صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1879 - 2007 / 4 / 8 - 11:10
المحور:
الصحافة والاعلام
مقدمة
في الموسيقى والكهرباء
السر في "رنين" الوتر الموسيقي بنغمة موسيقية معينة حين ننقر عليه باصبعنا, ليس في النقرة نفسها, فهي حركة حيادية تثير خليطاً حيادياً يحتوي كل الذبذبات بلا استثناء. انه في الوتر نفسه: طوله, سمكه, توتره, ومادته.
بنفس الطريقة فأن نفخنا في الناي فاننا نثير فيه اهتزازات عشوائية سيختار منها الناي الإهتزازات التي يجعلها طوله في حالة "رنين", ومن درس الكهرباء يعلم ان الفكرة من صناعة المذبذب الكهربائي هو صنع دائرة ذات قيم محددة للملف والمتسعة وتركها تنتظر التقاط اية اشارات كهربية لتستقبل احداها فقط لتضخمها وتخنق الباقي فيضمحل. مهندسوا الكهرباء يعلمون ان ذلك يعني: ممانعة ضعيفة لذبذبة "الرنين", ومقاومة شديدة لباقي الذبذبات.
الإعلام السياسي: التحيز بلا مصلحة علامة الرنين
من المعروف ان المرء يتحسس من الإعلام المتحيز ويرفضه عندما يكتشفه, لذا فهو يبتعد عن قنوات الإعلام التي تمثل جهة واحدة فتمتدحها على طول الخط وتذم خصومها, اي التي تتحدث بنغمة واحدة تريد فرضها على المستمع. ففي رأس كل انسان "جهاز انذار" ضد هذه النغمات الأحادية, فالإنسان بطبيعته السليمة يبحث عن الحقيقة ويحس بخطر النغمات الأحادية فيقاومها ويهملها.
ومع ذلك نلاحظ كقاعدة عامة ان كل فرد من الناس يتقبل افكاراً معينة بسهولة ويقاوم ما يناقضها بقوة, اي انه لا يعطي الإتجاهات المختلفة فرصاً متساوية لكسبه الى جانبها.
يبدو لي ان ما يجري في الإعلام السياسي يشبه في طبيعته بشكل كبير ما يجري في الوتر الموسيقي ودوائر الكهرباء. فمن كل خليط الأخبار المختلفة التي تصل الينا, فان تركيبتنا النفسية والذهنية تختار منها ما تهتم به وتميل الى تصديقه, وغالباً ما تضخمه, وتنسى الباقي وتقاومه ليضمحل, وهذا ما يعرفه "مهندسوا الإعلام" جيداً كما يعرف زملائهم مهدنسوا الكهرباء مبدأ الرنين في الدوائر الكهربائية.
ان من يتمكن من بناء الـ "رنين فكري" المناسب في الناس سيجعلهم يتقبلون اراء معينة بسهولة ويقاومون ما يناقضها. من يتمكن من ذلك لن تكون لديه فرصة اكبر لتمرير ارائه الأحادية المتحيزة الى اذهانهم متجاوزة نظام الإنذار الذهني, بل وكذلك سيقوم هذا "الرنين الفكري" بتصفية اية اخبار واراء قد تأتي اليه من اي مصدر كان فتمرر ما يناسب "نغمة الرنين" وتقاوم ما يعاكسها. بذلك تتحول المصادر الأخرى الحيادية التي تحتوي عل مختلف النغمات والآراء وتصبح عملياً كأنها مصادر "موجهة" فلا يصل الذهن منها الا ما يناسب "نغمة الرنين" المطلوبة.
تماماً كما تثير نفس النقرة نغمات مختلفة في الأوتار المختلفة الأوصاف, تثير نفس الأخبار استنتاجات مختلفة في الرؤوس المختلفة الإعداد. اما الموضوعية والوعي فمحاولات لتقليل هذا التأثير. فلكي يتقبل العقل السليم فكرة ما او خبرا ما فان هذه الفكرة وذاك الخبر يواجه عادة مقاومة اعتيادية هي عبارة عن احتكاك الفكرة بالمنطق الفاحص. اما "الرنين الإعلامي" فيلعب دور "الزيت" الذي تنزلق عليه الفكرة الرنينية فتدخل العقل بلا مقاومة فاحصة.
هذا التحيز في تلقي الأخبار والآراء معروف ومفهوم عندما تكون هذه الأخبار لمصلحتنا فنصدقها بسهولة, او ضد مصلحتنا فنواجهها بمقاومة كبيرة. انه "رنين" المصلحة.
لكن هناك ايضاً "رنيناً" اكثر غموضاً, يتسبب به الإعلام الموجه ليكون ميزاناً اعوجاً نزن به الأخبار والآراء.
