ترجمة: دانا أحمد
فاتحة:
سنة 1988 شهد الجزء الجنوبي من كردستان سلسلة من الهجمات المتتالية شنها النظام الدكتاتوري الذي يحتل هذا الجزء من كردستان, وذلك ضمن خطة للتطهير العرقي والابادة الشاملة بحق الكرد, وكخطوة اولية حقق النظام جزءا من خطته.
في عمليات الانفال هناك اشارة الى 182 الفا من الضحايا بين نساء واطفال ورجال, ومن مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية, وهؤلاء كانوا مع مجمل الناجين من العمليات والمفروج عنهم لاحقا ضمن زهاء مليون نسمة هم سكان منطقة طرميان (المناطق الدافئة من هذا الجزء من كردستان) وقد شملتهم العمليات وتأثيراتها المباشرة.
الانفال هي احدى العمليات الفريدة من نوعها التي لا توجد شبيهة لها في تاريخ المنطقة, وعلى الصعيد العالمي يمكن تشبيهها بـالـ(هولوكوست) المتبع بحق الالمان اليهود في عهد النازية, هتلر امتلك الوقت للقضاء على 6 ملايين يهودي, وكان صدام يأمل ايضا القضاء على 6 ملايين كردي في كردستان الجنوبية, وكخطوة اولية خطا بهذه السياسة خطوات مخيفة وبقيت خطوات اخرى اكثر رعبا في خطته لم يلحق ان يتقدم بها بسبب احتلاله للكويت, ومن تلك الخطوات التي تقدم بها:
1-هجماته الكيمياوية على كردستان تحت اسم الانفال.
2-رش مدينة حلبجة بالغازات الكيمياوية بذريعة الحرب العراقية-الايرانية.
3-تدمير جميع القرى والارياف في كردستان.
4-حرق الغابات والحدائق.
5-تلغيم الاراضي الزراعية.
6-الاستحواذ على الثروة الحيوانية كاملة وابادتها.
7-تهجير سكان الارياف الكردستانية صوب المجمعات السكنية القسرية.
8-السيطرة الكاملة على التجمعات السكانية الكبيرة بقبضة حديدية من العنف والتعسف.
9-اهانة عادات وتقاليد الكرد ولغتهم وتراثهم الثقافي عن طريق المؤسسات الاعلامية البعثية و..الخ.
الخطوات التي تمت واصابت اهدافها, اكثرها تأثيرا والتي اريد منها ترهيب امة برمتها, كان قصف حلبجة بالغازات السامة وحملات الانفال, وهما اصبحا بداية مأساة كبيرة يمكن تشبيههما بـ(الهولوكوست). بحسب تقييمات منظمة (ميدل ايست ووض) التي تتحدث بالوثائق, سياسة البعث وصدام في الانفال هي نفس سياسة النازيين وهتلر في (الهولوكوست).
يمكن النظر الى كارثة الانفال من زوايا عدة, ويحمل الموضوع المئات من الابحاث العلمية, من الجوانب التي بالامكان ان تصبح اسسا للتحقيقات العلمية الخاصة بكارثة الانفال, عدا جانب العلوم السياسية, هي جوانب التاريخ والجغرافيا ومجال علم الاجتماع, علم النفس, علم النفس الاجتماعي, علم الثقافات والاديان, وحتى مجالات البايولوجيا والعلوم الطبيعية.
كارثة الانفال لها انعكاساتها على التكوين الجغرافي والتاريخي لكردستان, على التكوين النفسي والاجتماعي للمجتمع الكردي, على البنية الثقافية وحتى التكوين العقلي والعصبـي للانسان الكردي والمجتمع الكردي وستبقى تأثيراتها لفترة طويلة, فكما ان كارثة الهولوكوست وبعد اكثر من نصف قرن تظهر آثارها وتصدر عشرات الكتب والافلام الوثائقية التي تتحدث عنها, لكارثة الانفال بالنسبة للكرد نفس المغزى, وستظهر تأثيراتها في وقت متأخر.
في هذا البحث سأعمل على ايجاد علاقة وتأثيرات كارثة الانفال في الوضع النفسي للمجتمع, أي سأتبع مقاييس علم النفس الاجتماعي في التحاليل, بالانطلاق من ان الظواهر الاجتماعية تؤثر بعضها في البعض في علم النفس الاجتماعي, ويمكن القول ان كارثة الانفال القاسية قد تكون تركت آثارها المتنوعة, سياسيا, اجتماعيا, نفسيا وثقافيا على الانسان الكردي والمجتمع الكردي في جنوب كردستان, حيث سأخصص هذا البحث للتأثيرات النفسية (الكاتاستروفية) للأنفال في المجتمع الكردي من خلال افراد هذا المجتمع, أي بقياس التأثيرات الواقعة في عينات مختلفة من المجتمع من الذين لم تشملهم العمليات مباشرة, نصل الى حقيقة تأثيرات العملية في المجتمع, اسئلة هذا التحقيق هي:
1-لماذا سميت عملية الابادة الشاملة وهجمات البعث على الكرد بـ(الانفال), ما هو هدف البعث ومنطقه في انفلة الشعب الكردي؟ وما علاقة هذا بسورة (الانفال)؟
2-ما هو التأثير النفسي لكارثة الانفال في الانسان الكردي والمجتمع الكردي في جنوب كردستان؟
3-كيف اثرت كارثة الانفال في هوية الفرد الكردي والمجتمع الكردي؟
مسار العمل: بهدف قياس تلك التأثيرات في افراد المجتمع الكردي تم اتخاذ هذه الخطوات:
اولا: توجيه الاسئلة الى اناس مختلفين, من النساء والرجال ومن اعمار مختلفة, شريطة ان يكون المشمولون بالاسئلة الاستبيانية لم يفقدوا ايا من ذويهم في عمليات الانفال, كي نتأكد من ان التأثير ليس ذا علاقة بمسألة صلة الدم والقرابة, بل بالانتماء القومي والوضع الاجتماعي العام, لاشك في ان المؤنفلين هم المتأثرون بالدرجة الاولى, الهدف من هذا البحث هو معرفة مدى انعكاس الانفال على افراد المجتمع الكردي, واوجه الشبه والاختلاف بين تلك الانعكاسات من شخص الى آخر, حيث ان مجموع هؤلاء يساوي مجموع المجتمع الكردي, يقوم 50 شخصا, كل من وجهة نظره الخاصة بتعريف عملية الانفال, يعبر عن شعوره امام المؤنفلين ومن قاموا بعملية الانفال, ومن خلال الاجوبة نحاول التوصل الى الانعكاسات النفسية التي تهمنا في هذا البحث, الافراد هم من اعمار مختلفة, ومن الجنسين, والاسئلة هي استبيانية, أي وجهنا نفس السؤال الى الجميع.
ثانيا: تمت الاستفادة من اللقاءات مع الناجين من الانفال, سواء عبر التلفزيون او الصحف.
ثالثا: تمت الاستفادة من كل موضوع آخر ذي صلة بالانفال, من حديث عادي لصبـي, الى ملاحظة تصرفات وانفعالات الذين وجهت اليهم الاسئلة بصدد الانفال, وكذلك من الكتب والمصادر التي تبحث في الانفال.
