|
فصول من تاريخ المسرح العراقي - كربلاء وتشابيه المقتل والتعازي الحسينيه في عاشوراء
لطيف حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1881 - 2007 / 4 / 10 - 11:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اشتهرت المحافظات الجنوبية في العراق وعلى رأسها مدينة كربلاء بعقد مجالس التعازي الحسينية في العشرة الاولى من ايام عاشوراء من كل عام ، أحياءا لذكرى واقعة الطف التي سقط فيها الحسين ( ع ) شهيدا مع آل البيت والاتباع من الذين شاركوا في المعركة ، ، كما هو حال باقي البلدان الاسلامية التي تسكنها غالبية شيعية كايران، وثلاث بلدان عربية اخرى هي لبنان وتونس والمغرب .
وتعود تقاليد اقامة هذه المجالس في اشكالها الاولى الى زمن بعيد , تبدأ من مقتل الحسين (ع)، مستمدة من عادات هذه الشعوب القديمة في تكريم الميت ، وكان يقيمها سرا بقايا اتباع الحسين ( ع ) حتى لاينسوا وتبقى احداث الكارثة الكبرى التي حلت بآل البيت طرية حية يتذكرها الاحفاد والاجيال القادمة ،
وتطورت طقوس هذه المجالس انطلاقا من هذا الاساس ، وتعقد ادائها بمرور الايام مع ترسخ وأتساع حركة التشيع ، خصوصا بعد تأسيس الدوله الصفويه في القرن السادس عشر , التي ادخلت طقوس الاستعراضات العنيفه الغريبه في مجالس التعزيه الحسينيه , وبعدها في اواخر الفتره القجريه أضيفت اليها ( التشابيه ) موضوع هذا الفصل ، وعندما تكاثر اتباع الشيعه في ايران عن طريق فرض التشييع بالقوه ، ومن بعدها فرض التشييع بنفس الاسلوب في العراق بعد احتلال بغداد من قبل الصفوين ،
وكان موقف أهل السنة ، من أتباع الشيعة الاوائل ، أنهم يمثلون فرقة من الروافض والخوارج الكفرة ، انحرفوا بتعاليم واصول دين الاسلام الحنيف كما جاء عليه في الجزيرة العربية ، ومازالت هذه النظرة موجودة عند بعض الفرق السنية الاصولية .
ولم يتم الاعتراف بهم كمذهب خامس في الاسلام الا في المؤتمر الاسلامي التاريخي الشهير الذي عقد في النجف في عام 1743 ، برعاية نادر شاه الحالم بتوحيد كل المسلمين ( سنه وشيعه وغيرهم من الفرق والطوائف في امبراطورية اسلامية واحدة وكبيرة ، تلم شمل كل الاقوام والملل و يتربع هو على عرشها ) ), حضر الى المؤتمر ، وشارك في اعماله ممثلي المذاهب السنية الاربعة ومجموعة كبيرة من علماء الشيعة ، وقد جرت في هذا المؤتمر مراجعة شاملة للمذهب الجديد عن طريق النقاش والمناظرة والجدل وايراد الحجج و الادلة والبراهين فيما بين علماء المذاهب السنية الاربعة من طرف ، وعلماء المذهب الجعفري ( 14 ) من الطرف الاخر ، لم يخلوا من التشنج وتبادل الاتهامات والتشكيك بالنوايا ، وخرجوا في ختام المؤتمر با تفاق على ماهو مشترك بينهم ، و طويت على اثرها مرحله دموية دامت طويلا بين الطرفين ، لكنها لم تزل كل الخلافات القائمة بينهما ، ألا ان الانجاز الكبير الذي حققه المؤتمر هو تعهد نادر شاه في هذا المؤتمر الذي انعقد بضغط منه ان يعترف بشرعية الخلفاء الراشدين الثلاثة و ان يقر بصحة المذاهب السنية الاربعة، وان يكف الشيعة منذ ذلك اليوم عن شتم الخلفاء الثلاثه من على المنابر والمحافل وان يتم ذكرهم في خطب الجمعة اسوة بالخليفة الرابع علي ابن ابي طالب( ر ) ومنع منعا تاما اقامة مواكب العزاء التي اخترعها الصفويون في حملة التشييع ، وكل المظاهر التي من شأنها التفريق بين الشيعة واهل السنة ، بالمقابل حصلوا على اعتراف المذاهب السنية الاربعة بالمذهب الخامس في الاسلام ( المذهب الجعفري ) ، وسمح لهم بالحج والعمرة كأتباع مذهب منفصل ومستقل, لهم امامهم و خطيبهم ، وخصص لهم أسوة بالمذاهب الاربعة التي كانت تقتسم اركان الكعبة الاربعة فيما بينها ، ركنا خاصا بهم من اركان الكعبة ، واتفقوا على ان يكون هذا الركن هو الركن الشامي .
وقبل الاعتراف بالمذهب الشيعي في مؤتمر النجف الشهير، لابد من ان نذكر بالتزاوج الذي حصل بين حركة التشييع الاثني عشري في ايران ، وبين طريقة دراويش الصوفيه الباكداشيه في ايران ، التي اخذت منها التعازي الحسينية الشيعية ، طقوسها الاستعراضية العنيفة التي اعتمدت لاحقا في مواكب التعازي ، المتمثلة بتعذيب الجسد عن طريق اللطم القاسي على الصدور والضرب على الظهوربالسلاسل الحديديه التي في نهايتها قطع حديدية قاسية ، وتطبير الرأس بالقامات ( نوع من السيوف القصيرة المستقيمة ) تعبيرا ، عن الندم والتنفيس عن تكبيت الضمير ، المأخوذه بدورها من استعراضات آلام السيد المسيح التي كانت تنتشر في اوربا المسيحية في القرون الوسطى .
أسس نادر شاه في بداية القرن السادس عشر الدولة الصفوية ، وتولى مقاليد الحكم وهو في مقتبل العمر ، وكان شيعيا متعصبا ، فرض التشييع على الايرانيين بالقوة والدم، واستغل مناسبة تعازي عاشوراء كأداة لنشر الدعوة ، فرض الحداد والحزن و لبس السواد في هذا الشهرعلى الجميع كواجب ديني, و أمر برفع الاعلام السوداء والرايات الملونه على البيوت ، ونصبها في الشوارع والاسواق والمحلات العامة ، وحملتها المواكب في المسيرات الاحتفالية المقامة بهذه المناسبة ، بحيث جعل المناسبة قوية الاثر على العامة , واتخذ من سب الخلفاء الراشدين الثلاثه شعيرة تردد في خطب الجمع من على كل المساجد ، وامر بادخال الشهاده الثالثة في الآذان وهي عبارة ( أشهد ان عليا ولي الله ) وهذه الشهادة في الواقع ليست بالجديدة ، فقد سبق وان ادخلها لفتره بعض الغلاة في القرن الثالث الهجري , الا انه تصدى لها بعض علماء الشيعة المعتدلين من الذين لم يستسيغوها , وابطلت فقهيا الى ان احياها الشاه اسماعيل ، ومازالت هذه الشهادة الى اليوم بين الشيعة ذاتهم موضع اخذ ورد.
في عام 1508 ، تمكن الصفويون من سلخ بغداد لفترة من العثمانيين ، واحتلالها بعد حصار دام ثلاثة اشهر قاسية اكل فيها الناس اطفالهم ، والحيوانات من الكلاب والقطط والحمير ، وكمابطش الشاه اسماعيل بأهل السنة في ايران ، كرر فعلته بأهل السنة في بغداد ، اذ نبش قبر الأمام ابو حنيفة النعمان ، وهدم مرقد عبدالقادر الكيلاني، وقتل الكثير من أنباع السنة في مجزرة بشعة استمرت طويلا، و لم تتوقف الا بعد ان تدخل كليد دار مرقد الامام الحسين ( ع ) في كربلاء (السيد دراج) الذي كانت له منزلة خاصه عند الشاه ، فقبل شفاعته للسنة وتوقفت المجزرة , ثم باشر بعدها بفرض التشييع بالقوة ، واعلن سب الخلفاء الثلاثة من على منابر المساجد ، وصك نقودا نقش عليها اسم علي ( ر ) وأسماء باقي آل البيت ، و جدد ابنية المراقد الشيعية في كربلاء والنجف ومرقد الامام العسكري في سامراء ومرقد الامام جعفر الصادق في الكاظميه ، ونشر دعاة التشييع في كل مكان من بغداد .
نستطيع هنا ان نضيف الى العوامل التي ساعدت على تقبل و انتعاش طقوس التعازي الحسينية في شكلها الصفوي بين صفوف شيعة العراق التي لم تكن تعرفه في السابق ، هو توفر عامل الاستعداد النفسي عند الفرد العراقي لتبنيها بسهولة بدافع ميله الشديد تاريخيا لحالة الحزن التي لم تكن تفارقه في أي يوم من الايام ، جراء توالي النكبات التي كانت تعصف على العراق بلا انقطاع على شكل كوارث جماعية كبرى من فياضانات وامراض وحروب ومجاعات وقحط وظلم اجتماعي متواصل جراء جور الحكام ،
ان من يريد ان يدرس بشكل موضوعي ، المذهب الشيعي على حقيقته ، عليه ان يتجاوز بالضرورة ويهمل الفترة الصفوية من تاريخ الشيعة وكل ماجائت به من اضافات طقسية غريبة على ثوابت الاسلام كما حددتها المذاهب الفقهية ، التي استنكفت هذه الطقوس ومازالت على موقفها الرافض منه لحد الان ، اذا استثنينا المذهب الجعفري الذي اخذ يتغاضى علمائه النظر في هذا الامر والتدقيق فيه كثيرا ، على اساس القبول بالامر الواقع الذي حصل ، و الذي من الصعب عليهم اليوم اصلاحه بعد ان ترسخ في وجدان الناس ، وقد انفلتت السيطرة من ايديهم.
