منذ فجر التاريخ شهدت المجتمعات الإنسانية أشكالا متعددة من العنف تتغذى على نزعات التمييز والميول العنصرية.ومع نشوء السلطة السياسية والاجتماعية عرفت الإنسانية جريمة التعذيب كأداة للقمع والتحكم من أجل الحفاظ على مصالح السلطة وضمانا لاستمرار سيطرتها وسطوتها. .
التعذيب هو من أبغض الجرائم التي شهدها التاريخ منذ ميلاد أول سلطة، جريمة ترتكبها الجهات الرسمية أو تسمح بارتكابها أو تتغاضى عنها، متسلحة في ذلك بكل ما لها من قوة وسلطان وجبروت ليس فقط ضد الإنسان الأعزل الضعيف الذي لا حول ولا قوة لديه لمواجهة هذا الجبروت والطغيان، وإنما أيضا ضد المجتمع كله من خلال ترويعه وضمان انصياعه خوفا من التعرض لنفس المصير.
والتعذيب مثله مثل السرطان الاجتماعي ينخر في أساس المجتمع من خلال إهداره لكرامة المواطن ومن ثم نسف الأساس الاجتماعي للانتماء للوطن.. إذ كيف يكون الشعور بالانتماء لدى مواطني مجتمع يكتسب استقراره من الإهدار الدائم لآدميتهم.
ولم يكن الضمير الإنساني على مستوى العالم سلبيا ولا ساكنا أمام استشراء التعذيب، فطور موقفه من مجرد مادة خاصة بجريمة التعذيب في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ليفرد إعلانا خاصا بمناهضة التعذيب ليتطور بعد ذلك ويصبح الاتفاقية الدولية المخصصة حصرا لمناهضة التعذيب والمعاملة القاسية والحاطة للكرامة، ثم أدرج التعذيب المنظم ضمن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بوصفه جريمة ضد الإنسانية.
ولعل من أهم ما أسفر عنه الاهتمام الدولي بجريمة التعذيب بوصفها جريمة ضد الإنسانية هو الاعتراف بالحق في ملاحقة مرتكبي التعذيب، ليس فقط أمام المحاكم المحلية وإنما أيضا أمام المحاكم الدولية علاوة على منح المحاكم المحلية الصلاحية لمقاضاة مرتكبي التعذيب حتى لو تمت الجريمة خارج النطاق المحلى، وهو الاتجاه الذي تقاومه النظم المستبدة في العالم حيث ترفض الانضمام إلى الآليات التي تمنح مواطنيها والمقيمين بها هذا الحق.
وحين نتحدث في مصر عن التعذيب فإننا لا نتحدث عن مخالفة هنا أو هناك، لا نتحدث عن بعض الضباط المصابين بمرض السادية والتمتع بمشاهدة معاناة الغير بل إننا نتحدث عن سياسة قمعية تنتهجها وزارة الداخلية وأجهزة الأمن بشكل منتظم ومستمر ضد المواطنين لأسباب متعددة. يشهد على ذلك شكاوى المواطنين ومئات القضايا التي يجد القليل منها طريقه إلى القضاء على حين يحجز الجزء الأغلب منها من قبل النيابة العامة على اعتبار أنها تتضمن شكوى ضد موظف دولة!!! التعذيب في بلادنا ليس انحرافا فرديا لهذا الجلاد أو لغيره ولا يمكن النظر إليه بوصفه مشكلة قانونية تحل بإحكام الصياغة للنصوص القانونية، كما أنه ليس مجرد مشكلة مهنية تحل ببرامج تدريب جيدة الإعداد.
فالأجهزة الرسمية تنتهج التعذيب كوسيلة منهجية ومنظمة لترويع المعارضين، ولضمان الانصياع التام من قبل المواطنين لسياسات هذه الأجهزة.
