|
تأملات في الديمقراطية وحقوق الإنسان
حكمت الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 1882 - 2007 / 4 / 11 - 11:22
المحور:
حقوق الانسان
كلمات.. كلمات..
مثلما كانت كلمة "ثقافة" تثير الهلع أيام النازية والفاشية وتدفع البعض إلى حدّ تحسُّس مسدسه إذا ما تناهت إلى أسماعه تلك الكلمة، تواجه اليوم، وفي عالمنا العربي بالذات، بعض المفردات من قبيل "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" نفس المصير، إن لم يكن أكبر، عندما نضع في الاعتبار ذلك الهلع وتلك الخشية التي تحط كالطير على رأس كل من تسوّل له نفسه التعاطي قولا أو سمعا مع كلمات كتلك التي ذكرناها أعلاه… وبطبيعة الحال، لا أقصد كل عالمنا العربي، فلا يزال ثمة ضوء في آخر النفق، كما يقولون. السبب في هذا راجع دون أدنى شك إلى السياسة. فمن يتكلم في الديمقراطية وحقوق الإنسان إنما هو يخوض في بحر السياسة الذي ليس لساحله قرار، خاصة بالنسبة لبعض منكوبي الطبقات الوسطى بشرائحها الدنيا والعليا، في دنيا العرب اليوم. لكن الزمن يتغير، والكون يصغر ويتقارب ويستحيل قرية مُدرَكَةَ الأطراف، وتسافر الكلمات كما يسافر البشر، وتتغير المفاهيم. ويتنفس بعضنا الصعداء، فها هي كلمات حساسة مريبة، منها الجنسية ومنها الدينية ومنها السياسية، يمكن الخوض في استعمالها في الزمن الحاضر، منزوعة شيئا ما مما كان يحف بها من مخاطر. ومن تلك الكلمات: حقوق الإنسان. فلا يقتصر معنى الكلمة ومدلولها عند تداولنا لـ "حقوق الإنسان" على البعد النضالي ومراقبة الانتهاكات والدفاع عن الحقوق السياسية والأساسية للبشر، بل يتعدى الأمر إلى معان ومداليل أخرى مثل "التسامح" و"العيش معا" و"الحق في التضامن" وكونية "السلام" وشموليته… الخ، وصولا إلى أهم ملمح من ملامح حركة حقوق الإنسان الجديدة والمعاصرة، ألا وهو مفهوم "التربية على حقوق الإنسان" والتثقيف بها، ونشرها. وتكونت في العالم العربي خلال السنوات العشر الأخيرة وبشتى المبادرات، منظمات غير حكومية ومؤسسات ذات طابع علمي وتدريبي وتوعوي تعنى بهذا الموضوع. وكان من حسن الحظ أن أقدمت بعض الدول العربية على تنصيب وزارات خاصة بحقوق الإنسان تتفرع منها بعض اللجان والإدارات التي تساهم بشكل أو بآخر على دفع حركة حقوق الإنسان العربية الراهنة إلى أمام بمزيد التربية والتثقيف. ويتميز "المعهد العربي لحقوق الإنسان" الذي يتخذ من تونس مقرا له، باختصاصه الفريد عربيا في مجال التربية والتدريب واعادة التدريب على حقوق الإنسان وتوفير قواعد معلومات تعين المهتمين بالآمر، وصولا إلى دعم أية مؤسسة أو منظمة أو إدارة حكومية كانت أم غير حكومية من اجل تطوير عملها وتدريب كوادرها في المجال الحقوقي. ضمن هذا الإطار يَتَنَزَّلُ الكتاب الجديد الصادر بتونس مؤخرا للدكتور "الطيب البكوش" رئيس مجلس إدارة "المعهد العربي لحقوق الإنسان"، والذي إضافة إلى شغله لهذا المنصب، فهو أستاذ في الجامعة التونسية ومتخصص في علوم اللسانيات، مما حدا به إلى إسباغ بُعْد عميق بقدر ما هو طريف يتعلق بجوانب علمية لغوية على تناول مواضيع من قبيل "حقوق الإنسان" قد تبدو غير ذات إثارة للقارئ غير المتخصص. ولكن، رغم ذلك، لتكن الانطلاقة كما أراد لها المؤلف أن تكون، بتعريف واف لمعنى "الثقافة".
الثقافة بين الكونية والخصوصية..
إن ما توحي به اليوم كلمة ثقافة للقارئ العربي، لا تكاد تكون له علاقة تذكر بما يجده في بطون المعاجم من المعاني المتصلة بالحذق والخفة والعمل بالسيف وتقويم الرماح والسهام رغم أن توسيع بعض هذه المعاني مجازا إلى الإنسان بمعنى تقويمه بالتربية والتهذيب والتعليم واضح، لذلك تركز المعاجم العربية الحديثة على معنى التمكن من العلوم والفنون والآداب كأنّما الربط بالمعنى القديم ضمني. والواقع أن هذا التوسع الدلالي لم يحصل، والكلام على مسؤولية د. الطيب البكوش، بحركية لغوية ذاتية وإنما نتيجة تفاعل لغوي مع اللغات الغربية مثل الإنكليزية والفرنسية التي طوّرت بدورها مفهوم «كُلتُور» Culture مجازا من المجال الفلاحي المادّيّ إلى مجال المعارف المساعدة على تنمية الفكر ومَلَكَة النقد وتهذيب الذوق ثم لاحقا إلى مجال مجموع الظواهر الفكرية في حضارة من الحضارات بما فيها المؤسسات الاجتماعية والظواهر الفنية والدينية والفكرية المميزة لمجتمع ما. ويلاحظ د. البكوش في سياق متصل انه رغم التقدم المسجل في بلورة المفاهيم الثقافية وربط الحقوق الثقافية بسائر حقوق الإنسان، فإن قضية جوهرية تبقى مطروحة لأنها تتحكّم في تحديد مفهوم الثقافة وهي قضية "الكونية والخصوصية". فجانب الكونية يجعل التعريف شاملا لجميع البشر وجانب الخصوصية ينزع بالتعريف إلى الحصر في مجموعة بشرية محدّدة. ومما يزيد الأمر تعقيدا أن الكونية قد ارتبطت في وقت من الأوقات بالحركة الاستعمارية التي ادعت نشر قيم عالمية في مجتمعات متخلفة، ثقافتها دون الثقافة السائدة. وفي مقابل ذلك، اتخذت أنظمة حكم عديدة قضية الخصوصيات الثقافية العلة للاستبداد وسلب حقوق المواطن تحت غطاء هوية ثقافية غامضة. فهل يكون هذا التناقض عائقا أساسيا أمام تحديد مفهوم الثقافة وحقوق الإنسان الثقافية؟ يتساءل المؤلف في بداية كتابه هذا، مضيفا قوله: كيف يمكن لنا أن نتحدث عن الثقافة العربية وحقوق الإنسان العربي إذا لم نجب أولا عن هذا السؤال الجوهري ؟ وتوجد اليوم حسبما يرد في إجابة د. البكوش محاولات متعدّدة لضبط المفهوم يرجع الفضل فيها إلى فلسفة حقوق الإنسان وتطوّر "الصكوك" الدولية المتصلة بها. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 اكتفى بالإشارة إلى حق الإنسان في المشاركة الحرة في «الحياة الثقافية للمجموعة التي ينتسب إليها». ولم تذكر الحقوق الثقافية صراحة ـ ولكن مقرونة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلاّ في سنة 1966 في العهد الدولي المكمل للإعلان العالمي. ورغم أن "الثقافة" كما يدقق المؤلف، لا ترد في النصوص الدولية إلاّ مقرونة بغيرها تذييلا كالتربية والتعليم، أو العلوم والآداب والفنون، فإنه بالإمكان اعتبارها مفهوما يُتوّجها جميعا وكأنما يلخصها ويشملها دون أن يسعى أي نص إلى تعريفها. ويمكن القول إن الفضل يرجع إلى منظمة اليونسكو في مزيد بلورة مفهوم الثقافة بحكم الاختصاص، انطلاقا من إعلان مبادئ التعاون الثقافيّ الدولي الذي أصبحت معه الثقافة عاملا من عوامل التقريب بين الشعوب دون تمييز أو تفضيل. ولعل ذلك ما يفسّر من جهة أخرى افتقار الحقوق الثقافية إلى آليات شبيهة بآليات الحقوق المدنية والسياسية من جهة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى، لذلك توجد اليوم مساع لتلافي النقص الذي لا يساعد تواصله على تدقيق المفاهيم الثقافية. يقول المؤلف بشكل لا لبس فيه إن التمسك بالهوية الثقافية لا يمكن أن يقوم إلا على الاختلاف والتمايز. وليس من الصدف أن هذا التمسك كان أقوى زمن الاستعمار في مواجهة خطر الانبتات والذوبان في الغير أو الاستلاب الثقافي. ولعل ذلك ما يفسّر اصطباغ الخصوصيات الثقافية بصبغة ميثيّة ترفعها إلى مقام المقدس. لكن هذه الظاهرة لم تقتصر على الوضع الاستعماري وإنما تواصلت بعد ذلك مع حركات الهجرة من الجنوب إلى الشمال خاصة، حيث يسعى المهاجرون جاهدين إلى التوفيق بين نوازع التمسك بمقومات الهوية الثقافية الأصلية ونوازع الاندماج في مجتمع غربي يتخوف بدوره من تهديد الأقليات الجديدة لقيمه الثقافية. فالعقل البشري المنتج للثقافة واللغة المعبرّة عنها يبدو واحدا موحّدا للمنزلة البشرية ولكنه قادر على تنويع الأشكال وأساليب التعبير إلى ما لا نهاية له. فالإنسان الفرد بخصوصيته واختلافه عن غيره، يجسّم رغم ذلك الإنسانية قاطبة، فالفرد يتكيف بثقافة محيطه في ذات الوقت الذي يسعى فيه إلى تجاوز محيطه والارتقاء إلى المرتبة الإنسانية الشاملة. معنى ذلك أن الإنسان يتحدد ببعديه الفردي والإنساني أي بخصوصيته الفردية وبشموليته الإنسانية. لذا لا يمكن لأي ثقافة أن تدعي أنها إنسانية أو كونية إذا لم تكن حصيلة تأليف وتراكم وانصهار روافد متعاقبة، فبذلك يمكنها الإشعاع والتفاعل الإيجابي مع الخصوصيات الثقافية في عملية إثراء متبادل. لأجل ذلك لا يمكن تعريف الثقافة إلا اعتمادا على هذين المكونين المتكاملين. وانطلاقا من مئات التعريفات يستخلص د. الطيب البكوش التعريف التالي:"الثقافة هي مجموع القيم والمؤسسات وأنماط السلوك والتفكير والإحساس التي تشترك فيها مجموعة بشرية وتتناقلها اجتماعيا فتكيّف نشاط الإنسان في علاقته الثلاثية بالطبيعة وبالإنسان وبالمقدس". فالثقافة إذن مفهوم شامل لمعتقدات الإنسان ولجميع ما يبدعه في جميع المجالات. وينجرّ عن ذلك أن الهوية الثقافية ليست عرقية وليست حبيسة تراث ما بقدر ما تتحدّد بالثقافة التي أنتجت ذلك التّراث الذي لا يمكن أن يحبسها لأن لها بالضرورة بعدا كونيا بحكم انتمائها الطبيعي إلى قيم إنسانية كونية. ويمكن أن نستنتج من هذا التحليل الذي يقدمه المؤلف أن العلاقة بين الثقافة وحقوق الإنسان تتمثل في أن الحقوق الثقافية لا تنفصل عن سائر حقوق الإنسان وأن تخلفها النسبي عن الحقوق الأخرى ولاسيما في مستوى الآليات ـ إنما مرده إلى غموض المفهوم والنقص في تحديد المفاهيم الحافّة به مثل الهوية والمثاقفة وغيرهما. لكن ما يشاهد اليوم من توسع فيها ناجم عن التطور والتحولات العالمية المتسارعة قد جعلها تشمل التربية والتعليم والتنمية وتتحول من الذيل إلى الصدارة حيث هي محور حقوق الإنسان الشاملة المتكاملة. ومع مؤلفنا نستطيع الوصول إلى الخلاصات التالية: فانه انطلاقا من التعريف الذي قدّمه للثقافة بمفهومها العام ، يتبيّن أن حقوق الإنسان بقيمها ومؤسساتها جزء من الثقافة ويبرّر الحديث اليوم عن "ثقافة حقوق الإنسان" في مجتمع من المجتمعات أو في بعدها الكوني. ويُشرّع لطرح السؤال: ما مقام حقوق الإنسان في الثقافة العربية اليوم؟ وتجدر الملاحظة أننا نتحدث عن الثقافة العربية المعاصرة، لا في الماضي، اجتنابا لإسقاط مفاهيم حديثة على أوضاع قديمة رغم أن قيم العدل والمساواة والتضامن والحرّية والكرامة قيم كونية غير ظرفية ولكنها لا تفهم بالضرورة نفس الفهم من عصر إلى آخر. ومن مكان إلى آخر. فنحن اليوم نستعمل كلمة الديمقراطية في جميع أنحاء العالم انطلاقا من اليونانية وبمعناها الاشتقاقي اليوناني وهو "حكم الشعب". ولكن مفهوم الشعب قديما ـ بما في ذلك عند الإغريق ـ يختلف عن مفهوم الشعب في العصر الحديث. مما يجعل مفهوم الديمقراطية تبعا لذلك مختلفا أيضا. وإذا كنا قد تحدثنا عن الموروث الثقافي فمن حيث هو رصيد مؤثر في ثقافة اليوم بحكم التواصل والتراكم والتفاعل، وبحكم أن الحاضر يصدر عن الماضي ويتأثر به ضرورة من جهة وينيره كذلك من جهة أخرى. ولكننا لا نصدر أحكاما على الماضي بمقاييس الحاضر المفهومية والمُتَصَوَّريَّة لما في ذلك من الخلط المنهجي الذي، وكما يقول المؤلف، كثيرا ما يقع فيه بعض من يبحثون عن الماضي بآليات الحاضر لا لإعادة القراءة وإنما لإصدار الأحكام المجانية.
تحليل لغوي لبعض المفاهيم..