ان توجه هذه الطقوس ، ماعادت اليوم نافعة وصالحة لعصرنا الحالي لانها ممارسة بدأت متعصية وغارقه في الطائفية وباهداف واضحة تلائم ظرف الطائفة والمرحلة التي كانت تمر بها آنذاك ، وبقيت على حالها رغم تغير الزمن ، وحافظت على اوضاعها كما كانت عليها وتركزت في نفوس الشيعة بالتقادم , لتتحول هذه الممارسة السياسية من حيث الجوهر والهدف الى طقس ديني مضاف ، واخذ ت ممارستها الاستفزازية السنوية لاهل السنة في العراق من خلال مواصلة شتم الخلفاء الثلاثة والتعرض لهم بالتجريح والسباب في هذه المواكب، التي أثبتت اليوم انها تظر بالمصالح الاجتماعية والوحدة الوطنية في العراق ، الذي يتعايش عليه جنبا الى جنب اكثر من دين وقومية وطائفة ومذهب، و ما عادت هذه الطقوس التي ولدت باجواء وروح القرون الوسطى ، صالحة لعصرنا الحالي، وواجب ملح يقع على عاتق الحوزة العلمية وعلمائها والباحثين ، مراجعة هذه الطقوس الضارة وطنيا بشكل جاد، والتي غطت على القيم الروحية الاصلية التي قام عليها المذهب الشيعي ، فالمذهب تشكل نتاج اول انتفاضة وانشقاق سياسي وديني واسع في الاسلام من اجل تصويب الحق والعدل والقيم التقليدية التي كانت سائدة آنذاك ، وكان عند نشوئها خالية من الطقوس الخرافية الغريبة التي ادخلها الناس عليه بمرور الاعوام ، وترسخت في اعماقها بدءا من قيام الدولة الصفوية في بدايات القرن السادس عشر، التي فرضتها بالقوة على شيعة ايران ، وتعززت في الفترة القجرية ، وحولت الدين الى وسيلة سياسية تستغلها الطائفة ضد من يخالفها من باقي الطوائف والقوى الاخرى في حسم صراعها معها مره ، ومرة اخرى بيد الاصولية الدينية السياسية للوقوف بوجه الحداثة وعلمنة وتجديد الحياة الاجتماعية وتحرير العقل ، وقد ترسخت هذه الشوائب الطقسية الخرافية عميقا في وجدان الشيعي المغلوب على امره , وغطت على كل المعالم الجيدة في المذهب .
تمظهرت الحركة الشيعية كما هو معروف فى اول انشقاق سياسي مذهبي واسع في المجتمع الاسلامي وتحددت في الفترة البويهية في اطارها الفكري ( المذهب الجعفري) الذي لم يكن يتعارض تماما مع المذاهب السنية الاربعة في اركان وطقوس الاسلام الاساسية ، لف حوله كل من لاصوت له من المهمشين عن السلطة في الامبراطورية الاسلامية التي اصبحت شاسعة الاطراف و التي كان يمسك بمقاليدها بيد من حديد الخلفاء القساة من الخلفاء الامويين ، ومن بعدهم الخلفاء العباسيين الاوائل ,
وبطبيعة الحال لم يكن بعيدا هذا الانقسام الموضوعي الذي حدث أثناء عملية تشكل المجتمع الاسلامي الجديد والواسع من اقوام وشعوب واعراق مختلفة ومتباينة في الحضارات والعادات واللغات ونظم الادارة والحكم ، وما نشأ عن ذلك من صراعات بين القيم والعادات والعقائد المتناقضة ، بين ماهو وطني ومتوارث راسخ في نفوس سكان البلدان المفتوحة ، وبين ماهو قادم وجديد مع الفتح الاسلامي ، دون ان يخفى في كثير من الاحيان الغرض السياسي في اعادة احياء بعض جوانب الذات من عادات وتقاليد ( التي نحاها ونهى عنها الدين الجديد بصرامة تجنبا لوقوع الردة عن الاسلام )، و كنوع من المقاومة السلبية التي ابدتها الحضارات العريقة في مواجهة هيمنه الاعراف البدوية ،
الا ان المدن المقهورة بمرور الزمن امتصت البدوي القادم من وسط الجزيرة ومدنته وفرضت عليه شروطها في العلاقات الاجتماعية العامة و الحياة اليومية من مأكل وملبس ولين ورغد العيش وعادات من ما عندها من خزين منجزها الانساني والشعبي المتقدم ، في اطار الاركان العامة التي جاء بها الدين الاسلامي والذي حمله معها البدوي المسلم وفرضه عليها من موقع المنتصر ، وقبلت هذه الشعوب بلغة القرآن ، لغته التي كان يتحدث بها لتكون حاملا للحضارة الاسلامية الجديدة التي اخذت تتشكل تدريجيا.
كانت المغالاة في تقديس الميت بالشكل الذي مارسه الشيعة فيما بعد ، و التي ا وصلت ببعض فرقهم الى تأليه علي ابن ابي طالب ( ر ) ، هي عادة قديمة لم تكن مبتكرة ، تعود اصولها الى الديانات القديمة في منطقة الشرق الاوسط في تأليه الاب او الحاكم بعد موته، وكانت محرمة تماما في صدر الاسلام ، ونهي عنها القرآن و احاديث الرسول (ص) الصحيحة واتفاق كافة الصحابة ، فالمغالات في تقديس البشر الموتى , مهما كانت مكانة الميت كبيرة وعظيمة لايستثنى منها حتى من هو في منزلة الرسول نفسه ، و لم يكن مقبولا عليهم استذكارالفقيد بهذه الطريقة البكائية واظهارالهلع والنواح المبالغ فيه عليه ، فالمؤمن الحقيقي عليه ان يتقبل ترك هذه الدنيا الفانية بسعادة فما ينتظره في العالم الاخر هو نعبم الجنة الخالدة ، وينسبونها الى العادات الجاهلية غيرالمستحبة عند المسلم في الجزيرة العربية ، بل هي في رأي المؤمن البدوي المتزمت نوع من الردة الجاهلية و الشرك المنهى عنه ، وبدعة وخروج صريح على تعاليم الاسلام ،
وواضح دون ان ندخل في تفاصيل اكثر من انها ممارسة وطقس دنيوي تقنع بالدين ، موجه للتأثير على العاطفه العمياء للمتلقي لايقاف العقل المفكر عنده عن ما يدور حوله ، مستمد من طقوس ديانات اقدم في الشرق الاوسط التي سبقت الاسلام ، جرى احيائها واضافتها الى طقوس التعازي الحسينية ، فيما بعد أحداث كربلاء بفترة طويلة جدا ،
لم ترق كثبرا الاضافات الشيعية على الاسلام، أهل السنة المحافظون ، ولم يهضمونها حتى هذا التاريخ ، سيما اضافة جملة (على ولي الله) في الشهادة ، وبعض الممارسات في اداء الفرائض حتى الشكلية منها ، كتسبيل الذراعين بدل التكتيف عند اداء الصلاة وغيرها ، وحجتهم ان الرسول في حياته قد حدد الشكل النهائي للطقوس الدينيه التي توحد الاداء الشعائري للمسلم اينما كان ، والتي يسموها بالاركان ، وهي واجبة وملزمة ومفروضة على الجميع ، وشرط أساسي لسلامة وتحقق اسلامه ، والتي هي خمس اركان ، اول هذه الاركان ، الشهادة التي يقر بها الفرد بوحدانية الله ، والاعتراف بمحمد رسوله ونبيه ، (محدده بديباجة غير قابلة للتغيير والتعديل) ، والصوم في شهر رمضان ، والصلاة اليومية بمواعيدها الخمس الا اذا تعذر ذلك شرعا ، والحج الى مكه بيت الله الحرام لمن استطاع اليه سبيلا على ان تقل عن مره واحد ة لمن يقدر على ادائها ، والزكاة لمساعدة المستحقين من الفقراء ، و أغلق باب الاجتها د الفقهي حول هذه الاركان , واعطوها صفة الثبات بعد وفاة أئمة المذاهب الخمسة في الاسلام .
ولما كان مذهب التشييع في الاسلام قد بدأ اول ما بدأ في العراق ، وامتد بمزامنه واحده مع بلاد فارس التي أسهمت واشتركت الى حد بعيد في تعميقه كفكر ، فالمتتبع لتطور طقوس التعازي الحسينية الى شكلها الشعبي الحالي الذي تمارس فيه الان ، لابد له ان يقر بدور التراث الفارسي الاساسي الغالب في بلورة وبنية هذا النوع من الطقس المثير للجدل والذي لم يأخذ حقه من الدراسه الموضوعية والعلمية المجرده عن المقدس لحد الان ، وحقيقته التي تكاد ان تغيب وتطمس عن البال ، في ظل الهالة المقدسة التي يحرص على ان تظهر بها المناسبة ، وندرة الدراسات الحيادية الدقيقة الخالية من الاخطاء الكبيره ، وأخفيت في العراق بشكل خاص ، لهذا السبب او ذاك الكثير من الحقائق عن ألاصل الذي بدأ به هذا الطقس الشيعي العاطفي ، الجديد نسبيا الذي لايزيد عمره في العراق على المئتي عام الاخيرة ، ويجري تعتيم على الاسباب التي كانت تقف وراء انعاشه بقوه بين فترة واخرى ، وحقيقة الدوافع في ترسيخه بقوه في الوعي الجمعي بهذه الصوره في هذه الايام ، واصبح اليوم ماهو غيردقيق وخرافي مضلل من تبريرات لتسويغ هذه الطقوس للاستهلاك ، ولتحقيق مصالح سياسية آنية وبعيدة غير خافية ، والموجهة بالدرجة الاولى للبسطاء الاكثر تقبلا لها من المنفلتين من قاع المجتمع ، وهم يشكلون عندنا قطاعا واسعا وعريضا من الاميين والعاطلين عن العمل ، و من وجهة نظر الاصولية السياسية الدينية الاحادية فقط التي أخترعت ( التشابيه ) وهي صاحبة المصلحة في توتير المجتمع وتشنيج هؤلاء البسطاء المنومي الارادة لتحركهم على هواها نحو اهدافها ، وتحولت هذه الطقوس بفعل التكرار التي يوجهها التعصب الطائفي , الى ماهو اشبه بواقع ديني مسلم به عند شيعة اليوم ، وتابو محرم مناقشته وفتح ملفاته على المكشوف ، والا فالتكفير والتخويف والعقاب سينتظر كل من يتجرأ ويحاول ان يسلط بقعة ضوء على المستور ، في ظل تردي الوعي الجمعي بالحقائق في عراق الوقت الراهن .