النظريات النفسية وربطها بكارثة الانفال
يمكن ربط كارثة الانفال بالكثير من النظريات الاجتماعية والنفسية, لابد ان يكون عمل الباحثين في مجال علم النفس وعلم الاجتماع بهذا المنحى مستقبلا, النقطة الرئيسة في التحقيق التجريبـي في مجال علم النفس هي ايجاد تاثيرات عامل في عامل آخر, أي ما الذي يؤثر في الآخر؟ في هذا التحقيق نقيس تأثيرات الانفال في شخصية الانسان الكردي خصوصا والمجتمع الكردي عموما, ونعتمد في هذا الصدد على نظريتين, اولاهما نظرية آلية الدفاع التي لها اهمية قصوى في علم النفس ولها علاقة مباشرة بموضوع هذا التحقيق, وثانيتهما هي نظرية الاحتياجات النفسية, وهي النظرية المهمة للعالم النفسي الاميركي الشهير ابراهام مايسلو والتي تستخدم كثيرا في الابحاث الخاصة في مجال علم النفس الاجتماعي.
ان جسم الانسان عبارة عن مجموعة من الاعضاء والوحدات (الانظمة) والاجهزة الفيزياوية, وكل جهاز يؤدي عمله للحفاظ على سلامة الجسم والوضع الفيزياوي له وديمومة الحياة, وعلى نفس الشاكلة البنية النفسية للانسان تتألف من اجهزة مختلفة وكل واحدة من تلك الاجهزة تؤدي واجبا محددا, للحفاظ على الوضع النفسي للانسان, الاختلاف بين الانظمة الفيزياوية والنفسية هو ان الاولى اجهزة كونكريتية مرئية وكل واحدة منها ترتبط بواحدة او اكثر من الحواس الخمس, بينما الثانية غير مرئية وغير ملموسة, وغير مرتبطة بالحواس الخمس, انما فقط تمتلك خريطة داخل التكوين الحسي الباطني, وانفرد الباحثون في مجال علم النفس يبحثون في مهام واعمال تلك الاجهزة لتأسيس النظريات النفسية حولها.
للانسان جهاز دفاعي نفسي يحاول بآليات متعددة مواجهة المخاطر التي يواجهها الانسان خلال حياته, تلك الآليات تسمى آلية الدفاع النفسي وهي عبارة عن (الاهمال, الانكار, الانضواء, المعاكسة, التأخير, التمرد على الذات, ترهيب الذات, الانتقال والخ).
الانسان يعمل من خلال أية من هذه الآليات ابعاد المخاطر عن نفسه, ولكن هذه الآليات في الحقيقة دفاعات مموهة فحسب, ولا تبعد المخاطر عن الذات, بل ان استخدام كل آلية منها تترك آثارا سلبية في نفسية وشخصية الانسان, الاهمال على سبيل المثال, وهو اكثر الآليات الدفاعية النفسية استخداما من قبل الافراد, يخفف من وطأة التأثيرات الناجمة عن الظلم والاعتداء لفترة محددة في الوضع النفسي للانسان, ولكنه في النهاية يرسخه في اللاشعور, ترسب تأثيرات حالات الاهمال في اللاشعور هو في حد ذاته حالة مرضية ويسبب في النهاية بنتائج غير طبيعية في سلوك الانسان, الآليات الدفاعية الاخرى ايضا وبنفس الشاكلة تؤدي مهمة دفاعات مؤقتة ولها تأثيرات سلبية مزمنة, كما سنؤكد ذلك بالدلائل خلال البحث.
النظرية الثانية, هي هرم الاحتياجات النفسية لأبراهام ماسلو, ولها علاقة مباشرة هي الاخرى بنتائج تأثيرات كارثة الانفال في الفرد الكردي.
في هذه النظرية يرسم ماسلو هرما للاحتياجات الفيزياوية النفسية للانسان, وهو يتكون من خمس درجات متتالية, نمو شخصية الانسان مرهون بكيفية ومدى اشباع تلك الاحتياجات, بحسب ماسلو لا يمكن للانسان ان يجتاز الى الدرجة الثانية قبل اشباع كل الاجتياجات الخاصة بالدرجة الاولى وتتوقف شخصيته في الدرجة التي لم تكتمل اساسياتها او لم تشبع احتياجاتها, وتلك الدرجات تتدرج من الادنى الى الاعلى كما يأتي:
اولا: الاحتياجات الفيزياوية, وهي عبارة عن الاكل و الشرب و النوم والراحة والجنس, وهي ما تسمى الضرورات الاولية.
ثانيا: الحاجة الى الامن, وتشمل الطمأنينة والاستقرار.
ثالثا: الحاجات الاجتماعية, الحب والحياة الهانئة والمرتبة الاجتماعية.
رابعا: الحاجة الى التنفيذ, وتشمل التقرير والانتخاب والاحترام والاعتراف, والحاجة الى استحصال المعلومات.
خامسا: الحاجة الى اثبات الوجود والابداع في الحياة.
عدم اشباع الاحتياجات الخاصة بالدرجات الثلاث الاولى يبقي الانسان في حالة العوز نفسيا وعدم الاكتمال, اما عدم اشباع الاحتياجات الخاصة بالدرجتين الاخيرتين فيوقف الانسان عن النمو ويولد نواقص في التكوين النفسي, كارثة الانفال وبربطها بتينك النظريتين تولد لدينا احتمالين:
اولا: حملات الانفال والابادة الشاملة المتبعة بحق الكرد, سواء اثناء حدوثها او خلال المراحل اللاحقة, ينبغي ان تكون لها تأثيرات نفسية عميقة في التكوين النفسي للمجتمع الكردي, اذن فالانسان الكردي قد استخدم الآليات الدفاعية النفسية المذكورة ضد تلك الكارثة, وتلك الآليات ولكونها دفاعات مموهة كما سبقت الاشارة, تترك انعكاسات سلبية على الانسان الكردي.
ثانيا: كارثة الانفال تسببت في عدم اشباع الاحتياجات الاولية للانسان الكردي في كردستان الجنوبية, وبالتالي ان يفقد الامن, اذن فالانفال اثرت سلبا في شخصية الانسان الكردي وبنائه النفسي .
من خلال اجوبة الذين اعطوا المعلومات سنحاول ايجاد برهان لاثبات او دحض الاحتمالين, ولاشك في ان الوثائق والدلائل الواردة في المصادر المشار اليها هي مواد ذات اهمية لهذه الاثباتات.
تأمل في مفهوم ومضمون وظاهرة الانفال
ان قتل وتخويف المجتمع عام 1988 من قبل نظام بغداد ضد الانسان الكردي والمجتمع الكردي، تسميتها بالانفال ليست سدى، ان سورة الانفال ثماني سور القرآن، التي تكونت من 72 آية، نزلت في المدينة المنورة في شهر رمضان للسنة الثانية للهجرة، تتضمن غزو بدر، كما يذكر نصر المسلمين في هذا الغزو على الكفار، وكيفية تقسيم الغنائم على المسلمين المنتصرين في الحرب، وبعضا من متطلبات هذه الحالة، لكي لا يقع المسلمون في الصراع على الغنائم، فنزلت هذه السورة.