فالدولة هي التي تقوم باستيراد أدوات التعذيب وتوزيعها على جلادي التعذيب وهي التي تعتمد التعذيب كوسيلة لجمع الأدلة والعقاب والقصاص. والدولة هي التي توفر الغطاء الرسمي والقانوني لحماية أعمال التعذيب خاصة إذا تمت ضد معارضيها السياسيين وهي التي تضع الصياغة القانونية والعراقيل الإجرائية لمحاسبة الجلادين . إن ذلك كله يدل على وجود سياسة مختارة عن وعى وإرادة وليست انعكاس لعدم فهم يحل بالإيضاح والتدريب.
جريمة التعذيب هي مشكلة سياسية اجتماعية في المقام الأول قبل أن تكون مشكلة قانونية أو فنية أو مهنية أو طبية رغم أهمية هذه الأبعاد: فهناك مناخ من العنف في المجتمع يستلهم العنف الرسمي وقد يشكل غطاء اجتماعيا للعنف الرسمي (التعذيب) وهذا هو البعد الاجتماعي لجريمة التعذيب. ثم أن التعذيب يمارس كسياسة مختارة لإدارة المجتمع ولجمع الأدلة وهذا هو البعد السياسي لجريمة التعذيب.
وحيث أن التعذيب سياسة تنتهجها الدولة في مواجهة مواطنيها فإن التصدي لها لا يكفي أن يتم عن طريق رفع القضايا وتأهيل الضحايا وترميم الجروح، وإنما يستدعي، وبنفس القدر من الأهمية، فضح تلك السياسة وما تمثله من انتهاكات لحقوق الإنسان.. لجميع حقوق الإنسان وليس فقط الحق في الحياة والحق في السلامة البدنية والنفسية.
لكل ما سبق فقد اجتمعت إرادتنا على تأسيس الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب
تأسسنا يوم أخطرنا وزارة الشئون الاجتماعية بنظامنا الأساسي فمارسنا بذلك حقا دستوريا وحقا أساسيا من حقوق الإنسان بأن يكون تأسيسنا بالتوافق على العمل المشترك والإخطار به.
نؤمن إيمانا راسخا بأن حقوق الإنسان هي شأن كل المواطنين وليست فقط ملكا لشريحة متخصصة وأن لكل مواطن الحق في معرفتها والتمتع بها وتملك سبل الدفاع عنها.
كما نؤمن بأن مناهضة التعذيب لا تكتمل دون العمل على انتزاع الحقوق الديمقراطية وإرساء مبادئ حقوق الإنسان مجتمعة وعلى رأسها الحق في التنظيم والاجتماع والتعبير والعقيدة.
وسوف نسعى إلى مناهضة التعذيب واحترام حقوق الإنسان لكل المواطنين بدون استثناء أو تمييز بكافة السبل الديمقراطية والسلمية، بداية من كشف الأسباب التي تستخدم زورا وبهتانا تبريرا له، مرورا بدعم ضحاياه بكل السبل المتاحة والعمل على تغيير التشريعات التي تستخدم لحمايته وانتهاء بملاحقة مرتكبيه داخل وخارج البلاد والعمل على أن يحاسبوا على ما ارتكبوه من جرائم .
لقد أسسنا الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب لنعمل معا ومع الآخرين على مواجهة التعذيب بوصفه مشكلة سياسية واجتماعية وبدون تجاهل أهمية الأبعاد الأخرى لجريمة التعذيب.
المؤسسون (أبجديا)
بسمه عبد العزيز
جاسر عبد الرازق
حسام بهجت (نائب رئيسة مجلس إدارة)
خالد علي عمر (عضو مجلس إدارة)
راجيه الجرزاوي
سوزان فياض
عادل المشد
عادل واسيلي (سكرتير عام)
عايدة سيف الدولة (رئيسة)
عبد الله منصور
علاء كمال
عماد مبارك
ليلى سويف
ماجده عدلي (أمينة صندوق)
منى حامد
مها يوسف
القاهرة 8 أغسطس 2003