إنّ مفاهيم حقوق الإنسان من المفاهيم التي تقوم على العلاقة مع الآخر. فمفهوم محوري مثل الحرية، يتحدّد بالعلاقة مع الآخر إذ لا يحدّ حريّة الفرد إلاّ حريّة الآخر بالمفهوم الاجتماعي للكلمة. إنّ المفاهيم المعنية بالأمر، قد تمّت صياغتها في نصوص تأسيسيّة، صدرت عن هياكل أمميّة من أبرزها وأشهرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 والعهدان الدوليان المتعلقان بالحقوق السياسية والمدنية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966) وما تبعهما من إعلانات ومواثيق وتوصيات في مختلف المجالات. كثيرا ما يقال إنّ هذه النصوص قد حرّرها غربيون وهي تعبّر عن مفاهيم غربية لا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية والحضارية للشعوب الأخرى ولاسيما في بلدان العالم الثالث. والواقع، كما يجيب د. الطيب البكوش مؤلف كتاب "تأملات في الديمقراطية وحقوق الإنسان، فأنّ هذه النصوص قد وقعت صياغتها في صلب لجان أعضاؤها من جميع القارات والثقافات ومنهم شارل مالك اللبناني، ولكنهم يلتقون في حدّ أدنى من القيم المشتركة. لذلك يمكن اعتبار هذه القيم كونية، وكذا النصوص الناقلة لها. ويضيف قائلا إن الأصوات التي تطعن في كونيتها تُقْدم على ذلك باسم خصوصيات كثيرا ما تصّاغ بصفة ضبابية صالحة للتغطية على انتهاكات حقوق الآخر. هذه النصوص تتضمّن مصطلحات تبلورت شيئا فشيئا خلال ما لا يقلّ عن نصف قرن وتكاد تستقر وتتنمّط في مجملها، وذلك على الأقل في اللغات التي تستعملها الأمم المتحدة رسميّا لنشر هذه النصوص على أوسع نطاق. من بين هذه اللغات أو الألسن، بتعبير المؤلف، تتصل العربيةُ منها بالفرنسية والإنكليزية خاصة. لذا، يكاد يكون من المتوقع مبدئيا، إن لم يكن من المشروع، أنّ هذا الجهاز الاصطلاحي المنمّط لا يثير إشكالا في انتقاله من الإنكليزية أو الفرنسية إلى العربية بحكم كونية التصّورات التي تعبّر عنها وبحكم تصديق الدول المعنيّة على المواثيق الدولية التي تتضمنها. ولكن د. البكوش سرعان ما يستدرك قائلا أنّنا نلاحظ أنّ هذه التّوقّعات كثيرا ما تخطئ عندما نمعن النظر في بعض النقاشات أو بعض النصوص المعرّبة، فنتبيّن أنّ القضية ليست بالبداهة أو البساطة التي نظنّ أول الأمر. ويكفي في هذا الصدد أن نتولّى تحليل المصطلحات ـ المفاتيح من حيث دلالتها ومسارها التأويلي الذي يختلف ويتباين حسب المرجعية الثقافية والمذهبية الذي ينتسبُ إليها هذا الطرف أو ذاك. ويختار المؤلف عيّنة من الألفاظ والمركبّات أهم ما فيها: الثنائي: مساواة ـ عدل المركب: حريّة المعتقد الثنائي: ديمقراطية/ شورى المركب: حقوق الإنسان نتبيّن من تحليل مجالها الدلالي ومسارها التأويلي من خلال الترجمة أنّ الإشكالات التي تثيرها والرهانات الكامنة وراءها متباينة: الترجمة والرهان الدلالي: مثال: مساواة / عدل إنّ متصور المساواة من المتصورات الأساسية في منظومة حقوق الإنسان. فالدال المعبّر عنه هو محور عدّة مركبّات تنتمي إلى نفس الفضاء الدلالي مثل : مساواة البشر الذين يُولدون أحرارا متساوين، والمساواةُ أمام القانون والمساواة بين الرجال والنساء، الخ. فهذا المصطلح، يتميّز بتواتر مرتفع في النصوص وهو الذي يُستعمل عادة في تعريب égalité، إذ لهما تقريبا نفس المساحة الدلالية في النظامين اللذين ينتميان إليهما، فهما يُعبّران إجمالا عن العلاقة نفسها بين أشخاص أو أشياء علاقة تساوٍ كمّا أو كيفا. هذا الاشتراك في دلالة تكاد تكون كونيّة، ينجرّ عنه اعتماد جميع النصوص الأممية المصطلحَ المقابل في كل لسان تُنقل إليه، فالاختلاف يحصل طبعا في مستوى الدال الذي يُتّخذ في النظام المعني للتعبير عن نفس المدلول الذي يُنظر إليه حينئذ على أنه قيمةٌ كونية. وإنّ ما نتوقعه، ودائما مع د. الطيب البكوش، بحكم الصبغة المجردة لهذا المفهوم، هو أنه لا يثير إشكالا في أيّ لسان ولم يثر أيّ إشكال في عصر النهضة على حدّ علم المؤلف، لكن الملاحظ في السنين الأخيرة، قيام جدل حادّ حوله، يتمثل في الطعن في مفهوم المساواة، والحال أنه مفهوم يحيل إلى قيمة هي مثل أعلى لا يوجد مجتمعٌ يمكن أن يدّعي أنه قد بلغ فيه المدى، لا على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي ولا على الصعيد السياسي. وبحسب د. البكوش، فإن الأصوات التي أخذت ترتفع أخيرا للطعن في المفهوم رغم تجذّره في أدبيات حقوق الإنسان في كل مكان تقريبا، قد انطلقت أساسا من البلاد العربية والإسلامية مقدّمةً عنه بديلا هو مفهوم العدل الذي يقابل في الفرنسية équité و Justice. إنّ نظرة سريعة غير معمّقة قد تدعو إلى قبول البديل. فاللّفظان الفرنسيان لهما "أثليا" نفس الدلالة التي نجدها في الأصل اللاتيني Aequitas. وكذلك الأمر في العربية رغم اختلاف المادة الاشتقاقيّة ع د ل/ س و ي. لكن الاستعمال ينزع إلى تطوير دلالة الألفاظ، فاللفظ الفرنسي équité تطوّر فاقتربت دلالته من مجال Justice وابتعدت تبعا لذلك نسبيّا عن دلالة مرادفه السابق égalité. بيد أنّنا نلاحظ عند إمعان النظر أنّ ثمّة مشكلا حقيقيا يتمثّل في أنّ نفس اللّفظ يغطي في الواقع مساحة دلالية منفجرة بتأثير الخلفيات الثقافية أو المذهبية التي تنطلق منها الأطراف المختلفة التي تتعامل مع هذه المفاهيم والألفاظ المعبّـرة عنها من منطلقات مختلفة أجناسيا وتاريخيا ودينيا وثقافيا. إنّ التأمل في خطاب هذا الطرف أو ذاك، نتبيّن منه أنّ اختلاف الآخر إنما يندرج ضمن المسار التأويلي لجهاز اصطلاحي من المفروض أن يكون موحَّدا عالميا. وهكذا فإنّ العدلéquité إذا ما أُخضع لتأويل معيّن يجعله يتقابل ومساواة égalité، يكتسب بعدا دلاليا إقصائيا يحوّل جذريا قيمته الدلالية بتغيير روابطه بمرادفه مساواة الذي هو في الفرنسية مرادف "أثلي". وهكذا يؤول الأمر بمن ينشد العدل إلى رفض المساواة التي تصبح في هذه الحالة مخالفة لتصوّر معيّن للمجتمع. فالإيديولوجيا العنصرية مثلا ترفض مبدأ المساواة بين الأجناس وبين الناس. والنظرة الدينية الأصولية ترفض المساواة بين الرجل والمرأة. الخ. ففي نظر أصولي مسلم مثلا، يكون الرهان هاما، فلو طبقنا هذه المفاهيم على الإرث مثلا، لانجرّ عن تطبيق مبدأ المساواة منح المرأة نصيبا من الإرث مساويا لنصيب الرجل، بينما ينجرّ عن تطبيق مبدأ العدل، منحها النصف فقط حسب الشريعة الإسلامية. ويمضي المؤلف في تحليله اللغوي الهام هذا قائلا إن وراء الجدل المعجمي الدلالي، يكمن اختلاف في النظرة إلى العلاقات الاجتماعية قائم على رهانات اقتصادية أساسية من حيث تكريس تفوّق الرجل على المرأة في الأسرة والمجتمع. فبدون وعي بهذه الرهانات، قد لا نرى غضاضة في استعمال لفظ محل الآخر وفي قبول إحلال العدل محلّ المساواة، وقد لا ننتبه إلى الترجمات الخاطئة أو المحرفة نتيجة تلاعب بالنصوص المعرّبة كما لاحظنا في تعريب كتاب في تعليم حقوق الإنسان أصدرته اليونسكو بالفرنسية والإنكليزية وعنوانه «جميع البشر» Tous les êtres humains(1999). فالمعرب يبدو في كامل النص محرجا كلّما عثر في كلمة égalité، ورام تعريبها، فيتصرّف بطرق مختلفة تنمّ عن تردّد وحرج واضحين: ـ فعندما شرع في تعريب مصطلحات القيم العالمية الموضوعة بين قوسين وهي (الكرامة dignité، والحريّة liberté، والمساواة égalité، والعدل justice). لم يجد أفضل من حذف المساواة وإلغائها من النص (25/18). أمّا عندما ترد نفس اللفظة في سياق مطلبي (ص 35/23) فإنه يحافظ عليها لأن طلب الشيء غيرُ تحقيقه، فلك أن تطالب بما شئت، لأنّ المهمّ هو أن لا يختلط المطلب بالحقّ في المساواة. أمّا عندما يرد اللفظ في سياق متعلق بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالمرأة وحقوقها، حيث لا يمكن تجاهل اللّفظ فإنّ المعرّب يتصرّف، مبرزا اختلافه بزيادة هامش توضيحي يؤكد مثلا أنّ المرأة لا يمكن أن تتقلد منصب الإمامة، ولكن تجنبا لما قد يترسّب لدى القارئ من إحساس بالانتقاص والإقصاء يُضيف أنّ الإسلام قد كرّم المرأة وضمن حقوقها وأمر بمعاملتها بالعدل. وهكذا يُدخل المعرب ضمنيا مقابلة بين المساواة في النص الأصلي والعدل. وهنا نتوقف مع د. الطيب البكوش قليلا عند دلالة لفظة "العدل" ومشتقاتها، حسب مقارباته اللغوية، لنرى إنّ أهم ما يتضمنه المجال الدلالي لهذا الجذر هو: تقويم الاعوجاج، والمعاملة المنصفة والحكم بدون حيف وعدم التمييز بين الأطراف. فالروابط الموجودة بين المجالين الدلاليين للمساواة والعدل هي تقريبا الروابطُ نفسُها التي بين مجالي égalité و équité. لكن المعالجة الدلالية التي خُصّا بها في الترجمة، بمفعول المواقف الأيديولوجية، تَنزع عنهما الترادف أو شبه الترادف الأصلي وتجعل منهما لفظين متقابلين دلاليا بحكم المرجعية الدينية والثقافية. وبذلك يتبيّن لنا موقف المعرّب الذي يتجاذبه نصّان مرجعيان، نص اليونسكو المطلوب تعريبُه بأمانة، والنص الديني المقدّس اللاّزمني، الخاضع لشروح وتأويلات متعدّدة متعاقبة بحكم صبغته المفتوحة، ممّا ينجر عنه ثقل تأويلي قد يصل حدّ المواقف المتضاربة منه أحيانا (كما هو الشأن مثلا مع قضيّة تعدّد الزوجات). ونحن، والكلام للدكتور الطيب البكوش، نجد اليوم قراءات أخرى تقحم حقوق الإنسان بمفهومها الحديث في منظومة المُتَصَوَّرات الدينية ذاتها. أمّا على المستوى اللساني المحض،فإنّ مقارنة لفظي المساواة والعدل تقودنا إلى تسجيل الصّفة العامّة الشموليّة التي للمساواة والصّفة الخاصة في العدل الذي يرتبط بالأوّل بعلاقة انضواء relation hyponymique لأنه يحتوي على سيْم العلاقة بين طرفين أو أكثر الموجودِ في المساواة. فالمساواة أمام العدالة التي يشترك فيها اللفظان عندما يتعلق الأمر بعدالة بشريّة، تسمح بتعويض اللّفظ المحتوي hyperonyme (مساواة) باللّفظ المنضوي فيه hyperonyme أي عدل. ونتعلم من د. البكوش إن علاقة الاقتضاء ذاتَ الاتجاه الواحد التي تتحكم في العملية اللسانية لا تسمح بالتعويض المعاكس ( أي تعويض العدل بالمساواة). أمّا في السياق المعرّب الذي سبق الحديث عنه، فنحن لسنا في سياق القانون الوضعي الذي هو نتاج بشري قابل للتطوير والتغيير، وإنما نحن إزاء نصّ مرجعُه سلطة إلهية لازمانية. فالرهان إذن ليس الكائن البشري. ولذلك وكما يقول الباحث، فإنّ الفوارق الدلالية مهما كانت صغيرة، تكتسي قيمة خاصة هامة فتتحول روابط الاقتضاء إلى روابط تقابل. وبذلك يتبيّن لنا أنّ الرهان في العلاقة بين المساواة والعدل هو رهان دلالي. وهنا يتساءل د. الطيب البكوش في كتابه هذا قائلا: هل نجد الرّهان نفسه في مفهوم حريّة المعتقد؟ وبحثا عن جواب، فلنمض مع المؤلف في إجابته المشفوعة دائما بالتحليل من وجهة نظر ألسنية، وليكن مثالنا الآن هو: "حريّة المعتقد"…
أنموذج آخر للتحليل..
