أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 1881 - 2007 / 4 / 10 - 02:36
المحور:
الادارة و الاقتصاد
بعد نشر مقال الإقطاعيون الجدد، تلقيت إتصالاً هاتفي من صديق عزيز يسألني هل غيرت رأيك بخصوص الملكية الخاصة، و ليسمح الصديق العزيز بأن أرد عليه علانية، فكما كتبت المقال علانية، فليكن الرد على التساؤل علني أيضا، فربما راود مثل هذا السؤال بعض القراء فيحكمون خطأ على كاتب هذا المقال.
ليسمح لي القراء بالقول بأن كاتب هذه السطور مع الملكية الخاصة قلباً و قالباً، و مع حمايتها و صونها من أي عبث أو مصادرة أو مساس بها، شريطة أن تكون تحصلت من طريق شرعي، هذا هو الشرط الوحيد الذي يجعلني أقف معها، و أعتقد إنه شرط بديهي، يشاركني فيه كل القراء.
إذاً لنطبق هذا المبدأ على الملكيات الضخمة التي كانت قبل 1952، و كذلك على ملكيات هذه الأيام.
قبل 1952 كانت معظم، و ليس كل، الملكيات الضخمة متحصلة بأحد الطرق التالية:
أولاً: ملكيات أعضاء الأسرة الحاكمة، و التي جاء معظمها بالمنح التي تحصلوا عليها من أقاربهم من الحكام، على إختلاف أسماء هؤلاء الحكام، و ذلك حتى عصر إسماعيل، الذي أصبح أكبر مالك للأراضي بمصر، بما منحه لنفسه و لأولاده. فهل هذا طريق شرعي؟؟؟
ثانيا: قامت الأسرة المالكة السابقة بالعمل على خلق طبقة تحميها، عملاً بنصيحة ميكيافيلي، فمنحت الأراضي الشاسعة للكثير من ذوي الأصول الأجنبية و بعض ذوي الأصول المصرية، و منهم أحمد عرابي ذاته، و الذي منحه الخديو إسماعيل خمسمائة فدان. فهل هذا أيضا طريق شرعي، أن يتحصل البعض على أراضي يعمل عليها أخرون منذ أجيال، لمجرد إن الحاكم يعتبر نفسه هو مالك جميع الأراضي، و يريد إصطناع طبقة يستند عليها؟؟؟
ثالثاً: عانى سكان الريف المصري، ببحري و الصعيد و النوبة، منذ أقدم العصور، من غارات البدو، أكانوا عرباً أم أمازيغ أم بجا، و الشواهد التاريخية تحفل بذلك منذ أيام المصريين القدماء، بل و تجد مثالاً لذلك في كتاب بستان الرهبان، و الذي كتب في العصر القبطي، مثلما ستجد له ذكر في كتب أشهر المؤرخين الذين عاشوا في العصر الإسلامي، مثل ابن خلدون و تلميذه المقريزي و ابو المحاسن و ابن تغري بردي و غيرهم، مثلما سيجد القارىء وصف تفصيلي، لا يختلف عما كتبه مؤرخي العصور الوسطى، كتبه علماء الحملة الفرنسية، في كتاب وصف مصر، أي في العصر السابق على عصر محمد علي مباشرة، أي كان البدو، أياً كان إنتمائهم العرقي، مشكلة مستعصية تؤرق الفلاح المصري، حتى إن الفلاح المصري شبه قدوم البدو لقريته بقدوم الطاعون. كان حل محمد علي الكبير هو الكف عن السياسة العثمانية الفاشلة التي كانت تعتمد على شراء هدوء البدو بالمنح و العطايا المالية و العينية، فمنع قدوم قبائل جديدة، ثم قام بالعمل على توطين البدو الموجودين بمصر آنذاك لحل المشلكة نهائيا، فمنح الأراضي الشاسعة، الخالية أو شبه الخالية، لتلك القبائل لتقوم بالزراعة، فكان أن إستولى زعماء تلك القبائل على تلك الملكيات، التي كان من الواجب أن تقسم على جميع أفراد تلك القبائل، فآلت الملكيات إلى زعماء القبائل، و أصبح أفراد تلك القبائل مجرد مزارعين بسطاء بالأجرة أو الإيجار عند شيوخ قبائلهم، فهل توزيع تلك الأراضي على أهالي القرى الواقعة بها تلك الملكيات، و الذين هم نسل من كان من حقهم تلك الأراضي، خطأ؟؟؟
و بالمناسبة، فإن ما حدث من شيوخ البدو مع أفراد قبائلهم في مصر، هو عين ما حدث في العراق، كما ذكر ألفريد سيثجر، في كتابه عرب الأهوار، و أيضا في سوريا و فلسطين و السودان، مع إختلاف التفاصيل، فقد نهب شيوخ القبائل حقوق أبناء قبائلهم في كل البلدان تقريباً.