كيف تعرف انك تحت تأثير "رنين اعلامي"؟
كيف تعرف انك او غيرك تحت تأثير "رنين اعلامي"؟ كيف تحس بعملية بناء رنين اعلامي؟
التحيز في الفحص
اسئلة يقرر اجوبتها الرنين:
هل تعتقد ان البحارة البريطانيين قد اجتازوا المياه الإقليمية الإيرانية فعلاً ام ان ايران قد اعتقلتهم داخل المياه العراقية؟
هل الطائفية هي الدافع الإرهابي الرئيسي في العراق؟
هل الأمريكان اخطر على العراق الحالي ام الصداميون ام المتطرفون الإسلاميون؟
هل تعتقد ان منظمة مجاهدي قد ارتكبت جرائم ارهابية في العراق ام لا؟
ليس لدينا ادلة قاطعة لمثل هذه الأسئلة لذا فالذي يقرر اعتقاد كل منا بالنسبة للسؤال الأول مثلاً هو بالدرجة الأولى درجة رنين الذهن وتقبله فكرة عدوانية البريطانيين مقابل فكرة عدوانية الإيرانيين, وفكرتنا عن طبيعة كل منهما, وهكذا في بقية الأسئلة.
أهم أعراض تكون رنين اعلامي فينا هو قبول اراء ضعيفة المنطق او تصديق اخبار صعبة التصديق بسهولة غير معتادة. وفي المقالة امثلة على بعض الآراء التي كثرما قبلناها دون تمحيص كاف.
اود هنا ان انبه ان ليس من الضروري ان توافقني ايها القارئ فيما اعتبره امثلة لـ"افكار غير معقولة" فلربما كنا تحت تأثير رنين اعلامي مختلف, لكني ارجو ان تبقى الفكرة واضحة حتى ان اختلفنا في الأمثلة.
أعراض الأصابة:القبول بما هو ليس معقولاً
قلنا ان "الرنين" يجعلنا نتحيز في فحصنا للمعطيات والأخبار التي تصل الينا فتخضع الأخبار والأفكار التي تتعارض مع الرنين الى اشد انواع الفحص قبل قبولها بينما يمر ما يناسب الرنين دون فحص يذكر. هذه الظاهرة نفسها تعطينا المفتاح الأساسي لإكتشاف وقوعنا او غيرنا تحت تأثير رنين ما: القبول بأفكار غير معقولة او صعبة التصديق, واهمها المبالغات الشديدة بقوة جهة معينة او شخصية معينة.
فمثلاً في موضوع الإرهاب في العراق نعرف جميعاً السمعة التنظيمية الهائلة التي اعطيت الى الزرقاوي, حيث انه صار الهدف الرئيسي لأكبر قوة في العالم (في الحقيقة قوة نصف العالم تساعدها ثلاثة ارباع النصف الآخر) ولم تتمكن من قتله الا بعد لأي. والأغرب من ذلك هو العدد المهول من "مساعديه" الذين قتلوا او اكتشفوا في كل مكان. ومساعديه تعني بالضرورة انه على اتصال بهم بشكل او بآخر, وليس اناس اعجبوا به فساروا على طريقه دون اتصال. اما كيف يؤمن الزرقاوي كل هذا الإتصال والتنظيم فهو السؤال الذي لم تطرحه انظمة الفحص في رؤوس الأشخاص الذين صدقوا الرواية. ولو ان وجود الزرقاوي بقوته الهائلة يتنافى مع الصورة التي "يرن" بها ذهنهم لكان الأمر نكتة سخيفة لا اكثر, وكانوا سيجدون لها الف دليل دحض.
حول هذا نشير الى الواشنطن بوست ان نشرت في 10 نيسان 2006 تقريراً يؤكد ان القوات الأمريكية كانت قد نظمت حملة اعلامية للمبالغة بقوة ابو مصعب الزرقاوي الذي يقود القاعدة في محاولة مستميتة للربط بين القاعدة وبالتالي احداث 11 سبتمبر والحرب على العراق. كذلك اشارت الصحيفة ان الهدف كان ايضاً اثارة نقمة العراقيين مستغلة الكره المفترض الذي صار العراقيون يكنونه للأجانب.
إنها نفس القوة التنظيمية الهائلة هذه اعطيت الى بن لادن نفسه قبل ذلك كما نعرف جميعاً, ولنسمع رأي محمد حسنين هيكل القارديان البريطانية 10/10/2001: "بن لادن لايملك القدرات لعملية بهذه الضخامة . عندما أسمع بوش يتحدث عن القاعدة وكأنها المانيا النازية او الحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي ، اضحك لاني اعرف ماذا هناك. بن لادن كان تحت المراقبة لسنوات: كل مكالمة تلفونية كانت تحت الرقابة، والقاعدة قد تم اختراقها من المخابرات الامريكية والباكستانية والسعودية والمصرية. فليس بوسع القاعدة الاحتفاظ بسر عملية كهذه التي تحتاج درجة عالية من التنظيم ومن التعقيد."
لاتقتصر قصص الرنين على تضخيم الإشخاص بل ايضاً الإيحاء بامور اخرى, ولعل اهمها في العراق تصوير الإحساس الطائفي الإسلامي بين الشيعة والسنة كعداء اجرامي بل في منتهى الإجرام, وان له القدرة على ثقب رؤوس الأطفال احياءً ان كانوا من الطائفة الأخرى.
