|
العلمانية ومهمة بناء المجتمع الحديث
سامي البدري
روائي وكاتب
(Sami Al-badri)
الحوار المتمدن-العدد: 1878 - 2007 / 4 / 7 - 11:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ظهرت العلمانية كحاجة واسلوب للانتقال بالبشرية من عصور الاضطهاد الاقطاعي والتسلط الفردي ،الذي كان يمثله رجل الدين والملك الحاكم بالحق الالهي ،الى عصور المجتمع المدني ونظام الحكم اليمقراطي الذي تحكمه المؤسسات الدستورية ،عقب عصور هيمنة المؤسسة الدينية على حياة المجتمعات البشرية ومؤسسة الدولة وتدجينها من قبل رجل الدين لممارسة السلطة السياسية من خلالها . ومن هنا نشأ اول واقرب فهم وتعريف لهذا المصطلح : فصل الدين عن الدولة . . بمعنى اعادة الدين الى موقعه الطبيعي خارج العملية التاريخية ،كشأن واختيار شخصيين ،وتحرير المؤسسة السياسية ،كفاعل تاريخي ،من هيمنة رجل الدين وتحويلها الى جهاز مدني (خدمي) . ومن هنا يتضح ،وتسقط دعوى تهمة المؤسسة الدينية ضد الدولة العلمانية ،في ان الدولة العلمانية ،كاسلوب حكم مدني ، تقف على الضد من الدين او تحاربه . تقوم فكرة العلمانية (كطريقة لبناء المجتمع المدني ومؤسساته التنظيمية ـ التي تمثل الحكومة احداها وليس وحيدتها) على اساس فكرة المواطنة الفاعلة كاساس لتشكيل بنية وعضوية المجتمع (بالمصطلح المدني ، والامة ،بالمصطلح السياسي ) والتي تمثل الهوية الانتمائية الاساس والوحيدة لجميع افراد المجتمع ؛ وبغض النظر عن الانتمائات الاثنية لفروع بنية المجتمع (عرقية ،دينية،مذهبية ) والتي تتولى عملية تنظيمها مواد (التنظيمات الادارية والدستورية للنظام العلماني) من خلال صيغة النظام اللامركزي او الاتحادي (الفيدرالي) . تقوم فكرة العلمانية ،كثقافة ، على اشاعة روح ثقافة الاختلاف واسقاط فكرة الاخر الضد وقبوله واحترام خصوصياته داخل بنية المجتمع ،عن طريق اشاعة مفهوم المواطنة التي تقوم على اساس المساواة داخل بوتقة الوحدة الوطنية ،كهوية جامعة ، واحترام الخصوصيات الاثنية والفردية وكفالتها كشؤون شخصية وحقوق خاصة وثقافات مستقلة ،سواء كانت دينية او مذهبية او عرقية او لغوية . وعلى هذا الاساس تكون العلمانية ،كممارسة، حاضنة ثقافية عامة لخصوصيات جميع مكونات المجتمع ؛ وتكفل لها المساواة وتكافؤ الفرص وحماية الحقوق المدنية والانسانية وحقوق الاقليات من هيمنة واضطهاد الاغلبية .وبهذا تكون العلمانية النموذج الحداثي (المتطور) في الفكر والثقافة السياسية ،والشكل والصيغة الامثلين لعملية بناء المجتمع المدني الديمقراطي ،الذي يقوم على احترام حقوق الانسان وكفالتها ،كخصوصية وممارسة . وبالتالي فان العلمانية تكون منهاج تثقيفي تنويري يسعى الى تكريس ثقافة الاختلاف واحترام الخصوصيات ، بغض النظر عن ماهياتها ومساحاتها ،واشاعة روح التسامح وقبول الاخر وثقافات الاقليات ،وبغض النظر عن مساحة اثرها وتأثيرها في باقي مكونات المجتمع . ومن جانب اخر فانها عامل تكريس لحقوق الاقليات ،الثقافية والدينية ، التي غالبا ما تكون ضحية تهميش واقصاء او قمع