أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الطيب طهوري - الأصوليات الإسلامية وادعاءها تقليدنا الغرب















المزيد.....


الأصوليات الإسلامية وادعاءها تقليدنا الغرب


الطيب طهوري

الحوار المتمدن-العدد: 1880 - 2007 / 4 / 9 - 10:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أدى تفاعل رد فعلنا نحن العرب المسلمين الغاضب والعنيف أحيانا على الاستعمار الغربي مع تخلفنا الكبير عن ذلك الغرب وفي كل مناحي حياتنا ، من جهة، وعجزنا عن امتلاك أو إيجاد أية وسيلة في بداية عصرنا الحديث لمواجه تقدمه ذاك، من جهة أخرى، إلى السقوط في متاهة معاداتنا له بشكل يكاد يكون مطلقا ، ومن ثمة الهروب رعبا من قوته الجبارة تلك وفي كل مناحي حياتنا أيضا سياسيا وثقافيا واجتماعيا وإبداعيا، خاصة، إلى كهوف ماضينا الممتلئة بدخان حرائق التاريخ، والتيه فيها..
وهكذا تعمقت القطيعة تدريجيا بيننا كمجتمعات وحداثة الغرب التي هي سر تفوقه .. والمؤلم حقا أننا لم ننتبه ـ وهل كان بإمكاننا ذاك ؟ـ إلى أن ذلك العداء شبه المطلق ، وذاك الهروب إلى الماضي شبه المطلق أيضا هو ما يريده ذلك المستعمر ، إدراكا منه بأن ذلك السلوك هو وسيلة شل تفكيرنا وتعميق تخلفنا، ومن ثمة إبعادنا عن فهم حقيقة واقعنا ، وجعلنا عاجزين عن معرفة كيفية مواجهة مختلف التحديات التي تواجهنا ، سواء أكانت تحديات داخلية ممثلة في تخلفنا الرهيب في كل جوانب حياتنا وعجزنا الفكري والإبداعي ..إلخ.. أو خارجية ممثلة فيما بفرضه ذلك الغرب علينا سياسيا واقتصاديا ، خاصة، ليبقينا تائهين في كهوف ذلك الماضي/ماضينا الذي لم يبق لنا سوى ملئه بأحلامنا أو بالأحرى أوهامنا ـ لأننا بوضعيتنا تلك فقدنا الأحلام أيضا ـ في استعادته وبناء حاضرنا ومستقبلنا على شاكلته .. ولم نتفطن حتى الآن إلى أن تلك الاستعادة أمر مستحيل منطقيا، لا لشيء سوى كون ذلك الماضي نتاج ظروف أخرى هي غير ظروفنا في الحاضر ، سواء في التحديات التي واجهت أسلافنا فيه أو في القضايا التي انشغلوا بها أو في الحلول التي أوجدوها لمواجهة تلك التحديات والانشغالات التي فرضت عليهم نفسها ..
وبالضرورة كانت النتيجة المنطقية لذلك العداء هي الاعتقاد من قبلنا أن الغرب شر كله ، والمؤلم أن غالبيتنا ما تزال تعتقد ذلك حتى الآن، غير مدركين أن القوة التي وصل إليها ذلك الغرب فكرا وإبداعا وفلسفة حياة ونظما اجتماعية وقوانين لحقوق الإنسان – بغض النظر عن تطبيقا أو عدم تطبيقها ، وبغض النظر عن كيفية ذلك التطبيق ، إذ القضية هنا تخضع أساسا لمدى وعي الناس وتنظيم أنفسهم ونضالهم – وما قدمه للبشرية كلها من خدمات في مختلف مجالات حياتها ، سواء في الزراعة أو الصناعة أو الطب أو في وسائل وأدوات العيش المختلفة لا يمكن أن تجعل منه شرا كله وبإطلاق ،إلا إذا كنا نتعامى – متعمدين – عن كل ما تحقق وعما نستعمله من تلك المنتجات والوسائل التي ما كانت لتتحقق لنا في عالمنا العربي الإسلامي لولاه ..
