أسئلة
مثّلَ سقوط الدولة العراقية في التاسع من نيسان 2003م علامة فارقة في قاموسنا الوطني ، فبعد ثمانية عقود من كيان وفعل وحِراك الدولة العراقية .. سقطت واضمحلّت ، لتعود أُمتنا العراقية إلى المربع الأول .. لتنسج دولة وكياناً رسمياً من الصفر !! كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا !!!
إنَّ تركة الثمانين حولاً من عمر الدولة العراقية أعظم من أن ترتضيها الضمائر الوطنية الحيّة .. هي تركة احتلال ومقابر للأجساد والأرواح والآمال خلّفتها دولتنا الحديثة التي صالت وجالت في أفعالها الإنتحارية !! لقد فشلت دولتنا – أيها العراقيون - لا في التقدم والتطور والعمران فحسب ، بل بالبقاء والحياة !!!
وهنا تُثار أسئلة قلقة على مذبح هذه الفاجعة الكُبرى ، منها : هل كانت لدينا دولة حقاً .. أم كانت لدينا سلطة الفرد والقبيلة والطائفة متلبسةً بزي الدولة ؟ هل أنَّ موتها المدوّي أنتجه فعل الإجتياح الخارجي .. أم هو حصيلة سوء مناهجها وآلياتها وسياساتها ؟ ومَنْ هو المسؤول عن فعل الدولة وانتحارها .. أهو شخص الحاكم المستبد والطغمة المتفرعنة أم هو نتاج وعي وفعل الكُل ؟ وما مدى تلاحم حياتها أو موتها بمناهج الفكر والثقافة والتربية ..الخ ؟ وكيف نضمن عدم تكرار هذه الكارثة الوطنية العظمى ؟
أسئلة تتطلب استنفاراً وطنياً للوعي والنقد والمحاسبة ، بعيداً عن التسطيح وكبرياء الكرامة المصطنع ،.. فحجم الكارثة يستدعي ثورة على الذّات لنفي توابيت الوعي المزيف والذي يرمي بالسبب هنا وهناك دون أن يُلامس الحقيقة أو أن يقترب من تخومها .
الدولة
الدولة هذه الظاهرة الإجتماعية الأصيلة والتي أنتجتها الفاعلية الإنسانية التأريخية ، أكبر من أن تُختزل بهيئة سلطوية أو مؤسسة حاكمة ، بل هي تعبير عن الناظم والضابط الكُلي المُعبّر عن الجماعة والثقافة والوطن والسلطة ، فالدولة هي الناتج الكُلي الحاصل من : تماهي الأُمة المكوّنة للجماعة السياسية بالقيم والقوانين المكوّنة للثقافة بالإقليم المكوّن للوطن بالمؤسسة الإدارية المكوّنة للسلطة ،.. وكلما تمازجت وتناغمت واتحدت هذه العناصر بعضها ببعض في الوعي والتشريع والتطبيق .. كلما أنتجت جوهراً متطوّراً قادراً على التجذّر والفاعلية والحضور يُسمّى الدولة .
من هنا كانت الدولة هي ذلك الجوهر المُنتج للأنا الكلية من خلال حركة التفاعلات العميقة لمكوناتها الأصيلة من أُمة وقيم وإقليم وسلطة ، وكل ما ينتج عنها من تشريعات وبرامج وأنظمة وسياسات إنما هو تعبير عن جوهرها الأصيل هذا ، وبقاؤها مرتبط بفاعلية جوهرها وشدة تعبيره عن مكوناته ، فإذا ما تحوّلت الدولة إلى قوة سيطرة مجردة ومنفصلة عن مكوناتها .. فستفقد شرعيتها وتطوّرها الذاتي وستدخل في خصام وصراع مع مكوناتها .. فتحدث القطيعة ، ومع القطيعة ستضمحل القيم وينتفي القانون وتغيب الحريات ويُودع الأمن ويُصادر التعايش وينكفيء التقدم .
الدولة هي ذات جماعية مدنية تعتمد التكافؤ والتعاون والتضامن والولاء الوطني القافز على أُطر العِرق والطائفة والقبيلة والعائلة ، وهي المؤسِّسة للمصالح العُليا على حساب مصالح الكانتونات الضيقة التي تُحاول اغتيال الدولة وابتلاعها لصالح عصبيات وعصبويات فئوية مصلحية مقزّمة .
والدولة الحقيقية ليست عنواناً مُعلّقاً في الفراغ ،.. هي القيم الصالحة المتجسّدة والثقافة الحيّة المتحركة والحريات المُصانة الفاعلة والتشريعات العادلة المُطبّقة ، هي السيادة المفعمة بالكرامة والسلطة المنقادة بالعدل والأُمة المُبدعة للتطوّر ،.. من هنا كانت الدولة نتاجاً لأصالة وفاعلية وتطوّر مكوناتها .