لم تناقش الرؤوس التي سارعت بتصديق هذه القصص العجيبة وقصص اخرى مثل القتل على الهوية حتى دون التأكد من الهوية (الهويات يمكن ان تكون مزورة) والقتل العشوائي لبشر مختلط من الطرفين مثلما حدث في الأسواق العامة في مناطق مختلطة وفي تفجير كراج النهظة وفي مذبحة الطلبة امام جامعة بغداد ("ارهاب بريء من الطائفية (*)). كيف تفسر نظرية الطائفية تفجير الطائفي لأبناء طائفته؟ اين ومتى تدرب الطائفيون على ثقب رؤوس الإطفال احياءً؟ متى جمعوا كل الحقد اللازم لمثل هذا؟ لم لم يظهر مثل ذلك او اي شيء قريب منه في اي يوم من تأريخ التعايش الطويل الذي مر به العراق قبل الإحتلال؟ وإذا كان الخوف وقلة السلاح قد منعا الشيعة من قتل السنة قبلاً, فلم لم يقض السنة على الشيعة وقد كان حكام العراق (حسب نفس الرواية) من السنة وقد امتلكت تلك الحكومة التغطية الأمريكية لكل جرائمها؟ ولماذا لم يهب الشيعة لينتقموا من السنة فور سقوط الحكومة فيذبحونهم عن اخرهم بدلاً من مظاهرات التآخي والوحدة التي طافت البلاد؟ ولماذا لم تمنع تلك الأحقاد الرهيبة القاتلة كثرة التزاوج المختلط بين الطرفين قبل الإحتلال وعلى طول التأريخ؟ هذا ما لم تطرحه العقول التي كانت "ترن" فيها صورة الطائفية كمجرم ارهابي قادر على كل شيء قدير, ولا داعي من وجهة نظرها لفحص هذا الفرض او مراجعته!
تعابير غريبة عن المنطق
المؤمنون بشيء سيقبلون اي شيء يؤكد صحة ما يؤمنون به وينفي ما يعارضه ايمانهم بلا مناقشة تقريباً, وهذا هو المصدر الرئيسي لضعف منطقهم وقدرتهم على النقاش والإقناع. فميزة النظر الحيادي الى المعلومات القدرة على اكتشاف نقاط الضعف والحجج المضادة وبذلك يمكن لصاحب الرأي ان يغير رأيه او على الأقل يستعد لما قد يطرح عليه من حجج مضادة وهذا ما يفتقده المؤمنون بأي شيء ايماناً قوياً, والمعتادين سماع كلام امثالهم فقط والإبتعاد عن غيره. ولا ينطبق ذلك على المعلومات فقط بل وعلى حكمهم على الأشخاص, فهم يجدون العلمانيين منافقين ولايستسهلون الإعتراف بأن علمانياً يمكن ان يقول الحق على نفسه. ولي في ذلك تجربة ظريفة حيث كتب لي مؤمن مسلم (صار صديقا فيما بعد) رداً على احدى مقالاتي التي حاولت بها انصاف الإسلام من تهم علمانية متحيزة, رد قائلاً انه يجدني اخطر من اؤلئك العلمانيون الذين يكتبون بحقد على الإسلام وان لي مخططاً ابعد..او شيء من هذا القبيل. لقد كان الرجل يقاوم بشدة فكرة وجود علماني يمكن ان يدافع عن الإسلام حتى عندما يراه محقاً في امر ما.
لكن العلمانيون ليسوا بافضل كثيراً في هذا, فكل ما هو اسلامي خاطئ اضطهادي غير ديمقراطي. بسبب هذه الصورة الرنينية ينحدر البعض الى مناقشات وتعابير مضحكة في مغالطتها. اليك ما كتب اثنين منهم عن "حماس" الإسلامية:
الدكتور شاكر النابلسي (ترأس مؤخراً مؤتمر اقليات الشرق الأوسط في زيورخ) يكتب في "الحوار المتمدن": "كذلك فقد نسيت حماس، أن السلطة الديكتاتورية، ومنها السلطة الدينية الحمساوية، لا تؤمن بالله حقيقةً، وإنما بالسلطة. ولذلك تتشبت حماس الآن بالسلطة، حتى ولو ضاع الجزء المتبقى من شتات وفتات فلسطين، وغِضب الله.
فمن طبيعة وطبع الديكتاتور في التاريخ، أن لا يقبل شرطاً من أحد، وألا يلتزم بما يلتزم به الإنسان العادل"
ويكتب كاتب علماني اخر هو "عبد المنعم الأعسم": "حركة حماس ترفض رفضا قاطعا فكرة المشاركة المتساوية في ادارة القرار السياسي مع حركة فتح، على الرغم من ان حماس اوصلت الحكومة الى الشلل والوضع الامني الى فلتان"
لقد كانت صورة حماس السلبية في رأسيهما العلمانيين من القوة بحيث منعتهما من رؤية اعوجاج المنطق الواضح في كلامهما. فالدكتور شاكر يتحدث عن حماس المنتخبة بأغلبية كاملة وبإنتخابات مثالية, بعبارات "السلطة الدكتاتورية" و "السلطة الدينية" ورغم انها لم تكد تبدأ فترة سلطتها فهو يتكلم عن "التشبث بالسلطة" وهو يستنتج من هذا ان حماس "لاتؤمن بالله حقيقة".
