تواجه أنظمة العالم الثالث مخاطر تصدع وتفسخ القطاعات العامة التي شكلتها في غياب من الرقابة الشعبية والبرلمانية، حيث تشكلت هذه القطاعات على ضوء قرارات فوقية بيروقراطية نسجتها عوالم المصالح للجماعات المتنفذة في عوائلها وأقاليمها، وفي كل تجربة تفسخ تكبر المخاطر، ففي تجربة السادات التي دمر فيها القطاع العام بقرارات ذاتية متسرعة، وجه مصير شعب وأمة بأسرها إلى منزلقات خطيرة، فقدت بعده إمكانيات لعب دور استقلالي في المنطقة.
بينما لعبت قرارات يلستين المشابهة دورها في زعزعة نظام دولي بأسره، وألقت بشعب كبير في خضم من المجاعات والانهيارات الاقتصادية والسياسية. تغدو المجموعة الحاكمة قبل مرحلة الانهيار مسئولة عن خلق الأرضية المؤدية إلى الانهيار بسبب عدم إصلاح تدريجي لهذا القطاع الفاسد الذي نهبه وخربه الموظفون والمرتشون والمتعاملون، في غيبة من الرقابة بمختلف أشكالها. ولهذا فإن اليافطات المرفوعة كافة لتضليل الرأي العام في مختلف الدول، كالقول بالاشتراكية أو اقتصاد النهضة أو اقتصاد الثورة الإسلامية.. الخ لا يستطيع أن يخفي حقيقة النهب المنظم في مال الشعب واقتصاده. ولا يمكن أن يكون الأمر مقبولاً إلا في حالة إدارة المال العام من قبل هيئات شعبية أو منتخبة أو مراقبة، تقدم كشوفاً مستمرة عن العمليات المالية كافة التي تقوم بها، وتخضع للتفتيش الدقيق. ولا يتضمن المال العام الشركات والمصانع فحسب بل أيضاً الأراضي والأملاك والموارد العامة . تشكيل مثل هذه الهيئات هو الذي يجنب البلدان مرحلة الانزلاق إلى تفجر وتفسخ رأسمالية الدولة، على الطريقة الساداتية أو الجزائرية أو الصدامية أو الروسية، حيث تقود إلى مرحلة انتقالية تخفف من وطأة الانتقال من اقتصاد العصابة إلى اقتصاد السوق.