رابعاً: مشايخ القرى، و قد أسهب كل من كتب عن الملكية الزراعية في مصر في العصر الحديث، سواء من المصريين أو الأوروبيين، في الحديث عن فساد عمد و مشايخ القرى، و كيف كانوا يستغلون سلطاتهم الواسعة التي منحتها لهم الإدارة قديماً، متضافرة مع جهل الفلاح المصري البسيط، في تكوين ملكيات عظيمة لهم، و لا حاجة لسرد أسماء الكثير من الأسر الإقطاعية التي كونت ملكياتها بذلك الطريق الملتوي، و بعض أبناء تلك الأسر اليوم من المقربين للإبن. فهل التدليس و إستغلال النفوذ، طريق شرعي للملكية؟؟؟
خامساً: المرابين الأجانب و المصريين، و بخاصة من اليونانيين و كبار الملاك المصريين، الذين كانوا وبال على الفلاح المصري البسيط مع غياب البنوك الزراعية، فكان الفلاح يضطر للإقتراض بفائدة تتراوح بين ستة و ثلاثين بالمائة و خمسين بالمائة، ومع عجز المزارعين المصريين عن الوفاء كانت تنتزع أراضيهم، و يتحولون من ملاك إلى عمال زراعيين بالأجرة، و قد كانت تلك الظاهرة من الخطورة بمكان، أن أقلقت سلطات الإحتلال البريطاني، خوفاً من آثارها الإجتماعية و السياسية، فكان أن أصدرت قانون الخمسة أفدنة، و الذي عارضه - بضراوة - في الجمعية التشريعية كبار الملاك المصريين، و كذلك أنشأت البنوك الزراعية، ليس حباً في الفلاح المصري، و لكن كما ذكرت آنفاً، خوفاً من الآثار المترتبة على تزايد أعداد معدومي الملكية في الريف المصري، فهل أيضاً الملكيات المبنية على الربا الفاحش، ملكيات شرعية تجب صيانتها و عدم المساس بها؟؟؟
بعد إستعراض تلك التجاوزات، يبقى السؤال: هل من الجائز قانوناً و شرعاً، في أي قانون أو ملة، أن يسكت عن السرقة، و أن تورث المسروقات؟؟؟
أليس ما بني على باطل، هو باطل أيضا؟؟؟
إذاً ما قام به عبد الناصر، من تصحيح للملكية الزراعية، يعد في خطوطه العريضة، تصحيح لتجاوزات قديمة، لا يعني قدمها، أن تكون بحصانة عن التصحيح.
على إنني شخصياً لي ما آخذه على عبد الناصر في هذا الشأن، لي آن آخذ عليه تعميمه، فهناك ملكيات زراعية بنيت بالعرق و التفكير الإقتصادي السليم، مثل شركة جانكليس، التي بناها الخواجة اليوناني جانكليس، و الذي بدأ فقط بثلاثة أفدنة، لتصل الشركة و بعد عقود، إلى ملكية شاسعة تجاوزت الألف فدان، بعد أن حول ملكيته إلى شركة مساهمة، بعد أن أدرك عجزه عن تجاوز حد معين بجهوده الفردية.
و مثل الملكيات الكبيرة التي بنيت على جهود الإستصلاح للأراضي البور، و التي قام بها مصريين و أجانب، مثل تلك الملكيات، لا غبار عليها أيضا، و يجب صيانة ملكيتها.
لهذا كان الواجب على عبد الناصر، أن يأمر أجهزته المعنية، بالقيام بفحص كل حالة، قبل الإقدام على مصادرتها، فليس كبار الملاك سواء، و لهذا فمثلما كاتب هذا المقال مع مصادرة الملكيات التي بنيت على الغش و التدليس و الإحتكار و إستغلال النفوذ، لأن مهما تقادم عهد السرقة فإنه يجب أن تصحح الأمور، و تعاد الأوضاع إلى نصابها الصحيح، فإنه أيضاً مع إعادة الثروات التي صودرت من أصحابها الذين بنوا ثرواتهم بالتفكير و التدبير و العمل الجاد المستقيم، فهذه هي العدالة، و العدالة عمياء، و يوم تبصر سنخسر جميعا، كما هو الحال اليوم.
بناء على نفس المبدأ فمن الواجب مراجعة كافة الثروات، التي بنيت في الخمسين عاماً الماضية و إلى اليوم، لبيان نزاهتها أيضا، و بعدها عن إستغلال النفوذ، و الغش، و الإحتكار، و السرقة، و أموال تجارة المخدرات، و ما إلى ذلك من الأمور غير المستقيمة، و أول الثروات التي يجب أن تراجع ثروات أسر و أقارب رؤساء الجمهوريات الذين توالوا على حكم مصر منذ 1952 و إلى اليوم، فما بني على باطل فهو باطل، و ما بني بالعمل المستقيم، فله الحق في أن يصان و يحترم، بل و يشجع أيضاً.
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