دولتنا
فهل كانت لدينا دولة وفق أبسط تعاريفها وأدنى مقوماتها ؟ .. بالقطع لا .. وإلاّ لما استحالت رُكاماً من أطلال ،.. والسبب :
أنها دُمجت بالسلطة ، إذ ليس هناك تمايز بينهما لا في الكيان ولا في الدور ولا في الوظيفة ، لقد ابتلعت السلطة الدولة ، وكانت السلطة عنواناً للأنا العِرقية والطائفية والفرعونية المستبدة ،.. وهكذا ابتلعت الأنا السلطة ، وابتعلت السلطة الدولة ، فغدت الأنا في عمقها العِرقي أو الطائفي أو الحزبي أو الفردي .. هي الدولة ،.. من هنا كانت لدينا دولة الملك ودولة الحزب ودولة الفرد ، ولم تكن لدينا دولة الدولة ،.. فبذهاب الملك أو الحزب أو الفرد تذهب الدولة .. لأنها لم تكن دولة !!
إنَّ الدمج القائم بين الدولة العراقية والسلطات الحاكمة على تعاقبها ، أدى إلى بروز مشكلة غياب الدولة التي تم تجييرها بالكامل لصالح السلطة ، وبسقوط السلطة تسقط الدولة ككيان ومؤسسات ،.. لذلك لم تنشأ لدينا دولة عراقية متجذّرة بأنظمتها الدستورية ومؤسساتها العامة الممثّلة للأُمة والوطن ، بل نشأت وما زالت لدينا سلطات مثلّت واختزلت وصادرت دور ووجود الدولة ، وبلحاظ افتقاد السلطة للشرعية والمشروعية ونتيجة لمعاييرها الوطنية الهابطة المنتمية إلى الطائفة والعِرق والعشيرة والعائلة .. فقد التجأت إلى القمع وتشتيت الوحدة الوطنية لضمان السيطرة والبقاء مستفيدةً من مفهوم وسلطة الدولة في تبرير وجودها وتنفيذ سياساتها الضيقة ، وهنا فأي إسقاط لها يعني إسقاطاً للدولة والسلطة معاً ، وهي نتيجة حتمية للدمج المقصود بين الدولة والسلطة في الوجود والوظيفة والدور .
كما أنَّ دولتنا افتقدت مشروع الدولة في عمقه البُنيوي الوطني الشامل ،.. فمن ناحية لم يتم العمل لإعادة إنتاج الذّات العراقية بما يوافق واقعها الحديث بعد قيام الدولة العراقية 1921 م ، بل عمدت إلى تبني المشاريع البُنيوية الكارثية من قَبيل القومية المتطرفة والطائفية المقيتة ،.. ومن ناحية أُخرى غيّبت استحقاقات الخصوصية العراقية في العمل القيمي والسياسي والمجتمعي ، مما أنتج التبعية الدينية والعِرقية والسياسية لما وراء الحدود ،.. لقد تماهت إيديولوجياً وبرامجياً في الفكر والطروحات والتجارب العامة أو المثالية أو الحالمة أو المصطنعة أو الزائفة على حساب خصوصيات الواقع العملي وخصائص الذات الوطنية العراقية ومقوماتها الرئيسة ، مما أنتج التعويم لهوية العراق والمصادرة لخصوصيته والإستلاب لطاقاته .
والأدهى ، قامت دولتنا على مناهج الإستبداد والعنف والعسكرة والحروب ، ففارقت الديمقراطية والعدالة والسِلم ، وتنكرت للدّين والمُثُل ففارقت الفضيلة والإستقامة ، وأمعنت في السحق لحقوق الإنسان والجماعات فصادرت المواطنة والحريات ، وشرّعت للتمايز فقضت على المعايير الوطنية الشاملة والعادلة والمتكافئة لأبناء الوطن الواحد .
لقد أتلفتها يد الفناء عندما نخرتها من الداخل عوامل الفساد والظلم والإجترار والسَلبية ، وهي أفعال يشترك المركّب الإجتماعي ككل في إنتاجه ، من هنا تجب الثورة على الذّات الوطنية لقراءة وتغيير متبنياتها ونظرتها للحياة والتعايش والعلم والتنمية والتطوّر ، فاندثار دولتنا مصداق لفشل منظوماتنا الثقافية والسياسية ، وهو درس على نُخبنا وقِوانا الوطنية وعيه بدقة ،.. ولن يستقيم أي بناء قادم ما دامت طروحاتنا تعتمد ذات المفاهيم والثقافات والمناهج التي قادت إلى الكارثة ،.. لن تنتج دولة وتحيا سلطة ويتماسك وطن ويشمخ إنسان وتزدهر أُمة وسط تجربة تتنكر للقيم وتغتال الحريات وتُصادر الحقوق وتتراخى في الواجبات ،.. وسط تجربة تمجد المثال على حساب الواقع وتؤثر الإدعاء على حساب المبادرة وتعتمد العشواء على حساب النظام وتستطيب الإنغلاق على حساب الإنفتاح وتُراوح في التردد على حساب الحسم وترتضي التبعية على حساب الريادة وتستدعي الهجانة على حساب الأصالة .
إنَّ الأُمم تنهار من الداخل قبل أن يذبحها سيف الطاغوت أو يُسقطها فعل الإجتياح ،.. فكان لزاماً وطنياً على نُخبنا وقِوانا وجماهيرنا أن ينهضوا من ركام الكارثة بوعي وثقافة وإرادة وتصميم خلاّق يتجاوز إعاقات الماضي ويؤسس لدولة رفيعة ووطن مجيد وإنسان مُكرّم وأُمة رائدة .