في هذا المجال لابد من ان نذكر بالقضية المدوية التي حدثت في العراق في عشرينات القرن الماضي والمنسية في الوقت الحاضر( 4 )، قضية ( أنيس زكريا النصولي ) التي اورد تفاصيلها المشوقة ، الدكتور سيار الجميل في بحثه ( انتيليجينسيا العراق ) . فحوى القضية ان الجدلية التي تحكم العلاقة فيما بين السلفية ان كانت ( سنية او شيعية او مسيحية او يهودية ...الخ ) تميل في جوهرها كما هو معروف الى تجميد الواقع على ماهو عليه والرجوع به دائما الى الوراء ، وبين التقدمية التي تعمل على تحريك الواقع وتغييره ودفعه الى الامام ، فالصراع لم ينقطع في كل الازمان ، فيما بين السلفية التي تعني تخليد الماضي ، والتقدمية ، نقيضتها صنع المستقبل ، وقضية انيس زكريا النصولي تظهر هذا التناقض الذي احتدم وظهر جليا في الحركة الفكرية العراقية في محاولاتها للانعتاق نحو الفضاء الاوسع والتجديد ، في العشرينات من القرن الماضي .
أنيس زكريا النصولي ، لبناني الجنسية من خريجي الجامعة الامريكية ، قسم التاريخ ، انتدب للتدريس في العراق في بدايات الحكم الوطني في العراق ، درس مادة التاريخ في احدى المدارس في الموصل اولا ، ولفت الانظار اليه بطريقته الجديده في تناول التاريخ من خلال مؤلف له كتبه في الموصل بعنوان ( تاريخ الدولة الاموية ) الذي طبعه في بغداد عام 1926 بعد ان انتقل بعدها للتدريس في بغداد في الاعدادية المركزية ودار المعلمين ، وقد اثار كتابه فور صدوره ضجة واسعه شملت كل انحاء العراق ، لأن النصولي ذكر في الكتاب ، ان من بين اسباب فشل ثورة الامام الحسين ( ع ) ارتياب الحسين ( ع ) في حقه بالخلافه ، وعدم يقينه تماما بهذا الحق ، واعترافه اعترافا صريحا ليزيد بأمارة المؤمنين واستعداده لمبايعته بالخلافة ، كانت هذه العبارة كافية لاستفزاز الشيعة الاصوليين ، والشيعة البسطاء الذين لم يكونوا مستعدين ان يتقبلوا أي وجهة نظر جديدة مهما كانت موضوعية مخالفة عن الصوره المقدسة المرسومة والمترسبه في عقولهم عن ا لحسين ( ع ) . أثار الكتاب زوبعة عتيفة هزت المجتمع ، نظمها الشيعة المتعصبون ضد النصولي في الصحف والجرائد تستنكر ماجاء في كتابه واتهموه بتلفيق الرواية عن لسان الحسين ( ع ) و انتقدوا بشدة مضامين الكتاب واحكامه واتهمته باثارة النعرات وتفريق الجامعه الاسلامية ، فسارعت وزارة المعارف التي كان وزيرها شيعي هو السيد عبدالمهدي بفصل النصولي من العمل ، ومنع الكتاب من التداول والتدريس ، وسفر النصولي الى خارج العراق على عجل .
تعاطفت مع قضية النصولي قطاعات واسعة من المثقفين والشبيبة التقدميين وطلابه ( 5 )، على اثر قرار الفصل والابعاد ، وعقدوا مؤتمرا في الكرخ تحت عنوان ( حرية الفكر والبحث العلمي ) ووجهوا رسالة احتجاج الى وزير المعارف الذي حملوه المسؤولية ، واعتبروا فيها فصل النصولي وتسفيره قتلا للحرية الفكرية ، ثم خرجت المظاهرات الطلابية الحاشدة المؤيدة لحرية الفكر ، والمطالبة بعودة النصولي ، فداهمتهم الشرطه وسيارات الاطفاء لتفريقهم ، وجرت معركه عنيفه بين الطرفين ، وهاج الوضع بشكل خطير مما اضطر وزير المعارف نفسه للخروج اليهم لتهدئة روعهم دون جدوى ، ثم اتسعت المظاهرات الى مدارس ومعاهد عده في بغداد ،
نذكر هذه الحادثة من التاريخ العراقي المنسي ، التي هزت وزارة جعفر العسكري ، الذي قدم على اثرها وزير المعارف السيد عبدالمهدي استقالته من الوزاره ، وانشغل البرلمان بالقضية لفترة طويلة بين مؤيد للنصولي وبين مستهجن , وظل الموضوع ساخنا لفترة تزيد على الستة اشهر منشغلة بها الصحف العراقيه ، وصدرفي هذه الازمة كتاب ( دولة الشجره الملعونة الشامية ) عن مطبعة دار السلام في عام 1927 للسيد محمد مهدي المدسوسي القزويني ردا على ما ورد في كتاب النصولي .
تلقي هذه الحادثة الضوء على موقف الاصولية الشيعية في العراق من الفكر الحر ( الذي لايختلف عن موقف اي فكر اصولي آخر من اي تجديد ) ، الذي تمثل في رد فعلها المتشنج من كتاب النصولي في بدايات القرن الماضي , ولجم اى محاولة تهدف تجديد اسس دراسة وفهم التاريخ ، وتم لهم النجاح في وأد مشروع النصولي النهضوي في الفكرالعراقي في المهد، فالاصولية تنظر الى التاريخ والتراث المكتوب من وجهة نظرها ، على انها وقائع تتصف بالكمال التام المقدس الذى لايقبل التمحيص ، ولاتناقش الا بالحدود التي تعززها ويقوي من جذورها كما هي عليه .
ونحن مستمرون في تناول هذا الموضوع لابد ان ابين ، ( ان لا انتقاص ولا مدعات للخجل مطلقا من ان تكوين ثقافتنا العراقية وقيمنا الحالية قد اخذت الكثير من ثقافات وعادات الشعوب الاخرى ، وفي نفس الوقت هذا لايدعو ايضا الى التشكيك باصالة وريادة حضارتنا العريقة على الاخرين , وضرورة ان نسمي الاشياء بأسمائها عند ذكر الحقيقة التاريخية ، و نقر بدون تعصب اعمى لها من وجهة نظر طرف الطائفة المتحمس ، او التعارض المسخف لها من جانب الطرف الاخر بدون اساس ، و لكي لا نبتعد عن الموضوعية المجردة الضرورية عندما ننظر الى حقيقة أي أصل لطقس او عادة ا و ممارسة اجتماعية مفيدة اوضارة منما جائنا من حضارة هذا الشعب اوذاك ، او هذه الدول المجاورة او تلك ، فهي ليست مثلبة تدعو للخجل ، بقدر ماهي دليل على حيوية حضارتنا وانفتاحها وتجددها و استعدادها للتلاقح مع الاخر او الاخذ من تجاربه بما يغنيها ، و بالتالي هي عملية حتمية تجري موضوعيا ، فما بالك من طقس روحي لطائفة واسعة تعيش العراق تقودها وتوحهها منذ قرون وحتى اللحظة الراهنة مرجعيتين ( قم ) من ايران و ( النجف ) من العراق ،
فالحضارة في النهاية انسانية وطابعها عالمي تراكمى تنموى ، ولم يخلقها بشكلها الكامل عرق او قوم او شعب واحد ، رغم الاقرار بالريادة الاولى لشعب ما من هذه الشعوب في أكتشاف او اختراع ما ، لكن ما ان يتم هذا الاكتشاف والاختراع ، حتى يتحول الى ملك مشاع للبشريه باسرها، تعيد انتاجه وتضيف اليه وتطوره .
منذ بداية القرن الثامن عشر بدأت فرنسا وبريطانيا في منافسة حادة للاستحواذ على مناطق الشرق التي تعيش في سبات تخلف القرون الوسطى ، من اطراف اقاليم الامبراطورية العثمانية ، لاسيما ايران ذات الموقع الاستراتيجي المهم بالنسبة لكلا الطامعين .، فسارعت بريطانيا قبل غريمتها الى توقيع معاهدة غير متوازنة مع قاجار الثاني فتح علي ( 1798 - 1834 ) تعهدت فيها بريطانيا على دعمها لايران عسكريا وتحديث جيشه وتصنيعه العسكري ، بمقابل منح البريطانيين حقوقا تجارية مفتوحة على اراضي ايران الواسعة الغنية بمواد الصناعة الخام والثروات الدفينة البكر ، وتحويلها الى سوق لتصريف بضائعها التي سيعجز على منافستها الانتاج الوطني ،
تمكنت بريطانيا في فترة قصيرة من السيطرة على مقدرات الاقتصاد الايراني بتدميرها صناعة الحرير التقليدية التي كانت منتشره ، واقامة بعض المشاريع الصناعية الحديثة لانتاج البضائع الاستهلاكية في كل انحاء ايران ، وتضررت بشكل اساسي مؤسسة التجار الذين كانوا قبل عملية تحديث ايران ساده عن أب وجد للبازار والاسواق الايرانية الداخلية ببضائعهم التقليدية ،
توجه البازاريون الى علماء الدين الذين كانوا يعيدين لحد الان عن التدخل المباشر في الشؤون السياسية للحكومة ، وكانت تحافظ على استقلاليتها حتى ذلك التاريخ ، وتحالفوا معها للتصدي لعملية تحديث ايران التي يعني القضاء على الصناعة التقليدية المحلية ، ومواجهة العلمنة التي تؤدي في تهاية المطاف الى تحقيق السيطرة الاوربية على ايران ، مستفيدين من ما يسمح به جوهر المذهب الشيعي الذي هو في الاساس تشكل في خضم نزاع سياسي على السلطة ، فتشكلت في ايران لاول مره حركة سياسية اصولية شيعية قوية في نهاية القرن الثامن عشر ، حصل فيها علماء الدين والمجتهدون سلطة شعبيه كبيره جعلتهم محصنيين عن التهميش فيما بعد .
