أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الغاء عقوبة الاعدام - هايل نصر - عقوبة الاعدام. ضرورة أم ثأر وانتقام















المزيد.....


عقوبة الاعدام. ضرورة أم ثأر وانتقام


هايل نصر

الحوار المتمدن-العدد: 1877 - 2007 / 4 / 6 - 11:42
المحور: الغاء عقوبة الاعدام
    


أثارت عقوبة الإعدام منذ القدم والى اليوم, بدرجات و منطلقات مختلفة ومتفاوتة, جدلا حول طبيعتها وضرورتها والحالات التي تستوجب تطبيقها. لقد كان، لبشاعة ووحشية تنفيذها, معارضة قوية من رجال الفكر والفلاسفة, قديما, أكثر بكثير من معارضتهم واستنكارهم لوجودها كعقوبة. فقد كانت العقوبات, بشتى أنواعها تتصف بالقسوة المفرطة, وتتوخى إنزال اشد أنواع الأذى والتنكيل والإيلام الجسدي والمعنوي بالمحكوم عليه. ولكل من مؤيديها ومعارضيها حججهم التي يبنون عليها أرائهم.

طبقت مختلف الحضارات , بالمعنى الواسع للكلمة, عبر التاريخ عقوبة الإعدام. وبطرق مختلفة. ففي المجتمعات البدائية, قبل نشوء الدولة حتى بمعناها البدائي, كان يسود الثأر العائلي أو الفردي, وبعد نشوء الحاضرة ثم الدولة, بدأ نوع من التنظيم للثأر "الإعدام". فقد كان يتطلب تثبيت النظام العام, السياسي والديني, التوسع في اللجوء إلى الإعدام.

في مصر الفرعونية كان التوسع في تطبيق الإعدام يتبع مراحل الاضطراب, ومراحل تثبيت وترسيخ دعائم الدولة السياسية والاجتماعية. ففي مراحل استقرار السلطة كانت تخفض عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام.

وفي بابل كانت عقوبة الإعدام تطال الجرائم الواقعة على الأشخاص وعلى الأموال. وفي تلك الحقبة بدأ لأول مرة مفهوم القصد الجرمي, يؤخذ في الاعتبار.

وفي اليونان القديمة ومنذ القرن الخامس قبل الميلاد قال Protagoras بعدمية مبدأ الثّأر لأن الجريمة حين ترتكب لا يمكن منعها "لايمكن منع ما قد تم فعله". فإذا فرضت الحاضرة Cité عقوبات فلا يجب أن يكون هدفها الانتقام. ولكن فقط حماية نفسها. فمشروعية العقوبة تأتي من كونها تعمل على منع المجرم من العودة للجريمة, وهي أداة ردع قوية للمجرمين وللمجرمين المحتملين . وحسب أرسطو كل إنسان سوي مسؤول عن أفعاله. والأفعال الفردية, الجيد منها والسيئ, لا تأخذ قيمها إلا ضمن الشروط الاجتماعية contexte . فالإنسان حيوان سياسي مدعو للعيش ضمن إطار الحاضرة. والعدالة منوط بها تامين حسن سير المبادلات بين أفراد هذه الحاضرة. ويعود للقاضي الجنائي فرض العقوبة العادلة لإصلاح ما قد أفسدته الجريمة لتعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل ارتكابها. فالقانون الإغريقي قبل تقديم تعويض مادي للحياة الإنسانية. يعرضه القاتل على أهل المقتول. ولكن, بقي الجدل عندهم حول نقطتين أساسيتين متعلقتين بجدوى الإعدام : هل يعيد إعدام القاتل الوضع إلى ما كان عليه قبل القتل, أي إعادة المقتول الى الحياة؟. أم يجب السير حسب قانون تالون talion العين بالعين والسن بالسن؟ فالعقوبة , وخاصة عقوبة الإعدام, تستجيب للالتزامين: تسوية وإصلاح الفعل ألجرمي, وحماية الحاضرة من تلك الأفعال. وهذا ما استوحاه لاحقا المشرع الروماني.