رؤى عامة
إنَّ مهمة خلق تجربة نوعية تشمل الإنسان والأُمّة والدولة العراقية هي مهمة الكُل العراقي على تنوعه ، وهي مهمة شاقّة وطويلة تستلزم الوعي والصبر والمثابرة والتسامح والمرونة في إقرارها وتمكينها لجعلها حقيقة قائمة ، وبالذات ما يتعلق بإنتاج دولتنا الجديدة التي تتطلب جُهداً وحرصاً وتسديداً كبيراً لضمان تنشئتها وفق أنظمة وتشريعات ورؤى سديدة ومتطورة لضمان حفظ وجود ومصالح أُمتنا العراقية ومكتسباتها الوطنية وتأصيلها والدفاع عنها ،.. وأدنى اجترار وسلبية وتراجع واستصحاب لمعوقات الماضي يعني لمجتمعنا دورة عنف ومسخ وإذلال وسحق جديدة ، وهذا مما لا يُقبل إنسانياً ووطنياً ، فوضع حدٍ نهائي للتجارب الكارثية مقترن بإنبعاث قوى مجتمعنا الواعية والأصيلة والناهضة لتأسيس تجربة نوعية تضع حداً فارقاً مع تأريخ الإستلاب والإستعباد والتنكيل ، وتلك من أولى مهام المجتمعات الحيّة المستوعبة والهاضمة لدروس التأريخ .
وأرى ، أنَّ من أهم الرؤى القادرة على رسم معالم جديدة لمسيرتنا الوطنية بما يقبر تجارب الماضي الكارثي ، تتمثل بما يلي :
1)) قيام دولة ديمقراطية مدنية ترفض كافة أشكال الأنظمة والبرامج والتجارب الدكتاتورية لقيادة وإدارة المجتمع والبلاد تحت أي مسمّىً كان حاضراً ومستقبلاً ،.. وتلك من أهم وأقدس المهام الوطنية التي تقع على عاتق أُمتنا العراقية سواء في رفض ألوان الحكم المستند إلى الأنماط الإستهلاكية من الشرعيات التقليدية القائمة على الفرد المتفرعن والعِرق الأوحد والطبقة المتميزة والطائفة الضيقة ،.. أو الشرعيات الثورية المزيفة والفاقدة للأُسس القانونية والدستورية والرضا الشعبي .
إنَّ انغلاق الحكم وانسداد أُفقه وامتناعه عن التطوّر الذاتي ، وإبعاد الأُمّة عن المشاركة في الحياة السياسية المدنية ، والإنفراد المطلق بالقرار والبرنامج والإدارة العامة للدولة ، والحرمان من التمتع بحماية القانون وانتفاء المؤسسات الدستورية والمدنية الحقيقية ، وقمع الحريات ومصادرة حقوق الإنسان ، ونفي التعددية وحق الإختلاف وتعدد الإجتهادات والرؤى في إدارة الحياة ، وشيوع الإستبداد الشامل والخوف المُنظّم والقمع المتصل والإخضاع المُبرّمج والإكراه الدائم ، إضافة للتجهيل المتعمد وتسطيح الوعي وبروز معالم القمع والرعب والإرهاب والنفي والإعدام والإعتقال التعسفي والإستعانة بقوانين الطواريء وافتعال الحروب والأزمات الخارجية وسيادة دور الشرطة والعسكر ودوائر الأمن ،..كل هذه الإفرازات السلبية ما هي إلاّ نتائج أكيدة لأنماط الأنظمة والتجارب الدكتاتورية المستبدة التي يجب القضاء عليها ونفيها من ساحتنا الوطنية .
وهنا يجب الإعتناء بتوفير جو قانوني وفكري وثقافي وتربوي جديد في التعاطي مع الدولة والسلطة للقضاء على جذور ومناشيء الدكتاتورية والإستبداد ، ومنها : الفصل التام بين الدولة والسلطة ، فالدولة يجب أن تتكامل وتتجذّر وتبقى ببقاء مؤسساتها الثابتة من خلال الدستور الدائم ومؤسسات القضاء والمحاكم العليا والجيش وقوى الأمن وسائر مؤسسات البلاد الإقتصادية والعلمية والتربوية ..الخ ، فمنظومة القوانين الدستورية وهياكل الأجهزة الرسمية وأنظمة البلاد الأساسية إنما تمثل الدولة العراقية التي هي تعبير عن العراق كأُمّة ووطن وسيادة .. فهي ثابتة ودائمة ومنفصلة عن السلطة ، فالسلطة هي جهاز إدارة وتنظيم وتسيير للعمليات السياسية والإقتصادية والثقافية ..الخ ، أي أنَّ السلطة التي تمارس الحكم إنما هي قوة تنفيذية لإدارة شؤون البلاد وفق ثوابت وأساسيات الدولة العراقية ، وبقاء السلطة مشروط بالقبول والرضا الشعبي المُستحصَل من خلال آليات الإنتخاب الديمقراطي النـزيه ،.. وبذلك نضمن عدم تجيير الدولة لصالح السلطة وعدم إستبداد السلطة واحتكارها للدولة ككل .
