن « ليس لدى لقمان مرجعية شعرية مقررة مقدّسة. لكنّ لديه اعتبارات: رياض صالح الحسين أولاً وربما أخيرا. لماذا يمضي بعيداً إن كان رياض مضى أبعدَ مما يتحمّل ويُحتمَل؟ الدرسُ قائم، مستمر. المرجعية شخصيةٌ تماما. » (15) بينما يعتبر حسين عجيب أن قراءة رياض الصالح الحسين صدمته وغيرت توقعاته « كلمة"الادّعاء" بقيت ملاصقة للشعر والشعراء وواصفة لهم, حتى قرأت لأول مرة رياض الصالح الحسين بعد أعوام من دخولي الجامعة, صدمني وغيّر توقعاتي, وأحببت ذلك النمط من الكتابة » (16) ويؤكد بعد ذلك انه عندما « يتعود السوريون، التسامح والتفكير الهادئ، سوف توضع سنية الصالح مع الماغوط، إلى جانب رياض الصالح الحسين، في الكتاب المدرسي. » (17) وقد ظلت تجربة رياض حاضرة على الدوام في المتابعات الصحفية التي تكتب في الصحف السورية وشكلت مثالاً في الغالب للقياس. إذ أنها أصبحت مرجعية منجزة يتم الاحتكام لها في ماهية قصيدة النثر خصوصا تلك التي تمثل "التيار اليومي" فقد كتب طارق عبد الواحد أن رياض كان يتملك الوعي الشعري « الذي يقبل كل التناقضات دون تفلسف ودون مراوغة, ليس لأنه لم يكن ناضجاً كفاية, بل على العكس..لأنه على وعي بالثنائيات المأساوية وجدلها الذي يقود الى الموت, لذلك آثر الصالح الحسين أن يعقد أواصر الصداقة مع التفاصيل..احتفالاً بالحياة. لقد أراد أن يعيش الحياة لحظة بلحظة: (الموتى الجميلون/ذوو الأسنان البالية/ والوجوه الناتئة/ تذكروا وهم في قبورهم/ضوء القمر وخضرة المراعي/ تذكروا أنهم لم يعيشوا كما ينبغي/ لم ينتبهوا الى الأصوات والألوان/ الموتى عرفوا/ ربما للمرة الأخيرة/ كم هي لذيذة حياة الأحياء)-من نص بعنوان: كم هي لذيذة, في مجموعته: وعل في الغابة« ويضيف « إنّ تأمل الأدوات الشعرية عند رياض, وتفحص البنى النصية عنده يأخذنا الى المجال الحيوي للشعر باقتراحاته الحديثة..حيث الابتعاد عن تهاويم اللغة واغراءاتها وانحيازها الى منطقها الخاص..فاللغة ها هنا لم تعد تقود الشاعر, والتحكم بالمسافة بين الأشياء وبين طرائق التعبير عنها هو وظيفة الشاعر. وقد اختار رياض تقليص هذه المسافة والتصرف بها دون فذلكة, أو انشائية, أو بهلوانيات لغوية, لقد اختار أقصر (وأبسط) الطرق لتحقيق النص الشعري دون أن يقع (غالباً) في فخ التقريرية. إن الشعرية ليست في اللغة فقط, بل في الحياة كذلك, وبالاتكاء على هذا المنطق استطاع الصالح الحسين أن ينجز لحظات الدهشة, وكأنه يرى أن في إعادة ترتيب الأشياء الرتيبة..يمكن قنص اللحظات الحاسمة, اللحظات الإنسانية العارمة التي توفر فرصة التحرر والانفكاك من قسوة الزمن.. » (18) ويعتبر علي سفر أن ملامح القصيدة الشفوية اليومية المتوافرة في شعر رياض الصالح الحسين جعلته دائما نموذجها الأبرز. و « الكثيرون ممن يكتبون الشعر الآن في سورية يدّعون وراثة هذه القصيدة رغم أن من مات من شعرائها؛ واحد هو رياض الصالح الحسين وكأنها مُلكٌ يُورَّث وبينما تتعزز الصورة في اليومي بالاستغراق في التجربة كما فعل الشعراء الذين ظهروا في السبعينيات، ينحاز هؤلاء الورثة إلى حكمةٍ مُدَّعَاةٍ أو ألقٍ لغويٍ بلاغي (...) القصيدة التي تنمو بعيداً عن العائلة هي قصيدة رياض الصالح الحسين وهي ذاتها " التي ولدت في مناخات التأثير والتأثر بلا ادعاء " وهي حقاً القصيدة التي يجدر بجيل الشباب من الشعراء أن يحاولوا دراسة بنيتها ومن ثم تمثلها أو التوليد منها أو التضاد معها.. لا تلك القصيدة التي تكتب وكأنها استنساخ للمناخ النفسي واللغوي الذي عاشه السبعينيون. » ( 19) وقد ترجمت لرياض الصالح الحسين قصائد الى الكردية منها " الراية " و "غرفة الشاعر " وقد ترجمها الشاعر الراحل فرهاد جلبي