نظام عقوبة الإعدام في روما القديمة كان يميز بين المواطن الروماني وبين الأجنبي والرقيق. فيعتبر حياة المواطن الروماني غالية جدا. مما يتطلب حماية قانونية فعالة لها. وفي أحيان كثيرة كان النطق بعقوبة الإعدام يستوجب أن يكون مباشرة من قبل الشعب نفسه . في حين لم يكن لحياة الأجنبي أو الرقيق هذه القيمة. فالرقيق يعتبر كشيء أو كسلعة . أما الأجانب فكانوا في نظر الرومان إما أشخاص يخضعون للحماية, أو من رعايا الشعوب المغلوبة. وعليه فقد كانت عقوبة الإعدام استثنائية فيما يتعلق بالرومان أنفسهم. وقد منع القانون في حالة القتل ثأر عائلة المقتول من عائلة القاتل. الشيء الذي يدل على نضوج مفهوم المسؤولية الفردية وفصلها عن المسؤولية الجماعية. فالجاني وحده مسؤول عن جنايته.

وقد وضع سيسرون Cicéron ثمانية أنواع من العقوبات و للقضاة النظر في تطبيقها : عقوبة الإعدام. الجلد. التشويه بترك اثأر على الجسد لا تمحى. التحويل إلى رقيق. السجن. العزل. عقوبات مالية. عقوبة العار. وقد أخذ بهذه القائمة للعقوبات خلال القرون التي تلت. وبعد قيام الإمبراطورية عرفت عقوبة الإعدام توسعا طال حتى المواطنين الرومان أنفسهم.

أما طرق تطبيق عقوبة الإعدام فقد كانت متعددة ومختلفة في درجة وحشيتها وبشاعتها. فالمدان بالخيانة العظمى يجبر على رمي نفسه من أعلي صخرة تاربيان Tarpéienne الواقعة في روما. وجريمة قتل الوالدين يعاقب عليها بعقوبة شديدة البشاعة. حيث يجلد القاتل حتى الإدماء, و يوضع بعدها في كيس من الجلد مع أربعة حيوانات: قرد: وكلب, وديك, وأفعى. ويربط عليهم ويرمى الكيس بمحتوياته في البحر. وفي الحالات العادية المعاقب عليها بالإعدام تنفذ العقوبة بحد بالسيف, وخاصة فيما يتعلق بالمواطنين الرومان . كما كان يعاقب على الإساءة للرئيس الأول بتقطيع المحكوم بربطه بين4 أحصنة لتجري به باتجاهات متعاكسة وتمزق جسده.

في بداية العهد الإمبراطوري كانت عقوبة الإعدام تنفذ برمي المحكوم عليه إلى الحيوانات المفترسة في ساحة عامة أمام المشاهدين. وغالبية المحكومين بهذه العقوبة كانوا من معتنقي المسيحية الأوائل , وفي أواخر عهد الإمبراطورية تم إلغاء هذه الطريقة وكذلك الإعدام بالصلب. ولكنها بقيت تطبق على العبيد. اما المواطن الروماني معتنق المسيحية فتنفذ عقوبة إعدامه بقطع الرأس بحد السيف, كنوع من الامتياز.

في عهد الإمبراطورية المسيحية لم ينته التنكيل بالمحكوم عليهم بالإعدام, وإنما بالعكس زادت بشاعته. فقد نص قانون تيودسيان code de Théodosien ــ الذي جمع الدساتير الإمبراطورية الصادرة منذ عهد قسطنطين ــ على أنواع من التنكيل غير مسبوقة منها حرق الفارين من الجيش أحياء, وكذلك مزوري النقود, والشاذين جنسيا, ومرتكبي جرائم الاغتصاب. وعقوبة صب الرصاص المذوب في فم المدان. وقد كرست القوانين البيزنطية في القرون اللاحقة هذا النوع من العقوبات التنكيلية. وبقيت في التطبيق زمن طويلا في روسيا.

في النظام الأوروبي القديم, أي النظام السابق على الثورة الفرنسية، والذي كان مبنيا في غالبيته على القيم المسيحية, بقي الملوك يعتبرون وكلاء او ممثلي الله على الأرض, و كان النظام القضائي "الدنيوي" يطبق القانون المقدس حسب تفسير الكنيسة له. وبعد القرن الثامن عشر ظهر القانون الطبيعي الذي يعتبر الطبيعة نفسها مخلوقة, ومنظمة من قبل الله. ومن حيث القيمة فان القانون الإلهي والقانون الطبيعي, متعادلان. مع التأشير إلى أن القانون الجنائي كان مطبوعا, أكثر من غيره من فروع القانون الأخرى, بالطابع المسيحي. وقد اظهر هذا القانون تحفظات عديدة بشان عقوبة الإعدام .