ولا شك أيضا أن تلك العلاقة هي ما جعلنا نحرم أنفسنا من مصدر معرفي وأساسي لبنائنا هو حداثة ذلك الغرب ، وهو حرمان لم ينتج عنه سوى البقاء المستمر في التخلف والانحطاط ، وترسيخ عقلية وسلوك الاستبداد في ذواتنا أفرادا وجماعات ومجتمعات وأنظمة حكم وتصحرنا معرفيا وأخلاقيا أكثر ، مما أدى في النهاية وكنتيجة حتمية لكل ذلك إلى ظهور وانتشار الأصولية كانعكاس حتمي وعميق لظاهرة اليأس التي عمت عالمنا العربي الإسلامي والانحطاط العقلي الذي صرنا إليه والنضوب الفضيع الذي وصلت إليه قدراتنا الإبداعية ، إلى جانب فشل الحركات الوطنية التي حكمتنا بعد زوال ظاهرة الاستعمار العسكري في إخراجنا من عنق زجاجة تخلفنا وإلحاقنا بركب التقدم الغربي الذي التحقت به مجتمعات أخرى كانت في ستينيات القرن الماضي في نفس مستوانا الاقتصادي ، وربما أقل منه، ولا تمتلك الإمكانيات التي نمتلكها، أعني إمكانيات الثروات الطبيعية التي تزخر بها أوطاننا ، لتزداد في النهاية تلك الممارسة العدائية للغرب وتتجذر أكثر ، وتتعمق فينا ظاهرة الهروب المرضي إلى الماضي ..
وهكذا أغلقت تلك الأصولية الباب وبشكل شبه نهائي على ما لدى بعض الفئات المتنورة من أمل في التفاعل مع حداثة الغرب وفهمها اجتماعيا والعمل من ثمة على بدء الخروج من نفق تخلفنا الذي طال أمده .. أكرر: أغلقت الباب فعلا، لأنها تحولت إلى مناخ اجتماعي عام ، ساعدها في ذلك ذكاء الغرب وأنظمتنا المستبدة في التعامل معها وتوظيفها بالشكل الذي يخدمه، ذلك أن أنظمتنا تلك ما هي في الواقع إلا الوسيط التجاري لذلك الغرب ، مهمتها الأساسية هي فتح أسواقنا لتصريف منتجاته الزراعية والصناعية والمحافظة على ضرورة بقاء تخلفنا ، مقابل حماية ذلك الغرب لها ولكراسيها السلطوية ، والسكوت المتواصل على ما تمارسه من قمع لشعوبها.. ولعل ما ساعد تلك الأصولية على التجذر اجتماعيا أكثر هو استغلالها الجهل المتفشي في مجتمعاتنا بفعل نسبة الأمية المرتفعة وافتقاد حرية الرأي والتفكير المستقل ، لاحتكار الدين وادعاء تمثيله والإيهام بإمكانية تطبيقه الصحيح فيما لو وصلت إلى دفة السلطة، واستعماله (الدين) في تشويه صورة كل من يعارضها وتهييج الناس ضده ، بل وحتى التحريض على قتله ..، إلى جانب توظيف ممارسات الغرب نفسه في علاقته بنا وبأنظمتنا وكيله بمكيالين في التعامل مع قضايانا، وقضية فلسطين خاصة ،ومستغلة أيضا عدم إدراك الناس استحالة التطبيق الصحيح والفهم المطلق للدين إلا من اثنين لا ثالث لهما هما: مرسله(الله) والمنزل عليه والمكلف بتبليغه( الرسول) ، ومادام نزول الله إلى الأرض والإشراف على تطبيق دينه أمرا لا يمكن تصوره ، ومادام الرسول قد مات بعد أن قال: أنتم أدرى بشؤون دنياكم ، لا يمكن تصور عودته أيضا ، فإن أي ادعاء لتمثيل الدين تمثيلا مطلقا ، أي فهمه فهما صحيحا ، ومن ثمة تطبيقه تطبيقا حقيقيا في الواقع ، هو ادعاء باطل أصلا لايتعدى إطلاقا أن يكون فهما نسبيا له من مجموعة فهوم أخرى ، قد تقع حتى في التناقض ، وهي فهوم نسبية أيضا، يستحيل أن تماثل الأصل وبإطلاق ، لا لشيء سوى كونها فهوما بشرية ترتبط بالضرورة بنوع ومستوى وعي أصحابها ومستوياتهم الثقافية ومصالحهم وظروفهم الاجتماعية ، ومجمل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجههم وتواجه مجتمعاتهم ، ومجمل التحديات التي تواجه العالم أيضا، خاصة في واقع اليوم حيث العالم شبه قرية بفعل وسائل الاتصال التي قربت كثيرا بين جهاته الأربعة الأصلية وحتى جهاته الفرعية .. ولأن فهوم الإسلام في راهن يومنا قد ارتبطت بتخلفنا الكبير وانحطاط فكرنا وجمود قدراتنا الإبداعية وتعميم تسطيح عقولنا بفعل انتشار ثقافة الاستهلاك الغريزية المغرية فقد كانت في مجملها وحتما فهوما متخلفة لا إبداع فيها ، ترتكز في الأساس على اجترار فهوم أسلافنا ، وهو ما أدى بها( الأصولية) إلى أن تكون فكرا منغلقا وبشدة على نفسه ، يخاف من أي بصيص ضوء يوجه إليه ، ويرفض بذلك كل رأي يخالفه، يصل أحيانا إلى حد قتل صاحبه وربما التمثيل به..