كما أنَّ نفي مظاهر التعظيم والتفخيم لرجالات الدولة أو السلطة وذلك من خلال الإمتناع عن لصق الألقاب الرنانة والصفات المبالغ فيها والتي توغل في صنع الدكتاتوريات التي ترى تميّزها وتفردها بالعقل والخبرة والدم الأزرق !! ونفي مظاهر الإسفاف في الولاء من خلال الصورة والدعاية ومظاهر التبجيل ، وخلق ثقافة السؤال والمحاسبة والإستقالة للمسؤولين ، وإشاعة مفاهيم التكافؤ والتواضع والإندكاك في الأوساط الجماهيرية ، واعتبار الموقع مسؤولية لا امتيازاً ، واعتماد معايير الكفاءة والخبرة بدل الأنساب والمحسوبيات ، والإحتكام للقانون وسيادة الأنظمة على الجميع .. الخ ، كل ذلك يضمن لنا تحجيم وطرد ثقافة الإستبداد والتفرد بالرأي واستغلال السلطة والإنتفاع غير المشروع من الحكم والمسؤوليات الرسمية .
2)) إستقلال العراق التام والحقيقي ، ووحدة شعبه ومجتمعه ، وسيادته الكاملة على أراضيه وحدوده المعترف بها دولياً .
إنَّ استقلال العراق يتجسد في مبادئه وسياساته وقراراته النابعة من مصالحه الوطنية العليا ، ويبرز من قراءاته ومواقفه غير الخاضعة للهيمنة والوصاية ، ويتأكد من خلال خططه الشاملة للإقتصاد والأمن والتحالف الخارجي ، فوحدة مجتمعية واقتصاد قوي وأمن شامل وتحالف مُتكافئ هي الركائز العملية للإستقلال الكامل .
كما أنَّ الوحدة الشعبية والمجتمعية تتجسد في إلغاء كافة مظاهر التمييز والتفرقة القومية والدينية والطائفية والسياسية ، واعتبار الكُل العراقي سواسية في الحقوق والواجبات ، وتعميق وترسيخ قيم المواطنة وأُسس المشاركة الحقيقية الكاملة للمواطنين في إدارة الدولة والقيام بالأنشطة الوطنية على تنوعها ، وبالسعي للقضاء على الفجوة بين الدولة والأُمّة من خلال الإنبثاق الطبيعي للدولة والسلطة من رَحم الأُمّة ذاتها ، وبالتفاني لتطبيق السياسات العادلة والمتوازنة والحكيمة الهادفة لخدمة الوجود العراقي برمته ، مما ينفي أي شعور بالتمييز وأي مُبرر للإنقسام المجتمعي .
كما لابد وأن تتجسد السيادة على شكل ثوابت وطنية غير قابلة للإختراق أو الإخلال أو المتاجرة من قبل أية جهة ولأي شأنٍ كان ، فسيادة الدولة على رقعتها الأرضية ونطاقها المائي ومجالها الجوي ، وسيادتها في شؤونها الداخلية وسياساتها الخارجية ، وسيادة إنسانها وقوانينها ودينها وقيمها .. لهي ثوابت السيادة العراقية .
3)) الإختيار الشعبي الحر والنـزيه والمتماشي مع آليات الإنتخاب الديمقراطي الصادق والتمثيل النيابي البرلماني العادل ، هو الأداة المُثلى لإقرار أنظمة العراق السياسية وإنشاء كياناته الحاكمة لإدارة برامجه الوطنية ككل ، والعمل الدائم بمبادئ التعددية السياسية ، وتداول الحكم سلمياً بعيداً عن العنف والتحكم القسري بالسلطة ، وعدم الإخلال بتوازنية السلطة بما يعكس واقع البلد وتعدد مكوناته القومية والدينية والطائفية .
إنَّ إعتماد آليات الفرز والترشّح والإنتخاب والإختيار الديمقراطي لإدارة تجربة الحُكم والسلطة إنما تُقر من خلال الإحتكام إلى إنتخابات حُرّة بإشراف من الهيئات الدستورية لضمان نزاهتها ، ويتم التسليم بنتائج صناديق الإقتراع بفوز الأغلبية في تشكيل الحكومة وقيادة الشأن العام وفق ضوابط الدولة العراقية .
مثل هذه الآليات تضمن لنا تداولية السلطة بشكلٍ إنسيابي وقمع احتكارها تحت أي عنوان ، وتضمن سلمية الحياة السياسية البعيدة عن التصفيات الدموية والتسلّق اللصوصي والإنقلابي في الوصول إلى الحُكم ، وتضمن أيضاً توازنيتها بعيداً عن التعسف والإضطهاد والإضرار بحق أية شريحة أو طبقة مجتمعية داخل إطار الوطن الواحد .
4)) العمل على توكيد دولة القانون ، فالكل سواسية أمام القانون من الرئيس إلى المرؤوس دونما تمييز على أساس عرقي أو ديني أو طائفي أو إجتماعي أو وجاهتي ، وتوثيق عُرى الشرعية الوطنية على ضوء دستور عادل ودائم ومسؤول للدولة العراقية يتطابق ومكونات هويتنا العراقية الأصيلة ويكون بمثابة وثيقة وطنية رسمية تشتمل على المباديء والقواعد والأحكام والصلاحيات والإلتزامات التي تُصاغ على أساسها الحياة القيمية والسياسية والمجتمعية للبلاد ككل ،.. والعمل بمبدأ فصل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ،.. واعتماد مبدأ توزيع السلطات والمنع من تركيزها بيد جهاز واحد لضمان عدم تجبّرها وطغيانها العملي ، ولضمان قيام حياة سياسية قانونية منضبطة ومتخصصة ضمن دوائرها وحقولها ،.. واستحداث أجهزة ومؤسسات حماية الدستور والمحكمة الوطنية العليا وعموم أجهزة الرقابة والمحاسبة القانونية للإشراف على سير وتطبيقات أجهزة الدولة ومساءلتها ومحاسبتها .