في اطروحة الماجستير التي تقدم بها يوسف دزيي في جامعة صلاح الدين، استند الباحث في اطروحته الى عدة مصادر اسلامية مثل القرآن الكريم وبعض الكتب الاسلامية الاخرى، توصل الباحث الى نتيجة ان: (عمليات الانفال التي قامت بها الحكومة العراقية على القرى الكردستانية، تختلف عن الانفال في الاسلام).
وكان دليل الباحث لتوصله الى هذه النتيجة ثلاث نقاط، فحسب سورة الانفال يشترط ان يكون المجتمع الذي يًهاجم كافرا، كما يشترط ان تكون الغنائم منالة من الحرب، وهذه الغنائم عبارة عن: المال والثروة والذخيرة والنعم والاسرى.
لاشك ان سلوك النظام البعثي بالضد من جميع قوانين الارض والسماء لذا فاذا كان هذا النظام يلتجئ الى آية قرآنية لغرض في نفسه، فلا يشترط ان يستخدمها بالمنطق الذي هو الغرض الحقيقي للآية القرآنية، بل يعكس معنى الآية الى المعنى الذي يريده البعث. عند قراءة آيات سورة الانفال قراءة سوسيولوجية وقراءة كيفية تعامل اعضاء حزب البعث مع الكرد وثرواتهم قراءة سوسيوبولتيكية يظهر ان تسمية الانفال بهذا الاسم لم تكن صدفة بل القصد هو سورة الانفال ذاتها، ولكن ليس بالاشارات التي هي موجودة في القرآن، بل صيغت هذه السورة من جديد بعقلية بعثية، فقط تختلف الاشارات التي سأحاول ان اشرح بعضا منها:
1-في منطق القرآن: الكافر هو الذي لم يؤمن بإله واحد ولم يعتنق الاسلام. اما في منطق البعث: فالكافر هو الذي لم يؤمن بحزب البعث وشخص صدام حسين.
2-في منطق القرآن: المؤمن الحقيقي هو الذي يؤدي الفرائض الخمس. اما في منطق البعث: فالمؤمنون هم الذين يخضعون للأوامر التي تصدر من قبل رؤوس البعث وينفذونها.
3-في منطق القرآن: ثواب المؤمنين هو الجنة، وجزاء الكافرين هو النار. اما في منطق البعث: فثواب البعثيين هو المال والسلطة وكل شيء تشتهيه الانفس في الدنيا، وجزاء الكافرين (ضد البعثيين) هو السجن والتعذيب والتعليق والقتل والنهب.
4-في منطق القرآن: يجوز للمسلمين ان يقتلوا الكفار، ويستغنموا اموالهم وثرواتهم، شرط عدم انقيادهم للاسلام ولم يكفوا عن صدهم عن سبيل لله والنبـي والمسلمين. اما في منطق البعث: فيجوز للبعثيين ان يقتلوا غيرهم (من غير البعثيين)، شرط عدم خضوعهم لسبيل صدام ولم يكفوا عن عداوتهم له.
جاء في سورة الانفال ما معناه: (لما اوحى الهك الى الملائكة، بانني معكم، فالذين آمنوا بحق اثبتوا ايمانهم، ونحن سنلقي الرعب في قلوب الذين كفروا، فاضربوا رؤوسهم واضربوا كل بنان..)(8). الآية 12
(ذلك بأنهم صدوا عن سبيل الله ورسوله، ومن يصد عن سبيل الله ورسوله فأولئك سيعذبون وان عذاب الله اليم). الآية 13
فالتعذيب الذي ذاقه الكرد المؤنفلون في سجون جنوبي العراق وخصوصا في (نقرة السلمان) كان تطبيقا للآية 12، ولكن بمنطق البعث، ففي عمليات الانفال عم الفزع والرعب في قلوب الكرد لكن ليس وقت الهجوم فحسب، بل الى امد بعيد. صحيح ان الكرد كانوا شعبا مسلما بدين الاسلام، وكان اغلبهم مسلمين وفق منطق القرآن، لكنهم كافرون بمنطق البعث اذ هم لم يؤمنوا بنهج البعث بل كانوا عدوانا لهم، صدام كان الها في مخيلته ورويدا رويدا يفرض هذه الصور على البعثيين خصوصا والعراقيين بشكل عام.
جاء في سورة الانفال ما معناه: (الذين كفروا يصرفون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسيصرفونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يهزمون، والذين كفروا الى جهنم يحشرون) الآية36
(ليميز الله الخبيث من الطيب والنزيهين ويركم الخبيث متواليا في جهنم اولئك هم الخاسرون) الآية 37
بمنطق البعث كان ثيشمرطة الكرد كافرين، ومقر استراحة أولئك الثيشمرطة القرى، واهلها، فإن اهالي تلك القرى بمنطق البعث كافرون، لأنهم ينفقون اموالهم للثيشمرطة، والثيشمرطة كانوا يصدون عن سبيل البعث، لذا فانهم يجب ان يقتلوا وتنهب اموالهم، ويطرحوا في عذاب جهنم.
سجن نقرة السلمان هو الجحيم الذي طرح فيه المؤنفلون فهم يصفون فزاعته. ذكر شيخ كردي (من مواليد 1912) ونجا من سجن نقرة السلمان: (ان طرقت آذانكم على الجحيم، فالذي رأيناه هو الجحيم)(9)، لذا فأنفَلَةً قرى كردستان عموما واهالي تلك القرى المساندين للثيشمرطة كانت تطبيقا للآية 36 من سورة الانفال ولكن بمنطقها البعثي.
فصل الشاب من الشيب، الذكر والانثى، بلورتهم ومن ثم طرحهم في نقرة السلمان وبعد ذلك وأدهم، كان تطبيقا للآية 37 بالمنطق البعثي، لاشك نستطيع ان نورد آيات اخرى كثيرة من سورة الانفال التي فسرت بالمنطق البعثي وطبقت على الكرد، بمنطق الاسلام:
*المؤمن: مسلم
*الكافر: ضد الاسلام
*الدين: تطبيق مبادئ الاسلام التي وردت في القرآن
*الاله: خالق وبارئ السماوات والارض
*الكتاب المقدس: القرآن المنزل من عند الله
فنظام البعث بنفس المنطق الذي فسرَّ به سورة الانفال وطبقها على الكرد، ايضا غير رموزها لمصلحة شخص صدام وحزب البعث، ومن ثم طبق مضمون الآيات، فبمنطق البعث تصير الرموز كما يأتي:
*المؤمن: هو البعثي
*الكافر: شعب مسلم وهو الكرد، او أي جماعة ضد البعث
*الدين: حزب البعث
*الاله: هو صدام
وفي نفس المرحلة كتب صدام على راية العراق (الله اكبر)، اذ قصده ليس (الله) الذي يعبده الناس، بل قصده في هذا الموقع هو صدام، وذلك تشويه لرموز الكتاب المقدس، وحسب منطق ومبادئ القرآن والقوانين الاسلامية هذا الفعل كفر وفاعلوه هم الكافرون.
نتيجة هذا التفسير توصلنا الى عكس النتائج التي وصل اليها يوسف دزيي الذي يعتقد ان عملية الانفال لدى البعثيين لا تمت بصلة مع سورة الانفال في القرآن.