ولأن فهم الإسلام اليوم ـ كما كان في كل العصور السابقة وسيكون في العصور اللاحقة ـ لا يمكن أن يكون إلا متعددا ، ولأن فهمنا اليوم له مرتبط في الأساس ـ كما قلت ـ بانحطاط فكرنا واضمحلال قدراتنا الإبداعية ، فقد نتجت عن ذلك التعدد ـ بالضرورة ـ ظاهرة التعصب الأعمى التي لا تعني شيئا سوى تعدد الأصوليات التي تكفر بعضها البعض بفعل ادعاء كل واحدة منها أنها الممثل الشرعي الوحيد والحقيقي للإسلام دون سواها وأنها بذلك هي الفرقة الناجية ، وهكذا لم تجد كل واحدة منها إلا العمل على فرض فهمها على الآخرين بالقوة ، وبادعاء آخر مفاده أن ذلك العمل الفرضي واجب عليها لإخراج البشرية مما تسميه الجاهلية الجديدة ، يثيبها الله عليه إن قامت به ، ويعاقبها إن تقاعست .. وهكذا تحولت تلك الأصوليات في نهاية المطاف إلى قبائل دينية متحاربة ، تماما كما كانت تفعل قبائل العرب في الجاهلية ، ولا فرق بين الإثنتين سوى ذلك الزمن الطويل الذي يفصل بينهما ، وأولئك الأشخاص الذين يستند إليهم وعليهم كل طرف لتبرير تصرفاته وغاياته ، حيث كانوا في الجاهلية العربية القديمة أسياد القبائل الذين يتحكمون فيها وأجدادها الأوائل الذين تنتسب إليهم ، بينما هم عند أصولياتنا الحالية أو جاهليتنا الجديدة ـ بامتياز ـ قادتها وفقهاء الماضي الذين تعتمد عليهم وتستشهد بهم وتتعامل مع أقوالهم وأفعالهم وكأنها أقوال وأفعال أشخا ص معصومين من الأخطاء..
وهكذا أيضا كان الخراب الذي نعيشه، خراب الاقتصاد حيث نهب ثروات شعوبنا من قبل المستبدين المتحكمين فينا، وخراب السياسة حيث عزوف الناس عن تنظيم أنفسهم للمطالبة بحقوقهم والنضال من أجل نيلها والمشاركة من ثمة في تسيير مختلف أمورحياتهم ، وخراب الأخلاق حيث تزداد الرشوة والمحسوبية والأنانية المفرطة ويزداد خلو الضمائر من الشعور بالمسؤولية الاجتماعية .. و..و .. إلخ..