ونشرت في مجلة زانين ( المعرفة ) في العدد الثاني، أيلول 1991 والعدد الثالث، تشرين الثاني 1991 (20) إقفال المقدمة وترك السيرة مفتوحة لم تكن هذه المقدمة بأي حال " دارسة " في منجز رياض الصالح الحسين، بل هي محاولة لتسليط الضوء على هذا الشاعر، من خلال مجايليه ومعاصريه، في الغالب. فهو لا زال حاضراً، و راهناً، في المشهد الشعري السوري، وسواء تمت قراءته بعجالة أو بتأنٍ، فاننا سندرك حجم التأثير الذي تركه على من تلاه، من اولئك الذين " ورثوا " القصيدة اليومية. وقد بقيت - في الغالب - نصوصهم على ضفاف نصه. وندرك المسافة التي قطعها رياض في اشتغاله على نصه، عندما نقارن بين قصيدته التي لم تضمها أيّاً من مجموعاته الشعرية وبين ما شهده لاحقاً نصه من تملك لاأدواته الفنية، واعلائه لـ " اليومي " ليكون شعراً. و رغم ما قد يجده الدارس هنا وهناك من تعثر لبعض النصوص، كالحضور الواضح للايدلوجيا في شعره، وكذلك وفي السياق نفسه حضور الخطابية " الاشتراكية " في الكثير من النصوص. وكان ذلك سمة اليسار الشعري السوري الذي رغب بتغيير العالم من خلال الفكر. وحين لم يتحرك الواقع قيد " نملة " احتج عليه بالشعر. إلا أنه رغم ذلك فهو يقدم التجربة الأنضج في قصيدة التفاصيل التي تحيك الشعر من يوميات الحياة العادية، تلك التي لا يأبه لها أحد ربما. وقد يوافقني البعض القول أن تجربة رياض الصالح الحسين هي أكثر اكتمالاً مما قدمه الماغوط في هذا السياق بل انها قادت قصيدة الماغوط - إذا كان لابد من اعتبارها الأب الروحي لها – الى هدوء داخلي. يقودها نحو الذات أكثر من المحيط. في النصوص المنشورة هنا تمت مقارنة نسخة ورقية من " وعل في الغابة " إضافة لنسختين ( ملفات وورد ) وضبطهما مع النسخة المنشورة في موقعه والذي أنشأته الشاعرة اللبنانية سوزان عليوان (21) قبل سنوات وشكل أحد أهم المنافذ لقراءة هذا الشاعر، لجيل لم يسمع به ربما. مما يجعل انتشاره على المستوى العربي، لدى " جيل النت " مديناً لها. لأن أحداً لم يعد طباعة أعماله. ونأمل أن نسهم من خلال تقديم الأعمال الشعرية الكاملة لرياض الصالح الحسين بصيغة كتاب الكتروني في الحفاظ على إرث هذا الشاعر على الاقل، إن لم نسهم في زيادة قراءته. هوامش ناقصة لسيرة الغائب 1- وعل في الغابة: رياض الصالح الحسين – وزارة الثقافة السورية- دمشق 1983 2- تراجم أعضاء اتحاد الكتاب العرب في سورية و الوطن العربي - الطبعة الرابعة – اتحاد الكتاب العرب دمشق2000 3- 25 عاماً على رحيل الشاعر رياض الصالح الحسين: قبر الماء... والزهرة : د علي حافظ – صحيفة النور السورية العدد 131 ( لم نتأكد من التاريخ فقد تم الحصول عليه من موقع النور الالكتروني. فإذا أخذنا بالعنوان يكون العدد صادر في عام 2007 ولا يكون حينها قد مر على وفاة الشاعر 25 عاما. و متن المقال ما يشير الى أن القصيدة تنشر بعد 28 عاما من كتابتها وعلى افتراض أنها كتبت في 1976 فيفترض أن العدد صادر في عام 2003 . بينما بينما في آخر المقال يرد أن القصيدة المرفقة تنشر بعد 15 عام من وفاة الشاعر هذا يعني أن العدد صادر 1997 ولم تكن النور قد صدرت ذلك الحين أن تاريخ العدد 4- د علي حافظ: مرجع سابق 5- بريد عاجل: خليل صويلح دار نينوى – دمشق 2005 6- ذكريات عن رياض الصالح الحسين: نذير جعفر - جدار الثلاثاء 28 نوفمبر 2006 7- د علي حافظ: مرجع سابق 8- الشعر يكتب اسمه: محمد جمال باروت - اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1981 9- مُقاربة للبُنيات الجَمالية - الشعرية في الخطاب الشعري الحديث في سورية: محمد جمال باروت مجلة الموقف الأدبي - اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العددان 