بعد القرن السابع عشر عرفت أوروبا ما يشبه الثورة القانونية جعلت من القانون الروماني الإمبراطوري , مجموعة جوستينيان Justinien , قانونا عاما في أوروبا اللاتينية, ليندمج فيه, في القرن الثامن عشر, مكون جديد هو القانون الروماني ـ الكنسي. ومنه أخذت عقوبة الإعدام مبرراتها النظرية : المنفعة العامة, و الجزاء الرادع. وكان اللاهوتيون ينظرون إلى هذه العقوبة على أنها استثناء. ويريدون من القضاة أن لا يتعسفوا بالنطق بها.

وقد توسع الحكم بالإعدام في القرن السابع عشر بشكل كبير ليعود وينحسر في أواسط القرن الثامن عشر. ومع ذلك فان القول بان عقوبة الإعدام استثناء كان لا يعني إلا الأحرار فقط أما الذين لا تنبطق عليهم هذه الصفة فتبقى العقوبة بحقهم على ما هي عليه.
وقد بدأ التشجيع على دفع التعويض المالي "دية في لغة اليوم". ويعتبر ذلك واجب على القاتل تجاه أهل الضحية وهؤلاء ملزمون بقبولها. وقد حددت القوانين الجرمانية , مثلما فعل قانون France-Saliens قيمة التعويض الذي يختلف باختلاف أصل وجنسية الضحية, إذا كان مواطنا رومانيا, أو شخصا حرا أو من العبيد أو أجنبي. فلكل صنف قيمة وتسعيرة خاصة به.

كان سان توماس داكين Saint Thomas d’Aquin يعتبر أن " الخطيئة وتهديد النظام العام يبرران عقوبة الإعدام" أما طائفة فودواز Secte de Vaudois XII فكانت تقول بان وصايا الله تأمر بعدم القتل : "يجب أن لا تقتل" وتعتبر إن الثأر ليس من اختصاص الإنسان وإنما الله وحده هو المختص به.

ومع اتساع تأثير ونفوذ القيم الدينية المسيحية أصبحت عقوبة الإعدام تطال, بشكل خاص, كل من يتجرأ على الإساءة للقوانين الدينية , أو يتهم بالاستهتار بها, أو عدم تطبيق و احترام تعاليمها. وكان تنفيذ العقوبة يتم بوحشية تفوق تلك المطبقة على المجرمين من مرتكبي الجرائم المروعة. ونورد هنا كمثال الحكم الذي أصدره قضاة محكمة ابيفيل Présidial Abbeville وأيدته محكمة باريس Parlement de Paris في 1/7/ 1766 على شاب في التاسعة عشر من عمره ويقضي, بعد تعليق تهم الكفر والإساءة للدين على صدره, بقطع لسانه ثم فصل رأسه عن جسده وإلقاء الرأس والجسد في محرقة مستعرة.

وقد لعبت محاكم التفتيش منذ القرن 18 دورا مرعبا في حياة المواطنين الذين كانوا يعتبرونها "أماكن الاضطهاد" ورمزا للشراسة والعنف في المجال الجزائي في النظام الأوروبي القديم. فكانت صلاحياتها مطلقة وتدخلاتها واسعة إلى ابعد الحدود.

ومع فلاسفة النور Philosophie des Lumières بدأ النظر إلى عقوبة الإعدام بمنظار آخر وكثر التساؤل حول ضرورتها, وطرق تطبيقها.

فقد ربطها لوك بالقانون الطبيعي معتبرا انه في حالة الطبيعة كل شخص له سلطة قتل القاتل. ومن يعمل على سفح دم غيره فانه يسفح دمه هو أيضا. وحسب القانون الأساسي للطبيعة يجب حماية الإنسانية بكل الوسائل الممكنة. وإذا كان من غير الممكن حماية الكل فيجب أن تكون الأفضلية لحماية الأبرياء. Deux traités sur le gouvernement civil, II, 11 ).