في هذا البحث يتضح ان عملية الانفال ضد الكرد وسورة الانفال التي نزلت لتقسيم الغنائم المنالة في غزو (بدر) كانتا متماثلتين في التطبيق، وفي النظرية فقد غير منطق البعث رموز سورة الانفال لمصالحه، أي: رغم ان الكرد شعب مسلم وسورة الانفال جاءت لنهب الكفار، ورغم ان سورة الانفال قيلت لحين الحرب وان اهالي القرى الكردية لم يؤنفلوا في حالة الحرب، ورغم ان سورة الانفال جاءت لنهب اموال مقاتلي الكفار في الحرب ولهذا الغرض ارشد بها المسلمون، الا ان البعث فسر هذه السورة كما اشرنا اعلاه بأنه كيف فسر ظواهر الكافر الاله والدين الخ.. وترجمه الى لغة بعثية التي هي لهجة التعذيب ويكون الكافر فيها هو الذي ضد البعثيين، والاله هو صدام، والدين هو حزب البعث، حينذاك نصل الى هذه النقاط كنتائج طبيعية للبحث:
1-ان مفهوم الانفال استخدم بنفس معنى ومضمون سورة الانفال، في عمليات ابادة الكرد عام 1988 من قبل النظام البعثي، وليس صدفة.
2-ان للبعث لغته الخاصة، والظواهر بتلك اللغة كانت لها دلالات اخرى، حيث فسر كثيرا من آيات سورة الانفال الى لغته، أي: فسره بمنطق البعث، وبالطريقة نفسها يستفيد من بعض من آيات السور الاخرى.
3-في انفال البعث: الكرد كافرون لأنهم ضد البعثيين، وثيشمرطة الكرد حاربهم، فاهالي القرى الذين آزروا الثيشمرطة كانوا محاربين ايضا ضد البعثيين، فيجب ان يؤنفلوا و يسلبوا و ينهبوا اوموالهم واولادهم.
4-كل الرموز التي تشير في سورة الانفال الى التعذيب، استخدمت ضد الكرد في عمليات الانفال بحق الكرد.
ومن الغايات الاخرى في اعارة اسماء ومصطلحات القرآن من قبل البعث، اولاً: كي يظهر صدام نفسه كرجل متدين، ثانياً: ان يعرف الكرد كشعب كافر الى الدول العربية والاسلامية المحيطة به، ثالثاً: ليسكت العالم الاسلامي والجماعات الاسلامية ازاء هذه الجريمة، وقد حقق ذلك الهدف تماما.
مفهوم الانفال في قاموس اللغة وضمن المجتمع
في عام 1988 وما بعده، دخل لفظ في اللغة الكردية وهو لفظ (الانفال)، الا ان هذه اللفظة لها ابعاد مفزعة ووقع مخيف في عمق شعور ومحيط كل انسا ن كردي سوي. فمنذ ان دخل هذا المصطلح في قاموس اللغة الكردية، اصبح يجدد الموت والخوف والنهب والاملاق والخنق.. الخ.. ذاته. هذه الجريمة التي سجلت في ذهن الانسان الكردي اصبحت تحتل مساحة واسعة في نفوس المجتمع الكردي. فبمجرد سماع هذا اللفظ تخلق حالة نفسية سيئة لدى الانسان السوي وان لم يشمل هذه العمليات، بعد مرور 15 عاما على عمليات الانفال، بمجرد سماع هذا اللفظ نلفي مثل هذه الردود النفسية:
*(عندما اسمع كلمة الانفال اغضب كثيرا، بشكل اصبح في هذا الوقت لا افكر الا في انتقام، اود حينذاك ان اقتل بيدي الذين فعلوا بنا الانفال). رجل 40 سنة.
*(حينما اسمع كلمة الانفال انفعل الى درجة السخط، اود الانتقام، وحينما ارى شخصا مؤنفلا في التلفزة افقد السيطرة على نفسي، وابدأ بالبكاء). رجل 38 سنة.
*(حين اسمع كلمة الانفال اغضب، افقد السيطرة على نفسي وابكي وان لم تسيل العبرات على مقلتي، ليس بكاء مقلتي فحسب، بل كل اعضاء جسمي يصيح، وروحي تئن!). رجل 34سنة.
*(بسماع كلمة الانفال اشعر بالضعف، اشعر بأنني اضعف انسان في الكون) امرأة 40 سنة.
*(عندما يحكي مؤنفل قصته، اشعر انني كنت قد اصابتني الانفال في كابوس بحلم مخيف). امرأة 41 سنة.
*(حينما اسمع كلمة الانفال، اشعر بوحدانية مميتة، وحدانيتي ووحدانية شعبي، في سماع هذه الكلمة اشعر حتى الجبال لا تساندنا). رجل 42 سنة.
*(حين يفكر الانسان في الانفال حينذاك يغضب، والآن، بعد مرور 15 عاما على الانفال عندما ترى امرأة طرميانية فقدت اولادها واولاد اولادها وبكاؤها مفعم بالعطف والحنان، يفقد الانسان سيطرته على نفسه وتسقط العبرات على وجنتيه، يشعر الانسان بخيبة الامل، وفي الوقت نفسه يتأمل ويسأل: من هم هؤلاء الذين فعلوا بنا هذه الجريمة، هم في هذه الدرجة من اللاانساينة، المرض..). رجل 33 سنة.
*(اشعر اننا منكوبون، اشعر بالظلم الغزير تجاهنا ولا احد يسمعنا ولا يرانا!). امرأة 39 سنة.
*(وقت سماعي كلمة الانفال ارتعش، اشعر بالسخط الكثير). رجل 30 سنة.
*(اشعر بالظلام، وفي ذلك الظلام اسمع صيحات وادعية وتضرع آلاف من الناس). رجل 38 سنة.
*(بسماع كلمة الانفال اتذكر الحفرة، اشعر كأن الدنيا حفرة كبيرة). امرأة 37 سنة.
*(اشعر بحزن كبير). امرأة 45 سنة.
في هذه العبارات السابقة الذكر تتبلور عدة حالات نفسية لدى اصحابها وقت سماع كلمة الانفال، ومن ابرزها: الغضب، الحزن، البكاء، خيبة الامل. وردود افعال كل من هذه الحالات هي: حالة الغضب و روح الانتقام، حالة الحزن والبكاء و الكآبة، وينتج عن حالة الوحدانية والشعور بخيبة الامل نوع من الاهمال واللامبالاة تجاه المقابل، وحسب الفروق بين الرجل والمرأة في المجتمع الكردي، وكما يتضح من اجوبتهم، نرى بأن الرجال تسيطر عليهم حالة السخط فتنمو فيهم روح الانتقام تجاه عملية الانفال، اما النساء فتسيطر عليهن حالة الخوف والشعور بالوحدانية واليأس، فتنتج عنها الكآبة وخيبة الامل. كما نسمع الشعور بالوحدانية والظلام كعقدة نفسية، الذي ربما ينتج عن تشاؤمهم بالمستقبل، او الخوف من احداث كارثة اخرى، او تكرار تلك الكارثة التي بمجرد سماعها يرتعش الانسان الكردي.