ينصّ البند 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنّ "لكل شخص الحق في التفكير والاعتقاد واختيار الدين، وهو ما يقتضي الحقَّ في تغيير الدين والمعتقد، وحريّةَ إظهار الدين والمعتقد. وقد عُرّب هذا البند في كتاب اليونسكو (ص24) مع ملحوظة ينشأ عنها دلاليا حصر المجال حصرا يجعل حريّة المعتقد في اتجاه واحد أي هي حق في الدخول دون الخروج (وهو ما يسمّى الردّة). كما تتضمّن الملحوظة مقارنة بين الردَّة (وهو مفهوم ديني) والخيانة العظمى (وهو مفهوم سياسي)، من حيث خطر إفشاء أسرار الأمة. وبديهي أنّ المقارنة لا تستقيم لأنّنا حسب الطيب البكوش في مجالين مختلفين تماما ولأنّ هذه الحجج تنطبق كذلك شكلا على تغيير الجنسية. ومع ذلك لم يُقارَن بها. هذا فضلا عن أنّ هذا الموقف من الردّة، لئن كان سائدا اليوم في التقاليد الدينية، فإنّ ثمّة من المسلمين الباحثين المتضلّعين من يطعن في حكم الردة السائد وهو القتل، معتبرا إيّاه مناقضا لروح الإسلام ومقاصد الشريعة، بل ونصّ القرآن نفسه الحاثّ على احترام حريّة المعتقد في عدّة آيات صريحة. فالموقف السائد اليوم إذن في الإسلام، ودائما الكلام لمؤلف الكتاب د. الطيب البكوش، يعتبر مفهوم "حريّة المعتقد" مفهوما غربيا مرفوضا رفضا يسجّل الاختلاف باسم خصوصيات دينية وثقافية. بيد أنّ الآخر، الغربي، يعمد بدوره إلى تقطيع نفس المفهوم تقطيعا مغايرا وذلك مهما كانت منطلقاتُه المذهبية والعقدية. وفي انتباهة ذكية ومهمة يكتب المؤلف: ".. فقد حدث لنا أن لاحظنا أثناء النقاش مع بعض الباحثين الغربيين المهتمين بالحركات الأصولية في الإسلام أنهم يعتبرون الحركات الأصولية أقليات دينيةً تحظى بحق الحماية مثل جميع الأقليات. وهم لا يشعرون بالخلط الذي يقعون فيه بين المتصورات والمفاهيم، إذ أنّ الحركات الأصولية هي حركات سياسية تتخذ من الدين مرجعا أو غطاء وتجعل النصّ الديني في مقام البرنامج السياسي الصالح لجميع البشر في كل مكان وزمان. فهذه الحركات لا ينطبق عليها مفهوم الأقليات وليست حتى فرقا تندرج ضمن الملل والنحل وإنما هي حركات سياسية تتخذ مرجعا من دينٍ مشترك بين أغلبية المواطنين الذين يُعتبرون في هذه الحالة قاعدة انتخابية محتملة بالقوة، ومن لم ينسجم يُعتبر متقاعسا عاصيا وربما خارجا عن الملة، يُحقّ عليه العقابُ الإلهي".أ.هـ. وهكذا تكون حريّة المعتقد محاصرة بين فهمين ومرجعين رغم شفافيتها الدلالية أصلا. بل إن الآخر يُفهم فهما خاطئا نتيجة تأويل أحادي المرجع. ومعنى ذلك أنّ الآخر يُنظر إليه خارج مجاله الثقافي المحدّد لهويته فتظهر ملامحُه مشوّهةً ومحلّ فهم يُجانب الصواب. وهكذا نجد أنفسنا هنا مع مؤلفنا أمام الإشكالية اللسانية ذاتها التي رأيناها سابقا مع الثنائي مساواة/ عدل من حيث المحتوى الدلالي، ولكن بدون تقابل بين مصطلحين. ذلك أنّ المشكل المطروح هنا هو مشكل الرابط المرجعي. فتصوّر الغرب لحريّة المعتقد شبيه بما نجده في النصوص التأسيسية لحقوق الإنسان من حيث منح الإنسان الفرد المحرَّر من الضغوطات الجماعية الأولوية، بينما الأولوية في التقاليد الدينية للمجموعة وللأمة. فالرهان هنا ليس دلاليا كما في المثال السابق وإنما هو مرجعي. ولكن كيف سيكون الأمر عندما يتعلق الأمر بمفهوم الديمقراطية؟ يكتب المؤلف عبر مفهوم الترجمة والرهان الرمزي مستعينا بمثال: ديمقراطية / شورى، إنّ النصوص المعتمدة بالنسبة إلى مفهوم الديمقراطية ليست النصوص السابقة أيّ نصوص حقوق الإنسان، وإنما هي نصوص سياسية تستبدل فيها الحركاتُ السياسية لفظة ديمقراطية بلفظة شورى التي لها بعد رمزي ذو صلة بالدين الإسلامي الذي يحثّ عليها. وإنّ هذا الاستبدال ينم عن حرص على ملاءمة مفهوم الديمقراطية لممارسة تاريخية مع رفض للآخر وهو الغرب برفض النمط الديمقراطي الغربي الذي يعتبره بعضُهم بدعة مرفوضة. وهكذا يمـرّ رفض الآخر وممارستِه عبرَ رفض اللفظـة الدخيلة ذاتها رغم اندماجها في المعجم العـربي الحديث اندماجا يسعى أحيانا إلى تجـاوز المعجم إلى البنية الصرفية وآلية الاشتقاق في مثل دمقرطة démocratisation. ومع ذلك فإنّ الديمقراطية والشورى مصطلحان يشتركان في سَيْم «المشاورة» مما يجعل حزمة السّيمات تكاد تكون مشتركة رغم أنّ المجالين الدلاليين لا يتطابقان تمام التطابق، لأنّ الديمقراطية تُحيل إلى سلطة أغلبية المواطنين في مفهومها الحديث، بينما تحيل الشورى أكثر إلى سلطة معنوية منحصرة في الخاصة من القوم. ويخلص د. البكوش قائلا انه لما كانت الدلائل اللسانية مشحونة بالرمز، فإنها تُستعمل وسيلة للإيحاء بالرموز المتحكمة في النظرة إلى الأشياء والمثيرة لعواطف الناس. فنحن هنا إزاء نمط آخر من الروابط بين ما هو لساني وما هو رمزي حيث يعلو الجانب السيميائي على الدليل اللساني من حيث هو نظرة وتصوّر ثقافيان مشتركان. وبذلك نرى أنّ المقابلة بين الديمقراطية والشورى تخفي في الحقيقة رهانا يطغى بعده الرمزي على بعديه اللساني والمرجعي. وفي نهاية التحليل، وحسب ما يقوله المؤلف، فأنّنا نجد أنفسنا من خلال هذه التحاليل أمام قضايا ترجمة حقيقية ليست هيّنة لأنها تتعلق بتأويل المفاهيم والمتصورات الأساسية في مجال حقوق الإنسان. وهو أمر ينعكس بالضرورة على مفهوم حقوق الإنسان ذاته. فلو نظرنا في هذا المفهوم من زاوية البلد الواحد أو الوطن، فإنّ حقوق الإنسان لا تُفهم فهما واحدا ولا تعني شيئا واحدا على لسان حاكم ومحكوم، أو جلاّد وضحية على سبيل المثال. فالمجال الدلالي بالنسبة إلى الأول محدود وهو بالنسبة إلى الثاني شامل لا يُجزّأ. فالأول يقتطع المعنى الذي يريد في مادة متعدّدة الدلالات باسم خصوصية ثقافية كثيرا ما تكون غامضة وكثيرا ما تستعمل تعلة لانتهاك حقوق الإنسان بينما يتعامل الثاني مع المفهوم بصفة إجمالية وبدلالة موحّدة بحكم صبغتها الكونية. أمّا إذا نظرنا إلى المسألة من زاوية أوسع، تكون عالمية، كما يريد لنا الباحث أن نفعل، فإنّ الخلاف الدلالي، يحدث مثلا بين الشمال والجنوب، أي بين الدول المصنعة ودول العالم الثالث. فالأول يركزّ في حقوق الإنسان على الجانب المدني السياسي الذي يكتفي منه أحيانا بالشكليات (كالتعدديّة الحزبيّة والانتخابات ولو كانت صورية). أمّا الثاني فإنه يرّكز على البعد الاقتصادي والثقافي الذي أصبح اليوم يتلخص في الحق في "التنمية". أمّا في الجانب الثقافي، فإنّ الجنوب كثيرا ما يتهم الشمال بعدم فهم مرجعيته الثقافية.