وقد أدرج منتسكيو, محتذيا بلوك, عقوبة الإعدام بالقانون الطبيعي, " الكائن العاقل الذي يسبب لكائن عاقل آخر ألما حري به أن يتذوق نفس الألم". (روح القوانين. 1,3). هذه العقوبة تعود إلى طبيعة الأشياء في الخير والشر. فالمواطن يستحق الموت إذا انتزع حياة غيره أو حاول انتزاعها. العقوبة كالدواء للمجتمع المريض. (المرجع السابق XII , 4 ). ولكنه كان ضد تطبيقها على الجرائم البسيطة المتعلقة بالأموال.

كما أن جان جاك روسو لم يكن ضد عقوبة الإعدام كعقوبة, وإنما ضد طرق تطبيقها المرفق بالتعذيب والتنكيل. وكذلك فولتير كان يطالب بتطبيقها طبقا للقانون. أما رجل القانون Servan فقد كان يطالب بتضييق مجال تطبيق عقوبة الإعدام لتصبح عقوبة استثنائية. وقد تبنى لذلك لاحقا ديدوروت Diderot و دالمبار d’Alembert

مع ظهور كتاب بيكارا des délits et des peines عام 1776 ظهر تعريف جديد للعقوبة : " هدف العقوبات ليس إلا منع المجرم من أحداث أضرار جديدة, ومنع مرتكبي الأفعال الإجرامية إعادة ارتكاب أفعال مشابهة". وعليه يجب اختيار العقوبات التي تحدث ضغطا فعالا ودائم على أذهان الناس ولكن أقل قسوة على جسد المجرم (المرجع المشار إليه XII ). مضيفا أن تاريخ القرون العشرين الماضية يبرهن على أن الخوف من عقوبة الإعدام لم تمنع المجرمين من تحدي المجتمع وارتكاب الفظاعات. وعليه فان عقوبة الإعدام نفسها ليست بالنسبة للمجتمع إلا فظاعة أخرى إضافية.

وقد شجعت أفكار بيكار على قيام تيار قوي مطالب بإلغاء عقوبة الإعدام. ففي عام 1786 الغي ليوبولد الثاني Léopold II عقوبة الإعدام والتعذيب في توسكان Toscane ولأول مرة في التاريخ. وفي عام 1787 الغي جوزيف الثاني هذه العقوبة في النمسا. وألغتها العديد من الدول الأوربية في السنوات التي تلت ذلك كما عملت على إلغاء التعذيب.

الثورة الفرنسية
حسب المجلس التأسيسي للثورة الفرنسية لعام 1789 ليست العقوبة انتقام عام ولا تعويض. وإنما مجرد إجراء من النظام الاجتماعي. ويجب أن تكون مفيدة, أي واقية, ورادعة, وعامة .

وفيما يتعلق بعقوبة الإعدام فقد تم اخذ حجج بيكارا من قبل عدد من الممثلين الفرنسيين في الجمعية التأسيسية لإلغائها, وطوروا تلك الحجج. و نذكر منهم بشكل خاص روبيسبيير Robespierre ديبور Duport و بتيون Pétion . ولكن الغالبية في الجمعية المذكورة لم تقتنع بحججهم. وعليه فقد احتفظ القانون الجزائي الفرنسي لعام 1791 بعقوبة الإعدام. ولكنه عرفها تعريفا دقيقا مشترطا أن لا يرافق تنفيذها أي تعذيب للمحكوم عليه بها. تنفذ بقطع رأس المحكوم بالإعدام ( code de 1791,I,1,3 . وهي الطريقة التي كانت تطبق على النبلاء وحدهم كمحاباة). ومع القانون الجزائي لعام ,1810 قانون نابليون, الذي تميز بتشدده فيما يتعلق بالدفاع عن النظام العام والنظام السياسي. فان مجال تطبيق عقوبة الإعدام توسع اكثر مما كان عليه في قانون عام 1791 ( 36 حالة مقابل 32 حالة في قانون 1791).

ولا يتسع المجال هنا لمتابعة التطورات التي عرفتها عقوبة الإعدام ومكانها في القوانين الجزائية المتعاقبة في الدول الأوربية وغيرها من الدول التي مازالت تعتمدها, وتلك التي ألغتها وإنما الإشارة إلى بعض النقاشات حولها والتي كانت تدور بشكل أساسي حول: شرعيتها. فائدتها.