التحالف الذي تم بين علماء الدين والبازار الايراني كان موجها بالاساس لمواجهة خطر العلمنة وتحديث ايران بالاسلوب الغربي ، وتركزت المواجهه بالعودة القوية الى احياء التقاليد الايرانية القديمة، والتراث المترسب في الوعي الشيعي الذي كان على شكل التعازي الحسينية الممزوجة بصخب طقوس دراويش الباكداشية، التي سبق وان ابتدعها الشاه اسماعيل في حملة تشييعه للايرانيين ، ولجأوا الى أحياء مشهد استشهاد الحسين (ع) بطقس جديد اضافوه في هذه الفترة الى طقوس التعازي هو ( التشابيه ) وتمكنوا في فترة قصيرة من اعادة تشكيل الوعي الديني الشعبي الملتصق بهذه الحادثة، واعادة تشكيل مجالس الفاتحة بقراءة ( للروزخون ) التي تسرد حكاية مقتل البطل الاثير ، وحولوا هذه الاحتفالات الى مهرجانات كبرى وكرنفالات ومسيرات شعبية تجوب الشوارع ، نبعث و تعيد خلق مشهد الصراع بين الخير الحسين واتباعه ، والشر يزيد ابن معاويه والجيش الاموي ، كما في الديانة الزرادشتية القديمة ، وكانت تحمل في هذه الاحتفالات الى جانب الرايات والاعلام الكبيرة , دمى ضخمة يحرق بعضها في الاحتفال كما هو الحال تماما في الديانات الايرانية القديمة عندما كانوا يحملون تماثيل آلهتهم معهم في الاحنفالات ويحرقون رموز الشر منها ، وكانت تحمل في هذه المسيرات على عصا طويلة صورة مجسدة للشمس ( النهار ) رمز آلهة النور والخير ، وصوره اخرى للقمر ( الليل ) رمز ألهة الظلام والشر في الديانة الزرادشتية ، وتحول العدو التقليدي في هذه الاحتفالات من السنه الاموين قتلة الحسين (ع) ، الى الشيطان الغربي . او الغرب الكافر .
ادى احياء هذه التقاليد الجديدة في طقوس التعازي عن طريق التشخيص والتمثيل البدائي في الشوارع والساحات للرواية الشيعية للمقتل، التي سميت ( تشابيه ) الى تأسيس تقاليد دينية جديدة في استذكار الواقعة تختلف عن تقاليد مؤسسة علماء الدين الشيعة التقليديين ذات الطابع المدرسي الفقهي , ودخلت بسبب هذه (التشابيه) في البداية بتناقض وجدل مع هذه الممارسات الجديدة المتطرفة التي لم تكن معروفة من قبل ، واتهموها بالبدع والعمل الحرام باقدامهم البعض على تشبيه الحسين بشخص معاصر ، مهما كان مستقيما وعفيفا فأنه لن يرقى الى منزلة ونزاهة وقدسية الحسين ( ع ) ، الا ان الحركة الشيعية الشعبية في ايران بطقوسها الجديدة ذات الجذور التي تعود الى ماقبل دحول الاسلام الى ايران هي التي انتصرت في النهاية على رجل الفقه واكتسحته معها ، وانفلتت مشاعر ومكنونات العوام الدفينه بحيث ماعاد بالامكان السيطرة عليها لاحقا واعادتها الى السلوك الواعي كما ذكرنا سابقا ،
يذكر الدكتور علي الوردي في ملحق كتابه الهام - لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث - الجزء الاول مايلي (( ... واوضح مثل مايمكن ان نأتي به في هذا الصدد هو مايسمى ( بالمواكب الحسينية ) فقد اخذت هذه المواكب تتضخم عاما بعد عام بشكل لاينسجم مع روح العصر ، ويؤدي الى الضرر في النفس والمجتمع ، وقد وقف الكثير من رجال الدين موقف المتفرج تجاه هذا التضخم المخزي وربما ايده البعض منهم بادلته العقلية والنقلية ، بينما الواجب الديني يقضي عليهم ان يهبوا جميعا لمكافحته والقضاء عليه ، ان الحجة التي يتمسك بها رجال الدين لتبرير موقفهم هذا هو ان العوام لايطيعونهم ، وقد قال لي احدهم ذات يوم ( لو جاء الحسين نفسه يردع العوام عن تلك المواكب لما أطاعوه.. ) ..))
وقامت نفس المؤسسة ( تحالف البازار والاسلام السياسي الشيعي ) التي كانت تقف وراء احياء وبعث تاريخ الاسلام الشيعي والتراث الفارسي من جديد ، باعادة الاحتفالات السنوبة بمناسبة المقتل بكثافة واعتبارها واجب ديني ، وتطويرها بأضافة طقس جديد ( التشابيه ) اليها ، بعد ان سبق وان منع منعا تاما اقامة مواكب التعازي الحسينية وما يتصل بها من طقوس مستفزة لاهل السنة ، نادر شاه بعد مؤتمر النجف ، ضمن حملة مواجهة شاملة قامت بها للوقوف بوجه هجمة الغرب لتحديث ايران ، قام هذا التحالف بمعارضة شديده في نفس الوقت لاي محاولة نحديث للتعليم التقليدي في ايران، وحاربت باسم اليقضة والرقي والتقدم على هدى السلف ، اقدام الحكومة على أفتتاح ( دار للفنون ) التي انشئت في طهران تحت رعاية الوزير امير اكبر وشيعوا ان هذه الدار التي لم تكن الا عبارةعن ( مدرسة للفنون الجميلة ) ، بأنها جزء من الخطة الاوربية لتدمير الثقافة الاسلامية والفارسية القديمة ونشر الفساد في المجتمع ، واصدروا فتاوي عديدة في تحريم هذه (المدرسة الشيطانية ) .
اردت من استعراض هذه اللمحة الموجزة من تاريخ التشييع في الاسلام ان اقول ان ( التشابيه) طقس استعراضي دنيوي جديد نسبيا , دخل واضيف الى التعازي الحسينية التقليدية التي كان يقيمها الشيعة, بدوافع سياسية ، وهي ليست غارقة في القدم كما يشاع عنها او كما يتوهم البعض ، وكانت التعازي الحسينية في بداياتها تؤدى بشكل عقلاني بدون استعراضات مثيره مضافة ، وكانت تليق بمهابة وقدسية المناسبة ، وما جرى من اضافة جديدة مايسمى ( التشابيه ) للتعازي ’ وقبلها اضافة الطقوس الغريبة على روح و تعاليم الاسلام الاول ، كضرب السلاسل وتطبير الرؤوس بالقامات وغيرها, تمت على يد تحالف التجار في البازار الايراني والاصوليين من الاسلام الشيعي السياسي الايراني الذي تشكل في القرن الثامن عشر وليس قبلها ، عند مواجهتهم لهجمة التحديث الغربيه على ايران ، وهي تصحيح في نفس الوقت لخطأ في معلومة اوردتها الباحثة السوفيتية تمارا الكساندروفا في كتابها ( الف عام وعام على المسرح العربي ) عندما تورد ان المسرحية الدينية العربيه ( التعزيه ) هي اقدم الاشكال المسرحية في العالم العربي ، وتمتد جذورها تاريخيا بامتداد التاريخ العربي ، ( هنا تذكر خطأ مصطلح العالم العربي بدلا من مصطلح العالم الاسلامي )
وأيضا ردا على بعض من نقادنا من الذين لايمحصون كثيرا في التاريخ ، ويطلقون توصيفاتهم السريعة التي تحتاج الى الدقة, كما ورد في ما طرحه الناقد عبدالخالق كيطان في جريدة الزمان في عمود تحت عنوان ( افكار حول مسرح التعزيه ) (2) اذ يعتبر التعزية ركنا اساسيا في الدلالة على قدمية المسرح العربي، ( لااعرف كيف توصل الى انه مسرح عربي ولم يقل مثلا على الاقل انه مسرح اسلامي ) لان (التشابيه) وليست التعزية لم تظهر في البداية الا في ايران , ولها اسبابها الداخليه الوطنيه التي تخص ايران ، وبدءا من القرن الثامن عشر فقط , ومما يؤكد على ذلك هو ان اقدم نصوص التعازي المكتوبة التي وصلتنا ، قد كتبت بعد هذا التاريخ ، وجميعها مكتوب في القرن التاسع عشر ، والمعروف عن التراث الشيعي المكتوب انه يكاد ان يكون محفوظا كله، ( وهناك من يقول ، ومنهم د. علي الوردي انها قد دخلت العراق في اواخر القرن التاسع عشر فقط وليس قبلها ) ،
وقد وصف ( التشابيه ) في عروضها الاولى ، بعض الرحالة الغربيين من الذين شاهدوا الطقوس في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر في ايران وليس في مكان اخر ، وقد انتقلت من ايران الى العراق في القرن التاسع عشر , اي في اواخر السيطرة القجرية على العراق , و بعد السيطرة الصفوية التي عرفت بالدمويه المدمره بوقت طويل ، وهو تصحيح لرأي شائع ، هو الاخر خاطيء ، يجزم بانه قد ظهر في بدايات تشكل الدولة الصفوية ،
وعرفت ( التشابيه ) ايضا في الفتره الاخيرة عدا العراق وعلى نطاق ضيق جدا منطقتان عربيتان ، فيها من بين سكانها اكثرية شيعة ، هما جنوب لبنان و بعض دول شمال افريقيا ، كتونس والمغرب بالتحديد ، ولم تعرفهاغيرها من المناطق العربية الاخرى على الاطلاق ، بما فيها مصر الفاطمية .