ومصادرة الانظمة مزدوجة السلطة (دينية ـ سياسية) او التي تتخذ من الدين اداة لفرض سلطتها وهيمنتها . ومن جهة اخرى فانها ـ العلمانية ـ تكون الضامن الفاعل لحرية ممارسة الدين ـ كطقوس وشعائر ـ ما دامت لاتتعارض مع حقوق وحريات باقي مكونات المجتمع . واذا ما عدنا الى تاريخ نشوء الفكر العلماني نجد انه لم يكن ترفا تنظيريا ،وانما هو جاء كحاجة فرضتها معاناة قرون التسلط والاضطهاد التي مارستها الكنيسة ضد اتباعها وضد الاقليات الدينية في الدول الاوربية ،الى جانب ما مارسته من حروب القمع التثبيط للفكر الانساني ومنعه من التفتق والتطور . ولعل في قصص محاكمات غاليلو وكوبرنيكوس وما لاقاه من اضطهاد وتنكيل ، خير مثال على غطرسة رجل الدين ووقوفه بوجه كل ما هو جديد على فهمه التلقيني المغلق على قدسية النص وحرفيته .ولولا نضال اصحاب الفكر العلماني من رواد النهضة الاوربية واصرارهم على فصل الدين عن الدولة ورفع يد رجل الدين عن حرية الفكر والفرد والسلطة السياسية وتحديد سلطة الكهنوت داخل المعبد ،الى جانب ما رافق تلك الثورة من كسر لقيود الاكليروس وتطور في فهم دور الدين وتحويله من مجموعة من التابوات المحتكرة الفهم ، لجبة رجل الدين ، الى شأن واختيار خاصين ممكن التعامل معهما دون وساطة رجل الدين ، اقول لولا كل هذا لما قيض للثورة الصناعية الانطلاق ،ولما تفتق العقل البشري عن كل هذا المنجز العلمي والتكنلوجي الذي ننعم اليوم بثماره . ولكن ،ورغم كل هذا ، فان الدكتاتوريات العربية وطواقم منظريها من وعاظ السلاطين ،مازالوا مصرين على تفسير وترويج العلمانية على انها ضد الدين وحرب عليه ،لما تنطوي عليه العلمانية من تهديد لسطوة وسلطات المعسكرين المطلقة ؛ لان سلة العلمانية لا تتوقف عند مبدأ فصل الدين عن الدولة ،وانما تتعداه الى باقي قواعد قيام المجتمع المدني الديمقراطي ودولة المؤسسات الدستورية ،التي يتحول فيها الملك /الامير/الرئيس الى رمز وحكم وشاهد على مسيرة العملية السياسية ، التي يحكم الشعب فيها نفسه بنفسه ،وتتداول الاحزاب السياسية السلطة فيها سلميا وعن طريق صناديق الاقتراع .
#سامي_البدري (هاشتاغ)
Sami_Al-badri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انجاز جديد مضاف لحكومة المالكي
-
مؤسسات المجتمع المدني وبناء العملية الديمقراطية
-
منظمة مجاهدي خلق في معادلة التوازن الامريكي – الايراني
-
هل نحن على اعتاب حرب باردة جديدة؟
-
في سبيل بناء مجتمع مدني
-
على حافة الراس
-
لبنان في ميزان الهيمنة الاقليمي
-
ايران و استراتيجية بوش الجديدة
-
ايران وحلم الضيعة العراقية
-
مكافآت الصبيان
-
لعبة حظ على طاولة الطعام
-
حرب العراق الاهلية .. الوجه والقفا
-
حصيلة العراق من النظام الجمهوري
-
عبث في قطار آخر الليل
-
عواصمنا العربية وبعبع الثقافة
-
كفانا نمارس السياسة حربا
-
غباء اليمين المزمن
-
احزابنا السياسية ومسؤولية بناء المجتمع
-
اشكاليات الرواية العراقية
-
فرائض ضلالاتي
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|