ان كارثة الانفال اصبحت دافعا لخلق روح العدائية لدى البعض وخيبة الامل لدى البعض الآخر. توجد في نظرية فرويد ثلاثة دوافع لعدائية الانسان، الاول: العدائية كافراز الغريزة الجنسية، الثاني: العدائية كتعبير للدفاع عن النفس، الثالث: العدائية كتعبير عن غريزة الموت، أي حب النهب والابادة(10). ففي الحالة النفسية للانسان الكردي ومن خلال التعابير التي تومئ الى الثأر والقتل والسخط، بمعنى حالة من العدائية نتجت من الانفال كتعبير عن غريزة الموت، وتعبير للدفاع عن ذات الانسان الكردي. بمجرد تسمية هذا المفهوم ما يعبُر بمخيلة الانسان وينشط مدركاته، هو الاسلوب التعذيبـي للذين قاموا بعمليات الانفال من خلال سيرة المؤنفلين، حيث يظهر الموت والقتل والوأد كثلاثة مرادفات رئيسة ازاء مفهوم الانفال، ان الانفال توقع الانسان الكردي في حالة توتر مفعم بالشك، ليس تجاه الذين قاموا بالانفال فحسب، بل تجاه الانسانية كلها:
(ان الانفال توقعني في الشك تجاه كل شيء، مادامت كارثة الانفال ماثلة، واوقعت شعبـي في مأزق, فمن الصعب روايته، لذا لا اؤمن بأي شيء) امرأة 40 سنة.
(اشعر ككرد لا يحسب لي حتى حساب النعم، اشعر انني مهمل كثيرا). رجل 35 سنة.
(ان كلمة الانفال تذكرني السلب والنهب، ليس نهب المال، بل نهب انسانية الانسان الكردي). امرأة 38 سنة.
هذه الحالة النفسية التي أوقعت الانسان الكردي في الشك تجاه كل شيء، فكل شيء هنا هو الانسانية كلها، هذه الحالة لم تخلقها كلمة الانفال فحسب، بل خلقها تأريخ الكرد في الاضطهاد، فالانسان الكردي ينظر الى الانفال كنتيجة لانقسام كردستان والشعب الكردي، فهم الذين قاموا بتقسيمهم على الشعوب الاخرى ومن ثم اصبحوا مضطهدين بينهم، هم الذين سببوا في جعل الكرد مادة خام بين ايدي الانظمة كنظام البعث، وهذا النظام جعلهم من عنده مواد للتجربة في مختبر الاسلحة الكيمياوية والبيولوجية، بعد مذاق الكوارث طوال ثمانين سنة الماضية ايضا هم الذين سكتوا ازاء هذه الجرائم، هذه الاشياء تمر بذاكرة الانسان الكردي، لذلك يعبر عن شك حقيقي تجاه انسانيتهم وانسانيته في الوقت نفسه، كما اتضح في المقولتين اعلاه.
تخلق كلمة الانفال احوالا مختلفة عند كل فرد وقت سماعها، هذه الاحوال لا تظهر التأثيرات النفسية فحسب، بل تخلق كذلك تأثيرا فيزيائيا.
(اشعر بالانهيار والخمول، بسماع كلمة الانفال تتقلص كل شراييني ومن ثم اتعرق) رجل 29 سنة.
(ابكي، افقد السيطرة على نفسي عندما ارى امرأة تروي حالتها، حتى اكاد ان احتف). رجل 39 سنة.
(ان كلمة الانفال تصيبني بالخمول، لا اشعر بوجود اية قوة في جسمي حتى اكاد ان اصيب بالاغماء). امرأة 37 سنة.
كل الحالات التي ذكرت من: التقلص، الخمول، الصداع، البكاء، التعرق.. الخ. تأثيرات سوماتيكية وتخلق نتيجة الحالات السايكولوجية، كما ان كل هذه الاشياء حالات ميكانيزمية للدفاع عن الازمة النفسية، التي ربما تخلق نتيجة الكآبة والضعف والغضب.. ومن الطبيعي ان يختلف رد الفعل من شخص الى آخر، وذلك بسبب اختلاف تجارب الحياة عند كل انسان من جهة ومن جهة اخرى مدى حضوره بين ايدي البعثيين ومذاقه تعذيبهم، يقل ان نجد رجلا كرديا لم يسجن و لم يعذب من قبل البعثيين، كما يقل ان نجد امرأة لم تلق نوعا من الاستهانة من قبل البعثيين، فنوع ومدى هذه التجارب المريرة يولد ردودا مختلفة عند ذكر كلمة الانفال.
ان ذكر كلمة الانفال يخلق لدى البعض من الناس حالة نفسية شاذة كما يتضح في هذا التعبير:
(عندما اسمع هذه الكلمة اكاد اجن، يألم كل جسمي، وتكون الدنيا ظلمة امام عيني). رجل 40 سنة.
و عند بعض آخر من الناس تخلق هذه الكلمة حالة روحية بحيث انهم يريدون ان يخلقوا المحال ويبعدوا ومحيطهم الى مكان لم تصلهم يد احد.
(عندما اسمع كلمة الانفال احبذ ان تحدث معجزة بحيث ينتقل الكرد من منطقتهم ويسكنوا في كوكب آخر). رجل 55 سنة.
ان كارثة الانفال تخلق جوا مفعما بالفزع، خاصة عندما تروي الضحايا وضعهم، وخاصة حينما يذكرون كيفية موتهم، التي هي ابشع نوعية للموت، وخصوصا عندما تذكر النسوة موت ارضعتهم والكلمة المفزعة التي تليها وهي ان الكلاب اكلت جثثهم، فكيف لا يخلق الصداع والسهر..!
(كلما ارى شخصا مؤنفلا في التلفزة فيرقني النوم، واصبح افكر في ضحية الانفال طوال الليل). امرأة 46 سنة.
المؤنفلون يتساوون الشهداء الحية
الذين فقدوا في الانفال يقدرون بـ 182 الف انسان، وهناك من يقدرهم بـأكثر من 200 الف انسان، ان الفزع الذي خلفته الانفال ليس حاصلا من نوعية القتل ومكان قتلهم، بقدر ما كان مجسدا في قصص وروايات الذين نجوا من هذا الجحيم، الذين نجوا، كما يروونه وقد يسمونه بيوم الحشر، هم الذين يوميا يقصون حياتهم المأساوية، وآلامهم تنتج آلاما أخرى.
عند غالبية الامم يقال للذين يستشهدون في سبيل الاستقلال شهداء، وفي المجتمع الكردي منح اعلى المراتب للشهيد بينما هذا المعنى لا يعطي دلالة انهم احياء، اما حالة الناجين من المؤنفلين الذين عبرهم الموت بانواعه ولم يموتوا، وعادوا الى مجتمعهم فهم يوميا يملأون ذاكرة الانسان الكردي بقصص التعذيب والموت، هؤلاء الذين هم الشهداء الاحياء جعلوا خلود الشهيد حقيقة، هذه العبارة العجيبة جاءت على لسان رجل، حين قال:
(حينما يتحدث مؤنفل في التلفزة فإنني ارى شهيدا حيا).