وعندما تناول الباحث د. محمد عزيزه المسرح في الاسلام في كراسه الصغير والهام هذه الطقوس ، لم يسميها بالمسرح العربي وانما سماها بالمسرح الاسلامي اعتمادا على طقوسها المقامه في ايران ، وكان بحثه الذي كتبه في الستينات متزامنا مع حركة بحث محمومة كان يقوم بها المسرحيون العرب آنذاك بالتنقيب في التراث عن وجود المسرح عند العرب القدامى الذي لم يجدي البحث عن شىء هام وحاسم , حتى ولو كان مايعثرون عليه قشه ليبنوا او ليبرهنوا عليه بدافع التخلص من عقدة الشعور بالنقص التي كانت تنتابتهم جراء ان العرب الاوائل لم يعرفوا المسرح على شاكلة الاغريق ، في تلك الاجواء التي كان فيه صوت القومية العربية والناصرية عاليا في المنطقة العربية , وقاموا بتجارب مسرحية عده ونبشوا كتب التراث ولفقوا بعض المسرحيات لهذا المسرح الذي افترضوه ، للبرهنة بأي ثمن على انه كان هناك مسرح من نوع معين يقام في الشوارع وسموه بمسرح ( الفرجه) الذي أفترضوا أن كل المسليات الشعبية في الشوارع والاسواق من عروض الحواة والقرادة والمداحين والحكائين والمغنيين الشعبيين هو مسرح ، وانفتح بعد ذلك باب التجريب والدراسات واسعا في هذا المجال في كل البلدان العربية ، ليدلى من يريد بدلوه .
ماهي التعازي الحسينيه في العراق ....؟
التعازي الحسينية عندنا شبيهه بالتعازي التي تقام في ايران وهي مأخوذة منها ، وهي عباره عن مواكب حاشدة من الناس ، وهم بلباس الحداد الاسود يجوبون الشوارع بالمشاعل ، تتصدرهم اعلام ورايات كبيرة مختلفة الالوان كتب عليها اسم الحسين ( ع ) واسم الموكب ، ومعهم ( الرادود ) الراوي الذي يمتاز بحلاوة الصوت ، الذي يقص تفاصيل وقائع المأساة غناءا، و التي تستمر لعشرة ايام ، تروى فيها الوقائع يوما بيوم .
وتقام في الشوارع ، والساحات العامة , وتنصب قرب مراقد الشهداء من آل البيت السرادق الكبيرة لمجالس التعازي ، لتستقبل الناس العاطفيين المشحونيين سلفا للبكاء والنواح في هذه المناسبة ، ويلعب الرادود بذكاء بالغ دورا اساسيا في اثارة وتوجيه عواطف الحضور والسيطرة عليها، فانت تسمعه بين فتره واخرى وهو يشجعهم من على منبره على البكاء ، ( حبا بالحسين ابن ابا عبد الله ) وينخرط معهم بالبكاء والعويل متى مايشاء ، وفي الوقت الذي يريده ، و في مقاطع معينة يختارها بخبرته الطويلة في توجيه حضور التعازي والمواكب ، للتخفيف من زخم الحزن المتصاعد عند الحضور .
.وتقام في البيوت تعازي موازيه للنساء فقط تسمى ( قرايات النسوان ) تقتصر على لطم الصدور والخدود، والاستماع الى التعازي التي ترددها ( الملايه ) التي لاتقل مهارة عن الرادود في اثارة عواطف البكاء والنواح ، واكثريتهن من ( العلويات ) يجدن نظم شعر المناسبات ويرتجلنه حسب الظرف ويحفظنه ، وهن عادة من النساء اللواتي يجنين من مهنتهن هذه اموالا مجزية ، رغم ان اعمالهن موسمية وقصيرة تتحدد باربعين يوما فقط في السنة ، تبدأ من الاول من عاشور ، وتنتهي في الاربعينيه ( بردة الراس )، الا انهن يعملن بشكل دائم كندابات على الموتى ، وبعضهن يحيين حتى في الافراح التي تقيمها النساء و( قبولات النسوان) لقاء اجور يختلف مقدارها من ملاية الى ملاية اخرى ، حسب المكانه والشهرة التي تحتلها ، اضافة الى حصصهن من النذور المقدمة لوجه الله وآل البيت والهدايا الاخرى .
وفي (قرايات النسوان) يقام عرض فيه نوع من الممارسه الدراميه يسمى ( عرس القاسم ) شخصياتها كلها نسائيه تلبس احدى النساء فيها ملابس العرس البرقع الابيض لتودع القاسم ، توقد فيها ( صواني الشموع والياس وحلوى العرس .)
وهذه التعازي تقام سنويا في بغداد و في كل المحافظات الجنوب تقريبا ، الا ان اهمها هي التعازي التي تقام في كربلاء (مدينة الواقعه )، التي يحج اليها في هذه المناسبة اكثرية الشيعة العميقي الايمان من ايران والهند وباكستان ، ومحافظات العراق ، وهناك عاده في ان تتوجه بعض مواكب المدن الاخرى اليها مشيا على الاقدام ، اشهرها ( موكب طويريج) السنوي الذين يتجهون فيه الى كربلا هروله تدعى ( عز ، او ركضة طويريج ) ، ويذهب سنويا العديد من زواركربلاء ضحايا للازدحام في هذه الايام ، دعسا تحت الاقدام، والناس القادمين لحضور هذه الطقوس من المدن الاخرى ، يحصل على لقب ( زاير) أي ما يوازي لقب ( الحاج ) .
وتختلف طقوس هذه المواكب حسب نوعية المواكب ، هناك ( موكب اللطامه ) الذين يضربون صدورهم على ايقاع الطبول والدمامات ، و( موكب الزناجير ) الذين يضربون ظهورهم العارية المدمات بالسلاسل الحديديه ذات النهايات الحاده كالمسامير ، و( موكب الطباره ) وهو اكثر المواكب قسوة ، يتلخص في شج مقدمة الرأس بالموس قبل مشاركته في الموكب ، ثم يسير وهو يضرب على الجرح الذي في رأسه بصفحة القامة ، ويشرك في هذا الموكب اطفال صغار نذروا من قبل ابائهم على ان يضربون القامة سنويا في مناسبة عاشوراء.
الا ان (التشابيه ) موضوع فصلنا هذا ، الذي يكتمل فيه مهرجان عاشوراء، ان جاز لي ان اسميه مهرجان ، لان فيه تجتمع كل عناصر وممارسات المهرجان الشعبي ، فكل سكان المدينة في الشارع اما مشارك او متفرج ، فالعواطف الملتهبة الورعة لمجاميع المشاركين في المواكب ، تقابلها عواطف وامزجة اخرى تماما لمن هم على هامش هذه المواكب من المتفرجين المراهقين ، فالنساء والمراهقات الحبيسات في البيوت طوال ايام السنة في الاحوال الاعنيادية ، يسمح لهن في هذه الايام بالخروج والسهر في الشوارع على شكل مجاميع تحت مراقبة مشددة من عجائز الاسرة اللواتي يرافقهن احيانا ، ويستغل العشاق المناسبة ,لاقتناص لقاء ، او الحصول من الحبيب على اشارة او ابتسامة او موعد ، او على اقل تقدير تبادل النظرات الخجوله والغمزات ، وتنشط أيدى النشالة في تجريف جيوب حشود الورعين من محتوياتها ، وتوزع النذور من مآكل وحلويات ومشارب بسخاء على المشاركين ، وتستمر المواكب الاستعراضيه على ايقاع اللطم والطبول بمشاعلها وراياتها الملونة ، وهي تطوف بالشوارع الى وقت متأخر .
وعادة تنصب ديكورات ( التشابيه ) في ساحه يختاروتها تنصب فيها الخيام التي تمثل مضارب آل البيت ، والتي تحرق من قبل الشمر ، وتسبي النساء والاطفال بعد استشهاد الحسين ( ع ) ، ويقسم المكان الى موقعين للطرفين المتقاتلين ، ويتوزع على المشهد ، مشخصي الواقعة بملابسهم التاريخية وسيوفهم ودروعهم وهم يمتطون الجياد والجمال التي تحمل هوادج نساء آل البيت المسبيات ، وجميع الممثلون من الهواة من سكان المدينة المعروفين , بقالين ولحامه وعطارين .. الخ ، وليس منهم من هو محترف مسرح ، ويشترط بمن يقوم بدور الحسين ( ع ) ان يكون ( سيد ) أي ان اجداده ينحدرون من آل البيت ، حسن السيرة والسمعة والصورة وخالي من العيوب الجسدية و تعرفه الناس بانه متدين يؤدي الفرائض ، وذو اخلاق عالية ، عكس مؤدي دور ( الشمر ) قاتل الحسين ( ع ) الذي يفترض ان يكون كريه الصورة ، يتلقى الرجم بالحجارة والقاذورات و الضرب والاعتداءات الحقيقية وصنوف الاهانات الاخرى من الناس المشاركة اثناء الاحتفال ،
ثم يجري اعادة تشخيص الواقعة ، و ينخرط الطرفان في مبارزات فردية ، نرى فيها شجاعة وتفوق آل البيت الذين جلهم لايتجاوزون الثالثة عشر من اعمارهم وامكانياتهم الخارقة في المنازله ولا يسقطون صرعى الا بعد ان يكبدوا الجيش الاموي المئات من القتلى ( حسب مايرويه الراوي الذي يعلق على الوقائع ) ، ويلتحم في بعض اللحظات الجيشان جماعيا في المعركة واكثر المقاطع اثاره في ( التشابيه ) مقتل العباس ( ع ) الذي حوصر وهو يحمل قربة الماء للعطاشى من نساء واطفال آل البيت ، ويقاتل ببسالة بسيفه الذي يحمله بين اسنانه بعد ان فقد ذراعيه ، ويظل يقتل من الاعداء يمينا ويسارا حتى يستشهد ، وتبقر قربة الماء التي كان يحملها ، في الوقت الذي يكون فيه الراوي مستمرا في سرد او شرح ما يجري امامهم من الواقعة شعرا . ومشهد مؤثر آخر لجواد الحسين ( ع ) مضرجا بالدماء بعد استشهاد الامام وهو يسير امام الموكب،
ولم تكن بطبيعة الحال ان تمر هذه المناسبة ، دون ان يتم شتم الخلفاء الراشدين الثلاثه والامويين السنه ،
والتشابيه لاتحوي على حوارات كثيرة بين الشخصيات ، وان وجدت فهي مقاطع شعرية ، وتكتفي في اجزاءها الكثيرة على تشخيص ما يرويه الراوي وهو يسرد احداث الواقعه شعرا .
