أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف / الكتاب الشهري - في الذكرى الرابعة للغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري , العراق إلى أين؟ - صالح بوزان - مأساة الانعطاف العراقي















المزيد.....


مأساة الانعطاف العراقي


صالح بوزان

الحوار المتمدن-العدد: 1878 - 2007 / 4 / 7 - 11:54
المحور: ملف / الكتاب الشهري - في الذكرى الرابعة للغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري , العراق إلى أين؟
    


التاريخ العراقي القديم والحديث هو تاريخ تراجيدي. ففي القديم جرت حروب داخلية مدمرة بين شعوبه(شعوب ميزوبوتاميا)، ومنذ دخول الإسلام إلى هذه البلاد وإقامة السلطة السياسية الإسلامية انزلقت الشعوب العراقية إلى صرا عات دموية، ناهيك عن الحملات الخارجية.
خلق كل ذلك إرثاً سيكولوجياً في صياغة الشخصية العراقية، تتميز بالاستبداد. فالعراقي مستبد عندما يسيطر ويمسك بزمام القوة، ولا يرحم خصومه أو المختلفين معه، وهو لا يفكر بشيء إلا بعد أن يصفي هؤلاء المخالفين بشكل دموي. وقد برزت هذه الخاصية لدى كل حكام العراق منذ بداية العهد الإسلامي ولغاية صدام حسين. أما الخاصية الثانية فهي الحزن والنجوى الصوفي عند عامة الناس. فالعراقي مبدع في هذا المجال، ونجد تجليات هذه الخاصية في الغناء والموسيقى والشعر العراقي.
ومع أن الحزن غالباً ما يغسل القلوب، كما يقال، ويؤدي إلى ولادة إنسان سمح وواقعي، فالعراقي ظل حاد الطبع وسريع الغضب ويمارس الاضطهاد حالما يتمكن.
بمجرد ما يذكر اسم العراقي أمام الشعوب المجاورة، وخاصة عند العامة، حتى ينهض من التاريخ الحجاج ليكرر من جديد مقولته المشهورة( يا أهل العراق.. يا أهل الشقاق والنفاق...) وتنزف الذاكرة مجزرة حسن والحسين, إضافة إلى المجازر الدموية الأخرى التي جرت باسم الإسلام وباسم مذاهبه المتشعبة. وكانت الظاهرة الأكثر شناعة مجازر البعثيين في عام 1963 وخصوصاً تلك التي جرت ضد الكرد والشيعة في ظل الطاغية صدام حسين.
بكلمة أخرى كانت السلطة في العراق سلطة استبدادية دموية، وتنتج ذاتها رغم التبدل في طبيعة الفئات الحاكمة وحركة الزمن.
لكن انعطافاً جوهرياً حدث عام 2003. هذا الانعطاف الذي حدث بالاحتلال الأمريكي للعراق، والذي كشف كل خفايا المجتمع العراقي في ظل القهر الصدامي. وفجأة وقف العالم وجهاً لوجه أمام حقائق لم يعد بالامكان إخفاءها.
الحقيقة الأولى: أن ما جرى عام 2003 كان احتلالاً أمريكيا للعراق بكل المفردات والمصطلحات القديمة والمعاصرة. وهذا الاحتلال غير مقبول موضوعياً.
الحقيقة الثانية: أن حكم صدام حسين كان من أسؤ أنظمة الحكم في الشرق الأوسط، لدرجة أن غالبية الشعب العراقي كان لديه الاستعداد أن يتحالف مع الشيطان في سبيل التخلص من هذا الكابوس الأسود.
الحقيقة الثالثة: لم يكن حكم صدام حسين حكماً وطنياً، بدليل أن الجيش العراقي والحرس الجمهوري والآلاف المؤلفة الأخرى من زبانية صدام الذين انحشروا في منظمات مختلفة أسسها الديكتاتور وحزبه المطلق، لم يبد هؤلاء جميعاً تلك المقاومة التي تبجح بها الدكتاتور. فانهار الجيش مثل نمر من الكرتون، وترك الحرس الجمهوري لباسه المهيب في الشوارع، وركض هارباً للاختباء.
الحقيقة الرابعة: أن حزب البعث، ورغم علمانيته من حيث الوثائق والمبادئ المعلنة، كان يحتمي بالطائفة السنية، ولا يغير من جوهر هذه الحقيقة وجود بعض الشيعة والأكراد والمسيحيين فيه.
لم يجسد هذا الحزب حتى مبادئه، بل كان مجرد غطاء لسلوكيات الدكتاتور، وبالتالي أصبح الحزب مع الزمن هو الدكتاتور والدكتاتور هو الحزب. ومن التناقضات المضحكة أن صدام حسين العلماني والذي كان يعتبر حضور الاجتماع الحزبي أقدس من الذهاب إلى الجامع، لم يتورع أن يجعل من نفسه راعياً للإسلام ويكتب القرآن بدمه. وتابع رفاقه هذا الدجل بعد سقوط الدكتاتور لينزعوا قناع العلمانية عن وجوههم، وينخرطوا في صفوف القاعدة، ويشكلوا منظمات إرهابية تحت الغطاء الإسلامي التكفيري.