رجل آخر يكرر هذه العبارة بشكل غير مباشر للناجين من عمليات الانفال، والذين يسمون بقايا الانفال، حين يعبر عن شعوره بسطر واحد ازاءهم:
(ايها المؤنفلون: انتم في ذاكرتنا، مع كل انفاسنا، وكل ضربة قلوبنا، انتم معنا).
هذه العبارة تتكرر طوال ثورة الكرد، وقيلت للشهداء في الخطب والكتابات والاذاعات، كما قيلت في نشيد (ئةي شةهيدان-ايها الشهداء) الشهير بصوت الفنان (ناصر رزازي)، يطعي نفس القصد ونفس الدور للشهداء.
مرة اخرى يقول رجل آخر بحق المؤنفلين:
(هم عبرات وهموم جميع الكرد، هم صيحات كل نساء واطفال ورجال الكرد، يقولون: نحن شعب فخور ولا نرضى بكل هذا التعذيب، هم اعيننا، منهم نرى وضوحا في آفاق مستقبلنا) رجل 32 سنة.
على الرغم من تصور البعض بأن عمليات الانفال تذكر الانسان الضعف والوحدانية.. الا ان بعضا آخر يرى مستقبله فيها، يرون من خلالها نورا، ذلك نور تحريرهم من ايدي اصحاب الانفال.
في انتظار الماضي
الانتظار هو تلك الحالة النفسية المفترة التي يعيشها الكرد جميعا في كردستان الجنوبية. مورست سياسة الاخفاء في عمليات الانفال، وذلك عبر اخفاء ووأد جثث الضحايا في الصحارى الجنوبية وعدم اعادتهم الى ذويهم الكرد، هذه الحالة خلقت تصورا لدى الانسان الكردي وهو انه لم يبق من المؤنفلين احد، فهو يبحث عنهم وينتظرهم دوما، على الرغم من ان الحجج تكذب هذا الشك الا انها تؤكد فناءهم، فإن هذا الانتظار يبقى ليس في ذاكرة ذوي المؤنفلين فحسب بل لدى جميع الكرد:
(شعوري كشعور المرأة التي تنتظر زوجها واطفالها مدة 15 سنة، وقد عميت).رجل.
ان كارثة الانفال اوقفت كل الحركات قبل بدو صلاحها، وقطعت كل المشاعر المتصلة ببعضها، علاقة الام بولدها، الاخت بالاخ، الزوج والزوجة، العشاق، الاصدقاء، الاقرباء.. وابقتها في حيز الانتظار.
(حينما افكر في الانفال اذكر ابتسامة طفل من اقربائي كان عمره ست سنوات، عندما تذهب امه الى السوق لشراء رغيف، هذا الطفل مع ابيه في البيت يفرك عينيه، ينتظر الرغيف، وقتذاك هجمت مفرزة من رجال الامن بيتهم، فنهبوا بيتهم بالبلدوزر و أتوا بهما الى السيارة، فالمؤنفلون موت 182 الف ابتسامة وانتظار رحيل في ريعان شبابه، كما هم قلب هذه الام الذليلة التي ماتت في الانتظار). امرأة شاعرة(12).
من يرى او يسمع خبر هذا الفراق فسيسجل في ذهنه، ويراقب مصير المؤنفلين حتى يطمئن من وصول الام بطفلها، او الزوج بزوجته، او اي فراق أخر، هذا الفراق تماما هو الذي تعبر عنه المرأة الشاعرة الكردية، انتظار ابدي.
التأمل في الذات
ان كارثة الانفال خلقت حالة نفسية اخرى، هي حالة التأمل في الذات كفرد كردي ومن نوعه كانسان، كما خلقت حالة الشك في انسانية الانسان كما اشرنا الى هذه النقطة اعلاه، وهكذا فإن هذه الحالة تضعه في الشك من انسانية ذاتها، ففي ذكر احوال المؤنفلين يخلق عقدة نفسية وهماً وحزنا في نفسية الانسان الكردي، عقدة تجعله يشك في كرديتها، ونتيجة لخيبة الامل تجره الى التفكير في المحال، او ينقل الكرد في مخيلته الى كوكب آخر، او يسأل بغم كبير:
(افكر بالتعمق في القضية الكردية فكلي هم، في بعض المرات اقول يا الهي لمَ يجب ان يكون هكذا؟ فإذا كنا شعبا بلا ملجأ الى هذه الدرجة فلماذا لم يكن لدينا مستعمر واحد حتى تسهل امورنا بعض الشيء، ابنتي التي عمرها 8 سنوات حينما ترى في التلفزة ضحايا حلبجة تسألني: امي لماذا هم ماتوا؟ محياهم عجيب، من فعل بهم هكذا؟ لا اعرف ماذا اقول لهذا الطفل، وهو كردي ومنتم الى هذا الشعب، ولو ولد في السويد، لماذا قضيتنا مضطربة الى هذا الحد؟ كيف نفهم اطفالنا؟ اية كارثة نذكر لهم؟ حلبجة، الانفال، اصيب بغم لا يوصف!) امرأة 37 سنة.
هذه الحالة لامرأة كردية تبعد آلاف كيلومتر من كردستان، وبعد الحادثة بخمس عشرة سنة، فهي تظهر نموذجا نفسيا لانسان كردي لا يمت الى المكان والزمان بصلة، امرأة كردية من السويد، التي هي مدينة تعيش بسلام منذ 200 سنة، لم يظلم آمر مواطنه نقيرا، بل عم فيها اطمئنان من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد تقع امرأة كردية كردية في بلد كهذا حالة نفسية صعبة لايمكن وصفها، هذه المرأة لا تعبر عن نفسها فقط بل عن كثير من الرجال والنساء في كردستان وتتعدى الى الاطفال، حينما يولد الطفل في بلد مثل السويد، واشنطن، برلين، او اية دولة اخرى من ابوين كرديين، ومن ثم يبحث عن هويته فيعرف انه كردي، حينذاك يواجه نفس العقبة التي والداه يواجهانها، والتي هي أزمة الهوية، بالاحرى عدم الهوية، (الانفال كارثة انستني الضحك) هذا التعبير كان لرجل من شرقي كردستان، وهو يسكن الآن في دولة اوربية ويقول(ان اطفالنا يسألون دوما عن نسبهم، في يوم حلبجة يسألوننا لماذا يفعلون بنا هكذا) هذه اسئلة لاطفال يعيشون في الخارج، ليس اطفال كردستان فقط، آرا طفل عمره سبع سنوات ولد في السويد عندما يذهب مع امه في يوم حلبجة ويرى الصور بعد ذلك يبدأ بالتساؤل عن هويته، فيحدث هذا الحوار بينه وبين امه:
-آرا : ماذا نفعل لكي لا يقتل اطفال كردستان بالغاز الكيمياوي بعد الآن؟
امه: هنا ليس باستطاعتنا فعل أي شيء، اما في كردستان فالثيشمرطة يقاتلون مع الدكتاتور، فهم يفعلون شيئا.
آرا: لا، نحن نستطيع فعل شيء.
امه: ماذا نفعل؟
آرا: غدا اجمع تواقيع اصدقائي الاطفال ومن ثم نرسلها الى منظمة حقوق الانسان.
هذا الطفل في السن السابعة، يكتب نصا باللغة السويدية ومن ثم يجمع تواقيع اصدقائة ومعلميه. وهذا نص رسالته:
(نحن نأمل السلام للاطفال في العراق وكردستان الآن وبعد نظام صدام، نأمل ان يعيش الاطفال في الاطمئنان، كما نأمل ان يذهب اطفال كردستان والعراق الى المدرسة مثلنا، ويلعبوا ويمارسوا الكومبيوتر، كاطفال السويد).
فكارثة الانفال وحلبجة خلفت آثارا سلبية على شخصية الطفل الكردي، قضية الكرد اثارت مشكلة الهوية لدى اجيال قبل وبعد كارثة الانفال وحلبجة.
كارثة الانفال وآلية الدفاع
كما اشرنا في الفصل النظري لهذا البحث، ان الانسان يحاول استبعاد تأثيرات السب والحزن ومن اجل ذلك يلجأ الى عديد من آليات دفاعية نفسية، تلك العبارات التي استشهدنا بها ومن خلالها حددنا عدة حالات نفسية يواجهها الانسان الكردي، حددنا فرضية ان الانسان الكردي للدفاع عن تأثيرات الانفال على صحته يلجأ الى عدة من آليات دفاعية نفسية، نحن نحاول ان نحدد بعضا من هذه الآليات من خلال العبارات السابقة، اكثرها استعمالا هو تثبيت آلامها في النفس، لكن هذا التثبيت يكون مع الاستذكار المباشر كسماع كلمة الانفال، او سماع شكاوى مؤنفل وذويه عبر التلفزة او اية قناة اخرى.
بعض الناطقين حينما سئل في الوقت الذي يذكر مؤنفل احواله، ليرصد في نفس الوقت حالته النفسية واسلوب تعبيره وتأثيراته، في هذه النظرة يتضح ان هذا الشخص اصاب بحالة نفسية صعبة، وتظهر هذه الحالة في تجاعيد غممه، ويغشي محياه بغم عميق، وعبراته في قفص مقلتيه، وحركاته غير الطبيعية. احد الناطقين كان رجلا 39 سنة بكى وقت اجابته، ولا يستطيع ان يجيب طبيعيا، وآخر كان رجلا 33 سنة حينما رأى مؤنفلا شرع بحركات غير طبيعية التي تعبر حالة مزرية، وقال: عندما ارى تلك الضحايا يألم جسدي كله، بعض الناطقين ذكروا الصداع، او التعرق، او تقلص الشرايين، هذه الاشياء كانت رد فعل الحالات النفسية على الحالة الفيزكية.
الاهمال هو آلية اخرى من وسائل الدفاع، بعض الناس يبدونه في شكل استهزائي، فامرأة كردية تشتري الجلاتين بما لديها من نقود وتشد به ابواب وشبابيك بيتها، هذه المسكينة تقول بكل براءة: (صرفت كل نقودي واشتريت بها الجلاتين وشددت به الابواب والشبابيك، اخاف بعد كل هذا العناء لا يستخدم صدام السلاح الكيمياوي)(13) في هذا التعبير تقرأ حالتان، حالة الفقر، فإن الكرد يعيشون على ارض مليئة بالثروات الطبيعية، ولكنهم محرومون منها، حالة الخوف من الاسلحة الكيمياوية الى حد تصرف نقود الرغيف بدلا منه لشراء الجلاتين للتصدي عن الموت بالاسلحة الكيمياوية، وحالة الاهمال والبراءة كآلية للدفاع النفسي للوعيد المخيف بواسطة الاسلحة الكيمياوية التي قتلت وشردت منهم آلافا. ان ترهيب الذات آلية اخرى التي يلجأ اليها الانسان الكردي، يمكن ان نضمن الهجرة المليونية في عام 1991 بعد الانتفاضة والهجرة الجماعية في العام الحالي 2003 حين اعلنت اميركا حربها ضد صدام، في هذا الطراز وذلك نتيجة الفزع من كارثة الانفال وحلبجة.
تأثير الانفال في نمو الفرد الكردي
ما يتضح من هذه المعلومات، ان عملية الانفال بعد مرور15 سنة على وقوعها، انعكست تأثيراتها السلبية في افراد المجتمع الكردي، وشوهت اطمئنان الفرد الكردي، وخلقت أنواع الحالات النفسية السيئة مثل الكآبة وخيبة الامل والاهمال. يقول طفل في فضائية كردسات، وكان عمره اربع سنوات وقد ولد 11 سنة بعد كارثة الانفال وقصف مدينة حلبجة بالاسلحة الكيمياوية، (اخاف، اخاف من الكيمياوي، اخاف ان نؤنفل، ليمض، ليتركنا صدام)(14)، كانت كارثة الانفال سببت مخاوف طويلة الامد، ليس في قلوب الذين رأوا الانفال، وكانوا في هذه المرحلة ناضجين، بل في قلوب الذين ولدوا بعد عمليات الانفال بمدة، مخاوف مستمرة، اثرت في نوعية تفكير الفرد الكردي، (من كان يعيش في فزع دائم، لا يمكن ان يكون تفكيره طبيعيا)(15)هذه المخاوف ادت الى ان يوعز الدماغ بالحذر عن هذا الخطر قصير الامد، لكن الخطر الكبير الذي يؤدي الى خلق خوف مستمر وطويل يسبب عدم توازن أفعال الدماغ ووظائفه، مع عدم توازن الحالة النفسية والتفكير لدى انسان خائف، خلقت مأساة الأنفال الخوف من التفرقة والتمزق بين أعضاء الأسرة، يقول رجل كبير السن من قناة (كردسات) الفضائية: "كنا 30 فراداً من عائلة واحدة، 28 منا أصبحوا من المؤنفلين، ففقدناهم". هذا ما أربك اطمئنان العوائل الكردية، والسبب في ذلك هو ان الأسر تترك مواقعها أثناء اقتراب مأساة شبيهة بـ(الأنفال)، الابتعاد هو احدى الوسائل التي ليست دفاعاً نفسياً عن الذين قاموا بعمليات الأنفال فحسب، بل هو دفاع فيزيائي عنهم.
عدا 182 الف من المؤنفلين الذين لايزال اقرباؤهم في انتظارهم، هناك عشرات آلاف من الضحايا حيث تشير المعلومات المتوفرة الى ذلك، اذ انشأوا مجتمعاً باسم الأنفال، هذا المجتمع يتألف من الرجال والنساء الذين نجوا من بعد ان سجنوا في سجن أو أكثر من (دبس) و(حويجة) و(نقرة السلمان)، اذ اجبروا على الإقامة في مجمع تنقصه كل الخدمات وحاجات الانسان منذ اكثر من 15 سنة.