وكانت ( التشابيه ) دائما تحمل امكانيات توسيع اطار ممارستها عن ما هي فيه ، باتجاه اوسع من الاطار الديني والتاريخي ، وتستخدم في احيان كثيره لتعبر عن الجانب الدنيوي والزمن المعاش ، وكان يستغل موضوعها واحداثها وطريقة عرضها الشعبي البدائي الحالي لاسقاطها على الاوضاع السياسية الانية ، فمثلا ملابس قائد الجيش الاموي ( الشمر ابن الجوشن ) الذي كان يحرص ان تكون في الفترة الملكية هي نفس الملابس التي كان يستخدمها الجندي الانكليزي بقبعته الفلينية ذات الريش الملونة المعروفة وعلى صدره تتدلى الاوسمة و النياشين ويضع على عينيه نظارات شمسية حديثة ، مما يعطي الشخصية دلالات جديدة ورمز جديد اخر ، أي يتحول فيها الطقس الروحي الى اداة سياسية معاصرة بيد الموجه ( الاسلام السياسي الشيعي) ، مستغلا المناسبة والالتساق العاطفي القوي للشيعي تأريخيا بهذه المناسبة .
لكن هذه الطقوس لم تتقدم اكثر من ذلك ( سنورد الاسباب لاحقا ) ، رغم توفر طابعها الفولكولوري الذي يسهل ويساعد على انتقالها من المقدس الى الدنيوي ، وقد كانت هناك محاولات عديدة لم تنقطع سبق وان قام بها بعض المسرحيون العرب في استلهام هذا الطقس للمسرح ( من وجهة نظر وقراءه سنيه لاحداث كربلاء ، و اخرى شيعيه)، نذكر منهم محاولة كرم مطاوع من مصر ، زار العراق في السبعينات خصيصا لحضور احتفالات كربلاء بعاشورا في السبعينات ، ضمن تحضيراته لاخراج مسرحية ( الحسين) لعبد الرحمن الشرقاوي ، واتذكر ان بعض من اعضاء فرقة المسرح الفني الحديث قد رافقته لحضورها التي مهد لها ، واستقبلها واستضافها بكرم في بيته المتواضع في كربلاء الفنان عزي الوهاب ، ولكي لايبدون مختلفين و غرباء ويجلبون النظر اليهم ، تنكروا بلبس الدشاديش السود والعرقجينات ، وعندما عاد كرم مطاوع الى مصر ، وبدأ بالتمارين اصطدم بمؤسسة الازهر التي منعت عرض المسرحية ، بحجة ان الفقه السني لايجيز تشخيص شخصية اسلامية مقدسة بمقام الحسين( ع ) ،
وهناك محاولات جدية اخرى في الفتره الاخيره ، قامت بها المؤسسة الدينية الشيعية في لبنان ، لتطوير طقوس عاشوراء واعطائها وجها فنيا حديثا ملائما لبيئة لبنان ، يخرجها من مناطقيتها ومن اطارها الديني الطائفي البحت ، فكلف الشيخ عبد الحسين صادق ، المشرف على احتفالات عاشوراه في النبطيه ، المخرج رئيف كرم لاعداد المقتل للمسرح واخراجها ، ويبدو ان النتيجة مخيبة لم تعجب كثيرا المؤسسة الدينية التي كلفته بالعمل ، واهملت المشروع لاحقا ، وعادت الى طقوسها الشعبية في تناول المأساة ، لان هذا العمل المسرحي لم تشكل بديلا للطقوس عند الناس ، واهميتها انها القت الضوء على مأساة الحسين ( ع ) وتوجهت به الى جمهور اوسع من الطائفة .
فما قدمه المخرج ، هي مسرحيه اخرى تصلح ( للسلطنه) بكل ماتعنيه كلمة ( سلطنه ) وليست مناسبه للنواح والبكاء كما هو موجود في الطقوس الشعبية التي تقام سنويا ، حسب ماصرح به المخرج لوكالة ( رويترز ) ، وقد اسنعان المخرج في عرضه الفخم بدمى عملاقة واكثر من 200 راقص ومغني وممثل محترف ، لم يظهر المخرج اللطم وضرب السلاسل على المسرح ، وانما عبر عنه بصوت المغني والندابات ورقص المجاميع على ايقاع اللطم ، معتبرا اللطم الطقسي هو نوع من الرقص الديني موجود عند بعض الشعوب القديمة ، واستقدم ملحن من هولندا وضع له الحان المسرحية .
ماقدم في التجربه اللبنانية ، هي مسرحية تقليدية فخمة ، بنفس قواعد اللعبة المسرحية المعروفة والموجودة اصلا ولم تخترع ، موضوعها الحسين ( ع ) في الايام العشره من محرم ، استفادت واستخدمت طقوس المناسبة و الفنون الشعبية ولم ترتفع بمستواها الى وضع اعلى ، وفقدت عند ما استخدمت ادوات المسرح الراقي وشخصها ممثلون محترفون ، مضمون وهدف وأهمية طقوس التعزية المتمثلة في توجهها وانحيازها الطائفي عند عرض مأساة الحسين ( ع ) دراميا و بشكل موضوعي ومقبول من الجميع ، وما عادت ( طقسا روحيا ) تؤدي وضيفتها الشعبية الاساسية وأعني توتير المتفرج لاشراكه في صنع حالة الحزن والبكاء والعويل واللطم الحقيقي جراء استرجاع هول ما حدث لآل البيت من قبل الرادود كما في الطقوس .، فالجمهور اللطامة والندابين في الطقوس جزء مندمج مع مشخصي المأساة ومكون لايتجزاء من العرض ( كالكورس في المسرحيات اليونانيه )، وعندما عزل هذا الجمهور عن الممثل وانفصل عنه بفعل الجدار الرابع ، حل محل مشاركته بالبكاء واللطم و العويل على حد تعبير المخرج ( السلطنه ) بمعنى التمتع , والتأمل الهادىء .
وجرت في العراق في الفترة الاخيرة محاولات هزيلة وسطحية في المسرح لاستلهام المقتل وطقوس التعازي وسير آل البيت، فشلت جميعا واضرت بقدسية المناسبة ، فالمشكلة لاتكمن في استلهام الطقس لفن المسرح القائم اصلا، بل المشكلة هي في الامكانيات المتوفرة في داخل هذه الطقوس نفسها التي تمنحها قدرة ان ترتقي بالطقس كله وتتحول به من الشارع الى مسرح ، أي ان تترك مهرجان الشارع نهائيا بلا عوده ، وتدخل المسرح الذي تشكله على مقاسها .
( فالتشابيه ) في رأيي فن فطري وسيبقى بصورته الحاليه فطريا ، كتب عليه العقم ، ولايمكن ان يتحول الى فن مسرحي راق في المستقبل ، حاله حال الطقوس الدينيه الاخرى في الاسلام ، ولا امل له في ان ينجب مسرحا في المستقبل ، بسبب هيمنة وتوجيه المؤسسة الدينية لهذه الطقوس ، والنطاق الصارم والجامد الذي رسمت و ضبطت حركته فيها ، التي تحد من أي امكانية ان تتحول الى نوع آخر من العرض ،
فليست كل الطقوس الدينية الدرامية في العالم تتوفر عندها الامكانية في ان تتحول او ان تنجب مسرحا عظيما ، رغم ان الميل الى التشخيص والتعبير بالرمز والتقليد والتقمص والتمثيل موجود اصلا في داخل الانسان بالفطرة ، ومن المستبعد ان يخلوا مجنمع بشري مهما كانت درجة تطوره بسيطة ومحدودة ، من ممارسة شكل معين من التعبير الدرامي ، فالتشخيص عند الانسان وتقليد الاخر قديمة وفطرية، أستخدمها كوسيلة تعبير قبل ان يتمكن لسانه على النطق والكلام وصياغة اللغة المحكية ، ويذهب بعضهم الى انها بدأت كفعل درامي لاول مره عند الانسان الصياد الاول ، منذ ان كان يقوم بتقليد وتشخيص عمليه الصيد ويحاكي حركة واصوات الطريدة امام افراد قبيلته ، وهناك من يفترض انها بدأت مع الدين ، وان الكاهن يعتبر هوالممثل الاول في العالم ، والفن والدراما والرقص كلها ولدت في المعبد وخرجت منه .
كل الاديان ، لها طقوس فيها نوع من الملامح الدرامية والاستعراضية وتقمص الارواح والسحر ، لانستثني منها احد ، حتى الدين الاسلامي لم يخلو منها ، فنجد في شعائر طقوس الحج الى الكعبة الكثير من بقايا الملامح الدراميه الاستعراضية والتشخيص الواضح ، بدءا لو اخذنا الطواف حول الكعبة الذي يهدف الى استدرار الحاج للغفران والعفو من الذنوب من الخالق ، يعيد بعض الباحثين أصلها الى تشخيص عادة كان يقوم بها البدوي عند حلب الابل ، لحث شاته كي تدر الحليب ولا تعسر به عليه ، بان يقوم يأطافة وليدها حولها ،
وشعيرة ( السعيى بين مناة والمروه )، هي ايضا شعيرة دراميه اقدم على الاسلام ، يعيدها الباحثون في تاريخ الاديان في الجزيرة العربية الى الفتره التي كانت فيها العرب تعبد صنمين للخصب مقامان في طرفين متباعدين من الكعبة ، هما ( اساف ونائله) ، اللذان يعادلان تموز وعشتار عندنا ، وسعي الحجاج بينهما ماهوه الا تشخيص بدائي لربط وتمتين الود والوصل بينهما من اجل البركة .
و لاتخلو ايضا من الاشارات الدرامية ، شعيرة رمي الجمرات ( رمي الشيطان رمز الشر بالحجاره )، جميع هذه الطقوس تحمل بقايا ملامح درامية كانت قوية واكثر دلالة ووضوح قبل ان يأتي الاسلام ، اضعفها الدين الجديد ولم يبق منها الا على اشارات خفيفة ، انطلاقا من موقف الاسلام الصارم عموما المعروف من التشخيص والتمثيل ،
وعندما نقول ان العراق لم يعرف المسرح الا منذ اواخر القرن التاسع عشر ، نقصد العراق وهو في كنف الثقافة الاسلامية المهيمنة على كل مفاصل الحياة و التي امتدت لالف وخمسمائة عام الاخيرة ، تم خلالها الانقطاع تماما عن جذوره مكوناته الثقافية والحضارية القديمة التي لاتتناسب مع روح الاسلام والتي محيت بقسوه من الذاكرة ، وتم نسيانها اليوم .