مفهوم "التنمية" في الدراسات اللسانية.. لقد جرت العادة بأن يقترن مفهوم التنمية بالمشاغل الاقتصادية في المقام الأوّل وبالمشاغل الاجتماعيّة في المقام الثاني، ثم أخذ مجاله الدّلالي يتوسع في السنين الأخيرة ليكتسب بعدا شموليّا، اقتصاديّا واجتماعيّا وثقافيّا وسياسيّا، فأصبح له مؤشّر يقاس به تقدّم الأمم باعتباره حقّا من حقوق الإنسان والشعوب. لكن اقتران التنمية بالدّراسات اللسانية لا يخلو من المفارقة على الأقلّ في الظاهر، ولم تجر العادة بهذا الاقتران خصوصا أنّ العلاقة بين المفهومين ليست بديهيّة ولا تخلو من اللّبس: فهل المقصود: أثر التنمية في الدّراسات اللسانيّة أم أثر الدّراسات اللسانيّة في التنمية؟ رغم أنّ العلاقة جدليّة، فالمقصود هنا أساسا هو مساهمة الدّراسات اللسانيّة في عمليّة التنمية. وحسبما يقول د. الطيب البكوش انه لما كان مفهوم التنمية مفهوما حديثا نسبيّا، فان اقتران الدّراسات اللسانيّة به أحدث. لكن هل يعني هذا أنّ الدّراسات اللسانيّة تاريخيا لم يكن لها هذا البعد، وأنّها قد اكتسبته حديثا؟ وقبل الإجابة عن هذه التساؤلات، اقتضى الأمر من مؤلفنا عدة صفحات من كتابه الذي نعرض له الآن من أجل توضيح الظروف المصاحبة لظهور الدّراسات اللسانيّة في مجتمع من المجتمعات. ولراغب في استزادة ومعرفة أن يرجع إلى هذا الكتاب الصادر مؤخرا (تأملات في الديمقراطية وحقوق الإنسـان: الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية. تأليف د.الطيّب البكّوش. منشورات المعهد العربي لحقوق الإنسان، 2004. بواقع 204 صفحات. تصميم الغلاف للفنان محمد علي بالقاضي. يتضمن الكتاب إضافة إلى تقديم بقلم أ. عبد الباسط بن حسن، الأقسام التالية: العرب وحقوق الإنسان. ثقافة حقوق الإنسان والسلم. التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان. اللّغة وحقوق الإنسان. حرّية الفكر والتعبير والإعلام. فلسطين وحقوق الإنسان.) ولكن لا بأس أن تعرف عزيزي القارئ انه عندما نتأمّل الظروف المصاحبة لظهور دراسات لسانيّة أو تفكير لساني في تاريخ مختلف الحضارات، نلاحظ أنّها تكاد تتماثل، ممّا يجعل منها عوامل موضوعيّة، كما يشاء أن يثبت المؤلف وهو الأستاذ المتخصص في الألسنية: فلا وجود مثلا لدراسات لسانية في حضارة شفوية، فوجود كتابة شرط أساسي، لكنّه شرط ليس كافيا رغم أنّه ضروريّ، فالعرب قبل الإسلام قد عرفوا الكتابة إذ أخذوا خطّهم عن الأنباط، ولكنّها كانت كتابة محدودة جدّا تكاد تكون مقصورة على الكهنة والقساوسة، وهي محدودة الوظائف إلى حدّ كبير، فلا فرق فيها مثلا بين الباء والتاء والثاء والياء والنون، إذ لم يتمّ التمييز بينها بالنقاط إلاّ بعد الإسلام. فهذا المستوى البدائي في وظائف الكتابة لا يكفي لظهور حركة علميّة وفكرية محورها اللسان وقضاياه. ومع ظهور الإسلام، أصبحت الكتابة أداة حضارية استوجبت تطويرها لتتلاءم والمدَّ الحضاري العربي الإسلامي الجديد لتدوين القرآن أوّلا، ثم لتدوين جميع أنواع الإنتاج الفكري تالده وطارفه، فدُوّنت أشعار العرب وأمثالهم السائرة وأيّامهم، وتمّ تدوين الحديث والسُنّة والخطب والمآثر والسِّير. وأمام تعدّد اللهجات العربيّة واختلافها من جهة، ودخول الأعاجم الإسلامَ وحاجتهم إلى تعلّم العربيّة لنطق القرآن وفهمه أصبحت الحاجة إلى الدّراسات اللسانيّة ملحّة في شكل جمع ووصف أولَ الأمر، تمّ في شكل تقعيد وتقنين وتفكير تنظيري بعد ذلك. وهكذا تحوّلت ممارسة اللّسان العربي من الفطرة إلى الصناعة كما يقول ابن خلدون. فالدّراسات اللسانيّة صناعة وكلّ صناعة عامل تنمية في المجتمع. لكن لم يكن يُنظر إلى الموضوع من هذه الزاوية وإنّما من زاوية الحاجي أو الكمالي في نطاق العمران البشري، فالعلاقة بالتنمية موجودة ضمنيّا لكن دون وعي واضح، لغياب المفهوم بغياب الحاجة إليه كآلية متطوّرة من آليات التفكير الحضاري كما هو الشأن اليوم. وهنا يُطرح المؤلف السؤال التالي: أيّها جدير بالدّراسة، من اللّهجات أو اللّغات التي عرفها العرب؟ هنا تدخل عوامل قد تخضعُ للصدفة ولكنّها تصبح بالضّرورة موضوعيّة. فانتماء النبي العربي إلى قريش قد جعل لغتها تُعتبر أفصح اللّغات وإن شملت الفصاحةُ لغاتٍ أخرى بلغت السبعة واعتبرتها التقاليد قد نزل بها القرآن جميعًا حسب حديث نبوي ردّده الدّارسون جيلا بعد جيل رغم اعتبارها تتفاضل درجات. وقد دفع ذلك الدارسين إلى البحث في الأسباب الكامنة وراء اعتبار لغة أفصح من أخرى ثمّ إلى البحث في مقاييس الفصاحة دون تفطّن إلى أنّ مفهوم الفصاحة مفهوم نسبي، لغوي، ولا يخلو من الذاتية، بل لا يمكن أن يكون موضوعيا، إذا استثنينا ما ذكره الجاحظ من أنّ كلّ متكلّم فصيح بلسانه مادام يحقّق البيان والتبيين أي مادام يحقّق التواصل والإبلاغ. ولقد شعر أكثر الدارسين