5)) الإقرار بالتعددية القومية والدينية والطائفية والسياسيـة كمكونات حقيقية للشعب العراقي ميزته طيلة وجوده الحديث ، فعلى الدولة والتجربة العراقية القادمة الإقرار والعمل على تمتع الكُل العراقي بنفس الحقوق والواجبات الوطنية دونما أدنى تمييز أو تهميش أو إقصاء بسبب العِرق أو الطائفة أو الإنتماء ، لضمان شيوع العدل وسيادة الحقوق وتحقيق المساواة لكافة أبناء الوطن .
وفي هذا الإطار نرى : بأنَّ صيغة الحكم الفيدرالي تُعتبر إحدى التطبيقات الممكنة لنيل الحقوق المشروعة لشعبنا الكردي ، على أن تُعرض على الشعب العراقي ككل من خلال استفتاء حقيقي يُحدد صيغ التنظيم المجتمعي والسياسي داخل إطار الوحدة العراقية شعباً وأرضاً ودولةً ،.. وعندما نقول بأنَّ الفدرالية تُعتبر إحدى التطبيقات الممكنة كوننا لا نحصر الحل بالمسألة الفدرالية فحسب بل نترك الباب مفتوحاً لأية صيغة تُحقق لشعبنا الكردي ولكافة قومياتنا وطوائفنا العراقية الحقوق المشروعة ضمن الوحدة والسيادة العراقية الكاملة غير المنقوصة ،.. لذا فمن التطبيقات الممكنة الأخرى : قيام دولة المشاركة الوطنية التي تعتمد الكُل العراقي على تنوعه دونما استثناء لإدارة شؤون بلدهم إستناداً على قاعدة (( الشّراكة الوطنية )) الكاملة والعادلة وذلك من خلال حياة ديمقراطية برلمانية حقيقية تقوم على أساس الإنتخاب الحر والتمثيل النيابي الحقيقي لكافة مكونات الشعب العراقي ، على أن تُضمن الحقوق المشروعة لإخوتنا الكُرد دستورياً وقانونياً بشكل غير قابل للإختراق والتجاوز من قبل أية حكومة أو سلطة ،.. وهذا التصور يشمل جميع إخوتنا من القوميات والطوائف الأخرى كالتركمان والآشوريين والكلدان والصابئة وغيرهم من أبناء وطننا العراقي الحبيب ، لإنتاج دولتهم التي هي مُلك الكُل العراقي دونما أدنى تمييز أو ظلم أو احتكار .
6)) الإقرار الدستوري والقانوني بالحريات الخاصة والعامة التي تضمن للإنسان العراقي حرية التعبير والرأي والإختيار والتّملك والعمل والتظاهر والإضراب والإجتماع والسفر ..الخ ، واعتمادها كحق إنساني ووطني أصيل وليس حقاً مكتسباً من الدولة أو السلطة ، وصياغة كافة الأنظمة والقوانين على أرضية حقوق وكرامة وحيثية إنساننا العراقي ،.. وأيضاً إطلاق الحريات الإعلامية لكافة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية لضمان شيوع الوعي ورصد الحقيقة ومتابعة الشأن العام للدولة وخط سير المؤسسات والإحاطة الواقعية بمجريات الأحداث في العالم دونما تعتيم أو مراقبة أو تعمية ،.. وأيضاً إطلاق فاعليات المجتمع من خلال السماح بتشكيل الأحزاب والجمعيات والإتحادات والمؤسسات المجتمعية المدنية البنّاءة والهادفة والمسؤولة وبما يتفق مع الدستور وقوانين البلاد المرعية .
7)) إعتبار الإنسان العراقي (( ذكراً أو أُنثى )) هو الثروة الحقيقية للبلاد ، لذا على التجربة والدولة العراقية الجديدة تنميته وترشيده ودعمه وتوفير كافة المستلزمات والإمكانات لرقيه القيمي والأخلاقي والمعرفي والعلمي والحضاري ، وجعل ذلك أولوية كُبرى لبرامج البلاد . ونؤكد هنا على الثروة البشرية والعلمية والإقتصادية الهائلة المتمثلة بالتواجد العراقي الكبير في المهجر ، وعلى الدولة العراقية العمل الدؤوب لتسهيل إعادة هذه القطاعات الهامة من أبناء شعبنا من خلال سن التشريعات وإعطاء التسهيلات للتمهيد لعودتهم إلى أرض الوطن ، والتنسيق والدعم والتبني والتعاون مع مَنْ يُريد البقاء خارج الوطن .
إنَّ اعتبار الإنسان هو الثروة يعني في عمقه إعادة إدراك القيمة الإنسانية والوطنية للإنسان كوجود مُستهدف من جملة الرؤى والأنظمة والبرامج والتشريعات ، وكافة الشرائع السماوية والأرضية إنما تستهدف الإنسان في حركتها الكلية تنميةً وترشيداً وتعليماً وتربيةً وسعادةً .