فمن غير المعقول ان لاتعرف الشعوب القديمة في العراق قبل الاسلام ، فن المسرح ، وهو مهد اقدم الديانات والحضارات الانسانية في العالم ، وحفريات الاثار تكشف عن وجود ( اكيتو ) او بيت الاحتفالات الذي هو مسرح بطراز بناء خاص ، في كل مدينة من المدن العراقيه المندثره ، التي كانت تمارس فيها اعياد رأس السنة والاحتفالات الطقسية الاخرى التي يجرى فيها تشخيص ملحمة قصة الخليقة ، التي كانت تحوي على عروض درامية هامة كجزء من الطقوس المقدسة ، وحتى انه قد عرف ايضا المسرح بشكله الاغريقي منذ اجتياح اليونان للشرق ، ومن بعده المسرح على طراز البناء الروماني ، ففي بابل عثر على خرائب مسرح يوناني بناه الاسكندر الكبير , فيما بعد بني على انقاضه مسرح روماني، اضافه الى وجود خرائب مسرح روماني آخر في صحراء تدمر ، فمن غير المعقول ان توجد في العراق القديم ابنية المسارح بهذا العدد بدون ان تؤدي وظيفتها الاصلية ، وهي العرض المسرحي .
من ضمن الكوارث التي كانت تحل بالعراق ، تعرضها بشكل متتالي لاجتياحات واكتساحات الطامعين من الشعوب الاخرى ، ما نتج عن هذه الاجتياحات والاكتساحات من توالي الانقطاعات التي تعرض لها تاريخه وثقافته الوطنية ، فكل اجتياح تحاول الشعوب المنتصرة ان تطمس ماتستطيع من معالم حضارة الشعب المقهور وتلغي ذاكرته ، وتفرض بقوة المنتصر محلها الحضارة والثقافة التي تحملها ، آ خر هذه الانقطاعات واطولها بدأت بالفتح الاسلامي ، حيث تمكن الاسلام من اسدال ستارا سميكا على كل ما له علاقه بالاديان القديمة وطقوسها ومنها فن المسرح ، ودرس ومحو جذورها بالتقادم , وتحريم ممارسة عاداتها التي تتعارض مع روح الاسلام ، واحل محلها الحضارة الاسلامية الغنية عن التعريف، وحرمت على الاديان الوثنية الوطنية القديمة ان تتواصل وتمارس طقوسها وان يتحول اتباعها الى الدين الجديد بقوة الحجة والاقناع والجدل ، او بالسيف ان تعذر ذلك وواصلوا العناد والضلال ولم يهتدوا الى الاسلام ، عدا اديان اهل الكتاب الموحده فقط , التي لم تكن تملك اصلا طقوسا نافعه لخلق المسرح الدنيوي ، ان لم تكن تحاربه .
والحضاره الاسلامية معروفة في تحريمها للفنون التشكيلية ( رسم صورة الانسان ، والنحت ) والتشخيصيه ( التمثيل) ( 6 ) الذي تبرره بتجنيب المسلمين الجدد من الاسباب التي تؤدي الى الردة للشرك ، ولم تمانع من الاستفادة والانفتاح بالحدود القصوى على كل نتاجات حضارات الشعوب القديمة ، ( عدا المسرح الذي اهملته تماما)، وأخذت و انعشت وطورت علوم عصرها عن طريق النقل والترجمة اضافه الى الوضع ، فتقدم على يديهاعلم الفلك والطب والكيمياء والحساب والمنطق والقياس والفلسفه ، وازدهر البحث الممنهج وطرق التعليم وانتشرت المدارس و الجامعات وكثرالتأليف في التاريخ والعلوم الانسانية والادب والشعر وفن الموسيقى (لم تتوقف عند التمثيل ) وبعثتها على شكل حضارة عالمية جديدة بملامح اسلامية قوية , كان لها اثرها البالغ فيما بعد على قيام النهضة الاوربية وتغيير الفكر والعالم ,
واذا تناولنا طقوس ( التشابيه) الشيعية بالدراسه المقارنة , مع الطقس المقدس الذي خلق المسرح عند الاغريق ، أي مع أغاني و طقوس الخصب في اعياد باخوس التي كانت تقام في حقول الكروم والغابات ، ثم يأتي بعدهم ( هوميروس ) المغني الجوال وهو يحمل قيثارته ويغني ملحمة ( مدينة طرواده ) التي تتناولها (الالياذه والاوديسه) التي تصف التحام بشر وآلهه مع بشر وآلهه في حرب اسطورية طويلة من اجل استرداد هيلين الجميلة الى زوجها، والذي سقط فيها على اسوار طرواده الابطال انصاف الالهة من الطرفين المتنازعين , من بينهم (اخيل) الرجل الذي طالما حاول ان يتجنب هذه الحرب , بسهم اخترق كاحله ، تماما كما رسمت قدره الآلهة , ثم يأتي الشاعر والممثل ( ثيسبس) وهو يجول بعربته في المدن والارياف، اينما كان هناك تجمع يرغب في ان يشاهد و يسمع عن اخبار الالهه العظام واسرار الاولمب، وبعده جاء ( سوفوكليس واسخيلوس ويوريبيدس ) ويتحررمعهم المسرح الاغريقي تماما من قيود المعابد ويتحول الى فن خالص بحد ذاته ، لكنه يظل يحكي اخبار ابطال الاغريق العظام في صراعهم ومواجهة اقدار الالهه . وتتطهر نفوس الحضور من الجمهور في كل عرض من ما قد علق بها من ثقل الشوائب ، وتتجدد وتنشط النفوس بعد ان تتخلص من ادرانها .
لم تنتج الطقوس الدينية لشعوب حضارات سومر وبابل واشور مسرحا دنيويا ، شبيه بالمسرح الذي بناه الاغريق ، رغم انهم خلقوا اسس الحضارة الانسانية العالمية ، بما فيها الاسس التي بنى عليها الاغريق حضارتهم ومسرحهم ، لكن حضارات وادي الرافدين الرائدة ، توقفت عندما لم يستطيعوا ان يتجاوزوا كثيرا مرحلة الطفولة العقلية التي كانت تمر بها البشرية اجمع ، أي الانتقال بالتفكير من الاسطورة والخرافة والدين في تعليل الظواهر ، الى مرحلة المنطق والديالكتيك والتفسير الفلسفي الذي تمكن الاغريق ان ينتقلوا اليه ، أي ان المسرح الاغريقي تطور من الطقس المقدس الى الدنيوي ، فقط عند ظهور الفلسفه التي انزلت الالهة من عروشها في الاولمب الى الارض وساوتهم بالبشر ، وفسح تطور العقل والفكر الجدلي امامها المجال واسعا لتستفيد من كل ارث و منجزات حضارات شعوب وادي الرافدين والعالم المتوقفة ، وتأخذها لتبني عليها حضارة جديدة للعالم ، وتسير بها وتقودها الى الامام .
ان مأساة مقتل الحسين في ( التشابيه) الشيعية من الناحية الفنية، لاتشبه من حيث الجوهر , المآسي والملاحم اليونانيه القديمه التي انتجت مسرحا ، الاختلاف في اكثر من وجه ، ولاترقى اليها باي حال من الاحوال في شكلها الحالي من حيث عدم توفر مكونات نوعية في عناصرها الدرامية لتعطيها امكانية ان تتحول الى نوع اخر ارقى من طقس (التشابيه ) ، المتوفرة فقط في الطقوس والملاحم اليونانية القديمة ، رغم جلال موضوع الاستشهاد البطولي للحسين ( ع ) في الاسلام التي تتناوله ( التشابيه)، وطرح عدالة القضية التي ضحى بنفسه من اجلها.
اول هذه الفروق ان الملاحم ا ليونانية العظيمة كانت تظهر تناقض البشر مع مارسمته له الالهة من مصائر، أي صراع الانسيان الضعيف الغير متكافيء من اجل التقرير الحر لمصيره ، مع الالهة التي تفرض عليه احكامها وتنتصر عليه في النهاية ، في الرواية الاسلامية لمأساة الحسين لا تتناول او تعطي دورا للآلهة والأرباب العظام في الصراع مع البشر ضحاياها الضعفاء، ولاتظهر الا صراعا بين مجموعة محدده من البشر ، ضد مجموعة اخرى من البشر تتناقض معها على مشكلة ذات طابع دنيوي مناطقي ، ضمن اطار مجتمع يوحد الطرفين هو المجتمع الاسلامي ( نزاع داخلي) ، وكل طرف يطرح قضيته و اسبابه وتبريراته المنطقية والعقلية المختلفة , وكل طرف له انصاره و اتباعه في هذا الصراع ، مما يبسط ويخفف من عقدة ووقع المأساة و يقلل من وهج تراجيديا البطل الحقيقية ، ويجعلها متخلفة جدا عن مأساة وقضية الانسان في المآسي الاغريقية ذات الطابع الكوني الشمولي البعيد عن طابع المحلية والمناطقية ،
الملاحم اليونانية تعلن عن الصراع الازلي للانسان وتمرده على قدره الذي رسمته له الالهة ، في المأساة الحسينية لاتكشف مطلقا عن وجود تناقض بين الفرد المسلم و بين احكام الله وقدره ، بل هي تظهره يخضع تماما لهذه الاحكام و يقبل القدر الالهي بطيبة خاطر وسعاده ، لااعتراض في احكام الخالق كما حددتها الديانة الاسلامية ، وهذا الخنوع والاستسلام للقدر الالهي في الاسلام يجرد البطل المأساوي من ديناميكيته المطلوبة في التحرك لتأزيم الاحداث والارتفاع بها الى مستوى التحدي كما في التراجيديات العظيمة ،
نجد الثيمة الاساسية في الملاحم اليونانية التي انتجت مسرحا ، هي مشكلة الانسان الكونيه الاولى في علاقته مع الالهة واقدارها التي تسلب ارادته وحريته ، والزمن في الملحمه اليونانية زمن كوني دائري مفتوح غير محدد , يمكن ان يكون الان او أي وقت آخر ، والمكان ايضا غير محدد يمتد ويختلط بين الاولمب في السماء حيث تجتمع الالهة , وبين الارض التي عليها البشر، والبشر انصاف الالهة ، مما يسمو باحداث واجواء الملحمة الى عالم المثال الاسطوري الخالد.