ما يعتبره (ابراهام ماسلو) الحاجات الفيزيائية من: الأكل، الشرب، الراحة، الدفء، والجنس.. لايصل الى حد الاشباع لدى المجتمع المؤنفل بعد مرور (15) عاماً، لذلك يقف النمو النفسي عند المرتبة الاولى في هرم الحاجات النفسية دون ان يتصاعد. فالخوف من تكرار المآسي عند المؤنفلين أقوى مما لدى المجتمع الكردي بشكل عام، فاذا ما اشبعت المرتبة الاولى من الحاجات النفسية لدى المجتمع الكردي بشكل عام، فان حاجة الاطمئنان التي هي المرتبة الثانية تقف من النمو، لأن مأساة الأنفال لم تترك مكاناً للطمأنينة في قلوب افراد المجتمع الكردي، اذا ماصح تقسيم المجتمع الكردي الى المؤنفلين وغير المؤنفلين فنستطيع أن نعرض الاستنتاج هكذا: ان نمو مجــتمع المؤنفلين الكرد يقف عند المرتبة الأولى من هرم الحاجات النفسية، لكن أغلبية افراد المجــــتمع الكردي غير المؤنفلين تقف عند المرتبة الثانية من الهرم. ما لوحظ هو أن المجتمع الكردي المؤنفل له التأثير في المجتمع الكردي غير المؤنفل وذلك بسبب الحس القومي الشديد، ذلك الحس الذي ربما له التأثير في مأساة الأنفال و نتائجها.
النتائج:
في نهاية هذا البحث الميداني الذي يعتمد على المعلومات الشفهية من أفراد المجتمع الكردي، نصل الى حقيقة أن الفرضيتين اللتين وضعناهما في جزء من هذا البحث حول الانسان الكردي، هما:
اولاً: ان عملية الأنفال كمأساة مرعبة، توقف النمو النفسي لدى الفرد الكردي والمجتمع الكردي في مرتبتين، فالقسم المؤنفل من المجتمع الكردي يقف عند المرتبة الأولى من هرم الحاجات النفسية، والقسم غير المؤنفل يقف عند المرتبة الثانية.
ثانياً:ان جهاز المناعة النفسية لدى الفرد الكردي نشيط على الدوام وذلك بسبب مأساة الأنفال، فالفرد الكردي يتخد أنواعاً شتى من آليات المناعة بغية دفع الأحاسيس التي فرضتها مأساة الأنفال. لاشك أن هذه المناعة النفسية ليست مناعة حقيقية للنفس، ولاتطول مدة فعاليتها، وفي النهاية تنعكس على شكل الكآبة وعدم الاستقرار النفسي والعقد النفسية.
ثالثاً: ان كارثة الانفال اوقعت الانسان الكردي في حالة تأمل ذاتي، حيث تخلق له في هذه الحالة أزمة الهوية، فيظهر تساؤل البحث عن الهوية لدى الاطفال الكرد في الداخل والخارج. رابعاً: كما توصلنا الى نتيجة ان الانفال احلت بالكرد ولكن بقراءة بعثية بنية الابادة الجماعية، فتقع الرموز في لغة البعث ازاء وقوعها في دائرة الكفر بمنطق القرآن.
الكلمة الاخيرة:
ان كارثة الانفال فريدة من نوعها وستبقى فريدة.
ان المؤنفلين بسبب كون موتهم طارئا فإن عددهم يزداد دوما، لا يمكن ان نقول بأن عددهم 182 الف انسان، لأن عدد الانسان يزداد بشكل مستمر، اذا لم يقتل هذا العدد (182) الف كردي حتى الآن فكم يصبح عددهم؟ فيجب ان يزداد عددهم سنويا.
الذين قاموا بالانفال لم يتركوا صدعا لرؤية الجمال في الحياة. هم صانعو حفر الموت وهدامو صرح الحياة.
المصادر:
المصادر الكردية والعربية
1-القرآن الكريم، ترجمة: محمد صالح ابراهيمي، ط1، مطبعة قران كريم، ايران
2-ميدل ايست ووض: الابادة الجماعية في العراق وحملة الانفال على الكرد، ترجمه من الانكليزية: سيامند مفتي زاده، ط1، السليمانية، 1999، مطبعة (خاك).
3-يوسف دزيي: الانفال، الكارثة، النتائج والابعاد، اربيل 2001، ط1، مطبعة موكرياني.
المصادر الانكليزية:
1-Thomas Brante, Heine Andersen & Olav Korsnes (red) (2001): Sociologiskt lexikon. Stockholm: Natur och Kultur.
2-Olofsson & Sjostrom (1993): Existens och sociala relationer. Lund Studentlitteratur.
3-Schultz Larssen Ole (1997): Psykologiska perspektive. Arhus: Danmark.
4-Dozier Rush (2000): Radsla. Kanslan som genomsyrar. Och praglar vara liv och var varld. Oversattning: Gun Zetterstrom. Finland: W&W.
5-Sandstrom Stefan (1996): Vald & Hot. Falkoping: Liber.
6-Jeffmar Chirster (1987): Socialpsykologi- Manniskor i samspel. Lund: Studentlitteratur.
***
الهوامش:
1-ميدل ايست ووض (الابادة الجماعية في العراق وحملة الانفال على الكرد، ص155 بالاعتماد على الكتاب التأريخي الشهير لـ(راول هيليبرك) المختص بـ(الهولوكوست) يقيم كارثة الانفال ويشبهها بـ(الهولوكوست)، وعلى هذا فقد اتبعت ثلاث خطوات في كارثتي (الهولوكوست والانفال) الاولى: التحديد، الثانية: التجميع والقبض، الثالثة: الابادة.
2-Jeffmar, Ch (1987), P11.
3-جاءت نظرية آلية الدفاع كنظرية اساسية في كثير من الكتب النفسية، مصدري هو:
Olofsson & Sjostrom )1993): Existens och sociala relationer. Lund Studentlitteratur. P. 84-85.
4-مثال وظائف الآليات الاخرى التي هي بتصوري انعكست في عمليات الانفال:
الحجود: يضأل الانسان ازاء مخاوف الكوارث، يجحد من ان تكون للكوارث عواقب وخيمة.
الرهبانية: ينعكف الانسان عن ذكر مصادر الخوف لامن قريب ولا من بعيد.
الانعكاس: يهاجم الانسان المخاوف لينتقم منها.
التمرد على الذات: يدين الانسان نفسه ويحسب نفسه سببا.
ترهيب الذات: الخوف من تكرار نفس الكارثة ويحاول الانقاذ منها.
5-انظر ص87 في:
Schultz Larssen Ole (1997): Psykologiska Perspekitve. Arhus.
6-يوسف دزيي: مذكور في المصادر اعلاه، ص28
7-المصدر السابق ص27
8-القرآن الكريم: مذكور في المصادر اعلاه, ص178
9-الابادة الجماعية في العراق وحملة الانفال على الكرد ص388
10-Sandstrom,S (1996): p.33.
11-الرجل الذي اجاب عن سؤالنا هو الشاعر (ثؤلا صديق)
12-يذكر (نزند بطيخاني) يروي هذه القصة حين اجاب عن السؤال الموجه اليه.
13-هذه العبارة، للسيد (مام جلال) في ندوة بحضور زالماي خليل زاد في السليمانية قبيل بدء الحرب على العراق، فذكر حالة هذه المرأة.
14-في مقابلة مع المؤنفلين بفضائية كردسات، انا ذكرت اثنتين منها. جدير ذكره هناك برنامج في فضائية كردسات باسم (الانفال) بحجج وبراهين حية.
15-Dozier, Rush (2000): P 37.