|
الخطاب الديني الاصولي او احتكار بلاغة العنف السياسي
يوسف محسن
الحوار المتمدن-العدد: 1879 - 2007 / 4 / 8 - 11:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عيوب في اغلب الدراسات التي تشتغل حول الخطاب الديني الاصولي حيث غالبا ما تتسم هذه الدراسات باللغة الاعلامية والضعف النظري والابستمولوجي والمقولاتي فهي تبحث في (اسلام ميتافيزيقي) متجاوزة التركيبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والارضية التاريخية والعوامل التي من خلالها يتم حسم حركة التاريخ. فالخطاب الديني الاصولي سيشكل حيزا كبيرا في الفضاء السياسي والاجتماعي والاقتصادي للعالمين العربي والاسلامي ومن اجل وضع هذا الخطاب في سياقه التاريخي والفكري رغم التشابك الحاصل في هذه الظاهرة بالمقدس الديني مما يجعلها في كثير من الاحيان من المحرمات الثقافية فالظاهرة الاصولية بعيدا عن الابتذال السياسي والفكري والنزعات اللاموضوعية تعني رؤية للعالم تقف ضد العقلانية العلمانية وضد الميل الى النسبية والتسامح الديني وقبول الاخر المختلف (سياسيا ام دينيا ام ثقافيا) كما ترفض الفردية والحداثة وتصدر هذه الرؤيا المتشكلة والمتماسكة دوغمائيا من الايمان المطلق بأن الدين النقي يحل للانسان كل مشكلاته وتقوم على استقالة العقل والانسان في صنع التاريخ لكون الدين يعطي الحقيقة الكلية المطلقة من دون أي تدخل انساني الا بمقدار المشيئة الالهية. ونتيجة فشل المشروع الفكري للدولة القومية العربية وانهيار الكتلة السوفيتية والفراغ الايديولوجي الذي عم المجتمعات العربية والاسلامية واستجابة البنى والتكوينات الاجتماعية والاقتصادية والتشكيلات الفكرية التقليدية والفاعلين الاجتماعيين ادت هذه العوامل الى نمو الاصوليات الدينية بكل تنوعاتها حاملة مشروعها الكفاحي ضد الرأسمالية المعولمة رغم ان هذه الحركات الاصولية لا تملك ايديولوجية واضحة المعالم يضاف الى ذلك التخلف المريع في خطابها السياسي والايديولوجي حيث الحط من الكرامة الانسانية والهيمنة والسعي الى اقامة دولة شمولية استبدادية ورفض التعدديات السياسيات او الدينية او الفكرية والتعامل مع الجماعات البشرية غير الاسلامية بالعقل الاقصائي وتدمير مؤسسات المجتمع المدني بالاضافة الى هشاشة مشروعها الاقتصادي والاجتماعي حيث ان ظهور الحركات الدينية الاصولية الاسلامية كظاهرة نجد تفسيرها في لعبة الخفاء الايديولوجي للدولة الوطنية العربية الشعبوية وتطورات سياقها السياسي والطبقي والايديولوجي حيث ان هذه الدولة الوطنية العربية تقوم بتصدير الازمات المستديمة وفوائض العنف اتجاه مناهضة الغرب والحداثة وكره الثقافة الاوربية. فالخطاب الديني الاصولي يمثل ابرز التعبيرات الايديولوجية عن التناقضات والاخفاقات والفشل الاقتصادي والانحراف البنيوي الذي تعانيه هذه الدولة الوطنية العربية الشعبوية. فهي الحاضن المؤسساتي لانتاج الظاهرة الاصولية (ثقافات دينية عتيقة ، ايديولوجية اغتراب مركب ، بنى صلبة تقليدية تمركزات بيطرياركية وطائفية) هذه المصادر الثقافية شكلت النسق الايديولوجي للظاهرة الاصولية وبالذات للفئات الوسطى التي همشت في الدورة السياسية والاقتصادية لدولة ما بعد الاستقلال. فالاصوليةكظاهرة سوسيولوجية ـ سياسية نتاج ازمة تاريخية للمجتمعات العربية والاسلامية وترتبط اساسا بتوازنات القوى في التاريخ ولتحديد الاطار السياسي والاجتماعي للخطاب الديني الاصولي بالارتباط مع اسئلة (الذوات المجتمعية) عبر النسق الثقافي (بنى اخلاقية، رؤيا للعالم المادي، آليات البقاء، تحديدات الهوية). حيث تتميز تركيبات الخطاب الديني الاصولي بجهاز مفاهمي مألوف وغير مهجن ولغته تتسم بالبديهيات والاستخلاصات اللاعقلانية وبالواحدية ويقوم هذا الخطاب بعمليات اقصاء للخطابات السياسية والفكرية المختلفة مع بنيته الفكرية. حيث ان هذا الخطاب الديني الاصولي نتاج تتزاوج وتشاكل الخطاب العربي والاسلامي للدولة الشمولية الفردية الدكتاتورية والمهيمنة في العالمين العربي والاسلامي مع ايديولوجية كليانية سلفية اذ انها عادة تستمد مشروعيته الاسطورية من الازمات البنيوية الكامنة في هذه المجتمعات وضعف شرعية الدولة والفراغ الايديولوجي، حيث ان هذا الخطاب الديني الاصولي يسعى الى تقويض الثقافات الوطنية لصالح خطاب ميتافيزيقي عبر تحريف فضاءات الوعي الاجتماعي وتفكيك الخطابات العلمانية وفرض خطاب تداولي ثقافي ينزع الى المركزية الكليانية في انتاج القول وبلاغة العنف كنظام للهيمنة الايديولوجية. ان اكتشاف الطاقة التخيلية للخطاب الديني الاصولي تكمن في القوة الانفعالية والانساق الاسطورية والتي تشكل التأسيسات الاولية لاي خطاب فاشي عنفي فهو يسعى الى تحجيم الاسلام التنويري وبناء خطاب نيوقراطي والعودة المستديمة الى اسطورة العصر الذهبي الاسلامي والرفض التام لقراءة هذه الاسطورة قراءة تاريخية نقدية والتي تم تأسيسها على اليات العنف والاستعباد والقهر والهيمنة ضد الجماعات البشرية الاخرى. فالخطاب الديني الاصولي يعمل على ثنائية (كافر / مؤمن) والتي تعود الى توازنات ساسية ـ دينية تفتقد الان الى الارضية التاريخية في العصر العولمي . فالظاهرة الاصولية تتميز بقراءة لا عقلانية للنص المؤسس وتمارس العودة المستديمة الى المخزونات التاريخية الضخمة من الاستهامات الذاتية والمركزية والشعور الدائم بالتفوق حيث لا يمكن فصل خطاب هذه الظاهرة عن نظامه والرحم المادي التاريخي (نظام البنى) والذي يشكل الحاضن لتوليد الخطابات الايديولوجية الاصولية. تشكل وظيفة التصنيف احد اهم الوظائف في الخطاب الديني الاصولي حيث اعادة انتاج التمايزات الدينية والطائفية فهي احد انماط الهيمنة وعمليات الاستبعاد البيتولوجي والتي يمارسها الخطاب الاصولي من خلالها ابعاد الاخر الديني او الاخر السياسي او الاخر الثقافي والحط من وجوده الموضوعي والتاريخي بوصفه (كافر، صليبي، جاهلي، شيطاني..الخ..) انه خطاب لا يقر بالاختلاف او تنوع الانظمة الثقافية والسياسية والدينية وانما يكرس عدوا اسطوريا حفاظا على النقاء الديني حيث ان جذريات هذا الاستبعاد كممارسة سياسية تعود اصلا الى مؤسسة الدين اما ظهور هذا المفهوم التصنيفي او اختفاؤه عبر التاريخ فيتم قراءته في ضوء الازمات الكبرى في التاريخ داخل حقل الاسلام. ان انتقال الخطاب الاصولي من المجال الديني الى النسق السياسي واحتكاره الخطاب السياسي مرتبطا بتعينات الثقافة في المجتمعات المقصية والمهمشة عن الدورة الاقتصادية العالمية حيث تكون الثقافة الدينية الحاضن الاساسي للعنف والاقصاء والاندماج الكلي في انتاج شكل عولمي للعنف حيث تجري عملية تحويل الخطاب الى رأسمال رمزي للاكراهات (خطاب اسامة بن لادن، الظواهري..). تكمن خلف هذا الخطاب ايديولوجيات شمولية وعقائدية وشرعية دينية وقوة ديناميكية واساطير وحكايات خرافية تشترك جوهريا في مناهضة الاخر الغرب الشيطاني.
#يوسف_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اسامه ابن لادن الاصولي التخيلي
-
نحو حافات التنوير
-
نحو صياغة جدبدة للعلاقة مع الاخر الغرب
-
قراءة في اسطورة المثقفين العراقيين وخرافات الدولة الريعية
-
جدل الثقافات الفرعيه نحو تشكيل رؤية ستراتيجيه لثقافة وطنية ع
...
-
الاخفاق في صناعة دولة
-
خرافة الدولة الوطنية العربية: نحو قراءة موضوعية للظاهرة الأص
...
-
الجسد الانطولوجي الشارح الأولي لفوضى السلطة السياسية
-
اثريات الطائفية السياسية / مقاربات اولية في العنف والعنف الط
...
-
نحو إعادة قراءة حقل التمايزات للفضاء المفاهيمي، الإسلام/ الد
...
-
إسهام نقدي حول مقولة - الأسلام مصدر للتشريع
-
الحريم السياسي: مقاربات أولية حول الخطاب الجنساني في الثقافة
...
-
اعادة انتاج النخب السياسية التقليدية2
-
قراءة في التصميم الكولو نيالي للديمقراطية في العراق الراهن
-
نقد النزعة التاريخية الأحيائية في الفكر العربي
-
تحليل الخطاب السياسي حول مفهوم الديمقراطية الشعبوية
المزيد.....
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لا يكفي صدور احكام اعتقال قيادات الكي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|