لو أخذنا كل هذه الحقائق بعين الاعتبار الحيادي، فان قبول الشعب العراقي للاحتلال الأمريكي يصبح مبرراً من الناحية الإنسانية والتاريخية. فالظلم المادي الواقع على كاهل الإنسان أثقل بكثير من الظلم المتوقع، لأن الأول ملموس ومعاش. وهذا ما حدث مراراً وتكراراً في التاريخ القديم والحديث.
لكن ما جرى بعد الاحتلال يستدعي اهتماماً وتأملاً أعمق بكثير مما كان قبل الاحتلال. فقد كشف هذا الاحتلال الكثير من جوانب المجتمع العراقي المتخلف من الناحية الاجتماعية والثقافية والسياسية. وتبين أن البنية الطائفية والمذهبية في العراق قوية لدرجة أنها لا تستطيع قبول دولة حديثة مدنية، فالولاء للمرجعيات الدينية(سنية كانت أم شيعية) أقوى بكثير من الولاء للوطن والمواطنة والمفاهيم المعاصرة. وقد فرّخ هذا المجتمع في ظل ديمقراطية المحتل( وهي أفضل ديمقراطية في الشرق الأوسط الحالي) عن أحزاب وتجمعات وميليشيات على خلفية طائفية رجعية، تملك عقلية الإسلام السياسي التي تعود إلى شعار أسلم تسلم.
من ناحية أخرى اتضح أن صدام حسين ومن خلال منظومته البراغماتية الشرقية قد أثر تأثيراً عميقاً في سيكولوجية نسبة كبيرة من الساسة والمثقفين العراقيين، خصوصاً من ناحية التعامل مع الآخر. وبات المحتل رحيماً على العراقيين ومهتماً بمستقبل البلد أكثر بكثير من نسبة كبيرة من الساسة العراقيين الذين بدؤوا يخططون لتقسم العراق حسب طوائفهم ومصالحهم الحزبية، وقد تشكلت الميليشيات الشيعية والتنظيمات التي تدعي المقاومة لتحقيق هذا الهدف. ولعل القتل الإرهابي المتبادل ليس سوى دليل مادي على هذا التوج، ويعكس روح الانتقام والانتقام المقابل، ليس على قاعدة تاريخ العراق التراجيدي المعاصر فحسب، بل يمد جذوره إلى الصراع السني- الشيعي تاريخياً.
لقد كان ملفتاً للانتباه أن هذه القوى الطائفية قد سعت وعملت فعلياً لتهميش جميع القوى الليبرالية والديمقراطية والعلمانية العراقية، ولا سيما الكوادر المتخصصة، وطردتها من ساحة العمل السياسي. بل هاجر قسم منها البلد كله.
أما القوى السياسية الكردية؛ من أحزاب وتنظيمات المجتمع المدني وشخصيات سياسية وثقافية مستقلة هي الوحيدة التي تصرفت بواقعية في الربط بين الحقوق الكردية ووحدة العراق وبنائه على أسس ديمقراطية فدرالية معاصرة. قد لا يكون هذا التوجه الكردي يستند إلى رؤية فكرية وسياسية متطورة لدى الجميع، لكن جميع الأكراد يدركون أن لا ضمانة للحق الكردي سوى في عراق على هذا النهج. ورغم الجراح الكردية الكبيرة وما لاقى الأكراد من نظام البعث، لم تظهر لديهم رغبة الانتقام، وكانوا ومازالوا ميالين إلى المصالحة الوطنية العامة والسعي الحثيث لتجاوز الماضي، في الوقت الذي وجدنا أطرافاً عراقية مختلفة حاولت وما زالت تحاول التحايل والتآمر لعرقلة الفدرالية وتطبيع أوضاع كركوك حسب الدستور الجديد. بل هدد البعض علانية بالعودة إلى نهج صدام تجاه الأكراد حين يعودون إلى السلطة. لكن السلوك الكردي بقي مدروساً وواقعياً وبعيداً عن ردات الفعل.