8)) مدنية السلطة السياسية الحاكمة ، لذا يجب عدم عسكرة الحياة السياسية في عراق الغد سواء على صعيد الفكر أو البرنامج أو المنهج ، وأيضاً سلمية عموم الحياة السياسية العراقية بعيداً عن الأساليب الدموية سواء في إدارة الدولة أو في حركة المعارضة لها .
ونرى ضرورة التأكيد على إعادة بناء الجيش العراقي وعموم مؤسسات الأمن الداخلي وفق مقومات المهنية والدفاع وآليات العمل السلمي والقانوني ، ووجوب إعتماد مبدأ إستقلالية منتسبي السلك العسكري عن أي انتماء حزبي بما يضمن عدم التدخل في الحياة السياسية للبلاد .
كما نرى ضرورة إزالة كافة أسلحة الدمار الشامل وتنقية العراق منها نهائياً وتفكيك البُنى التحتية لهذه الصناعات التي هددت وتُهدد أمننا واستقرارنا وتستنـزف إمكانات البلاد دونما طائل .
إنَّ الجيش وكافة قوى الأمن الداخلي من المؤسسات الوطنية التابعة للدولة ، لذا عزلها عن السلطة يعني القول بهويتها الوطنية المنتمية للأُمّة العراقية ككل ، الأمر الذي يستدعي رفض أية ميول سياسية ضيّقة واتجاهات حزبية خاصة من التوغل والتأثير على هذه المؤسسات ، فذلك مما ينفي استقلاليتها وانتماءها للأُمّة ويُدخلها كأداة صراع في كسب النـزاعات السياسية داخل الوطن ، فالإنقلابات والإنقلابات المضادة بما يُصاحبها من دمار وكوارث على الأمن والإستقرار والتنمية هي نتائج طبيعية لتسييس الجيش وإدخاله كأداة لتصفية الخطوط السياسية وطريقاً للوصول إلى السلطة .
كما لابد من التأكيد على وجوب إلتزام كافة الأجهزة الأمنية بالقوانين المرعية والنافذة في البلاد والتي يجب أن تقوم على احترام حقوق الإنسان وحرياته المشروعة وكرامته المطلقة ، لذا فلا اعتقال أو حبس أو توقيف تعسفي غير قانوني ، وكافة أنماط الجريمة والعقاب لا تتم إلاّ بنص قانوني ، ويجب إعادة النظر الشاملة بقوانين التوقيف والعقوبات والسجون بما يتلائم وكرامة الإنسان وحيثيته .
9)) كافة الأُطر القانونية والتشريعات الإقتصادية وعموم برامج الأنشطة الرسمية للدولة العراقية ، من اختصاص مرافق الدولة ومجلس الأُمّة وهيئات الحكم التشريعية والتنفيذية المنتخبة ، مع التأكيد على أهمية تبني آليات الإقتصاد الحديث في تفعيل أوجه الحياة الإقتصادية للبلاد ، مع الإقرار بملكية وسيطرة الدولة على الثروات الأساسية كالنفط وباقي ثروات وموارد البلاد الأساسية ، ومراعاة أنظمة الضمان والتكافل والعدالة في التشريع والخطط الإقتصادية وبما يضمن تلاشي الطبقية الفاحشة وقمع الفقر والعوز والحاجة وبما يُحقق الرفاه الإقتصادي كهدف يشمل كافة شرائح مجتمعنا العراقي ، وأيضاً حماية الدولة لمبدأ الضمان والتأهيل الإجتماعي بما في ذلك مجانية التعليم في كافة مراحله من الإبتدائية إلى التعليم العالي ، ومجانية خدمات الرعاية الصحية ، وضمان حق العمل وحق التقاعد وحق التعويض وحق التأمين الصحي ، وعلى الدولة تحمل الأعباء الإقتصادية تجاه الكوارث العامة التي تُصيب البلاد والمواطنين كما في حالات الزلازل والفيضانات .
إنَّ الحكومات مسؤولة بشكل مباشر عن وضع الخطط الإقتصادية التي تضمن النهوض الصناعي والتجاري والزراعي الشامل ، وبضمان خلق التوازن والإستقرار والتنمية المجتمعية العامة ، وإقرار العدل في توزيع الثروات وفي رعايتها وتنميتها والإبتعاد بها عن التوظيف المنحرف والإستغلالي والفئوي باعتبارها عصب الحياة والأساس الطبيعي الذي تستنده كافة عمليات البناء والتقدم الوطني .
10)) العمل على إعادة اللُحمة للشعب العراقي بما يعزز من وحدته وتماسكه وذلك من خلال إلغاء الطائفية الدينية والسياسية والقومية التي اضّرت بالنسيج المجتمعي ، والعمل على تنظيم قوانين وثقافة الإنتماء الوطني الجديد المتناسب مع مخاضات التجارب القمعية والتفتيتية للبُنية العراقية بما في ذلك تنظيم الأُطر القانونية للجنسية العراقية ، وإعادة الإعتبار والممتلكات لقطاعات الشعب المتضررة من السياسات الإجرامية السابقة لنظام الطاغية صدام حسين ، وسن القوانين والمحاكم الخاصة بمحاكمة أقطاب السلطة وأزلامها على جرائمهم بحق شعبنا منذ توليهم لزمام الحكم عام 1968 ، وأيضاً المباشرة بجرد ممتلكات الدولة داخل الوطن وخارجه ومحاسبة رؤوس وأقطاب السلطة على ممتلكاتهم المالية والعقارية وغيرها وملاحقتها قانونياً ودولياً .