اما الأعسم فيغضبه رفض حماس " المشاركة المتساوية في ادارة القرار السياسي مع حركة فتح" ويلومها هي وليس اسرائيل والغرب على ايصالها الحكومة الى الشلل!
انه كلام يشي بانهيار المنطق تماماً تحت تأثير "الرنين الإعلامي" في رأسي الكاتبين.
الحقيقة والخيال: هل تدخلت ايران؟
لنأخذ مثلاً اخر على "رنين" يشمل مساحة واسعة من الجمهور. لنسأل: هل تتدخل ايران فعلاً في العراق؟ اعتقد ان القليل من العراقيين سيخاطر بسمعته بطرح مثل هذا السؤال "السخيف" فـ "الجميع يعرف" ان ايران تتدخل وان هناك الكثير من الأدلة على ذلك قد اكتشفت اضافة الى الكثير من الأسلحة التي هربت الى المليشيات. انا افترضت انها قد تدخلت فعلاً بدرجة او بأخرى, ليس فقط استناداً الى الأخبار غير الموثوقة وغير المنسوبة وتصريحات الأميركان وخاصة العسكريين منهم, وانما افترض ان ايران القلقة على نفسها, من المعقول ان تتدخل لحماية نفسها ان لم نقل مصالحها. افترضت ذلك حتى قرأت اليوم هذا التصريح لإبراهيم الجنابي عضو مجلس النواب العراقي عن الكتلة الوطنية في مقابلة مع "راديو سوا":
"س – يبدو موقف علاوي من تدخل إيران في العراق مختلفا هذه المرة عن المواقف السابقة، حيث يقول ليست هناك أدلة ملموسة وقاطعة على تدخل إيراني في العراق. أليس هذا بموقف جديد لكم؟
ج- هذا ليس موقفا جديدا، ولكن الدكتور إياد علاوي ينطلق من الواقع الموجود في العراق، طالما قالت الولايات المتحدة والقوات المتعددة الجنسيات أن لدينا أدلة ووثائق تشير إلى تورط إيران وتدخلها في الأمن العراقي. ولكن في واقع الأمر لا نرى شيئا، لا نحن ولا الدكتور علاوي كسياسي بارز ومعروف بالنسبة للعراقيين وله علاقات متميزة مع الولايات المتحدة لم يرى شيئا ملموسا بيده. وعلى هذا الأساس بنى إياد علاوي جوابه بأنه لا توجد أدلة مادية حقيقية تثبت هذا الطرح."
كيف ادخل في اذهاننا ان ايران كانت تتدخل إذن وان هناك ادلة كثيرة على ذلك؟ هذه الفكرة الخطيرة التي قد تستعمل مبرراً لشن حرب طاحنة جديدة, من ادخلها في رؤوسنا وكيف تمكن من ذلك, ولماذا نحتاج الى اياد علاوي وابراهيم الجنابي ليوقضنا من غفلتنا؟ اين كان حذرنا وانتباهنا العلماني بشروطه العلمية المتشددة لتصديق الأخبار, او الإسلامي بـ "ان لاتصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"؟
11 سبتمبر
ولفحص مثل يشمل مساحة اوسع من البشر في العالم نأخذ احداث 11 سبتمبر.
المتفحص للإنترنيت يجد عدداً لاحصر له من الأسئلة التي تثير الشكوك بالقصة الأمريكية الرسمية للحادث, ورغم ذلك يصدق تلك القصة نسبة كبيرة من البشر.
في فلم وثائقي عن الشكوك المحيطة بما جرى في 11 سبتمبر في اميركا عرض في التلفزيون الهولندي في العام الماضي, طرح احد المشككين بالقصة الرسمية الأمريكية التساؤل المعقول قائلاً ان الغرب لم يبذل اي جهد لفحص ادعاءات الأمريكان ولم يضغط عليهم للحصول على الدلائل. وقارن قائلاً "لو ان الحادث حدث في الصين, وطلبت الصين على اساس ذلك المساعدة والتعاون من الغرب لملاحقة المجرمين لطالبناها بالأدلة, لكن شيئاً من هذا لم يحدث مع اميركا في 11 سبتمبر 2001"
وسواء كانت القصة الأمريكية الرسمية صحيحة او مختلقة, يبقى صحيحاً ان العالم لم يفحص مصداقيتها بالجدية التي تستحقها ولم يعر الأسئلة الكثيرة الكبيرة ما تستحقه من اهتمام بل قبل القصة بسهولة كبيرة: اكثر اعراض "الرنين الإعلامي" اهمية!