الاتفاقات الدولية
في 10/12/1948 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نصت مادته الثالثة على المبدأ القائل بحق كل إنسان بالحياة والحرية والأمن لشخصه. ونصت المادة 5 على تحريم خضوع الإنسان للتعذيب أو العقوبات الأليمة او أي نوع من المعالات غير الإنسانية أو المهينة. ولم تلغ عقوبة الإعدام كعقوبة وإنما بعض طرق تنفيذها.

الاتفاقيات الأوروبية لحقوق الإنسان الموقعة في 4/11/1950 اعترفت للدولة باستعمال عقوبة الإعدام
"حق كل شخص بالحياة يكفله القانون. لا يجوز إنزال الموت بأحد الا في حالة تنفيذ حكم بالإعدام صادر عن محكمة.

وقد جاء البرتوكول السادس لهذه الاتفاقية عام 1983 ليعلن " عقوبة الإعدام ملغاة. لا احد يعاقب بهذه العقوبة ولا بتنفيذها". و أصبحت أوروبا بعده( باستثناء صربيا و البوسنة ) القارة الوحيدة التي لا وجود فيها لعقوبة الإعدام.

ويوجد اليوم 109 دول أعضاء في الأمم المتحدة أعلنت إلغاء عقوبة الإعدام في تشريعاتها الداخلية . وأبقت 68 دولة في عقوبة الإعدام في تشريعاتها, مع تطبيق ضيق لها .

وتسعى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة للدعوة الدائمة للدول التي لم تلغ عقوبة الإعدام إلى وقف تنفيذه عمليات الإعدام. كما تقوم بحملة لوقف إعدام الأطفال.

ومن أكثر الدول تطبيقا لعقوبة الإعدام الصين, فقد نفذت, عام 1999 ,1263 حكما . وفي عام 2000 نفذت الولايات المتحدة الأمريكية 85 حكما بالإعدام. و بين شهر كانون ثاني/جانفي و حزيران/جوان 2001 نفذت 34 حكما.

ومن المفيد هنا الإشارة إلى الدول التي ألغت عقوبة الإعدام, وتاريخ هذا الإلغاء. حيث إن الطليعة في ذلك لم تكن أوروبا, أو الدول التي تدعي الحضارة لنفسها دون غيرها:

الدولة تاريخ الإلغاء

فنزويلا 1863
البرتغال 1867
هولندا 1870
النرويج 1905
أكوادور 1906
أورغواي 1907
كولومبيا 1910
السويد 1921
سويسرا 1942
فرنسا 1981
المملكة المتحدة 1998



ولا يتسع المجال هنا لمتابعة التطورات التي عرفتها عقوبة الإعدام ومكانها في القوانين الجزائية المتعاقبة في الدول الأوربية وغيرها من الدول التي مازالت تعتمدها, وتلك التي ألغتها وإنما الإشارة إلى بعض النقاشات حولها كانت تدور بشكل أساسي حول: شرعيتها. فائدتها.

والواقع ان الجدل حول عقوبة الإعدام منذ القدم والى اليوم لم يتعدى التساؤلات حول طبيعة العقوبة وحول جدوها والفائدة منها . فهل يجب قتل القاتل ؟ وهل موت المجرم يحمي المجتمع منه ويردع كل المجرمين المحتملين من ارتكاب الجرائم؟.لقد تفاوتت الردود على ذلك كما رأينا أعلاه . فغالبية فلاسفة القرن الثامن عشر أدانت طرق تطبيق العقوبة , ورجال القانون والمشرعون كانوا يرون ضرورة بقائها. ويؤكدون على فائدة تطبيقها على الأقل في حالات محددة. وقد استمرت في كل التشريعات الأوربية طيلة القرن التاسع عشر, وفي غالبية تشريعات هذه الدول طيلة القرن و حتى نهاية القرن العشرين. و يوازي ذلك, وعبر التاريخ, نشاطات تيار أنصار إلغاء هذه العقوبة بتطوير حججهم, ومن أشهرها تلك التي قال بها بيكارا. وقد كانت, وما زالت, حجج المعارضين لعقوبة الإعدام تقوم على أنها:

ـ لايمكن إصلاحها في حالة الخطأ القضائي . فالخطأ إنساني, غير معصوم منه حتى القضاء, مهما بلغ من درجات الكفاءة. ومهما كانت الإجراءات المتخذة, وخاصة في القضاء الجزائي مع وجود لجان المحلفين. وما أكثر الأحكام, حتى في درجاتها النهائية, المشوبة بالخطأ. فالإصلاحات القضائية, ومشاريع الإصلاحات, مستمرة في الدول الديمقراطية ــ وحدها بطبيعة الحال ــ وهذا اعتراف بعدم وجود نظام قضائي يحوز درجة الكمال. مضاف إليه عدم توفر الحرية الكاملة في العديد من الحالات لحق الدفاع, وكفاءة الدفاع نفسه. ويمكن إصلاح بعض أخطاء القضاء الواقعة على الأموال أو الحريات. ولكن لا يمكن إعادة الحياة لبريء تم إعدامه. وما أكثر الأمثلة, المعروف منها, على ذلك في تاريخ القضاء قديما وحديثا. من حيث الشرعية يعتبر البعض إن المجتمع لم يمنح الحياة للإنسان وبالتالي ليس من حقه انتزاعها.

ـ لا تتلاءم مع ما وصلت إليه الإنسانية في القرن الواحد والعشرين من قيم ومفاهيم. وما توصلت إليه العلوم الجنائية والقانونية من تطور, وإيجاد البدائل العصرية للحفاظ على المجتمعات والنظام العام. حيث لم يعد مقبولا تطبيق عقوبة المماثلة, قانون تالون loi talion ", العين بالعين والسن بالسن" الذي يصدم المشاعر ويحط من الكرامة الإنسانية.

ــ ولا تتلاءم مع الهدف من العقوبة. فالعقوبة ليست هدفا بحد ذاتها. كما أن المجرم, بعد إنهائه لعقوبته, يعود إلى المجتمع إنسانا سويا في الغالبية المطلقة من الحالات. وفي المجتمعات الحديثة أخذت تسود قيم العفو والتسامح, التي أصبحت سمة واسعة الانتشار.

ـ لا تمنع وقوع الجرائم. فلم تتراجع هذه الأخيرة نتيجة الخوف من الإعدام. فمعدل الجريمة في الدول التي قامت بإلغائها لم يرتفع نتيجة لذلك. وعليه فان عقوبة الإعدام لا تعتبر عقوبة رادعة كما يتردد. والخوف من عودة المجرم لجرائمه في حالة عدم إعدامه وإقصائه نهائيا عن المجتمع, يرد عليه بوجود عقوبات أخرى مانعة للحرية كالسجن المؤبد وتطبيق ذلك بطريقة فعالة. ففي الولايات المتحدة الأمريكية حيث تطبق عقوبة الإعدام كما أشرنا فان عدد الجرائم المرتكبة يفوق بكثير عدد الجرائم في البلدان التي لا تطبق عقوبة الإعدام, وخاصة في أوروبا الغربية. وفي كندا وبعد إلغاء عقوبة الإعدام فان معدل الجريمة مستمر في الانخفاض. وبالتالي يصبح القول بإبقاء هذه العقوبة الرادعة غير مؤسس .

ولعل تصريح رئيس وزراء ايطاليا في 14 سبتمبر/أيلول 2000 في معرض تعليقه على عملية إعدام في ولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية " عقوبة الإعدام تثير الاشمئزاز , وخاصة إذا أدانت بريئا, ولكنها تظل مجحفة عندما تقع على شخص غير بريء". يبقى تصريحا مخففا "بعبارات دبلوماسية" لا يتناسب, مع صحته, مع وحشية العقوبة وتطبيقها, وضرورة التشدد في المطالبة بإلغائها.

الغالبية المطلقة من الفلاسفة, والأدباء, والعلماء. ورجال الدين, ورجال القانون, والعديد من السياسيين الذين ساهموا, ويساهمون في التعبير عن أرائهم, اثبتوا أنهم من أنصار إلغاء عقوبة الإعدام. في حين أن أراء المتخصصين في القانون الجزائي والعلوم الجنائية تتبع انتمائهم إلى هذه النظرية أو تلك من نظريات السياسة الجنائية .( روجيه ميرال واندريه فيتي Roger Merle, André Vitu, Traité de droit criminel, p. 511.