11)) أُطر وصيغ ومناهج وأشكال العمل الديني والسياسي والمجتمعي العراقي على تنوعه يجب أن تقوم على مباديء ؛ عراقية هذه الأُطر ، إستقلاليتها عن الغير ، سلميتها في الأداء والعمل ، وطنيتها في التوجه والولاء ، حفاظها على الوحدة والسيادة العراقية .
وهنا ؛ فإنَّ التداخل والتشابك الحاصل تحت عناوين دينية أو طائفية أو قومية يجب أن يُحل على أساس المواطنة والوطن العراقي ، فلا يمكن قبول نفوذ أو سيطرة أو تأثر أو إنتماء أو ولاء أي إطار أو رمز أو نخبة أو حزب لا تنتمي إلى العراق كهوية وطنية وولاء وطني ، كما لم يعد مقبولاً تبعية الفكر أو الرمز السياسي والديني والقومي إلى خارج الوطن ، وأيضاً فأي فعل أو ممارسة سواء في جوانبها السياسية أو المجتمعية أو الدينية يجب أن تلتزم بالأُطر والمناهج السلمية البعيدة عن العنف والإقتتال ، وبوجوب الإلتزام المطلق بالقيم والتطبيقات المعززة للوحدة والنافية للتشتت المجتمعي ، وبوجوب الإحتكام إلى الحوار وحل الإختلافات بالطرق السلمية ، وجعل الولاء الوطني قيمة عليا لا يمكن تجاوزها بما يُعزز سيادة وأمن ووحدة واستقلال العراق .
12)) التبني الفكري والبرامجي لتمكين وترسيخ حياة وثقافة السلم والأمن والحرية والكرامة وكافة قيم وحقوق الإنسان الطبيعية والوطنية المشروعة ، وجعلها ثقافة حيّة مُجسدّة قانونياً وتطبيقياً وحمايتها دستورياً .
إنَّ ثقافة الحرب والإضطهاد والإذلال ومصادرة الحريات والحقوق المشروعة ،لهي من أهم مظاهر الإستبداد الشامل الذي طُبعت به الحياة العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ، والمطلوب النهوض ببرنامج وطني شامل يتنوع سياسياً واجتماعياً وثقافياً لتأسيس حياة مدنية تتسم بالسلام والتسامح والأمن والكرامة .
13)) تسوية التركة الكارثية لنظام صدام حسين المقبور في أبعادها القانونية والسياسية والإقتصادية مع كافة الدول الإقليمية والدولية وفق تفاهمات ومعاهدات ثنائية عادلة أو وفق المواثيق والقوانين الدولية بما يخدم واقع ومستقبل العراق ، وعلى أساس أنها تركة نظام دكتاتوري شاذ يجب عدم تحميل الشعب العراقي أوزارها وضرائبها ،.. والسعي الرسمي والشعبي للمطالبة بالوقوف مع العراق لإعادة بناء مرافقه ومؤسساته وتأهيله لتخطي الكوارث الإقتصادية والحضارية التي خلّفتها السياسات الحمقاء واللامسؤولة للنظام العراقي السابق .
14)) سياسة العراق تكاملية وإيجابية مُسالمة مع محيطه الإقليمي والعالمي تقوم علـى حُسن الجوار والتعاون والإحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ، وتسوية كافة مشاكل العراق السيادية والإقتصادية والسياسية بالطرق السلمية ووفقاً لأجواء الثقة المتبادلة والمعاهدات الثنائية وأنظمة القوانين والتشريعات الإقليمية والدولية ، والحضور والمشاركة الفاعلة في المحافل والأندية والمؤسسات العربية والإسلامية والدولية لضمان القيام بدور عراقي إيجابي في حل النـزاعات وتطوير قواعد التعاون والنهوض العام برسالة التناغم والتطور الإنساني .
15)) إحترام المواثيق والقوانين والمعاهدات الدولية بما يخدم قضايا العـدل والسلام والأمن والإستقرار الإقليمي والعالمي ، ونبذ ومكافحة العنف والإرهاب لضمان سيادة السلام العالمي بين الشعوب والحضارات الإنسانية . إنَّ تحقيق متطلبات الأمن والعدالة والإستقلال والرخاء وكافة الحقوق الوطنية المشروعة لكل الشعوب والأُمم بعيداً عن إرهاب الأفراد والجماعات والدول لهو هدف إنساني على الشعوب كافة التعاون لإنجازه بما يُحقق الأمن والسلام العالمي .
16)) تبني القيم الدينية الرفيعة والأخلاقية الفاضلة والعلمية الراقية والحضارية المسؤولة في إقرار وتنظيم مجمل عمليات البناء المجتمعي لعراق الغد .