صدام حسين والقاعدة
من الصور الكاذبة الكبيرة التي خلقتها ادارة بوش في اذهان الأمريكان ثم استندت اليها, العلاقة بين صدام حسين والقاعدة. لم تكن الإدارة موفقة كثيراً في بناء هذه الصورة حيث شاءت صدف كثيرة وتداعيات عديدة الى تفنيدها بالنسبة الى المتابعين المتفحصين للأخبار. من بين هؤلاء بول بيلار العميل السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية «سي.آي.ايه» المكلف منطقة الشرق الأوسط, الذي هاجم إدارة بوش بشكل خاص في سعيها الى اثبات علاقة بين نظام صدام حسين والقاعدة مهما كان الثمن. فاضطر المسؤولون الأمريكان الى الإعتراف بـ "خطأهم" في هذا الإعتقاد وانه لم تثبت وجود اية علاقة بين صدام والقاعدة في مناسبات عديدة اخرها تقرير للبنتاغون صدر قبل فترة وجيزة على صحيفة الواشنطن بوست.
لكن المثير في الموضوع ان هذه الصورة التي تحطمت في مجال المثقفين والمتابعين بقيت فعالة في الطبقات الأخرى من الشعب كما اكدت الإحصائيات التي بينت ان نسبة عالية من الشعب الأمريكي مازالت تعتقد بوجود تلك القاعدة وانها لم تصلها المعلومات بأن ادراة بوش قد تخلت عن هذا الإدعاء.
ما نسميه نظرية المؤامرة
من يشكك بالقصة الرسمية لـ 11 سبتمبر او لأحداث اخرى مثل مقتل جون كندي او ديانا, يعتبر من مروجي "نظرية المؤامرة", ويحذف رأيه باستخفاف من المناقشة. لكننا لو تمعنا النظر فأن ما نبعده عن اذهاننا بهذه الطريقة ليس دائماً اصعب الإحتمالات قبولاً من الناحية المنطقية, وانما هو دائماً الأبعد عن القصة الرسمية المسيطرة على الإعلام. اننا نقبل تلك القصة بسهولة اكبر كثيراً من الأخريات لقوة الإعلام المؤيد لها: علامة "رنين اعلامي"!
نتاج "الرينين الإعلامي": الصورة المصطنعة للعالم
الصورة العامة عن المجتمع للفرد الأمريكي
في "السيطرة على الإعلام" يكتب جومسكي عن صناعة العلاقات العامة وتوسعها الكبير وسيطرتها على الجموع خلال سنوات العشرينات ثم في الثلاثينات حيث ظهرت مشكلة كبيرة في السيطرة على العمال في مطالبتهم بالمزيد من الحقوق من الشركات, فمثل تلك التي حدثت بعد الحرب العالمية الأولى كان هناك ركود اقتصادي مصحوب بقوة عاملة منظمة قوية.
تمت دراسة المشكلة من قبل منظمات رجال الأعمال مثل "المائدة المستديرة الوطنية للصناعيين ورجال الأعمال" (National Association of Manufacturers and the Business Roundtable) والتي صرفت مبالغ خيالية في وقتها على الموضوع. وقد جربت نتائج الدراسات، والتي سميت فيما بعد بـ "وصفة وادي موهاوك" (Mohawk Valley formula) بنجاح كبير في سحق الأضراب العام لصناعة الحديد الصلب عام 1937 في بنسلفانيا – جونستاون. هذه المرة لم يتم الأمر بفرق التخريب وكسر الركب التي لم تعد نافعة, بل بواسطة جهاز اعلام دقيق التنظيم والفعالية. الفكرة كانت ايجاد طرق لتوجيه الرأي العام ضد المضربين وتصويرهم كمجموعة مثيرة للشغب وضارة بالمجتمع وتعمل بالضد من الصالح العام.
من اجل ذلك كان يجب تصوير "الصالح العام" باعتباره "لنا جميعاً": رجال اعمال, عمال, ربات البيوت..الخ. "نحن" جميعاً نبغي التعاون معاً في انسجام, وبـ "امريكانية" (Americanism ) ولكن هناك الضربون السيئون المشاغبون الذين يخربون انسجامنا ويتصرفون بالضد من "امريكانيتنا". علينا ان نوقفهم لكي نتمكن من العيش معاً. فمدير الشركة المتعددة والفتى الذي ينظف الأرض لهم نفس المصالح, ونحن جميعاً نعمل بـ "امريكانية" وانسجام ونحب بعضنا بعضاً.
تلك كانت الرسالة الأساسية، وقد خصصت جهود جبارة لإيصالها الى الناس. لقد كان رجال الأعمال يسيطرون على وسائل الإعلام والمال لذا لاعجب ان نجحت "وصفة وادي موهاوك" نجاحاً ساحقاً واستعملت بعد ذلك تكراراً لتحطيم الإضرابات العمالية واطلق على تلك الدراسات اسم "طرق علمية لكسر الإضرابات".