أما فيما يخص وطننا العربي فان النقاش الجدي لم يبدأ بعد عند المثقفين والمفكرين ورجال القانون في طرح مسالة إلغاء عقوبة الإعدام من تشريعاتنا, ومنع تطبيقها. وليس هناك أمل في أن تكون هذه قضية من اهتمامات الأنظمة السياسية التي لا تقيم أي اعتبار لحياة الإنسان وحرياته وكرامته. وبالعكس فهي تقوم بالإعدامات والتصفيات الجماعية لمعتقلي الرأي دون محاكمة, أو بمحاكمات غير عادلة.

فهناك ارث إنساني في هذا المجال أمام مثقفينا وكل المطالبين بعدالة تقوم على روح العصر ينير طريقهم, واتفاقات دولية تسند مطالبهم , ومنظمات عالمية تدفع معهم في هذا الاتجاه. فما مبرر التردد؟ د. هايل نصر.



#هايل_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في العدالة
- الانتخابات الفرنسية.الفرنسيون من أصول مغاربية وانعدام الوزن
- أنت, انتم, لغة الجمع, وانتهاك حقوق الإنسان
- المواطن العربي. اضطهاد في الداخل, ومتابعة في الخارج
- الخوري بيير l’Abbé Pierre . دين وعلمانية
- المواطن العربي, ما قبل المواطنية
- في مفهوم الحريات والحقوق الأساسية
- في العلاقة بين الديمقراطية والمواطنية
- قضاة يقاضون قضاءهم فرنسا
- محامي الشيطان. مبالغة لفظية, أم إلزام مهني؟
- في معنى المواطنية
- حول علم السياسة
- اضافات عربية على الديمقراطية
- هجرة. التفاف على الوعود, وتسوية هزيلة
- هجرة ولتذهب القيم للجحيم!!!
- المنطقة العربية . منطقة تصد وممانعة للديمقراطية
- محامو تولوز. اخلاق مهنية عالية
- وهم أيضا من دعاة حقوق الإنسان !!!
- وهم أيضا دعاة حقوق إنسان !!!
- مثقفون ولكن ...


المزيد.....




- خيام غارقة ومعاناة بلا نهاية.. القصف والمطر يلاحقان النازحين ...
- عراقجي يصل لشبونة للمشاركة في منتدى تحالف الامم المتحدة للحض ...
- -رد إسرائيل يجب أن يتوافق مع سلوكيات المحكمة الجنائية الدولي ...
- مياه البحر تجرف خيام النازحين في منطقة المواصي غرب خان يونس ...
- مصرع عشرات المهاجرين بانقلاب قواربهم قبالة اليونان ومدغشقر
- الجنائية الدولية تطالب الدول الأعضاء بالتعاون لاعتقال نتنياه ...
- رايتس ووتش: تواطؤ أميركي بجريمة حرب إسرائيلية في لبنان
- الشتاء يهدد خيام النازحين في غزة بالغرق بمياه الصرف الصحي
- اعتقالات واسعة بالضفة وكتيبة طولكرم تهاجم تجمعات لقوات الاحت ...
- المحكمة الدولية: على الدول التعاون بشأن مذكرتي اعتقال نتنياه ...


المزيد.....

- نحو – إعدام! - عقوبة الإعدام / رزكار عقراوي
- حول مطلب إلغاء عقوبة الإعدام في المغرب ورغبة الدولة المغربية ... / محمد الحنفي
- الإعدام جريمة باسم العدالة / عصام سباط
- عقوبة الإعدام في التشريع (التجربة الأردنية) / محمد الطراونة
- عقوبة الإعدام بين الإبقاء و الإلغاء وفقاً لأحكام القانون الد ... / أيمن سلامة
- عقوبة الإعدام والحق في الحياة / أيمن عقيل
- عقوبة الإعدام في الجزائر: الواقع وإستراتيجية الإلغاء -دراسة ... / زبير فاضل
- عقوبة الإعدام في تونس (بين الإبقاء والإلغاء) / رابح الخرايفي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الغاء عقوبة الاعدام - هايل نصر - عقوبة الاعدام. ضرورة أم ثأر وانتقام