هناك مواقف متناقضة تجاه المحتل من قبل القوى السياسية العراقية. وهذه المواقف لها علاقة بالخلفية الطائفية والمصالح الضيقة، ولا تجسد المنطق الوطني كم هو معلن. فالقوى الداخلية التي تريد الخروج الفوري للمحتل هي على قسمين: القسم الأول هي قوى سنية بعثية والقاعدة وتريد من وراء الخروج الفوري للمحتل لتعزيز معركتها الإرهابية الداخلية والقيام بحرب أهلية شاملة، وبمساعدة قوى إقليمية تتفق معها من حيث أجندتها في سبيل العودة إلى السلطة وإقامة نظام حكم سيكون أكثر استبدادياً من نظام صدام حسين، كنتيجة طبيعية للطريقة التي بواسطتها ستصل إلى السلطة. وهناك قوى شيعية تريد خروج المحتل السريع لهدف معاكس، أي من أجل السيطرة الطائفية على الحكم، وإخضاع العراق وطناً وشعباً لتحقيق الطموح المذهبي الشيعي وإقامة الإمبراطورية الشيعية. وتلتقي توجهات هذه القوى مع الأجندة الإيرانية بالدرجة الأولى.
هذان النموذجان من القوى لا يؤمنان بالديمقراطية ولا ببناء دولة مدنية حديثة، وهما سينقلبان على الأكراد، وسيغرقان المنطقة الكردية بالدماء من جديد.
أما القوى التي لا تريد الرحيل المبكر للمحتل، فهي تلك القوى الديمقراطية والعلمانية العراقية التي تؤمن بالمجتمع المدني، وببناء عراق عصري فدرالي ديمقراطي، يقطع الصلة وبشكل نهائي مع الاستبداد الشرقي والصراعات المذهبية والطائفية والاثنية. وتتقاطع معها موضوعياً غالبية القوى الكردية. فهذه القوى مجتمعة هي الأكثر تفهماً لواقع العصر، وتدرك بعمق الانعطاف التاريخي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وهي الوحيدة القادرة على حل مشكلة الاحتلال بأقل الخسائر.
لو أن العراقيين لم ينزلقوا إلى الصراع الطائفي في ظل الاحتلال، ولو لم يلتجئ حزب البعث إلى الإرهاب في سبيل العودة إلى السلطة تحت عمامة ابن لادن، لكان العراق قد حقق إنجازا تاريخياً في التقدم والديمقراطية مستفيدة من الاحتلال نفسه.
أميل إلى الاعتقاد أن المأساة العراقية ستطول، ولأسباب وعوامل مختلفة، منها الداخلية والتي تتعلق بالبنية الفكرية والسياسية العراقية الموروثة، وبالماضي القريب والبعيد الذي يتحكم بحاضرهم، زد على ذلك أن العوامل الإقليمية التي تتعلق بدول الجوار؛ هذه الدول التي لها أجندة لا تتفق أبدأً مع مصلحة الشعب العراقي ومستقبله الديمقراطي والفدرالي،، بل لها دور ملموس في تسعير الصراع الطائفي والقومي. كما أن العامل الدولي أخذ يؤثر سلباً على الوضع العراقي نتيجة صرا عات ومصالح الدول الكبرى في الشرق الأوسط.
لكن هذه المأساة العراقية هي من المنظور التاريخي ضرورة، فكل الديمقراطيات في العالم جاءت بعد تضحيات كبيرة، وأحياناًُ كانت تضحيات مدمرة كما حدثت في ألمانيا خلال الحكم النازي والحرب العالمية الثانية، وكما حدث في جنوب أفريقيا. فالمجازر الدموية التي تجري في العراق اليوم ستوصل الشعب العراقي في المحصلة إلى قناعة بأن لا مفر من التوافق والعيش المشترك بين كل طوائفه وقومياته، وأن الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا التوافق هو بناء دولة عراقية حديثة على أسس علمانية ديمقراطية فدرالية.
إذا كان من الضروري تغير بعض بنود الدستور العراقي الجديد، فإن التعديل الذي يجب أن يكون هو إقرار فصل الدين عن الدولة، وضمان حرية الرأي والمعتقد، والخضوع الكامل لمسيرة الانتخابات الحرة النزيهة، والالتزام بصناديق الاقتراع وبنتائجها.