وحتى تبرر تلك الأصوليات مانتج وينتج باستمرار عن فكرها المشدود إلى الماضي (إن كان لها فكر أصلا) من خراب ، فإنها تحرص دائما على ربط ذلك الخراب الذي تسببت فيه مع الأنظمة المستبدة التي تحكمنا بادعاء أنه نتاج تقليدنا للغرب ، وبذلك الادعاءوقعت في التناقض ، دون أن تنتبه ، وأنى لها ذلك ؟ .. فأصبح كسلنا العقلي تقليدا لاجتهاد عقل الغرب ، وعدم احترامنا الوقت والعمل ، ودون أي شعور بوخز الضمير تقليدا لاحترام الإنسان الغربي لهما ، وصار تفشي الرشوة وافتخار ممارسيها بيننا بها تقليدا لانتحار من يمارسها هناك خجلا وعجزا عن مواجهة الناس بسلوكه الرشوي ذاك .. وأمسى لجوؤنا إلى العنف بسبب اختلافنا في الرأي تقليدا لاحترام حرية الرأي والمعتقد في الغرب .. وأضحى نيلنا الجزاء وعدم معاقبتنا على أفعالنا السيئة الماضية والمستقبلية بفضل صومنا يوم عاشوراء حيث يغفر الله لنا بهذا الصوم اليومي ذنوب السنة التي قبله وذنوب السنة التي بعده أيضا .. وإذ يغفر الله لنا ذنوبنا بهذه البساطة ، فالأولى بالمسؤول عندنا أن يمارس ما يجعله مذنبا ،ثم يصوم، وأن يعفو عن الذين مارسوا ما يلحق المضرة بمجتمعنا ، لأنهم بذلك الفعل يوسعون من قاعدة المفسدين في أوطاننا العربية ، وهي البيئة التي تسمح للاستبداد بالتواصل والتوريث.. وهلم نصبا واحتيالا على العباد، وجرا لهم على قفاهم .. نعم ، يضحى كل ذلك تقليدا فضيعا للغرب الذي يجازى فيه الفرد ثوابا أوعقابا اعتمادا على نتائج أفعاله وما يحققه لمجتمعه من منفعة أو يلحقه به من مضرة ، وهو الفرد الذي يربى منذ طفولته على واجب الشعور بمسؤوليته الاجتماعية ويمارس كل أفعاله على أساسها ، حيث يخضع لضميره الذي ينمو تدريجيا منذ نشأته ، فيمتنع حتى عن رمي ورقة في الشارع ، ويحرص على رميها في سلة المهملات التي تتواجد في كل مكان هناك، ويستهجن كل سلوك سيئ يراه في واقعه ، بينما يرمي الناس الكبار عندنا قاذوراتهم أمام منازل بعضهم ، أومن طوابق العمارات في الشوارع ، ونلوث الكثير من مجاري المياه في أوطاننا بالمياه المستعملة في تنظيف منازلنا وأشيائنا وبسوائلنا الكيماوية فنميت الكثير من حيواناتنا المائية ، ونتسبب في مرض حيواناتنا البرية ، وفي اختفاء الكثير من أنواع النباتات .. مقلدين بهذه السلوكات سلوكات الغرب الذي يعمل على فتح الحدائق العمومية وتوسيع مساحاتها باستمرار وفي كل مكان ، وينظف أيضا بيئته وباستمرار كذلك ، وينشئ الناس فيه مختلف التنظيمات المدنية التي يعملون من خلالها على النضال من أجل حماية البشرية من خطر تلوث بيئتها ، كما يحرصون أشد الحرص على نقاوة مجاري المياه في بلدانهم ، وهلم رفعا لشأنهم، مع الملاحظ أن تعداد سكان ذلك الغرب نسبة إلى مساحة أراضيه التي تقل عن مساحة أراضينا بكثير، أكبر منا بكثير أيضا ..
وقد امتد تقليد الغرب عندنا حتى إلى أمور ديننا ، حيث صار الفرد عندنا يحتج على زميله إذا مارآه يتخلف عن الالتحاق بالمسجد لتأدية صلاته، لكنه لايحتج عليه إطلاقا إن هوتخلف عن الالتحاق بعمله، أو لم يؤده كما يجب ، وفي ذلك حتما تقليد لا مثيل له للفرد في مجتمعات الغرب الذي بخجل ـ ربما ـ من أن يسألك عن دينك ، ولا يحتج عليك أبدا إذا لم يرك تؤدي الصلاة مثله في الكنيسة إن كان متدينا ، لا لسبب سوى كونه يعتبر التدين قضية شخصية خاصة بك وبعلاقتك بما أو بالذي تعبده ، ولكنه ـ المسكين ـ يحتج عليك وكثيرا إذا ما رآك تكسر غصن شجرة أو ترمي في الشارع ما يشوه جماله، أو تعتدي على حقوق غيرك..
كما وصل ذلك التقليد إلى نسائنا/ حرائرنا اللواتي تلبس معظمهن الحجاب ، وتغطي الكثيرات منهن أجسادهن بالسواد من أخماص أقدامهن حتى أعالي رؤوسهن ، حيث لا تبقى منهن إلا العيون ، وقد تغطى هي أيضا أحيانا، مقلدات في ذلك نساء الغرب الكاسيات العاريات ، حسب التعبير المحبب لفقهائنا الميامين الذين نراهم في كل مكان صائحين محذرين من تقليد الغرب ، ومن السير على خطاه..