193 و 194 أيار وحزيران 19871 10- القصيدة العربية الجديدة في سورية عقد الثمانينات.. افتراق وتحول: حسان عزت – مجلة نزوى العدد 12- نوفمبر- عُمان 1997 11- تعريف الشعر: عهد فاضل - بيروت 2005 ( جزء من الكتاب منشور في أكثر من موقع الكتروني ) 12- انها سيرة ناقصة، بسبب النسيان ربما، أو بسبب الإغفال!: منذر مصري - جدار الثلاثاء 03 أكتوبر 2006 والمقال كان قد نشر بداية في المستقبل اللبنانية 13- عن رياض صالح الحسين وورثة يعيشون في أوهام بيت مسبق الصنع علي سفر - جدار الإثنين 27 نوفمبر 2006 14- قصيدة التسعينيات السورية : التمايز والولادة الخلاّقة من رحم أموميّ نما وتطبّع في أحضان لحظة معرفية مغايرة: عزت عمر – مجلة الشعراء – رام الله 2005 ( مقدمة لـ أنطلوجيا ملحقة ككتاب بمجلة الشعراء الصادرة عن بيت الشعر الفلسطيني عن قصيدة التسعينات السورية أعدها علي سفر ) 15- مقدمة الاعمال الشعرية لـ لقمان ديركي: سعدي يوسف- دار نينوى – دمشق 2006 16- الماغوط وأسطورة المبدع الأمي _ الميت, ثرثرة من الداخل: حسين عجيب - الحوار المتمدن العدد: 1527 - 2006 / 4 / 21 17- كأس الأصدقاء: حسين عجيب- الحوار المتمدن - العدد: 1194 - 2005 / 5 / 11 18- بورتريه...هنالك موتى يسيرون على أقدامهم!: طارق عبد الواحد - صحيفة الثورة السورية الأربعاء 22/2/2006م 19- علي سفر- مرجع سابق 20- بانوراما حول نتاجات الراحل فرهاد جلبي المنشورة في مجلة زانين: عبدالباقي حسيني – جهة الشعر 2004- ضمن ملف: ( فرهاد جلبي، وحدي، أمضي إلى الموت الرحيل الأزرق للشاعر2004 ـ 1961) 21- موقع الشاعر: http://www.suzanne-alaywan.com/RiyadhSite/RiyadhIndex.htm
#خلف_علي_الخلف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المشاريع الثقافية الكبرى والنهوض بالأمة
-
هيّا بنا نمدح معرض الكتاب ونهجو الوزارة
-
في قسوة النقد وفضل فصل القائل عن المقولة
-
ما هكذا تورد الأنطولوجيا يانادي جدة الادبي
-
ناس وأماكن (2): البحرين ناس ينثرون الحُب
-
ناس وأماكن: (1) الفضاء حين يتسع أو جدة التي غير
-
كان يجب أن ترحل باكراً أيها الغرنوق
-
يا أيتام صدام البقية بحياتكم
-
زمن بينوشيه الجميل.. وداعا
-
سوريا بيئة آمنة للاستثمار والعيش و.. الفساد
-
عاش أورتيغا يسقط التلفزيون السوري
-
راعي يسرح بالكلمات في صحراء تشبه الحديقة: عن نوافذ القيصوم
-
الاحتفاء بالتفاصيل اليومية إذ يشكل نصاً: عن حواف خشنة
-
سعار ل بثينة العيسى: رواية تجميعية رديئة نموذجاً للتطبيل
-
زواج الحكاية واللغة لإنجاب نص الحياة:عن فسيفساء إمرأة
-
العجيلي: الذي عاش كبيراً ورحل كبيراً
-
حلب الآن: نعي مدينة خاوية
-
بَوَّات الثقافة السورية: خير خلف لخير عرسان
-
الدعارة الثقافية: منتج الاستبداد والكبت
-
كونديرا سورياً: عن البلاد التي بلا أمل
المزيد.....
-
العراق يعلن توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل وفقدان 5500
...
-
ما هي قوائم الإرهاب في مصر وكيف يتم إدراج الأشخاص عليها؟
-
حزب الله يمطر بتاح تكفا الإسرائيلية ب 160 صاروخا ردّاً على ق
...
-
نتنياهو يندد بعنف مستوطنين ضد الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربي
...
-
اشتباكات عنيفة بين القوات الروسية وقوات كييف في مقاطعة خاركو
...
-
مولدوفا تؤكد استمرار علاقاتها مع الإمارات بعد مقتل حاخام إسر
...
-
بيدرسون: من الضروري منع جر سوريا للصراع
-
لندن.. رفض لإنكار الحكومة الإبادة في غزة
-
الرياض.. معرض بنان للحرف اليدوية
-
تل أبيب تتعرض لضربة صاروخية جديدة الآن.. مدن إسرائيلية تحت ن
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|