لا نجد في المأساة الحسينية اثرا لهذه الثيمة الكونية ، وأنما توجد بدلا عنها ثيمة دنيوية باهته ، هي ثيمة بالاصل سياسية مباشرة ( أصلح ان تكون بروبوكاندا سياسية من ان تكون فنا دراميا) تعكس صراع ومصالح طائفة واحدة من طوائف الاسلام , (وليس الاسلام بمذاهبه الاخرى)، بهدف الاستفزاز وتسوية خلاف أ ونزاع ما ( أي صراع داخلي وليس صراعا مع قوى خارجيه اخرى اكبر منها تهدد وجودها ) هنا يتخفف حدة التناقض في الصراع فيها ، مما يهبط باحداث المأساة الى مستوى العادية والسطحية ، ويحرمها من امكانياتها في خلق الدهشة كما هو حال التأثير الذي تحدثه الفنون العظيمة ، و أحداث (التشابيه ) ترتبط بزمن ومكان وظرف ارضي محدد بدقة وبواقعية شديدة ، مما يعطي كل المأساة الصفة الزمنية الوقتية الفانية ، ويجردها من السمو المقدس .
و مما يضعف (التشابيه ) من قدرتها الاقناعية على الجميع ، انها لا تتوجه كطقس للامة الاسلامية بأسرها ، انها تفتقد ان صح التعبير الى صفة ( الشمولية الدينية ) للاسلام ، فهي لا تمثل الا وجهة نظر طائفة واحدة في العراق ( صغرت ام كبرت ) من الطوائف الاسلامية ، والطقس نفسه مازال نقطة خلاف فقهيه عند الشيعة ، و المسلمون السنة ينظرون اليها بعين الشك والريبة من صحة اسلاميتها فهم يفسرونها ، على انها طقس تعبوي للحقد الطائفي ، بدلا من ان يكون طقسا روحيا و دعويا خالصا لللاه ، ويرونها عامل استفزاز و تفرقة طائفية للصف الاسلامي الداخلي، بدلا من ان تكون كما هي وظيفة الطقوس الروحية الجليلة, عامل وحدة وشد لحمة المجتمع الاسلامي ذو الراية الواحدة ، ويقيموها باعتبارها خروجا صريحاعلى تعاليم الكتاب والحديث والفقه والمنطق المتفق عليه ، وردة الى ظلال وعادات الجاهلية التي نهى عنها الاسلام , هدفها استعراض قوة الطائفة والتعصب اليها على غرار ماكان سائدا في الجاهلية .
يوجد ايضا في الاسلام العديد من الطقوس الاخرى ، الضيقة النطاق المضافة على الاصل في اوقات مختلفة وهي غير ملزمة كفروض ، والتي مازالت تمارس لحد الان هنا وهناك ، على هامش فروض الاسلام الرئيسية ، تتفق ولاتتعارض مع المباديء الاساسية او تخرج عليها كثيرا ، تعود للمذاهب والفرق المختلفة التي ظهرت في الاسلام ، لها طابع تعبدي استعراضي ، وأكثريتها جديد ومن اختراع الفرق الصوفية السنية ، الا انها تختلف تماما عن طقوس التعازي الحسينية ، التي أستفادت بدورها من بعض طقوس الصوفية العنيفة ، (كاللطم وضرب الزناجيل والتطبير ) ، الا ان الفروق بين طقوس التعازي الحسينية وطقوس دراويش الصوفية يتحدد في فرق جوهري واحد ، هو ان الصوفيين في استعراضاتهم يحاولون ان يعكسو ا علاقة الانسان الضعيف بالخالق ، وقدرة الله الكلية عليه ، ويدعون الى تطهير النفس البشرية من عادات و ادران الدنيا الفانية والارتقاء والتسامي بالروح حتى التماهى والاندماج بروح الله المقدسة التي تتحقق عندها السعادة الكلية الغامرة ، فهم يتحركون بحذر بالحدود الصارمة التي يسمح بها الاسلام ، بينما نجد في طقوس التعازي الحسينية القضية تدور حول علاقة الشيعي الصالح بالامام الشفيع وآل البيت ، والموضوع ينحصر في مأساة المقتل والظلم الذي احاق بآل البيت ولاغير ذلك ، وعلاقته بالخالق علاقه غير مباشرة لاتتم الاعن طريق الامام الشفيع ، وبهذا تختلف عن طقوس الصوفية في الاسلام التي تظهر حالة التعبد الكلية التي تصل الى حد العشق الموجهه الى لله وحده فقط ، وهنا يتناقض معها .
وقد حرم الشيعة في العراق ، في فترات متعددة من تاريخ العراق الحديث ، من حقهم في ممارسة طقوس التعازي الحسينية و ( التشابيه ) ، لاسباب طائفية بالدرجة الاولى ، وايضا سياسية ، اطولها الفترة الممتدة من عام 1975 وحتى عام 2003 ، ضمت معها فترة الحرب العراقية الايرانية وما وا كبها من تنكيل وحشي بالاسلام السياسي الشيعي واحزابه ورموزه البارزة .
___________________________________________________________________________-
1- الف عام وعام على المسرح العربي - تمارا الكساندروفنا - ترجمة توفيق المؤذن - بيروت - دار الفارابي -1981 2- افكار حول مسرح التعزيه - عبد الخالق كيطان - جريدة الزمان 3- المعركه من اجل الله - كارين ارمسترونغ - عرض وتقديم ابراهيم درويش - الجزء الرابع - جريدة الزمان - عدد 24 نيسان 200 . 4- انتلجينسيا العراق ، من اطوار الطرابيش والعمائم الى نخب السدارات والجماعات - د. سيار الجميل - الحلقه السادسه والعشرون - جريدة الزمان - عدد 29/ 9/2000 5- انتليجينسيا العراق ، من اطوار الطرابيش والعمائم الى نخب السدارات والجماعات - د. سيار الجميل - الحلقه السابعه والعشرون - عدد 1/10/200 6- راجع - اقامة الدليل على حرمة التمثيل - حسن بحراوي - ( مسرحيون ) موقع الكتروني . 7- عاشوراه عمل مسرحي احترافي لاول مره في لبنان للفنان رئيف كرم ( الجيران ) موقع الكتروني . 8- تاريخ الشعوب العربيه - ( الجزءالاول ) - د. البرت حوراني - ترجمه نبيل صلاح الدين - الالف كتاب - مصر 1997 9- تاريخ الشعوب العربيه - ( الجزء الثاني ) - د. البرت حوراني - ترجمة نبيل صلاح الدين - الالف كتاب - مصر 1999 10- لمحات اجتماعيه من تاريخ العراق الحديث - ( الجزء الاول ) - د. علي الوردي - طبعة ايران سنة 1413 هجريه مصوره عن طبعة بغداد 1969 . 11- كتاب الاصنام - ابن الكلبي - تحقيق احمد زكي - دار القوميه للطباعه والنشر بالقاهره - طبعة 1965 المصوره عن نسخة دار الكتب سنة 1343 هجريه - 1924 ميلاديه. 12- النزعات الماديه في الفلسفه العربيه الاسلاميه - الدكتور حسين مروه - الجزء الاول - دار الفارابي - الطبعه الثالثه - بيروت 1980 . 13- راجع - موسوعة الادبان - نحو آفاق اوسع - الجزء السادس منه ( الدين في شبه الجزيره العربيه ) - ابكار السقاف - نشر دار العصور الجديده - القاهره - 2000 . 14- ( المذهب الجعفري ) المذهب الخامس في الاسلام ، الذي حمله معه نادر شاه الى مؤتمر النجف ليقبل به السنة ، ويعترفون به باعتباره المذهب الفقهي الاساسي الذي تلتزم به كل الفرق الشيعية ، ويعود المذهب الى الامام جعفر الصادق الذي عاش في نفس العصر الذي عاش فيه الامامان مالك وابو حنيفه اللذان كانا يجلان الامام الصادق، بالاضافة الى ان الامام جعفر الصادق كان ينحدر من جهة الاب من علي ابن ابي طالب ( ر) ومن جهة الام من ابوبكر الصديق ( ر ) ، ان فكرة اعتماد المذهب الجعفري تعود الى الشريف الرضي الذي عاش في بغداد في الفترة البويهية في زمن الخليفة العباسي القادر بالله ، ولم يتحقق مشروع الشريف الرضي بسبب الاحتلاف بين الشيعة واهل السنة الذي لم يكن فقط في القضايا الفقهية ، بل في القضايا التي تتصل باصول الدين، فاصول الدين عند السنة ثلاثة هي التوحيد والنبوة والصحابة ، بينما عند الشيعة خمس يضاف اليها العدل والامامة ( الاثني عشر) ، وتحذف الاصل الثالث ( الصحابة ) وتخص فقط ( الصحابة من آل البيت) .
#لطيف_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فصول من تاريخ المسرح العراقي - دين الاسلام وفن المسرح في الع
...
-
حول مشروعي البرنامج والنظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي
المزيد.....
-
الترفيه والتعلم في قناة واحده.. تردد قناة طيور الجنة 2024 لم
...
-
الجهاد الاسلامي والشعبية: ندين المجزرة الدموية بحق صحفيين في
...
-
الجهاد الاسلامي: ندين بأشد العبارات المجزرة البشعة بحق الاعل
...
-
إدانات لدخول وزير الأمن القومي الإسرائيلي لحرم المسجد الأقصى
...
-
الإمارات تدين اقتحام وزير الأمن الإسرائيلي المسجد الأقصى
-
“في خمس خطوات”.. حدّث الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025
...
-
الوزير المتطرف بن غفير يقتحم المسجد الأقصى في أول أيام عيد -
...
-
خارجية الأردن: اقتحام بن غفير المسجد الأقصى خطوة استفزازية م
...
-
بن غفير يقتحم الأقصى احتفالا بعيد -الأنوار- اليهودي ومكتب نت
...
-
حماس: اقتحام بن غفير المسجد الأقصى انتهاك جديد وخطير
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|