رنين صورة "وصفة وادي موهاوك" ستكون فلتراً (مصفاة) ذاتية في ذهن كل شخص وتجعله متقبلاً لكل خبر يؤكد الصورة ويرفض غيره, وبذا تتحول حتى الأخبار الحيادية الى اخبار متجهة ضد العمال واضرابهم, وهو "الرنين" الذي اراده مصمموا الصورة.
صورة الحرب الباردة
بعد سقوط السوفيت اكتشف الشعب الأمريكي مثل غيره من الشعوب الغربية انهم كانوا قد بالغوا في الخوف من الإتحاد السوفيتي وقوته وعدوانيته وتهديده, كما اكتشفوا ان امريكا ليست ذلك الملاك الذي كانوا يعتقدون, وقد فما السبب في تلك الصورة المبالغ بها لديهم؟
في "منع الديمقراطية" (Deterring Democracy) يكتب نعوم جومسكي في فصل "الحرب الباردة: حقائق وتخيلات" ان الصورة التقليدية التي كانت مسيطرة بشكل شديد هي ان العدوانية السوفيتية الخطيرة, والتي كان على ا لولايات المتحدة "احتوائها"، كانت السبب لتلك الحرب. في جانب كان هناك كابوس مخيف وفي الجانب الثاني "مدافع عن الحرية".
يكتب جومسكي ايضاً: "الهيكل الأساسي للموضوع له بساطة حكايات الأطفال: هناك قوتان متقابلتان في العالم, احدها قوة شر مطلق والآخرى خير سماوي, ولا مجال للتفاوض بينهما. القوة الشريرة تسعى بطبيعتها الى السيطرة التامة على العالم, لذا وجب التغلب عليها واقتلاعها والقضاء عليها لكي يتمكن بطل كل ما هوخير، من البقاء واتمام مهامه الرفيعة.
"الكرملين مصمم اساساً" كما يكتب باول نيتز في وثيقة حكومية اساسية (NSC 68 ) "لكي يحقق التدمير التام الإجباري لماكنة الحكومة وللهيكل الإجتماعي" في كل مكان لم يخضع له بعد. وعلى العكس من ذلك فان "الغاية الأساسية من الولايات المتحدة" هي "لتوكيد تماسك وحيوية مجتمعنا الحر المؤسس على الكرامة والقيمة الشخصية"
لاشك ان مثل هذا الكلام لايفترض ان يمر على عقل واع دون تمحيص كفيل برفضه بالأدلة المتوفرة في كل زمان, لذا فهو مؤشر لنا ان العقل الذي تقبل الصورة المثالية هذه, صورة قصص الأطفال كما يصفها جومسكي, ومررها ببساطة, ان هذا العقل قد تعرض الى تربية "رنين اعلامي" ساعد على مرور الفكرة بلا احتكاك مع المنطق.
اقتبس ايضاً هذه الأسطر من مقالة نشرت تواً على الحوار المتمدن لصديقي سعد محمد رحيم, وهو ينقل تأثير "صورة رنينية" باسم " ترتيباتهم المسبقة " فيقول: " تقول بربارا توكمن عن الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر إبان الحرب العالمية الثانية: "لقد حللنا الشيفرة اليابانية، وتلقينا تحذيرات بالرادار، واستقبلنا دفقاً متواصلاً من معلومات دقيقة... وكانت لدينا جميع الأدلة ورفضنا تفسيرها بصورة صحيحة، تماماً كما رفض الألمان عام 1944 أن يصدقوا الدليل في نورمندي... فالناس لا يصدقون ما لا يُطابق خططهم أو يلائم ترتيباتهم المسبقة"."
مقال سعد محمد رحيم يركز على "الترتيبات المسبقة" ومقاومتها لما يختلف عنها في المجال الثقافي السياسي وتأثير سطوة الأيديولوجيات عليها.(**)
كيف يتم بناء "الرنين الإعلامي" وادامته وتحويره؟
الإيحاء
تحتاج الصورة "الرنينية" المزورة الى بناء ذلك التزوير تدريجياً فكلما قبلنا درجة من الكذب وجعلناها صورة رنينية سهلت علينا قبول افكاراً اصعب واكثر وضوحاً في زورها.
في البداية نحتاج الى تعليقات لاتكاد توصف بالكذب بل بالإيحاء بالفكرة, دون دليل. اي ان اقوى ما يمكن اتهام تلك الإيحاءات بها هو الإهمال وليس التزوير المتمعد. مثل هذا الإهمال قرأته في التعليق التالي لصحيفة "الصباح" : " لسنا مع الاحتلال ونأمل بانسحاب سريع للقوات المتعددة الجنسيات، لكننا نقول ان الخسائر الناتجة عن الاحتلال لا تعادل واحدا بالمائة من الخسائر التي خلفها ( الارهاب والارهابيون ) ضد الشعب وممتلكاته ، فمن القاتل ؟، ومن هو الضحية ؟ الشعب العراقي يعرف ولكن وسائل الاعلام العربية وبعض الاعلام العراقي لم يزل موغلا في جريمة التغطية ( للارهاب والارهابيين)."