إنَّ مهام البناء لإنساننا ومجتمعنا ووطننا يجب أن تلحظ كافة المنظومات التي تستهدف الإنسان كمشروع قيمي وتنموي وتوعوي وتربوي وعلمي وتكاملي شامل يجهد للنهوض به كوجود هادف ومسؤول بعيداً عن الإنحراف والجهل والتطرّف والإنغلاق ، وبما يُعزز الفضيلة والتقدم والتطور في مجمل حياة إنساننا العراقي .
وفي هذا الإطار نؤكد على ضرورة اعتماد سياسات وخطط تعليمية جادة ومتقدمة لضمان خلق نهضة علمية وتقنية شاملة ، وأيضاً لابد من إعادة الإعتبار للعلم والعلماء والمتخصصين والكفاءات والخبرات النوعية وعموم الجامعات والمعاهد العالية والمؤسسات العلمية والبحثية وتشجيعها ودعمها بالإمكانات والحوافز المتنوعة ، ونرى ضرورة تخصيص وزارة ذات موارد مالية ضخمة لتسيير خطط وبرامج النهضة العلمية في البلاد ، واعتبار العلم والتقنية مورد من الموارد الأساسية للبلاد .
ومع ثورة المعلومات والإتصالات والتقنيات الحديثة والتي جسّدت الإنسانية من خلالها قفزات نوعية جبارة في ميادين الحياة المختلفة ،تبرز أمام مجتمعنا ودولتنا مسؤوليات ضخمة في العمل الجاد والمتواصل لهضم وتمثّل هذه الإنجازات الكونية الكُبرى ،.. من هنا فالتطوير الأمثل للمعلومات والأفكار ، والإدارة المُثلى للإمكانات المادية ، والتأهيل والتنمية الدائمة للكفاءات البشرية ، وضمن حاضنٍ من التوظيف الراقي في التخطيط العلمي والتنظيم الإداري .. يضمن لنا الإنبعاث المتجدد لردم الهوة وتلافي عهود التقهقر الذي أنتجته التجارب الكارثية لمسيرتنا العلمية والنهضوية .
17)) الإهتمام الإستثنائي بالأُسرة كوحدة إجتماعية فاضلة وأساسية في بناء مجتمعٍ متماسك وعلى الدولة حمايتها وصيانتها وتدعيم قيمها ووحدتها دستورياً وقانونياً ، وأيضاً العناية الفائقة بالطفولة من خلال النهوض الصحي والتعليمي والتربوي بها ، وعلى الدولة صرف مخصصات الطفولة لكل عائلة ،.. وأيضاً العناية الكاملة بالأُمومة كحاضن طبيعي لتنشئة الأجيال وعلى الدولة واجب الرعاية الإقتصادية والصحية والإدارية للأُم عند الحمل والوضع والرعاية لمدة سنتين ،.. وأيضاً العناية الفائقة بالشيخوخة والعجز واليُتم والترمّل والتعويق بما يشمله من قوانين الرعاية الإقتصادية والصحية والمعنوية .
18)) الإرتفاع بدور المرأة العراقية ككيان إنساني كامل وفاضل ، لها الحق في التعلّم والعمل والبناء والإنتخاب والترشّح والمشاركة في أنشطة الدولة والحياة العامة .
إنَّ على الدولة تنفيذ مشاريع وطنية شاملة لمحو الأُمّية اللّغوية والثقافية في أوساط المرأة ، وتنظيم برامج متخصصة لرقيها القيمي والفضائلي والعلمي والتأهيلي لمزاولة إمكاناتها وقدراتها الكبيرة بُغية المشاركة الفاعلة في نهضة أُمتنا العراقية التي يجب تحفيز وتنشيط ودعم كافة قطاعاتها وفئاتها للمساهمة في عمليات البناء والتقدم الوطني العام والشامل .
19)) دعم وترشيد وتعزيز وتطوير الفئات والقطاعات الشبابية بما يُعزز من أصالتها وانتمائها ورقيها العلمي والأخلاقي والحضاري .
إنَّ النهوض النوعي والشامل ببلدنا ، وتخطي الإخفاقات الكارثية بزمنٍ قياسي ، وتأهيله المجدد للتطور والتقدم ،.. لهو رهن إقرار خطط تنموية وتأهيلية جادة وهادفة ومتطورة تستهدف الشباب كطاقة مجتمعية رئيسة في إجراء التحولات الوطنية المطلوبة .
ونُجزم ؛ أنَّ خلق ذات وطنية عراقية نوعية جديدة فاعلة وأصيلة ومتطورة تتلافى إنتكاساتنا التأريخية التقليدية ، إنما هو رهن خلق تجربة وطنية شبابية تُشارك بعمق ووضوح في قيادة فاعليات مجتمعنا الرسمي والمدني في أنشطته العلمية والعملية كافة .
وعليه يجب أن تُفتح كافة الأبواب أمام قطاعاتنا الشبابية (( من الذكور والإناث )) دونما حواجز أو معوقات متأتية من النظرة التقليدية القاصرة تجاه الشباب ،.. إنَّ تخصيص الوزارات والجامعات والمعاهد ودور البحث والتأهيل ، وتوفير الإمكانات المادية والعلمية والتقنية والمراجع والمختبرات ، وتأمين أجواء الثقة والأمن والدعم لتولي فئاتنا الشبابية مقاليد القيادة والريادة المجتمعية على تنوعها ،.. لهي من أهم وأقدس واجبات الدولة .
** ** **