العرب فطنة بأنّهم إزاء مُفارقة محرجة، إذ يوجد إجماع على أنّ أفصح العرب هم أشدّهم بداوة وبعدا عن الحضر وعن التخوم التي تتلامس فيها الأجناس واللّغات كما هو الشأن مع قبائل الشمال المتأثرة مثل الغساسنة بالروم البيزنطيين، وقبائل الشرق المتأثرة مثل المناذرة بالفرس، وقبائل الجنوب المتصلة بالأحباش مثل أهل اليمن، ولم يسلم من هذا الاحتكاك والاختلاط إلاّ قبائل هضاب نجد في قلب الجزيرة العربيّة مثل تميم وأسد. وهذا الذي جعل الفارابي في القرن الثالث يضع هذه المقاييس الجغرافيّة ويحدّد القبائل حسب درجات فصاحتها كأنّما هي دوائر تتباعد عن المركز فتتدنّى فصاحتها بنفس التناسب. وقد قاده منطقهُ هذا إلى السكوت عن قريش التي لا تنطبق عليها هذه المقاييس إلاّ جزئيّا خصوصا أنّها تمارس التجارة إلى الشمال صيفا وإلى الجنوب شتاء. ولذلك ذكر من سكان البراري كما يقول من كان منهم في أوسط بلادهم ومن أشدّهم توحّشا وجفاء وأبعدهم إذعانا وانقيادا وهم قيس وتميم وأسد وطئ ثم هذيل. فهؤلاء هم مُعظم من نُقل عنهم لسانُ العرب، والباقون فلم يؤخذ عنهم شيء لأنّهم كانوا في أطراف بلادهم مخالطين لغيرهم من الأمم مطبوعين على سرعة انقياد ألسنتهم لألفاظ سائر الأمم المطيفة بهم من الحبشة والهند والفرس والسريانيين وأهل الشام ومصر. وتذكر السيرة النبويّة أنّ محمدا بن عبد الله الصبي قد استرضع في بني سعد بن بكر لفصاحتهم، وفي ذلك إقرار ضمني بأنّهم أفصح العرب فضلا عن أنّ موقعهم يربط بين نجد والحجاز. وليس من قبيل الصدفة أن تحقّق أوروبا نهضتها في فترة الانتقال من القرون الوسطى إلى العصر الحديث بحركة لغويّة مماثلة. ففي بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها، ارتقت لهجة من اللّهجات شيئا فشيئا إلى مستوى اللّغة الرّسميّة لأسباب هي أساسا سياسيّة، لأنّها لغة البلاط المهيمن، يزيدها اعتناءُ اللّغويين والنحاةِ بها ارتقاء وتميّزا، فتصبح منوالا يُحتذى في الفصاحة وجودة القول (Le bon usage في فرنسا) باعتبار ذلك جزءا ومظهرا متميّزا من السلوك الاجتماعي الأمثل. وقد يبدو من الصدف أن تقترن هذه الحركيّة ببروز آثار أدبيّة متميّزة تساهم في صقل تلك اللّغــة الصاعدة فيجسّمها كاتبٌ قدير مثل شكسبير في الإنكليزية أو دانتي في الإيطالية أو سـرفنتيس في الإسبانيّة أو رابليه في الفرنسيّة مثلا. ولا يفوت د. الطيب البكوش أن يوجه انتقاده إلى أوساط المثقفين العرب الذين بحسب تصنيفه ينقسمون لغويّا إلى ثلاثة أصناف: صنف أحادي اللّغة بالعربية صنف أحادي اللّغة بغير العربيّة وصنف مزدوج اللّسان ومفاد ذاك الانتقاد هو إن الذين كانوا يتجادلون منذ عقود حول اللغة العربيّة الأقدرِ على تحقيق النهضة والتنمية، يبدون كأنّما لم يستوعبوا الدّرس الذي يمكن استخلاصه ممّا صاغه الجاحظ في القرن الثاني وابن خلدون في القرن الثامن للهجرة، وهو أنّ قضيّة الفصاحة والبيان، والتبيين والتبليغ، ليست قضيّة اللّغة بقدر ما هي قضيّة مستعمليها، ولذلك قام الجدل على أساس الحصر والرّفض، أو الاختيار الإقصائي، في حين أنّ تغييرَ زاوية النظر باعتماد مقاييس التحليل الآني والزماني معا يدفع إلى آعتبارِ العربيّة الحديثة لغة ذات مستويات متعدّدة قد تبدو في ظاهر الأمر راجعة إلى لغتين نظاميا وأنماطيّا. ولكنّها تنصهر في وحدة تتميّز بالتعدّد الحركي، ممّا يجعل هذه المستويات مترابطة متواصلة متكاملة الوظائف، يُثري بعضُها بعضا ثراء يُعمّقه الاستعمال والتطوّرُ المتواصل. وإن هذا التصوّر يقتضي النظر إلى الدّراسات اللسانيّة من نفس الزاوية، وذلك بعدم قصرها على المستوى "الفصيح" دون المستويات الأخرى. ومن هذه الزاوية، تصبح الفصاحة ذات دلالة معدَّلَة متطوّرة، تكاد تعني اللّغة الجامعة، دون مفاضلةٍ بين المستويات قائمةٍ على ثنائيّة الاستحسان والاستهجان. ولعلّ اقتران الدّراسات اللّهجيّة بالاستشراق كان من العوائق أمام تجذّرها في التقاليد البحثيّة العربيّة الحديثة. فالدّوافع الكامنة وراء اهتمام المستشرفين أو بتعبير أدقّ المستعربين باللّهجات العربيّة متعدّدة، منها العلمي، ومنها المصلحي (المقترن بالحاجة إلى تعلّم لغة سكّان البلدان المستعمرة) ومنها في بعض الأحيان ما قد تثير الريبة فتشمل الجميع دون تمييز. وقد نتج عن ذلك كما لاحظ المؤلف أنْ كاد يترسّخ في الأذهان أنّ الاهتمام بالدّارجة إنّما يتمّ على حساب الفصحى، وأنّه قد يحمل على خلق الظروف المواتية للاستعاضة عن الفصحى بالدّارجة. وإنّه لوهم يدلّ على مدى اللّبس الحاصل في الأذهان. وهنا يرتفع صوت المؤلف قائلا: لقد آن الأوان لرفع اللّبس نهائيّا وللتخلّص من العُقد التي حفّت به طويلا، بفضل فهم أدق وأجود لطبيعة العلاقة بين مستويات اللّغة كما تبدو لنا اليوم موضوعيّا.
الثقافة الدينية وحقوق الإنسان..