هنا لايهم ان نتفق مع كاتب "الصباح" في ان " الخسائر الناتجة عن الاحتلال لا تعادل واحدا بالمائة من الخسائر التي خلفها ( الارهاب والارهابيون )" او لا نتفق معه. انما المهم هنا اننا وافقنا بتلك المناقشة , دون وعي منا او تمحيص,على ان "الإرهاب والإرهابيون" ليسوا هم الإحتلال نفسه! بهذا سجلت نقطة "رنين" في اذهاننا لصورة ان الإحتلال ليس هو الإرهاب وانه يقف امامه في المقارنة.
الكتابة بشكل غير مسؤول
ومن الوسائل الإيحائية الكتابة بشكل غير مسؤول. لنأخذ مثالين من جريدة الزمان في 03 Mar 2006
: "وقال سياسي عراقي بارز لوكالة رويترز للانباء (اذا بقي الجعفري مرشحا عن الائتلاف فلن تكون هناك حكومة)."
" وقال مصدر سياسي سني بارز ان جبهة التوافق لن تشارك في الحكومة اذا تقرر أن يقودها الجعفري. وقال "لا يمكننا العمل معه." وأضاف "كان ذلك واضحا بالنسبة للشيعة ونحن أبلغناهم بذلك.. نعتقد أن ترشيحه مرة اخري يظهر أنهم يتجاهلوننا. وقال باننا لا يمكننا العمل معه."
من هو الـ " سياسي العراقي البارز"؟ من هو الـ "مصدر السياسي السني البارز " ؟ هذا ما لا تقوله الجريدة, وقد ينتبه البعض الى ذلك النقص, لكن الغالبية العضمى من القراء ستهضم الخبر بلا مراجعة, وبذلك يتم تأثيره الإيحائي الرنيني!
فلتر متحيز للصحافة
بعد ان يضع الإيحاء الأساس لنا لبناء الصورة المزورة, سيكون بالإمكان وضع مقولات اكثر جرأة واقرب الى الكذب لتبني المزيد من الصورة الرنينية وهذه ستتيح لنا المزيد من الجرأة في التزوير وهكذا.
وفي كتاب "اوهام ضرورية" يكتب جومسكي في فصل "نموذج الدعاية" (PROPAGANDA MODEL )
"ان دراسة نماذج ثنائية تكشف لنا شكلاً متكرراً (في تعامل الإعلام): في حالة جرائم العدو, نجد الغضب الشديد والإتهامات التي تسند على اوهى الدلائل, واحياناً يتم اختراع تلك الدلائل التي تبقى فعالة حتى بعد اكتشاف تزويرها, وتصفية المعلومات بشكل دقيق لحذف كل ما قد يدل على عكس ما نريد والسماح بما هو مفيد لنا والإعتماد على المصادر الرسمية الأمريكية (إلا إذا كانت تعطي الصورة غير المرغوب بها كما حدث حول كمبوديا تحت حكم بول بوت، وعندها يتم اهمالها), تفاصيل لامعة, اصرار على ان الجريمة قد صدرت عن اعلى مستويات التخطيط حتى في حالة عدم توفر دليل على ذلك. وبالعكس، فعندما تكون مسؤولية الجريمة عندنا، فاننا نجد الصمت والتبرير وتجنب الشهادات ا لشخصية والتفاصيل الخاصة ويحل محلها حديث طويل ممل عن تعقيدات الثقافات الأجنبية التي لا نفهمها وتقليص التركيز حتى ادنى المستويات المسؤولة او تفسيرها كخطأ مفهوم في ظروف مربكة"
جومسكي في ثوان
فإذا وصلنا الى الصورة "الرنينية" المتكاملة فان هذه الصورة ستتمكن عادة من ادامة نفسها بنفسها من خلال رنينها نفسه حيث ستقاوم الأفكار التي تعارضها ويمكن ان تهدمها, وتمرر الأفكار المؤازرة لها.
