|
لماذا يحب الأبناء وطناً ، يقتلُ فرحهم ؟
فارس الطويل
الحوار المتمدن-العدد: 1882 - 2007 / 4 / 11 - 05:34
المحور:
المجتمع المدني
أتذكر أنني قرأتُ ، قبل سنوات ، مقالاً لأحد الكتاب ، يقارن فيه بين أوطاننا العربية ، وأوطان الآخرين في أوربا وأمريكا وغيرها ، حيث ذكر ، بأنّ المواطن لدينا ، هو من يحمل الوطن ، ويتحمـّل أعباءه ، ومشاكله ، وأمراضه ، بصبرٍ ، ووفاء لامثيل له . بينما نرى أنّ الوطـن في ( الغرب ) ، هو من يحمـل المواطن ، ويسهر على تلبية احتياجاته ، والتخفيف عن همومه ، ويحرص على التأكيد على حقوقه ، التي ينبغي أن يتمتع بها . هذه الحقيقة المؤلمة ، صفعت بكفها الأبرية ، عين ، ووجدان كل ( عراقي ) ، أو شرقي ، هاجرَ ، أو لجأَ إلى ديار الغرب الأوربي ، والأمريكي ، بعد أن رأى الفرق بين نظرة الوطن ، لأبنائه ، في ( الغرب ) ، وهي نظرة أبوية رحيمة ، ومسؤولة ، تعبّر عن طبيعة ، ومتانة العلاقة ، بين الدولة ومواطنيها ، التي يكون ، البعد الإنساني ، والوطني ، والتربوي ، من أهم أركانها . فضلاً عن تأكيد تلك العلاقة ، على أهمية الإنسان – المواطن ، باعتباره محوراً أساسياً ، للحياة ، والتطور ، والحضارة ، وهدفاً نهائياً ، لمسيرة البناء ، والإعمار ، والكفاح ، والنهوض العلمي ، والتكنولوجي ، والثقافي . وبين نظرة الوطن ، لدينا ، ( وأنا أقصد ، هنا ، نظرة الدولة ، بثوب الإستبداد ، وهو الزي الرسمي في أغلب أوطاننا ) ، التي تختلف ، كليّاً ، عن نظرة الوطن الآخر . فأبناء الوطن عندنا ، وعلى النقيض من الأبناء المدللين ، هناك ، يُعاملون ، بقسوة ، واحتقار . ويُساقون ، بلا رحمة ، في دهاليز البؤس ، والقهر ، والخوف ، والذل ، والجوع ، والتجهيل ، والتضليل . ويُقذَف بهم في أتون الحروب ، والسجون ، والمقابر ، والمنافي ، والإرهاب . وتُنتزَع منهم ، الكرامة ، والإرادة ، والحقوق . ويُسلب منهم ، العقل ، والحلم ، والأمل ، والفرح ، والحب ، والأمان . وفوق كل ذلك ، يُطلب منهم ، أن يكونوا مواطنين صالحين ، وأوفياء مضـّحين . يكتمون ألمهم ، وبؤسهم ، وذلّهم ، ومهانتهم . ويعضـّون على جرحهم . وينزفون ، ويحترقون ، ويموتون من أجل الوطن . فكل شيء ، يهون ، من أجل عيون الوطن . وكل الناس فداء للوطن .