وليت الأمر وقف عند ذلك.. فها نحن أخيرا وليس آخرا نقلد الغرب في المقروئية أيضا، حيث يقرأ الفرد العربي المسلم وحتى العربي المسيحي والعربي اليهودي ، والعربي الذي لادين له عندنا ـ حسب إحصائيات تقارير التنمية البشرية ـ ما مقداره بالتمام والكمال 10دقائق في السنة ، مقلدا بقراءته تلك الفرد الغربي الذي يقرأ في كل وقت وفي أي مكان، في الحدائق العامة والمكتبات نهارا ، وفي غرف النوم ليلا، في الطائرات جوا، في القطارات والحافلات برا، وفي البواخر والغواصات بحرا .. وهكذا سرنا وصرنا إلى ما لا نهاية في تقليدنا للغرب..
طبعا، لا يعني نقدي لإرجاع أصولياتنا سبب الخراب الذي نعاني منه سياسيا واقتصاديا وثقافيا وأخلاقيا وعقليا وإبداعيا إلى تقليدنا الادعائي للغرب ، كما لا يعني إبرازي مدى التناقض بين ماعليه الحال عندنا في تلك المكونات وما عليه الغرب فيها ، مدحا مطلقا لذلك الغرب ، ذلك أن الغرب أيضا وبنظامه الرأسمالي قد سبب الكثير من الآلام للبشرية سواء في عهده الإمبريالي العسكري ، حيث أمات الملايين من الناس وعذب الملايين الآخرين في مختلف بقاع العالم ، واستغل ثروات أوطانهم أبشع استغلال ، كما جهل وفقر معظمهم ، أو في حاضر اليوم حيث التنافس بين صناعيي وحتى سياسيي الدول الغربية الرأسمالية من أجل الهيمنة على اقتصاديات العالم وسياسة تسييره على أشده، وحيث وتيرة النمو الصناعي المكثف والتوسع في البحث عن الأسواق الخارجية وزيادة دفع الإنسان عن طريق الإشهار المغري نحو حُمّى اللهث وراء الاستهلاك المفرط ، أدت كلها إلى ظاهرة الاستغلال المفرط الذي لم يسبق له مثيل في كل تاريخ البشرية لثروات الأرض المختلفة الباطنية وغير الباطنية ، ومن ثمة تلويث البيئة بشكل رهيب صار ينذر بالخطر، إلى جانب إنتاج وتطوير الأسلحة الفتاكة، أسلحة الدمار الشامل ..إلخ.. لكنني أدرك أن كل ذلك التوسع وما انجر عنه من آلام لحقت البشرية في عهد الاستعمار كان أمرا حتميا اقتضته صيرورة الثورة الصناعية وتنافس الدول الأوروبية على التوسع والهيمنة، من جهة ، كما اقتضاه غياب الوعي الإنساني لدى مجتمعات تلك الدول، من جهة أخرى ، و التوسع والهيمنة كما نعرف ظاهرة عرفتها البشرية في كل تاريخها، حيث إن كل المجتمعات التي امتلكت القوة كانت تسعى دوما إلى الهيمنة والتوسع، ولعل فيما مارسه العرب المسلمون ، عندما كانوا أقوياء ، من غزو لأراضي الشعوب الأخرى غير المسلمة الدليل الأكثر وضوحا على ذلك.. كما أدرك أيضا أن ما تمارسه الدول الغربية باعتبارها الأقوى في عالم اليوم مما ذكرته سابقا ، يواجه وبشكل متنام من قبل شعوبها أكثر من كل الشعوب الأخرى في هذا العالم، رغم تحكم دعاة الهيمنة وأصحاب المصالح من كبار الرأسماليين المستفيدين منها (الهيمنة) في الإعلام بكل أنواعه وتوظيفه في تبرير ممارساتهم الهيمنية ، أقول يواجه من قبل تلك الشعوب لا لشيء سوى كونها(تلك الشعوب) وبفعل الديمقراطية المنتهجة في دولها ، رغم ما في تلك الديمقراطية من عيوب ، قد تمكنت من امتلاك واقعها نسبيا ، ووعي وجودها في علا قتها بالشعوب الأخرى وبمحيطها الطبيعي ، وأدركت مدى ارتباط مصالحها في الحاضر والمستقبل بمصالح الشعوب الأخرى ، ومدى أهمية وضرورة نشر ثقافة الحوار، أي ثقافة التسامح والسلم في العالم .. ولا شك أن كل ذلك قد تم بفعل تأثير الحداثة التي كونتها تلك الشعوب عبر مسار طويل من التجارب المليئة بلحظات الفشل ولحظات النجاح ، ولكنها المتطلعة دوما إلى الغد الأفضل والتحسين المستمر، تلك الحداثة التي بنيت ومنذ البدء على تحميل الفرد مسؤوليته الذاتية عن نتائج أفعاله في إطار ارتباطه بالآخرين في مجتمعه المحلي بدءا، ثم ـ وفيما بعد ـ ببقية المجتمعات الأخرى ، كما حملته واجب النضال والعمل من أجل إعادة التوازن للطبيعة في هذا الكون الذي يعيش فيه ، وهي المسؤولية التي تشكل في مجملها مجموعة القيم الأخلاقية والإنسانية التي يدعي البعض من مفكرينا أن الغرب بحداثته تلك يفتقدها ، ناسين أو متناسين ـ بذلك الادعاء ـ قيم احترام الوقت والعمل والملكية المشتركة والرأي والمعتقد الآخر وحقوق الآخرين عموما .. وهي القيم التي نفتقدها كثيرا، كثيرا في عالمنا العربي الإسلامي ، رغم ادعائنا المتواصل والمتعالي بأننا أمة القيم الأولى في هذا العالم ..و..و..