#صالح_بوزان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتفاضة آذار والانعطاف التاريخي
- أحداث الشيخان والمسؤولية التاريخية للمثقفين في المجتمع الكرد ...
- التطورات العالمية القسم الثاني بؤس الفلسفة الوطنية الرسمية
- التطورات العالمية
- القضية الكردية في سوريا خلال نصف قرن(رؤية نقدية)
- هل ثقافة الحوار والاختلاف ممكنة؟
- يا علماء الإسلام أنتم تبرهنون على صحة ما قاله البابا
- العلمانية والموروث الإسلامي
- شمعتان.. للشيخ معشوق الخزنوي
- مساهمة في-الحوار العربي الكردي غائب أم مغيب
- الحقيقة الكردية أقوى من الكمالية
- انتفاضة آذار الكردية وأزمة الفكر القومي العربي الكلاسيكي في ...
- يا علماء الإسلام انقذوا الإسلام بفصله عن الدولة
- القراءة الخاطئة لتصريحات السيد خدام
- لماذا كل هذا الضجيج ضد إعلان دمشق؟
- إعلان دمشق يستحق التأييد
- الفدرالية الكردستانية ضمانة للعراق الديمقراطي
- عندما تعتقل الكلمة
- الاصلاح وسيكولوجية الشعب المقهور
- دعوة لتشكيل جمعية وطنية للاضراب عن الكتابة


المزيد.....




- حلقت بشكل غريب وهوت من السماء.. فيديو يظهر آخر لحظات الطائرة ...
- من ماسة ضخمة إلى أعمال فنية.. إليك 6 اكتشافات رائعة في عام 2 ...
- بيان ختامي لوزراء خارجية دول الخليج يشيد بقرارات الحكومة الس ...
- لافروف: أحمد الشرع وصف العلاقة بين موسكو ودمشق بالقديمة والا ...
- 20 عامًا على تسونامي المحيط الهندي.. إندونيسيا تُحيي ذكرى كا ...
- من أصل إسباني أم إفريقي أم شرق أوسطي؟ كيف يعرف المقيمون الأم ...
- مستشار خامنئي: مسؤولون أتراك حذروا إيران من إثارة غضب إسرائي ...
- الحكومة المصرية تفرض قيودا على استيراد السيارات الشخصية
- -الإمبراطور الأبيض-.. الصين تكشف عن أول طلعة جوية لطائرة من ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على قياديين 2 في -حماس-


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف / الكتاب الشهري - في الذكرى الرابعة للغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري , العراق إلى أين؟ - صالح بوزان - مأساة الانعطاف العراقي