يقرّ المؤلف ويعترف قائلا انه ليس من السهل تعريف الثقافة الدينيّة في البلاد العربية، ذلك أن تجارب الشعوب ودروس التاريخ تدفعنا إلى التمييز ضرورة من جهة بين النصوص الدينية في ذاتها من حيث هي موروث مشترك قابل للتأويل، محتمل للاجتهاد من جيل إلى جيل، وبين أشكال الفهم والتأويلات المختلفة أو السائدة من جهة أخرى، وكذلك بين التطبيقات المتباينة وسلوك الجماعات والأفراد من جهة ثالثة. فالثقافة الدينية السائدة في البلاد العربية هي حصيلة كل ذلك في آن، وهي نتاجُ التفاعل بين جميع هذه الظواهر في فترة زمانية ما. إن النصوص الدينية عامةً من منظور عالم لغوي مثل د. الطيب البكوش مؤلف كتاب "تأملات في الديمقراطية وحقوق الإنسان" يغلب عليها الطابع الإبداعي، فهي لذلك نصوص قابلة للتأويل ويقتضي فهمها الاجتهاد، خصوصا وأن منها ما هو مطلق يتصل بالمقاصد العامة ومنها ما هو ظرفي يتصل بما يسمّى أسباب النزول. وإن النفاذ إلى اللب يقتضي الوقوف على المقاصد العامة الكبرى التي تنير ما هو ظرفي وتضفي عليه بعدا نسبيا. ولقد كانت قضية العلاقة بين الثقافة الدينية الإسلامية وثقافة حقوق الإنسان كما تفهم اليوم من أكثر القضايا اختـلافا، إذ تنقسم فيها المواقف في البلاد العربية اليوم إلى ثلاثـة: ديني محض ومدني محض وديني مدني معا. فالموقف الديني المحض، يعتبر أن لا شرعة إلا شرعة الدين وأن شرعة حقوق الإنسان بدعة دخيلة تجب مقاومتها. هذا الموقف بحسب د. البكوش هو في الحقيقة موقف أصولي لا تختلف فيه الفئات الأصولية الإسلامية عن غيرها في المسيحية أو اليهودية أو البوذية أو سواها. وهو موقف يتسم في الغالب بالتعصب لما تعتبره مقدسا لا يقبل نقاشا أو تغييرا أو تطويرا مهما تغيّرت الأوضاع الاجتماعية. ويمكن طبعا أن نتبيّن درجات في هذه المواقف، فالمودودي مثلا يعتبر صراحة أن الديمقراطية ليست من الإسلام وهو من أبرز مراجع الأصوليين وإن كان بعضهم يسعى إلى التوفيق بين الديمقراطية والشورى رغم الفوارق الجوهرية بين المفهومين. إن هذه الثقافة الدينية المتعصبة، ودائما مع د. الطيب البكوش هي المسؤولة اليوم عن المجازر العجيبة التي تقترف في الجزائر وعن العنف في مصر، وعن اغتيال المثقفين والأدباء والفنانين والصحافيين فيهما، وعن حملات التكفير والاتهام بالردة وهدر الدماء وإقحام القضاء في ذلك، ويكفي التذكير بما حدث لفرج فودة ونجيب محفوظ ونصر حامد أو زيد وغيرهم لتبيّن خطورة هذه الثقافة المحنّطة على حقوق الإنسان العربي عامة وعلى العقل العربي خاصة. أما الموقف المدني المحض فينطلق مما يلاحظ من تأويلات حصرية شكلية ومن تطبيقات منافية لحقوق الإنسان ليعتبر الأديان عموما بما في ذلك الإسلام لا تتلاءم وحقوق الإنسان، لذلك يدعو إلى الفصل بين الديني والسياسي على أساس كونية قيم حقوق الإنسان وخصوصية القيم الدينية التي تختلف من دين إلى دين ومن مجتمع إلى آخر. وهذا الموقف لا ينفي بالضرورة عن الثقافة العربية ما تتضمنه من قيم حقوق الإنسان حتى قبل الإسلام مذكّرا بحلف الفضول في مكة مثلا. ولكنه ينطلق من طغيان الفكر الأصولي وخطره على حقوق الإنسان للمطالبة باعتبار الدين قضية فردية بين الإنسان وخالقه لا دخل لطرف آخر رسمي أو غير رسمي فيها وبإقامة العلاقات الاجتماعية الحديثة على أساس القوانين الوضعية وقيم حقوق الإنسان الكونية كما نصت عليها المواثيق الدولية. بيد أن كثيرا من المواقف التي تبدو توفيقية، دينية مدنية في ذات الوقت، ينطلق بعضها من الحق في الاجتهاد وقراءة النصوص الدينية قراءة تتجاوز ظاهر النص أو حرفيّتة أو ظرفيتة إلى تبني المقاصد في نبلها وسمّوها، وبعضها الآخر من فرضية أن طلب الفصل بين الديني والسياسي لا يجدي نفعا وأن الواقعية تفرض مقاومة التعصب بالنص الديني ذاته الزاخر بما يدعم تلاؤم الدين وحقوق الإنسان. ويذهب بعض المفكرين المسلمين أبعد من ذلك، من منطلق الإيمان ذاته إلى اعتبار الحرية الدينية حقا أقره الإسلام ذاته باسم مبدأ التسامح وأيضا باسم حرّية الإنسان منذ تحمّل الأمانة الكبرى. إنّ هذا الاختلاف في النظر إلى العلاقة بين الإسلام وحقوق الإنسان مرده كما يرى إلى ذلك د. البكوش اختلاف المنطلقات، فالمنطلق عند البعض هو قراءة النص وعند البعض الآخر معاينة الممارسة الدينية السائدة أو المؤثرة. ويمكن لقائل أن يقول إن المتعصبين الذين يمارسون العنف باسم الدين يمثلون أقلية. ولكن هل يمكن تجاهل تأثيرهم على الثقافة الدينية؟ فالخوف من الاغتيال والتكفير يُؤثـر دون ريب في نوعية الثقافـة الدينية السائدة ويحمـل البعض على عـدم الجهـر بالرأي والتعبير وعلى إضعاف الفكر العربي والثقافة العربية التي لا يمكن أن تزدهر إلا باحترام حقوق الإنسان كاملة.
#حكمت_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القسم الثاني والأخير من الصلة بين الشعر والسحر 2-2
-
الصلة بين الشعر والسحر 1-2
-
حكمت الحاج.........ما معنى أن أكون موجودا، ولماذا علي أن أمو
...
-
قراءة في أصل التفاوت بين الناس ل جان جاك روسو منقولا الى الع
...
-
د. رجاء بن سلامة: الحجاب مهما تجدّد شكله واستعماله يتناقض مع
...
-
قراءة فلسفية في مجموعة شعرية/ بقلم الناقد التونسي الزاهي بلع
...
-
النِّسْرُ وَالصَّيَاْدُ
-
حجر الجنون للشاعر فرناندو ارابال
-
الفيلسوف التونسي د. فتحي التريكي في حوار مع حكمت الحاج حول ا
...
-
ذلكَ -الْجَازْمَانْ- المُذْهل المُتَحَكّم في الصمتْ
-
نصّ مدهش عائد إلى لغته الأمّ : قصيدة نثر طويلة عن بستانيّ ال
...
-
لا تَتَبَاهَ يَا موتُ بنفْسِكَ
-
سائلي عن العراق نحن عراقات كثيرة
-
نقش على ضريح الطاغية
المزيد.....
-
السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق
...
-
-بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعلن اعتقال 7 أشخاص من 4
...
-
فنلندا تعيد استقبال اللاجئين لعام 2025 بعد اتهامات بالتمييز
...
-
عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بالعدوان على غزة ولبنان
...
-
أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت.. تباين غربي وترحيب عربي
-
سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد
...
-
ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت
...
-
الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
-
بيتي هولر أصغر قاضية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية
-
بايدن: مذكرات الاعتقال بحث نتانياهو وغالانت مشينة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|