و.. يا أيها الغرب،امنعنا من تقليدك حتى نتقدم ونخرج من حصار انحطاطنا ، فقد عجزت عقولنا المستنيرة بمصابيح الماضي العتيقة والعملاقة عن منعنا من تقليدك..
أيها الغرب، بالله عليك، كن إنسانيا وامنعنا من تقليدك ، واجعلنا نسرع إلى أكل التفاحة التي تسقط علينا من الشجرة التي نستظل تحتها ونحن نقول بحبور عارم: كتبها الله لنا.. بدل أن نكون مثل مواطنك نيوتن الذي لم يدرك أن التفاحة التي سقطت عليه وهو يستظل مثلنا تحت شجرتها كانت مكتوبة له، وبدل أن يأكلها راح المسكين يتساءل: لماذا لم تصعد تلك التفاحة إلى الأعلى؟ .. لماذا لم تتجه إلى شمال الشجرة أو جنوبها؟.. شرقها أو غربها؟.. ولماذا سقطت إلى الأسفل بالذات؟.. مواطنك نيوتن الذي أتعب بتلك الأسئلة نفسه وأتعب كل البشرية بعد ذلك باكتشافه قانون الجاذبية الذي منعك أيها الغرب من التقدم، وأبقاك ـ ويا للألم ـ في عالم التخلف ، منجذبا دوما إلى الأرض ، غير مدرك أن فوقك سماء عليا ، لا يصل إلى كواكبها ولا يخترق فضاءها إلا من كان متحررا من قانون تلك الجاذبية ..
أيها الغرب، بالله عليك، أنقذنا من تقليدك حتى لا نقع في أسر تقليد نظامك السياسي الديمقراطي ، ومجتمعك المدني المسؤول ، فنتخلى بذلك عن أصالتنا ، حيث الاستقرار الاجتماعي بفضل عصا الاستبداد الطويلة ، وحيث الناس رعايا يتصرف المستبدون فيهم كما يشاءون ويفكرون بدلا عنهم ، ويكفونهم بذلك تعب وجع الرأس بالتأمل والتفكير ،لا مواطنين أحرارا يثيرون المشاكل لحكامهم ، أولي أمورهم الذين أوصى الله بطاعتهم ، ويطالبون بالمساواة معهم مخالفين بذلك أيضا الآية التي تقول:" ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات" ، نعم درجات حسب فهم حكامنا المستبدين لها، وهو الفهم الذي لا يعارَض ، وإلا كان الأمر خروجا عن طاعتهم الواجبة كما رأينا..
أنقذنا حتى لا نبني مساكننا بشكل يجعلها أقل تعرضا لآثار الزلازل المدمرة، لأن في ذلك وقوفا ضد القضاء والقدر..
أيها الغرب الرجيم، أنقذنا من تقليدك حتى ............................................................................ نحيا.



#الطيب_طهوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- !أيها الغرب، أنقذنا من تقليدك
- الموتى.. يهاجرون أيضا
- رحيق الأفعى
- الأصولية،الاستبداد والغرب الرأسمالي
- الطريق
- نهايات طللية
- مهاباد مهداة إلى عبد الله أوجلان
- العرب بيت الديكتاتورية والفهم المتخلف للدين


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الطيب طهوري - الأصوليات الإسلامية وادعاءها تقليدنا الغرب