عبر جومسكي عن الفكرة بطريقة اخرى جميلة حين كتب عن نظام الإعلام الأمريكي التجاري قائلاً : "لايحتاج المرء حين يريد استنكار العدوان السوفيتي على افغانستان ودعم الإضطهاد في بولونيا الى تقديم اية ادلة. لكن الأمر مختلف عندما يريد ان يتحث عن العدوانية الأمريكية في الهند الصينية او جهودها الرامية الى منع تسوية سياسية للصراع العربي الإسرائيلي الممتد لسنوات طويلة"
تحوير الصورة
"الصورة الرنينية" تميل الى الثبات ومقاومة التغيير الذي قد تفرضه الحقائق, لكن تغييرها وتحويرها حتى الى العكس منها ليس مستحيلاً لأنها تستند الى خيارات متحيزة قامت بها قوة اعلامية قوية, فلا تعجز تلك القوة ان تعكس تحيزها لتعطي الصورة المعاكسة. ليس هذا سهلاً دائماً ولكن انجازات القوى الإعلامية الكبرى تدعو الى الدهشة والعجب. كمثال على ذلك يذكرنا يوسف محسن في مقالته " اسامه ابن لادن الاصولي التخيلي" كيف كانت صورة طالبان في البدء:
-"ان هؤلاء السادة هم النظير الاخلاقي للاباء الذين أسسوا الولايات المتحدة الاميركية" هذا كان عام 1985 عندما استقبل ريغان مجموعة رجال من ذوي الوجوه الضارية واللحى الطويلة والعمائم حيث قدمهم الى رجال الصحافة في البيت الابيض بوصفهم مقاتلين من اجل الحرية ضد امبراطورية الشر (الاتحاد السوفيتي سابقا) -
خاتمة: الفرص
في نقاش على الإنترنيت مع شباب امريكي قبل حوالي عشرة سنوات حول إسرائيل ودور بلادهم فيها, انتقل فيما بعد الى دورها في العالم اكتشفت "صوراً رنينةً" عجيبة (لم اسمها رنينية في حينها) يبدو انها ادخلت في رؤوس الأمريكان ومنها ان "القنبلتين الذريتين على اليابان كانتا "انسانيتان" بمعنى ما, لأنها, حسب تلك الصورة, انهت الحرب التي كانت ستكلف من الضحايا اكثر من ضحايا القنبلتين لو استمرت!". وحين افهمت محدثي ان اليابان كانت تريد الإستسلام وكانت تفاوض فقط من اجل سلامة الإمبراطور حينها, وان اميركا رفضت ذلك وفضلت قنبلة مدينتين بسكانها بدأ صاحبي يصحو من رنينه. قال في محاولة دفاع اخيرة ان اليابانيين كانوا يفضلون الإنتحار على الإستسلام مما يعني ان البلاد لم تكن تريد الإعتراف بالهزيمة. سألته وما التناقض بين الإنتحار والهزيمة؟ لماذا ضربت اميركا مدينة ان كانت تنوي كسب الحرب باقل الخسائر, ولم لم تضرب قنبلتها في البحر وتفهم اليابانيين ما سيجري لهم ان رفضوا؟ ولماذا سارعت الى ضرب ناكازاكي بعد هيروشيما خلال ثلاثة ايام ولم تمنح اليابانيين فرصة لفهم الموقف وإعلان الإستسلام؟ شكرني صاحبي قائلاً انه استفاد كثيرا من النقاش وغادر.
رؤوس الأمريكان مليئة بهذه الصور الغرائبية عن التأريخ والتي تعمل عمل "الرنين" المناسب لإقناع كل فرد ان بلاده, وهي تركض كالثور الهائج محطمة البلاد تلو البلاد بسياستها وجيوشها, انما كانت تقصد خيرا و تدافع عن نفسها. جميع حروبهم "دفاعية" ضد الخطر الروسي او غيره, حتى حرب فيتنام الجنوبية اعتبروها "دفاعاً" عن فيتنام ضد "العدوان الداخلي!" عليها, فلم يكن فيها روس لألقاء العبء عليهم.
عندما وصلنا الى هولندا قبل خمسة عشر سنة وللسنوات العشرة التالية لم يكن بالإمكان انتقاد اميركا او اسرائيل. فالصورة "الرنينية" لهما لدى الشعب الهولندي كانت تقاوم ذلك بشده. لكن الحال تغير وصار من الصعب ان تجد هولنديا يدافع عن اميركا (رغم ذلك فالحكومة "الديمقراطية" تسير في ركابها بشكل مخجل للناس). اما اسرائيل ففازت باعتبارها الخطر الأكبر على السلام العالمي بأصوات 74% من الشعب الهولندي, الذي سجل الرقم القياسي بين الشعوب الأوربية الغربية في تقييمه هذا, والتي صوتت جميعاً بلا استثناء باعتبار اسرائيل الخطر الأول على السلام في العالم وبنسب مذهلة!
دعوتي إذن في الختام من شطرين: الأول الإنتباه الى "الصور الرنينية" الشخصية التي قد يكون الإعلام غرسها في عقولنا, واكتشافها من خلال مراجعة ردود افعالنا على تلقي الأخبار والأفكار وقياس معقولية وحيادية ردود افعالنا تجاهها, وتطوير نظام تمحيص اكثر نباهة وعلمية مستقبلاً.
أما الثاني فهو ان فرصة تحطم "الصورة الرنينية" المثالية لإسرائيل واميركا في الغرب تتيح فرصة ايصال المزيد من المعلومات والحقائق التي كانت تقاوم بشدة سابقاً حول الإحتلال الإسرائيلي وعنصريته, من ناحية, وبالنسبة (لليساريين منا) لجرائم وخطورة النظام الرأسمالي على العالم من ناحية ثانية. ويجب القيام بذلك بلا تأخير قبل ان تتمكن نفس القوى التي بنت الصور الرنينية المزيفة السابقة من بناء صور مزيفة جديدة, بعد تغيير الوجوه مثلاً.
(*) http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=87126
(**)http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=93233
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