في ( الوطن الغربي ) ، يجري الحديث ، دائماً عن الإنسان ، وعن حريته ، وعن الحقوق ، التي ينبغي أن يمنحها الوطن لأبنائه ، وهي حقوق كثيرة جداً ، منها : حقهـم في التأمين الصحي ، والضمان الإجتماعي ، والعيش الكريم . وحقهم في السكن في بيت نظيف ، ومؤثث ، يأويهم ، ويصون كرامتهم . وحقهم في التعليم ، والدراسة ، والسفر ، و التدرّب على مهنة معينة ، والحصول على فرصة عمل . وحقهم في تقديم النصيحة ، والمعونة لهم ، لتطوير أنفسـهم ، وبناء مستقبلهم . وحقهم في رعاية أبنائهم ، قبل الولادة ، وبعدها . وحقهم في الأمن والأمان ، وحمايتهم من المجرمين ، والعابثين . وحقهم في عدم الإعتداء على حريتهم الشخصية ، أو إهانة مشاعرهم ، أو منعهم من الإحتجاج ، أو التظاهر ، أو التعبير عن قناعاتهم . وغيرها من الحقوق ، والخدمات ، التي لايتردّد المواطن من المطالبة بها ، والتمتع بمميزاتها ، بعيداً عن دنَس المنـّة ، وعَفـَن المَكرُمة ، وسوط الجميل . ولذلك ترى الناس ، هناك ، يحبون أوطانهم ، ويحرصون على سمعتها ، ويحترمون تقاليدها ، ويقدسون القانون ، والنظام ، والنظافة ، والطفولة ، والطبيعة ، والفنون ، والمكتبات ، والجامعات ، والمسارح ، والأسواق ، والعمل .. ألخ . بينما في ( الوطن الشرقي ) ، أو ( العربي ) ، تنعكس الآية ، ويكون الحديث ، عن قائمة الواجبات ، والتضحيات ، الطويلة ، التي يجب أن يؤديها المواطن ، وهو يلبس رداء الطاعة ، والإستقامة ، وكفن الشهادة ، وقناع السعادة ، نحو وطن ، لم يقدّم له ، غير الفقر ، والمرض ، والحزن ، والرعب ، والموت ، والتشرّد . الوطن لدينا ، يريد من أبنائه ، أن يؤدوا حقوق الوطن عليهم ، بينما هو يحرمهم ، من أبسط حقوقهم . ويريد منهم ، أن يموتوا من أجله ، بينما هو ينتهك حريتهم ، وكرامتهم ، ويُسمـِّم حياتهم . ويريد منهم ، أن يُنتجوا ، ويبدعوا ، بينما هو يسجن عقولهم ، ويمسخ نفوسهم . ويريد منهم أن يخدموه ، ويخلصوا له ، بينما هو يذلّهم ، ويقمعهم ، ويذبح أحلامهم . ويريد منهم ، أن يغنـّوا ، ويرقصوا على أنغام ِ أمجاده ، وبطولاته ، وإنجازاته ، بينما هو يدفعهم لـ ( الموت ، جوعاً ، أو قتلاً ، أو إغتراباً ) .
ولكن ، وبالرغم من كل ذلك الظلم ، والحرمان ، والوجع ، والعذاب ، ترى الناس في أوطاننا ، يذوبون عشقاً بالوطن ، وتخفق قلوبهم ، وتهتز مشاعرهم ، عندما يُذكر إسمـَه ، أو ترتفع رايته . ويذرفون الدموعَ السخية ، عندما يستمعون إلى قصيدة ، أو أغنية ، أو قطعة موسيقية ، تلهج ُ بجماله ، أو أنينه ، أوصموده . ويُزمجرون من الغيظ ، وتخرجُ عيونهم من محاجرها ، عندما يجرؤ أحد على النيل منه . ويحلمون بالعودة إلى أحضانه ( الباردة ) ، وهم ينعمون بالدفء ، والأمان ، والحرية ، والعيش الرغيد ، في أحضان الغربة . أليست هذه معادلة مرّة ، وعسيرة على الفهم ؟ أم أنّ ضرب الحبيب ، لايؤلم ، على قول الحـلاّج ؟
#فارس_الطويل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغربة بين الوطن والمنفى
-
الشيعة يقتلون أهل السنة في العراق
المزيد.....
-
هيومن رايتس ووتش: ضربة إسرائيلية على لبنان بأسلحة أمريكية تم
...
-
الأمم المتحدة: من بين كل ثلاث نسوة.. سيدة واحدة تتعرض للعنف
...
-
وزير الخارجية الإيطالي: مذكرة اعتقال نتنياهو لا تقرب السلام
...
-
تصيبهم وتمنع إسعافهم.. هكذا تتعمد إسرائيل إعدام أطفال الضفة
...
-
الجامعة العربية تبحث مع مجموعة مديري الطوارئ في الأمم المتحد
...
-
هذا حال المحكمة الجنائية مع أمريكا فما حال وكالة الطاقة الذر
...
-
عراقجي: على المجتمع الدولي ابداء الجدية بتنفيذ قرار اعتقال ن
...
-
السعودية.. الداخلية تعلن إعدام مواطن -قصاصًا- وتكشف اسمه وجر
...
-
خيام غارقة ومعاناة بلا نهاية.. القصف والمطر يلاحقان النازحين
...
-
عراقجي يصل لشبونة للمشاركة في منتدى تحالف الامم المتحدة للحض
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|